اسمه ونسبه ومولده هو الشّيخ أبو العبّاس أحمد بن عبد الحليم، ولد سنة إحدى وستّين وستٍّ من الهجرة في بلدة حرّان الّتي تقع في جزيرة الشّام بين الخابور والفرات، وتُعرف أسرته بأسرة ابن تيميّة، وكان سبب تلقيب العائلة بآل (تيمية) ما نقله ابن عبد الهادي رحمه الله أنّ جدّه محمّداً كانت أمّه تُسمّى (تيمية)، وكانت واعظةً، فنسب إليها، وعرّف بها، وقيل أيضاً إنّ جدّه محمّد بن الخضر حجّ على درب تيماء، فرأى هناك طفلة، فلمّا رجع وجد امرأته قد ولدت بنتاً له فقال: يا تيمية، يا تيمية، فلُقّب بذلك. نشأته عاش شيخ الإسلام في مسقط رأسه إلى أن أتمّ السابعة في سنة 667هـ؛ حيث بدأت التّهديدات المغوليّة على تلك المناطق والفظائع الّتي ارتكبتها تلك الجيوش بالظّهور بشكلٍ ألزم العديد من الأهالي بالنّزوح إلى مناطق أكثر أمناً، فهاجرت أسرته حاملةً متاعها إلى دمشق، ولم يفارقها إلى أن توفّى. وعُرف ابن تيميّة واشتهر في صغره بعدّة أمور أهمّها: سمع مسند الإمام أحمد بن حنبل عدّة مرّات، وسمع الكتب الستة الكبار والأجزاء، ومن مسموعاته معجم الطّبراني الكبير. عني بالحديث وقرأ ونسخ تعلّم الخطّ والحساب في المكتب. حفظ القرآن أقبل على الفقه قرأ العربيّة على ابن عبد القوي، ثمّ فهمها أخذ يتأمّل كتاب سيبويه حتّى فهم النحو أقبل على التّفسير إقبالاً كليّاً، حتّى حاز فيه قصب السّبق أحكم أصول الفقه وغير ذلك، وكان هذا كلّه وهو لم يبلغ بعد بضع عشرة سنة انبهر أهل دمشق من فُرط ذكائه، وسيلان ذهنه، وقوّة حافظته، وسرعة إدراكه كان سريع الحفظ، وقليل النّسيان؛ فلم يكن يقف على شيء أو يستمع لشيء - غالباً - إلّا ويبقى على خاطره، إمّا بلفظه أو معناه، وكان العلم كأنّه قد اختلط بلحمه ودمه وسائره. علمه بدأ ابن تيمية بطلب العلم أولاً على أبيه وعلماء دمشق، فحفظ القرآن وهو صغير، ودرس الحديث والفقه والأصول والتّفسير، وعُرف بالذّكاء وقوّة الحفظ والنّجابة منذ صغره، وبعد ذلك توسَّع في دراسة العلوم وتبحّر فيها، واجتمعت فيه صفات المجتهد وشروط الاجتهاد منذ شبابه، فلم يلبث أن صار إمامًا يعترف له الجهابذة بالعلم والفضل والإمامة، قبل بلوغ الثّلاثين من عمره. لم يترك الشّيخ مجالاً من مجالات العلم والمعرفة الّتي تنفع الأمّة، وتخدم الإسلام إلّا وكتب فيه، وتلك خصلة قلَّما نجدها إلّا عند العباقرة النّوادر في التّاريخ، شهد له أقرانه وأساتذته وتلاميذه وخصومه بسعة الاطّلاع، وغزارة العلم؛ فإذا تكلّم في علمٍ من العلوم أو فنٍّ من الفنون ظنَّ السّامع أنّه لا يتقن غيره؛ وذلك لإحكامه له وتبحّره فيه. وإنّ المطّلع على مؤلّفاته وإنتاجه، والعارف بما كان يعمله في حياته من الجهاد باليد واللسان، والذبِّ عن الدين، والعبادة والذّكر، ليعجب كلّ العجب من بركة وقته، وقوّة تحمّله وجلده، فسبحان من منحه تلك المواهب. مؤلّفاته في العقيدة الرّسالة التدمريّة العقيدة الواسطيّة رسالة مراتب الإدارة الإيمان الكبير: تكلّم فيه ابن تيمية عن مسائل الإيمان الإيمان الأوسط الاستقامة بيان موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول السبعينيّة لابن تيمية، وله اسم آخر هو : (بغية المرتاد في الردّ على المتفلسفة والقرامطة والباطنيّة أهل الإلحاد من القائلين بالحلول والاتّحاد) يردّ فيه على ابن سبعين أحد أعلام الصوفيّة وأمثاله من الفلاسفة القائلين بالجمع بين الفلسفة والشريعة، ويحتوي الكتاب على حكاية مذاهب الفلاسفة المنتسبين إلى الإسلام، والمقارنة بينها ومناقشتها والردّ عليها. الجواب الصحيح فيمن بدل دين المسيح معتقدات أهل الضلال معارج الوصول السؤال عن العرش بيان الفرقة الناجية درء تعارض العقل والنّقل: وهو كتاب من أشهر كتب ابن تيمية في مناقشة الفلاسفة وأهل الكلام، وقد ألّفه في الردّ على القانون الكلّي لفخر الدّين الرازي اقتضاء الصّراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان رسالة في علم الباطن والظاهر قاعدة جليلة في التوسّل والوسيلة الفتوى الحمويّة الاحتجاج بالقدر بيان الهدى من الضّلال العبوديّة السياسة الشرعيّة لإصلاح الرّاعي والرعيّة الصارم المسلول لشاتم الرّسول منهاج السنّة النبويّة بيان تلبيس الجهميّة: وهو كتاب لابن تيمية في الرد على الفلاسفة وأهل الكلام وكافة الطّوائف المنتسبة للإسلام المخالفة للسلفيّة ومناقشة مذاهبهم والمقارنة بينها، وهو من أعظم كتب ابن تيمية وأوسعها، وقد ناقش فيه الكثير من علماء الكلام والفلاسفة إبطال قول الفلاسفة بإثبات الجواهر العقليّة. في الفتاوى جمعها عبد الرّحمن بن قاسم وتقع في (37) مجلّداً، وهي: شرح حديث النزول نقض المنطق الرد على المنطقيين: كتاب لابن تيمية في ردّ المنطق الأرسطي وبيان أنّه ليس ضروريّاً ولا كليّاً رفع الملام عن الأئمّة الأعلام يدافع فيها على المذاهب الأربعة الواسطة بين الحقّ والخلق فتوى ابن تيمية عن كتاب فصوص الحكم الوصيّة الصغرى مؤلّفاته في التّفسير تفسير المعوذتين رسالة في منهاج التّفسير وكيف يكون كيفيّة الخلاص في تفسير سورة الإخلاص جواب أهل العلم والإيمان بتحقيق ما أخبر به رسول الرّحمن من أنّ {قل هو الله أحد} تعدل ثلث القرآن في الفقه الأمر بالمعروف العقود المظالم المشتركة رسالة القياس القواعد رسالة الحسبة حقيقة الصيام النّهي عن المنكر شيوخه وتلاميذه هناك عدّة تلاميذ تتلمذوا على يديه، من بينهم: محمّد بن عبد الهادي المقدسي شمس الدّين ابن قيّم الجوزية أبو عبد الله محمد الذّهبي صاحب إسماعيل بن عمر بن كثير أبو العباس أحمد بن الحسن الفارسي المشهور بقاضي الجبل زين الدّين عمر الشهير بابن الوردي أمّا شيوخه الّذين تتلمذ على أيديهم، فهم: جده الشيخ المجد ابن تيمية الشيخ زين الدين ابن المنجا مجد الدين ابن عساكر وفاته تُوفِّي الشّيخ ابن تيمية (رحمه الله) وهو مسجون بسجن القلعة بدمشق ليلة الاثنين 20 من شهر ذي القعدة سنةَ 728هـ، فهبَّ كلّ أهل دمشق ومن حولها للصّلاة عليه وتشييع جنازته. وقد أجمعت المصادر الّتي ذكرت وفاته أنّه حضر جنازته جمهور كبير جدًّا يفوق الوصف. رحمه الله رحمةً واسعة، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.