إن المسلم المعاصر يحيا في الغربة الثانية للدين والتي أخبرنا بها سيد الأنبياء والمرسلين صلوات الله وتسليما ته عليهم أجمعين حيث قال بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء قالوا : ومن هم يا رسول الله ؟ قال : الذين يصلحون إذا فسد الناس ) .
رواه مسلم والترمذي وابن ماجة و أبوداود والإمام أحمد في مسنده
وقد تكاثرت الفتن وتعاظمت ، أحاطت بكل شئ على وجه الأرض ، فلا تولى وجهك إلا وتقع عيناك على ضلالة أو بدعة أو إعراض حتى أصبح الحليم من أهل هذا العصر حيراناً ،فإذا أراد أن يبدأ لا يعلم من أين يبدأ ؟ ولا كيف ؟ ولا يجد من يعينه على ذلك من الأخلاء أو القرناء ، فهو وحيد ، غريب ، شريد ، طريد رماه أهل الأرض قاطبة عن قوس واحدة ، فهوغرض لنبالهم ، وهو هدف لكيدهم ومكرهم ، ولا عاصم إلا الله وحده ،
وجهل أبناءه أمرٌ واقعٌ ، كما أن كيد أعداءه أمرٌ واقعٌ .
والقرآن بين أيدينا ينادي في كل حين :
"اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ" الأنفال 24.
{اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُم مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٍ} (47) سورة الشورى
ويحدد القرآن كل من ترك هدى المرسلين ولم يقتفى آثارهم وانشغل عنهم :
"فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْأَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِهُدًى مِّنَ اللَّهِ" القصص 50 .
وهذه السلسلة المباركة بعنوان ( قواعد الملة ومقاصد الدين )
كان قد كتبها جمعها ورتبها الشيخ ( أبي الفضل عبد السلام بن محمد بن عبد الكريم)
وهي دّرر استخرجها من كتب الإمام العّلم شيخ الإسلام بن تيميه
وكنت قد بحثت عن هذا السلسلة على النت فلم أجدها ،
ونظرا ً لأهميتها وفوائدها قررت أن أكتبها وأنزلها على النت راجيا ً من الله عز وجل أن تلقى القبول وأن تكون معينا ً لكل مسلم فى الغربة التي نعيشها ( كتبتها بتصرف دون زيادة على ماهو موجود بالكتاب لكن تصرف بسيط فى اختصار ماهو موجود كى لاتكون مطولة ويسهل قرأتها )
ماالمقصود بــ : قواعد الملة ومقاصد الدين
_ هي حقائق الإسلام وقواعده العظمى ، وجوامع الملة الحنيفية ، وهي عبارة عن القواعد والفوائد العامة الكلية التي تؤصل بمجموعها لكافة علوم الدينلما تتسم به من سعة وشمولية وإحكام ، ولما لها من خصائص تميزها عما سواها من قواعد الشريعة
_ فهي جوامع الهدى والفرقان وأصول الإيمان ، وهي مفاتح دين الإسلام التي لابد لقاصد الحق منها ولاغنى اطالب الهدى عنها
_ وهي مفاتح الخير ومجامع الهدى
_ وهي فتوح ورحمات لاتفتح إلا للعلماء الربانيين ، أئمة المتقين ورثة المرسلين الذين حملوا الأمانة فأحسنوا حملها وأدوها فأحسنوا أدائها وصانوا وجه الملة وحفظوا جناب الدين ، فنفوا عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين
أهمية معرفة قواعد الملة ومقاصد الدين " فوائد معرفتها والإلمام بها "
1- تُعين هذه القواعد فى مجملها وبما ترسمه من صور عامة كلية على فهم الشريعة فهما ً كليا ً ، وضبطها ضبطا ً دقيقا ً على منهج السلف وعلى طريقة النبى صلى الله عليه وسلم
2- تشتمل هذه القواعد على تطبيقات نافعة على مسائل شتى وعلى طوائف عدة من طوائف المسلمين وعلى وقائع مختلفة مما يندرج تحتها
3- إن القارىء قد يأخذه الذهول والعجب حين يوقفه كلام شيخ الاسلام بن تيميه فى عبارات سهلة مرسلة على معنى دقيق نفيس من حقائق هذا الدين وبيناته فى آية يقرؤها هو صباح مساءفتجد أن هذه القواعد تطرح بين ايدينا الدّر الدفين والجوهر المكنون من دعائم هذا الدين ومحكماته دون عناء أو مشقة
القاعدة الأولى من قواعد الملة ومقاصد الدين
" تحقيق معنى الشريعة "
التحقيق :
أن " الشريعة " التى بعث الله بها محمدا ً صلى الله عليه وسلم جامعة لمصالح الدنيا ولآخرة ، وهذه الأشياء ماخالف الشريعة منها فهو باطل ، وماوفقها منها فهو حق
لكن قد يُغير ايضا ً لفظ الشريعة عند أكثر الناس :
فالملوك والعامة عندهم " الشرع والشريعة " اسم لحكم الحاكم
ومعلوم أن القضاء فرع من فروع الشريعة ، وإلا فالشريعة جامعة لكل ولاية وعمل فيه صلاح الدين والنيا
والشريعة إنما هي كتاب الله وسنة رسوله وماكان عليه سلف الامة فى العقائد والأحوال والأعمال والسياسات ، والولايات والعطيات
الشريعة مستعملة فى كلام الناس على ثلاثة أنحاء ( الشرع المنّزل – الشرع المؤول – الشرع المبدّل )
الشرع المنّزل :
هو الكتاب والسنة ، واتباعه واجب ، ومن خرج عنه وجب قتله ، ويدخل فيه أصول الدين وفروعه ، وسياسة الأمراء والولاة ، وحكم الحكام ، ومشيخة الشيوخ ، وغير ذلك ، فليس لأحد من الأولين والآخرين خروج عن طاعة الله ورسوله
الثاني : " الشرع المؤّول "
وهو موارد النزاع والإجتهاد بين الأمة ، فمن أخذ فيما يسوغ فيه الإجتهاد أُقر عليه ، ولم تجب على جميع الخلق موافقته إلا بحجة لامرد لها من الكتاب والسنة
الثالث : " الشرع المبدّل "
وهو ماكان من الكذب والفجور الذى يفعله المبطلون بظاهر من الشرع ، أو البدع ، أو الضلال الذى يضيفه الضالون إلى الشرع ، والله تعالى أعلى وأعلم
موقف المكلفين من الشريعة
بما ذكرته فى مسمى " الشريعة " و " الحكم الشرعى " و" العلم الشرعى " يتبين أنه ليس للإنسان أن يخرج عن الشريعة فى شىء من أموره ، بل كل مايصلح له فهو فى الشرع : من أصوله ، وفروعه ، وأحواله ، وأعماله ، وسياسته ، ومعاملته ، وغير ذلك ........... والحمد لله رب العالمين
حقيقة الشريعة
حقيقة الشريعة اتباع الرسل والدخول تحت طاعتهم ، كما أن الخروج عنها خروج عن طاعة الرسل ، وطاعة الرسل هي دين الله الذى أمر بالقتال عليه {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه } (39) سورة الأنفال
· وهذه جملة تفصيلها يطول ، غلط فيها صنفان من الناس :
صنف :
سوغوا لأنفسهم الخروج عن شريعة الله ورسوله ، لظنهم قصور الشريعة عن تمام مصالحهم جهلا ً منهم ، أو جهلا ً وهوى ، أو هوى محض
وصنف :
قّصروا فى معرفة قدر الشريعة فضيقوها حتى توهموا هم والناس أنه لايمكن العمل بها ، وأصل ذلك الجهل بمسمى الشريعة ومعرفة قدرها وسعتها
ومن العلماء والعامة من يرى
أن اسم " الشريعة و" والشرع " لايقال إلا للأعمال التي يُسمى علمها علم الفقه ويفرقون بين العقائد والشرائع أو الحقائق والشرائع فهذا الإصطلاح مخالف
القاعدة الثانية
" تحقيق معنى السنة "
السنة التى يجب اتباعها:
هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
والسنة تُذكرفى الأصول والإعتقادات وتُذكر فى الأعمال والعبادات وكلاهما يدخل فيما أخبر به وأمر به
فما أخبر به وجب تصديقه، وما أوجبه وأمر به وجبت طاعته فيه
ثم كثير من الناس يضيف إلى السنة ماأدخله بعض الناس فيها إما بالكذب وإما بالتأويل : مثل أحاديث كثيرة وضعيفة بل موضوعة ، واستدلالات بأقواله على مالايدل عليه ،
ومثل أقوال احدثها قوم انتسبوا إلى السنة فى بعض الأمور:
مثل إثبات الصفات والقدر ، فإن المنتسبين لذلك يضافون إلى السنة لأن نفاة الصفات والقدر مبتدعة
وكذلك حب الخلفاء الراشدين وموالاتهم يضاف أهله إلى السنة لأن الطاعنين فيهم أهل بدعة
ومثل الإستدلال بالنصوص على موارد النزاع فإن أهل ذلك يضافون إلى السنة لكونهم يقصدون اتباع القرآن والحديث والمخالفون لذلك الذين يردون الأخبار الصحيحة أو لايحتجون بالقرآن مبتدعون
ثم قد يقول المضافون إلى السنة اشياء ليست من السنة :
مثل أحاديث كثيرة يروونها فى فضائل بعض الصحابة وهي كذب ، ومثل نفى الحكمة والأسباب فى مسائل القدر ، ومثل كلامهم فى الأجسام والأعراض وتناهى الأحداث ، ونحو ذلك مما لم يأخذوه عن الرسول
القاعدة الثالثة
" جميع أمور الدين قد بيّنها الرسول"
رسول الله صلى الله عليه وسلم بّين جميع الدين أصوله وفروعه ، باطنه وظاهره ، علمه وعمله .
فإن هذا الأصل هو أصل العلم والإيمان ، وكل من كان أعظم اعتصاما ً بهذا الأصل كان أولى بالحق علما ً وعملا
ملحوظة :
سيتم شرح هذه القاعدة تفصيلا ً فى مبحث آخر من مباحث العقيدة بعنوان ( النبي المرسل )
القاعدة الرابعة
" لايختلف الكتاب والسنة ألبتة"
علينا أن نتبع الكتاب وعلينا أن نتبع الرسول
واتباع أحدهما هو اتباع الآخر
فإن الرسول بلّغ الكتاب
والكتاب أمر بطاعة الرسول
ولايختلف الكتاب والرسول ألبتة ، كما لايخالف الكتاب بعضه بعضا
{ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} (82) سورة النساء
القاعدة الخامسة
" موافقة العقل الصريح للنقل الصحيح "
من الأصول المتفق عليها بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان أنه لايُقبل من أحد أن يعارض القرآن : لا برأيه ولاذوقه ولامعقوله ولاقياسه ولاوجده فإنهم ثبت عنهم بالبراهين والقطعيات والآيات البينات أن الرسول جاء بالهدى ودين الحق وأن القرآن يهدى للتى هي اقوم
ومما يجب أن يعرف أن أدلة الحق لاتتناقض فلايجوز إذا اخبر الله بشىء – سواء كان الخبر إثباتا ً أو نفيا ً – أن يكون أخباره مايناقض الخبر الأول، ولايكون فيما يعقل بدون الخبر مايناقض ذلك الخبر المعقول ، فالأدلة المقتضية للعلم لا يجوز أن تتناقض
سواء كان الدليلان سمعيين أو عقليين أو كان أحدهما سمعيا ً والآخر عقليا ً
ولكن التناقض قد يكون فيما يظنه بعض الناس دليلا ً وليس بدليل
كمن يسمع خبرا فيظنه صحيحا ً لايكون كذلك ، أو يُفهم منه مالايدل عليه
أو تقوم عنده شبهه يظنها دليلا ً عقليلا ً وتكون باطلا ً التبس عليه فيها الحق بالباطل ، فيكذب بها ماأخبر الله به ورسوله .
وهذا من اسباب ضلال من ضل من مكذبي الرسل :
· إما مطلقا ً كالذين كذبوا جميع الرسل كقوم نوح وعاد وثمود ونحوهم
· وإما من آمن ببعض وكفر ببعض ، كمن آمن ن أهل الكتاب ببعض الرسل دون بعض
· ومن آمن من الفلاسفة ببعض ماجائت به الرسل دون بعض
· ومن أهل البدع من أهل الملل ( المسلمين – اليهود – النصارى )
وهؤلاء الأصناف إنما أتوا من هذا الوجه فإنه قامت عندهم شبهات ظنوا أنها تنفى ماأخبرت به الرسل ، وظنوا أن الواجب حينيئذ تقديم مارأوه على النصوص
وإذا قُيل : إن العقل يخالف النقل أخطأوا فى عدة أصول
1- أن العقل الصريح لايناقض العقل
2- أنه يوافقه
3- أن مايدّعونه من العقل المعارض ليس بصحيح
4- أن ماذكروه من المعقول المعارض هو المخالف للمعقول الصحيح
وإن الذين يستحقون العذاب هم الذين لايسمعون ولايعقلون
كما قال الله تعالى :
{وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (10) سورة الملك
{أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} (44) سورة الفرقان
{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (46) سورة الحـج
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (37) سورة ق
فقد بين القرآن أن من كان يعقل أو كان يسمع فإنه يكون ناجيا ً سعيدا ً ويكون مؤمنا ً بما جائت به الرسل
القاعدة السادسة
" الشرع مسائل خبرية ودلائل عقلية "
إن( مبنى العقل ) مبنى على صحة الفطرة وسلامتها
(ومبنى السمع ) على تصديق الأنبياء صلوات الله عليهم
ثم الأنبياء صلوات الله عليهم كملوا للناس الأمرين :
أ- فدلوهم على الأدلة العقلية التى بها تعلم المطالب التى يمكنهم علمهم بها بالنظر والإستدلال
ب- وأخبروهم مع ذلك من تفاصيل الغيب بما يعجزون عن معرفته بمجرد نظرهم واستدلاهم
وليس تعليم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مقصورا ً على مجرد الخبر كما يظنه كثير ،
بل هم بينوا البراهين العقلية والسمعية جميعا ، بخلاف الذين خالفوهم فإن تعليمهم غير مفيد للأدلة العقلية والسمعية مع مافى نفوسهم من الكبر الذى ماهم بالغيه كما قال الله تعالى :
{إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (56) سورة غافر
وقال : {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} (35) سورة غافر
وقال :
{فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون} (83) سورة غافر
والقرآن الكريم قد دل على الأدلة العقلية التى يعرف الصانع وتوحيده وصفاته ، وصدق رسله ، وبها يعرف إمكان المعاد
ففى القرآن من بيان أصول الدين التى تعلم مقدماته بالعقل الصريح مالايوجد مثله فى كلام أحد من الناس
بل عامة مايأتى به حذاق النُظار من الأدلة العقلية يأتى القرآن بخلاصتها وبما هو أحسن منها
قال تعالى :
{وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} (33) سورة الفرقان
{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} (27) سورة الزمر
{ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } (21) سورة الحشر
وأما الحجج الداحضة التى يحتج بها الملاحدة وحجج الجهمية معطلة الصفات |، وحجج الدهرية وأمثالها ، كما يوجد مثل ذلك فى كلام المتأخرين الذين يصنفون فى الكلام المبتدع وأقوال المتفلسفة يّدعون أنها عقليات – ففيها من الجهل والتناقض والفساد مالايحصيه إلا رب العباد
وكان من أهم أسباب ضلال هؤلاء
تقصير الطائفتين أو قصورهم عن معرفة ماجاء به الرسول ، وماكان عليه السلف ومعرفة المعقول الصريح
فإن هذا هو الكتاب وهذا هو الميزان وقد قال الله تعالى
{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} (25) سورة الحديد
القاعدة السابعة
" ليس على الرسل بيان وجه المصلحة والمفسدة "
الواجب على الخلق اتباع الكتاب والسنة ، وإن لم يدركوا مافى ذلك من المصلحة والمفسدة
وليس على المؤمن ولا له أن يطالب الرسل بتبيين وجوه المفاسد وإنما عليه طاعتهم
قال تعالى
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ } (64) سورة النساء
{مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ } (80) سورة النساء
القاعدة الثامنة
" يجب التمييز ماجاء من عند الله عن كل ماسواه "
فمن أصول الإسلام أن تميز مابعث الله به محمد صلى الله عليه وسلم من الكتاب والحكمة ولاتخلطه بغيره ولاتلبس الحق بالباطل كفعل أهل الكتاب ، فإن الله سبحانه وتعالى أكمل لنا الدين ، وأتم علينا النعمة ، ورضى لنا الإسلام دينا
· وجماع ذلك بحفظ أصلين :
ألأول :
تحقيق ماجاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، فلايُخلط بما ليس منه من المنقولات الضعيفة والتفسيرات الباطلة ، بل يعطى حقه من معرفة نقله ودلالته
الثانى :
ألا يعارض ذلك بالشبهات لا رأيا ً ولا رواية
قال الله تعالى يأمر به بنى إسرائيل – وهو عبرة لنا - :
{وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ
· وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} (41- 42 ) سورة البقرة
فلا يُكتم الحق الذى جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا يُلبس بغيره من الباطل ، ولا يُعارض بغيره
القاعدة التاسعة
" العبادات مبناها التوقيف "
والعبادات مبناها على التوقيف والإتباع ، لا على الهوى والإبتداع
ففى الصحيحين عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
" من أحدث فى أمرنا ماليس منه فهو رد "
وفى لفظ فى الصحيح " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد "
وفى الصحيحين عن عمر بن الخطاب أنه قبل الحجر الأسود وقال :
" والله إنى لأعلم أنك حجر لاتضر ولاتنفع ولولا أنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك لما قبلتك "
القاعدة العاشرة
" وجوب اتباع الدليل "
لايجوز أن يكون الشىء واجبا ً أو مستحبا ً إلا بدليل شرعي يقتضى إيجابه أو استحبابه ،
فإن العلم ماقام عليه الدليل ، والنافع منه ماجاء به الرسول
فالشأن فى أن نقول علما ً :
هو النقل المصدّق والبحث المحقّق ، فإن ماسوى ذلك وإن زخرف مثله بعض الناس خزف مُزوق وإلا فباطل مطلق
وكما أن الإنسان لايجوز له أن يثبت شيئا ً إلا بعلم فلايجوز له أن ينفى شيئا ً إلا بعلم ،
ولهذا كان النافى عليه الدليل كما أن المثبت عليه الدليل
شرطا الدليل :
1- صحة الثبوت
2- صحة الدلالة
الشرط الأول صحة الثبوت
الواجب أن يفرق بين الحديث الصحيح والحديث الكذب فإن السنة هى الحق دون الباطل ، وهى الأحاديث الصحيحة دون الموضوعة ، فهذا أصل عظيم لأهل الإسلام عموما ً ولمن يدعى السنة خصوصا ً
وإلا فمجرد قول القائل " رواه فلان " لايحتج به ، وليس فى المسلمين من يحتج بكل حديث رواه كل مصنف ، فكل حديث يحتج به نطالبه فى أول مقام بصحته
الشرط الثاني صحة الدلالة
ثم إذا ميز العالم بين ماقاله الرسول صلى الله عليه وسلم وبين مالم يقله فإنه يحتاج أن يفهم مراده ، ويفقه ماقاله ، ويجمع بين الأحاديث ويضم كل شكل إلى شكله ، فيجمع بين ماجمع الله بينه ورسوله ويفرق بين مافرق الله بينه ورسوله
فهذا هو العلم الذي ينتفع به المسلمون ، ويجب تلقيه وقبوله ، وبه ساد أئمة المسلمين
القاعدة الحادية عشر
" تفضيل زمان أو مكان لايجوز تفضيله بعبادة لم تشرع فيه "
لايعرف عن أحد من المسلمين أنه جعل لليلة الإسراء فضيلة على غيرها ، لاسيما ليلة القدر ، ولا كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان يقصدون تخصيص ليلة الإسراء بأمر من الأمور ، ولايذكرونها ، ولهذا لايعرف أى ليلة كانت
وإن كان الإسراء من أعظم فضائله صلى الله عليه وسلم ، ومع هذا فلم يُشرع تخصيص ذلك الزمان ولاذلك المكان بعباة شرعية
بل غار حراء الذى ابتدىء فيه بنزول الوحى وكان يتحراه قبل النبوة لم يقصده– صلى الله عليه وسلم – هو ولا أحد من أصحابه بعد النبوة مدة مقامه بمكة ، ولاخص اليوم الذى أنزل فيه الوحى بعبادة ولاغيرها ، ولاخص المكان الذى ابتدىء المكان الذى ابتدىء فيه بالوحى ولا الزمان بشىء
ومن خص الأمكنة والأزمنة عنده بعبادات لأجل هذا وأمثاله كان من جنس أهل الكتاب الذين جعلوا زمان أحوال المسيح مواسم وعبادات : كيوم الميلاد ، ويوم التعميد ، وغير ذلك من أحواله
وقد رأى عمر بن الخطابرضى الله عنه جماعة يتبادرون مكانا ً يصلون فيه فقال : ماهذا قالوا : " مكان صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم "
فقال : " أتريدون أن تتخذوا آثار أنبيائكم مساجد ؟! ، فمن أدركته الصلاة فليصل ، وإلا فليمض "
القاعدة الثانية عشر
" فيما فعله صلى الله عليه وسلم "
* مافعله صلى الله عليه وسلم على وجه التقرب كان عبادة تفعل على وجه التقرب ،
* وما أعرض عنه ولم يفعله مع قيام السبب المقتضى لم يكن عباده ولا مستحبا ً
* ومافعله على وجه الإباحه من غير قصد التعبد به كان مباحا ً
القاعدة الثالثة عشر
جوامع نافعة فى الإعتصام بالكتاب والسنة
· طاعة الله ورسوله قطب السعادة التى عليه تدور ، ومستقر النجاة الذى عنه لاتحور
· من فارق الدليل ضل السبيب ، ولا دليل إلا بماجاء به الرسول
· كل قائل إنما يحتج لقوله لا به إلا لله ورسوله
· العلم ماقام عليه الدليل ، والنافع منه ماجاء به الرسول ، فالشأن فى أن نقول علما ً : هو النقل المُصدق والبحث المُحقق ، فإن ماسوى ذلك – وإن زخرف مثله
بعض الناس – خزف مُزوق ، وإلا فباطل مطلق
· الناس لايفصل بينهم النزاع إلا كتاب منزل من السماء ، وإذا رُدوا إلى عقولهم فلكل واحد منهم عقل
· الدنيا ملعونة ملعون مافيها إلا ماأشرقت عليه شمس الرسالة وأُسس بنيانه عليها ، ولابقاء لأهل الأرض إلا مادامت آثار الرسل موجودة فيهم ، فإذا درست آثار
الرسل من الأرض وانمحت بالكلية خرّب الله العال العلوي والسفلي وأقام القيامة
· ليست حاجة أهل الأرض إلى الرسول كحاجتهم إلى الشمس والقمر والرياح والمطر ، ولا كحاجة الإنسان إلى حياته ولاكحاجة العين إلى ضوئها ، والجسم إلى
الطعام والشراب بل أعظم من ذلك ، وأشد حاجة من كل مايقدر ويخطر بالبال
· لاريب أن الخوارج كان فيهم من الإجتهاد فى العبادة والورع مالم يكن فى الصحابة كما ذكره النبي صلى الله عليهوسلم، لكن كان على غير الوجه المشروع
فأفضى بهم إلى المروق من الدين ، ولهذا قال عبد الله بن مسعود وأُبىُّ بن كعب " إقتصاد فى سنة خير من إجتهاد فى بدعة "
القاعدة الرابعة عشر
تعريف البدعة وتقسيماتها
1- تعريف البدعة
* هي ماخالفت الكتاب والسنة أو إجماع سلف الأمة من الإعتقادات والعبادات : كأقوال الخوارج ، والروافض ، والقدرية ، والجهمية ، والمرجئة ، ومالذين يتعبدون
بالرقص والغنا فى المساجد ، والذين يتعبدون بحلق اللحى وأكل الحشيشة ، وأنوا ذلك من البدع التي يتعبد بها طوائف من المخالفين للكتاب والسنة وهي مالم
يشرعه الله ورسوله ، وهو مالم يأمر به أمر إيجاب ولا استحباب
فأما ماأمر به من أمر إيجاب أو استحباب وعُلم الأمر بالأدلة الشرعية فهو من الدين الذي شرعه الله
2- البدع نوعان :
أ- نوع فى الأقوال والإعتقادات
ب- نوع فى الأفعال والعبادات
* فالمنتسبون إلى العلم والنظر ومايتبع ذلك يُخاف عليهم إذ لم يعتصموا بالكتاب والسنة من الوقوع فى بدعة الأقوال والإعتقادات
* والمنتسبون إلى العبادة والنظر والإرادة ومايتبع ذلك يخاف عليهم إذا لم يعتصموا بالكتاب والسنة من الوقوع فى بدعة الأفعال والعبادات
وقد أمرنا الله أن نقول فى كل صلاة :
{اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}
(6- 7) سورة الفاتحة
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
( اليهود مغضوب عليهم ، والنصارى ضالون ) أخرجه الترمذي وصححه الألباني
قال سفيان بن عيينه :
" كانوا يقولون : من فسد من العلماء ففيه شبه من اليهود ، ومن فسد من العباد ففيه شبه من النصارى "
وكان السلف يقولون :
" احذروا فتنة العالم الفاجر والعابد الجاهل فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون "
* والضلال سمة النصارى الذين يغلب عليهم الإشراك والجهل فهم يتعبدون لكن بضلال وإشراك وبذلك وصفهم الله فى القرآن ، ولهذا يوجد يوجد فى متعبدة
الجهمية من الإتحادية وغيرهم منهم شبه كثير
* والبغي سمة اليهود الذين يغلب عليهم الإستكبار والقسوة ، فهم يعرفون الحق ولايتبعونه وبذلك وصفهم الله فى القرآن ، ومن فسد من أهل العلم والكلام كان فيه شبه منهم
التحذير من البدع
1- البدعة شر من المعصية
أهل البدع شر من أهل المعاصي الشهوانية بالسنة والإجماع
وذلك لأن الكاذب الظالم إذا علم أنه كاذب ظالم كان معترفا ً بذنبه معتقدا ً لتحريم ذلك ، فُترجي له التوبة
ويكون اعتقاده التحريم وخوفه من الله تعالى من الحسنات التى يُرجى أن يمحو الله بها سيئاته
وأما إذا كذب فى الدين معتقدا ً أن كذبه صدق ، وافترى على الله ظانا ً أن فريته حق – فهذا أعظم ضرارا ً وفسادا ً
ولهذا كان السلف يقولون :
" البدعة أحب إلى ابليس من المعصية ، لأن المعصية يُتاب منها والبدعة لايُتاب منها "
· ولهذا أمر النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام بقتال الخوارج المبتدعين مع كثرة صلاتهم وصيامهم وقراءتهم ، ونهى عن الخروج على أئمة الظلم وأمر بالصبر عليهم
· وكان يجلد رجلا ً يشرب الخمر فلعنه رجل ، فقال " لاتلعنه فإنه يحب الله ورسوله " أخرجه البخاري
2- البدعة مشتقة من الكفر
وماتجد عند أهل الأهواء والبدع من الأسباب التى بها ابتدعوا ماابتدعوا إلا تجد عند المشركين وأهل الكتاب من جنس تلك الأسباب ماأوقعهم فى كفرهم وأشد
ومن تدبر هذا وجده فى عامة الأمور فإن البدع مشتقة من الكفر ، وكمال الإيمان هو فعل ماأمر الله به ورسوله وترك مانهى عنه ورسوله
فإذا ترك بعض المأمور وعّوض عنه ببعض المحظور كان ذلك من نقص الإيمان بقدر ذلك
من آثار البدع وشؤم الإبتداع
الشرائع هي غذاء القلوب وقوتها كما قال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال :
إن هذا القرآن مأدبة الله فأقبلوا مأدبته ما استطعتم إن هذا القرآن ..حبل الله المتين .. والنور المبين .. والشفاء النافع عصمة لمن تمسك به .. ونجاة لمن اتبعه .. ولايزيد
فيستعتب .. ولا يعوج فيقوم .. ولا تنقضى عجائبه .. ولا يخلق من كثرة الرد ...
اتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته كل حرف عشر حسنات أما إنى لا اقول الم حرف ولكن ألف حرف وميم حرف ولام حرف ....
· لذا تجد من أكثر من سماع القصائد لطلب صلاح قلبه تنقص رغبته فى سماع القرآن حتى ربما يكرهه
· ومن أكثر السفر إلى زيارة المشاهد ونحوها لا يبقى لحج البيت المحرم فى قلبه من المحبة والتعظيم مايكون فى قلب من وسعته السنة
· ومن أدمن على أخذ الحكمة والآداب من كلام حكماء فارس والروم لايبقى لحكمة الإسلام وآدابه فى قلبه ذاك الموقع
· ومن أدمن قصص الملوك وسيرهم لايبقى لقصص الأنبياء وسيرهم فى قلبه ذاك الإهتمام
ولهذا عظمت الشريعة النكير على من أحدث البدع وحذرت منها لأن البدع لو خرج الرجل منها كفافا
- لاعليه ولا له – لكان الأمر خفيفا ً ،
بل لابد أن توجب له فسادا ً فى قلبه وينه ينشأ من نقص منفعة الشريعة فى حقه إذ القلب لايتسع للعوض والمعوض عنه ، فيبقى اغتذاء قلبه من هذه الأعمال المبتدعة
مانعا ً من الإغتذاء ، أو من كمال الإغتذاء بتلك الأعمال النافعة الشرعية ، فيفسد عليه حاله من حيث لايعلم
وبهذا يتبين لك بعض ضرر البدع
منقول للإستفادة
رواه مسلم والترمذي وابن ماجة و أبوداود والإمام أحمد في مسنده
وقد تكاثرت الفتن وتعاظمت ، أحاطت بكل شئ على وجه الأرض ، فلا تولى وجهك إلا وتقع عيناك على ضلالة أو بدعة أو إعراض حتى أصبح الحليم من أهل هذا العصر حيراناً ،فإذا أراد أن يبدأ لا يعلم من أين يبدأ ؟ ولا كيف ؟ ولا يجد من يعينه على ذلك من الأخلاء أو القرناء ، فهو وحيد ، غريب ، شريد ، طريد رماه أهل الأرض قاطبة عن قوس واحدة ، فهوغرض لنبالهم ، وهو هدف لكيدهم ومكرهم ، ولا عاصم إلا الله وحده ،
وجهل أبناءه أمرٌ واقعٌ ، كما أن كيد أعداءه أمرٌ واقعٌ .
والقرآن بين أيدينا ينادي في كل حين :
"اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ" الأنفال 24.
{اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُم مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٍ} (47) سورة الشورى
ويحدد القرآن كل من ترك هدى المرسلين ولم يقتفى آثارهم وانشغل عنهم :
"فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْأَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِهُدًى مِّنَ اللَّهِ" القصص 50 .
وهذه السلسلة المباركة بعنوان ( قواعد الملة ومقاصد الدين )
كان قد كتبها جمعها ورتبها الشيخ ( أبي الفضل عبد السلام بن محمد بن عبد الكريم)
وهي دّرر استخرجها من كتب الإمام العّلم شيخ الإسلام بن تيميه
وكنت قد بحثت عن هذا السلسلة على النت فلم أجدها ،
ونظرا ً لأهميتها وفوائدها قررت أن أكتبها وأنزلها على النت راجيا ً من الله عز وجل أن تلقى القبول وأن تكون معينا ً لكل مسلم فى الغربة التي نعيشها ( كتبتها بتصرف دون زيادة على ماهو موجود بالكتاب لكن تصرف بسيط فى اختصار ماهو موجود كى لاتكون مطولة ويسهل قرأتها )
ماالمقصود بــ : قواعد الملة ومقاصد الدين
_ هي حقائق الإسلام وقواعده العظمى ، وجوامع الملة الحنيفية ، وهي عبارة عن القواعد والفوائد العامة الكلية التي تؤصل بمجموعها لكافة علوم الدينلما تتسم به من سعة وشمولية وإحكام ، ولما لها من خصائص تميزها عما سواها من قواعد الشريعة
_ فهي جوامع الهدى والفرقان وأصول الإيمان ، وهي مفاتح دين الإسلام التي لابد لقاصد الحق منها ولاغنى اطالب الهدى عنها
_ وهي مفاتح الخير ومجامع الهدى
_ وهي فتوح ورحمات لاتفتح إلا للعلماء الربانيين ، أئمة المتقين ورثة المرسلين الذين حملوا الأمانة فأحسنوا حملها وأدوها فأحسنوا أدائها وصانوا وجه الملة وحفظوا جناب الدين ، فنفوا عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين
أهمية معرفة قواعد الملة ومقاصد الدين " فوائد معرفتها والإلمام بها "
1- تُعين هذه القواعد فى مجملها وبما ترسمه من صور عامة كلية على فهم الشريعة فهما ً كليا ً ، وضبطها ضبطا ً دقيقا ً على منهج السلف وعلى طريقة النبى صلى الله عليه وسلم
2- تشتمل هذه القواعد على تطبيقات نافعة على مسائل شتى وعلى طوائف عدة من طوائف المسلمين وعلى وقائع مختلفة مما يندرج تحتها
3- إن القارىء قد يأخذه الذهول والعجب حين يوقفه كلام شيخ الاسلام بن تيميه فى عبارات سهلة مرسلة على معنى دقيق نفيس من حقائق هذا الدين وبيناته فى آية يقرؤها هو صباح مساءفتجد أن هذه القواعد تطرح بين ايدينا الدّر الدفين والجوهر المكنون من دعائم هذا الدين ومحكماته دون عناء أو مشقة
القاعدة الأولى من قواعد الملة ومقاصد الدين
" تحقيق معنى الشريعة "
التحقيق :
أن " الشريعة " التى بعث الله بها محمدا ً صلى الله عليه وسلم جامعة لمصالح الدنيا ولآخرة ، وهذه الأشياء ماخالف الشريعة منها فهو باطل ، وماوفقها منها فهو حق
لكن قد يُغير ايضا ً لفظ الشريعة عند أكثر الناس :
فالملوك والعامة عندهم " الشرع والشريعة " اسم لحكم الحاكم
ومعلوم أن القضاء فرع من فروع الشريعة ، وإلا فالشريعة جامعة لكل ولاية وعمل فيه صلاح الدين والنيا
والشريعة إنما هي كتاب الله وسنة رسوله وماكان عليه سلف الامة فى العقائد والأحوال والأعمال والسياسات ، والولايات والعطيات
الشريعة مستعملة فى كلام الناس على ثلاثة أنحاء ( الشرع المنّزل – الشرع المؤول – الشرع المبدّل )
الشرع المنّزل :
هو الكتاب والسنة ، واتباعه واجب ، ومن خرج عنه وجب قتله ، ويدخل فيه أصول الدين وفروعه ، وسياسة الأمراء والولاة ، وحكم الحكام ، ومشيخة الشيوخ ، وغير ذلك ، فليس لأحد من الأولين والآخرين خروج عن طاعة الله ورسوله
الثاني : " الشرع المؤّول "
وهو موارد النزاع والإجتهاد بين الأمة ، فمن أخذ فيما يسوغ فيه الإجتهاد أُقر عليه ، ولم تجب على جميع الخلق موافقته إلا بحجة لامرد لها من الكتاب والسنة
الثالث : " الشرع المبدّل "
وهو ماكان من الكذب والفجور الذى يفعله المبطلون بظاهر من الشرع ، أو البدع ، أو الضلال الذى يضيفه الضالون إلى الشرع ، والله تعالى أعلى وأعلم
موقف المكلفين من الشريعة
بما ذكرته فى مسمى " الشريعة " و " الحكم الشرعى " و" العلم الشرعى " يتبين أنه ليس للإنسان أن يخرج عن الشريعة فى شىء من أموره ، بل كل مايصلح له فهو فى الشرع : من أصوله ، وفروعه ، وأحواله ، وأعماله ، وسياسته ، ومعاملته ، وغير ذلك ........... والحمد لله رب العالمين
حقيقة الشريعة
حقيقة الشريعة اتباع الرسل والدخول تحت طاعتهم ، كما أن الخروج عنها خروج عن طاعة الرسل ، وطاعة الرسل هي دين الله الذى أمر بالقتال عليه {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه } (39) سورة الأنفال
· وهذه جملة تفصيلها يطول ، غلط فيها صنفان من الناس :
صنف :
سوغوا لأنفسهم الخروج عن شريعة الله ورسوله ، لظنهم قصور الشريعة عن تمام مصالحهم جهلا ً منهم ، أو جهلا ً وهوى ، أو هوى محض
وصنف :
قّصروا فى معرفة قدر الشريعة فضيقوها حتى توهموا هم والناس أنه لايمكن العمل بها ، وأصل ذلك الجهل بمسمى الشريعة ومعرفة قدرها وسعتها
ومن العلماء والعامة من يرى
أن اسم " الشريعة و" والشرع " لايقال إلا للأعمال التي يُسمى علمها علم الفقه ويفرقون بين العقائد والشرائع أو الحقائق والشرائع فهذا الإصطلاح مخالف
القاعدة الثانية
" تحقيق معنى السنة "
السنة التى يجب اتباعها:
هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
والسنة تُذكرفى الأصول والإعتقادات وتُذكر فى الأعمال والعبادات وكلاهما يدخل فيما أخبر به وأمر به
فما أخبر به وجب تصديقه، وما أوجبه وأمر به وجبت طاعته فيه
ثم كثير من الناس يضيف إلى السنة ماأدخله بعض الناس فيها إما بالكذب وإما بالتأويل : مثل أحاديث كثيرة وضعيفة بل موضوعة ، واستدلالات بأقواله على مالايدل عليه ،
ومثل أقوال احدثها قوم انتسبوا إلى السنة فى بعض الأمور:
مثل إثبات الصفات والقدر ، فإن المنتسبين لذلك يضافون إلى السنة لأن نفاة الصفات والقدر مبتدعة
وكذلك حب الخلفاء الراشدين وموالاتهم يضاف أهله إلى السنة لأن الطاعنين فيهم أهل بدعة
ومثل الإستدلال بالنصوص على موارد النزاع فإن أهل ذلك يضافون إلى السنة لكونهم يقصدون اتباع القرآن والحديث والمخالفون لذلك الذين يردون الأخبار الصحيحة أو لايحتجون بالقرآن مبتدعون
ثم قد يقول المضافون إلى السنة اشياء ليست من السنة :
مثل أحاديث كثيرة يروونها فى فضائل بعض الصحابة وهي كذب ، ومثل نفى الحكمة والأسباب فى مسائل القدر ، ومثل كلامهم فى الأجسام والأعراض وتناهى الأحداث ، ونحو ذلك مما لم يأخذوه عن الرسول
القاعدة الثالثة
" جميع أمور الدين قد بيّنها الرسول"
رسول الله صلى الله عليه وسلم بّين جميع الدين أصوله وفروعه ، باطنه وظاهره ، علمه وعمله .
فإن هذا الأصل هو أصل العلم والإيمان ، وكل من كان أعظم اعتصاما ً بهذا الأصل كان أولى بالحق علما ً وعملا
ملحوظة :
سيتم شرح هذه القاعدة تفصيلا ً فى مبحث آخر من مباحث العقيدة بعنوان ( النبي المرسل )
القاعدة الرابعة
" لايختلف الكتاب والسنة ألبتة"
علينا أن نتبع الكتاب وعلينا أن نتبع الرسول
واتباع أحدهما هو اتباع الآخر
فإن الرسول بلّغ الكتاب
والكتاب أمر بطاعة الرسول
ولايختلف الكتاب والرسول ألبتة ، كما لايخالف الكتاب بعضه بعضا
{ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} (82) سورة النساء
القاعدة الخامسة
" موافقة العقل الصريح للنقل الصحيح "
من الأصول المتفق عليها بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان أنه لايُقبل من أحد أن يعارض القرآن : لا برأيه ولاذوقه ولامعقوله ولاقياسه ولاوجده فإنهم ثبت عنهم بالبراهين والقطعيات والآيات البينات أن الرسول جاء بالهدى ودين الحق وأن القرآن يهدى للتى هي اقوم
ومما يجب أن يعرف أن أدلة الحق لاتتناقض فلايجوز إذا اخبر الله بشىء – سواء كان الخبر إثباتا ً أو نفيا ً – أن يكون أخباره مايناقض الخبر الأول، ولايكون فيما يعقل بدون الخبر مايناقض ذلك الخبر المعقول ، فالأدلة المقتضية للعلم لا يجوز أن تتناقض
سواء كان الدليلان سمعيين أو عقليين أو كان أحدهما سمعيا ً والآخر عقليا ً
ولكن التناقض قد يكون فيما يظنه بعض الناس دليلا ً وليس بدليل
كمن يسمع خبرا فيظنه صحيحا ً لايكون كذلك ، أو يُفهم منه مالايدل عليه
أو تقوم عنده شبهه يظنها دليلا ً عقليلا ً وتكون باطلا ً التبس عليه فيها الحق بالباطل ، فيكذب بها ماأخبر الله به ورسوله .
وهذا من اسباب ضلال من ضل من مكذبي الرسل :
· إما مطلقا ً كالذين كذبوا جميع الرسل كقوم نوح وعاد وثمود ونحوهم
· وإما من آمن ببعض وكفر ببعض ، كمن آمن ن أهل الكتاب ببعض الرسل دون بعض
· ومن آمن من الفلاسفة ببعض ماجائت به الرسل دون بعض
· ومن أهل البدع من أهل الملل ( المسلمين – اليهود – النصارى )
وهؤلاء الأصناف إنما أتوا من هذا الوجه فإنه قامت عندهم شبهات ظنوا أنها تنفى ماأخبرت به الرسل ، وظنوا أن الواجب حينيئذ تقديم مارأوه على النصوص
وإذا قُيل : إن العقل يخالف النقل أخطأوا فى عدة أصول
1- أن العقل الصريح لايناقض العقل
2- أنه يوافقه
3- أن مايدّعونه من العقل المعارض ليس بصحيح
4- أن ماذكروه من المعقول المعارض هو المخالف للمعقول الصحيح
وإن الذين يستحقون العذاب هم الذين لايسمعون ولايعقلون
كما قال الله تعالى :
{وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (10) سورة الملك
{أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} (44) سورة الفرقان
{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (46) سورة الحـج
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (37) سورة ق
فقد بين القرآن أن من كان يعقل أو كان يسمع فإنه يكون ناجيا ً سعيدا ً ويكون مؤمنا ً بما جائت به الرسل
القاعدة السادسة
" الشرع مسائل خبرية ودلائل عقلية "
إن( مبنى العقل ) مبنى على صحة الفطرة وسلامتها
(ومبنى السمع ) على تصديق الأنبياء صلوات الله عليهم
ثم الأنبياء صلوات الله عليهم كملوا للناس الأمرين :
أ- فدلوهم على الأدلة العقلية التى بها تعلم المطالب التى يمكنهم علمهم بها بالنظر والإستدلال
ب- وأخبروهم مع ذلك من تفاصيل الغيب بما يعجزون عن معرفته بمجرد نظرهم واستدلاهم
وليس تعليم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مقصورا ً على مجرد الخبر كما يظنه كثير ،
بل هم بينوا البراهين العقلية والسمعية جميعا ، بخلاف الذين خالفوهم فإن تعليمهم غير مفيد للأدلة العقلية والسمعية مع مافى نفوسهم من الكبر الذى ماهم بالغيه كما قال الله تعالى :
{إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (56) سورة غافر
وقال : {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} (35) سورة غافر
وقال :
{فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون} (83) سورة غافر
والقرآن الكريم قد دل على الأدلة العقلية التى يعرف الصانع وتوحيده وصفاته ، وصدق رسله ، وبها يعرف إمكان المعاد
ففى القرآن من بيان أصول الدين التى تعلم مقدماته بالعقل الصريح مالايوجد مثله فى كلام أحد من الناس
بل عامة مايأتى به حذاق النُظار من الأدلة العقلية يأتى القرآن بخلاصتها وبما هو أحسن منها
قال تعالى :
{وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} (33) سورة الفرقان
{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} (27) سورة الزمر
{ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } (21) سورة الحشر
وأما الحجج الداحضة التى يحتج بها الملاحدة وحجج الجهمية معطلة الصفات |، وحجج الدهرية وأمثالها ، كما يوجد مثل ذلك فى كلام المتأخرين الذين يصنفون فى الكلام المبتدع وأقوال المتفلسفة يّدعون أنها عقليات – ففيها من الجهل والتناقض والفساد مالايحصيه إلا رب العباد
وكان من أهم أسباب ضلال هؤلاء
تقصير الطائفتين أو قصورهم عن معرفة ماجاء به الرسول ، وماكان عليه السلف ومعرفة المعقول الصريح
فإن هذا هو الكتاب وهذا هو الميزان وقد قال الله تعالى
{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} (25) سورة الحديد
القاعدة السابعة
" ليس على الرسل بيان وجه المصلحة والمفسدة "
الواجب على الخلق اتباع الكتاب والسنة ، وإن لم يدركوا مافى ذلك من المصلحة والمفسدة
وليس على المؤمن ولا له أن يطالب الرسل بتبيين وجوه المفاسد وإنما عليه طاعتهم
قال تعالى
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ } (64) سورة النساء
{مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ } (80) سورة النساء
القاعدة الثامنة
" يجب التمييز ماجاء من عند الله عن كل ماسواه "
فمن أصول الإسلام أن تميز مابعث الله به محمد صلى الله عليه وسلم من الكتاب والحكمة ولاتخلطه بغيره ولاتلبس الحق بالباطل كفعل أهل الكتاب ، فإن الله سبحانه وتعالى أكمل لنا الدين ، وأتم علينا النعمة ، ورضى لنا الإسلام دينا
· وجماع ذلك بحفظ أصلين :
ألأول :
تحقيق ماجاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، فلايُخلط بما ليس منه من المنقولات الضعيفة والتفسيرات الباطلة ، بل يعطى حقه من معرفة نقله ودلالته
الثانى :
ألا يعارض ذلك بالشبهات لا رأيا ً ولا رواية
قال الله تعالى يأمر به بنى إسرائيل – وهو عبرة لنا - :
{وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ
· وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} (41- 42 ) سورة البقرة
فلا يُكتم الحق الذى جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا يُلبس بغيره من الباطل ، ولا يُعارض بغيره
القاعدة التاسعة
" العبادات مبناها التوقيف "
والعبادات مبناها على التوقيف والإتباع ، لا على الهوى والإبتداع
ففى الصحيحين عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
" من أحدث فى أمرنا ماليس منه فهو رد "
وفى لفظ فى الصحيح " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد "
وفى الصحيحين عن عمر بن الخطاب أنه قبل الحجر الأسود وقال :
" والله إنى لأعلم أنك حجر لاتضر ولاتنفع ولولا أنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك لما قبلتك "
القاعدة العاشرة
" وجوب اتباع الدليل "
لايجوز أن يكون الشىء واجبا ً أو مستحبا ً إلا بدليل شرعي يقتضى إيجابه أو استحبابه ،
فإن العلم ماقام عليه الدليل ، والنافع منه ماجاء به الرسول
فالشأن فى أن نقول علما ً :
هو النقل المصدّق والبحث المحقّق ، فإن ماسوى ذلك وإن زخرف مثله بعض الناس خزف مُزوق وإلا فباطل مطلق
وكما أن الإنسان لايجوز له أن يثبت شيئا ً إلا بعلم فلايجوز له أن ينفى شيئا ً إلا بعلم ،
ولهذا كان النافى عليه الدليل كما أن المثبت عليه الدليل
شرطا الدليل :
1- صحة الثبوت
2- صحة الدلالة
الشرط الأول صحة الثبوت
الواجب أن يفرق بين الحديث الصحيح والحديث الكذب فإن السنة هى الحق دون الباطل ، وهى الأحاديث الصحيحة دون الموضوعة ، فهذا أصل عظيم لأهل الإسلام عموما ً ولمن يدعى السنة خصوصا ً
وإلا فمجرد قول القائل " رواه فلان " لايحتج به ، وليس فى المسلمين من يحتج بكل حديث رواه كل مصنف ، فكل حديث يحتج به نطالبه فى أول مقام بصحته
الشرط الثاني صحة الدلالة
ثم إذا ميز العالم بين ماقاله الرسول صلى الله عليه وسلم وبين مالم يقله فإنه يحتاج أن يفهم مراده ، ويفقه ماقاله ، ويجمع بين الأحاديث ويضم كل شكل إلى شكله ، فيجمع بين ماجمع الله بينه ورسوله ويفرق بين مافرق الله بينه ورسوله
فهذا هو العلم الذي ينتفع به المسلمون ، ويجب تلقيه وقبوله ، وبه ساد أئمة المسلمين
القاعدة الحادية عشر
" تفضيل زمان أو مكان لايجوز تفضيله بعبادة لم تشرع فيه "
لايعرف عن أحد من المسلمين أنه جعل لليلة الإسراء فضيلة على غيرها ، لاسيما ليلة القدر ، ولا كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان يقصدون تخصيص ليلة الإسراء بأمر من الأمور ، ولايذكرونها ، ولهذا لايعرف أى ليلة كانت
وإن كان الإسراء من أعظم فضائله صلى الله عليه وسلم ، ومع هذا فلم يُشرع تخصيص ذلك الزمان ولاذلك المكان بعباة شرعية
بل غار حراء الذى ابتدىء فيه بنزول الوحى وكان يتحراه قبل النبوة لم يقصده– صلى الله عليه وسلم – هو ولا أحد من أصحابه بعد النبوة مدة مقامه بمكة ، ولاخص اليوم الذى أنزل فيه الوحى بعبادة ولاغيرها ، ولاخص المكان الذى ابتدىء المكان الذى ابتدىء فيه بالوحى ولا الزمان بشىء
ومن خص الأمكنة والأزمنة عنده بعبادات لأجل هذا وأمثاله كان من جنس أهل الكتاب الذين جعلوا زمان أحوال المسيح مواسم وعبادات : كيوم الميلاد ، ويوم التعميد ، وغير ذلك من أحواله
وقد رأى عمر بن الخطابرضى الله عنه جماعة يتبادرون مكانا ً يصلون فيه فقال : ماهذا قالوا : " مكان صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم "
فقال : " أتريدون أن تتخذوا آثار أنبيائكم مساجد ؟! ، فمن أدركته الصلاة فليصل ، وإلا فليمض "
القاعدة الثانية عشر
" فيما فعله صلى الله عليه وسلم "
* مافعله صلى الله عليه وسلم على وجه التقرب كان عبادة تفعل على وجه التقرب ،
* وما أعرض عنه ولم يفعله مع قيام السبب المقتضى لم يكن عباده ولا مستحبا ً
* ومافعله على وجه الإباحه من غير قصد التعبد به كان مباحا ً
القاعدة الثالثة عشر
جوامع نافعة فى الإعتصام بالكتاب والسنة
· طاعة الله ورسوله قطب السعادة التى عليه تدور ، ومستقر النجاة الذى عنه لاتحور
· من فارق الدليل ضل السبيب ، ولا دليل إلا بماجاء به الرسول
· كل قائل إنما يحتج لقوله لا به إلا لله ورسوله
· العلم ماقام عليه الدليل ، والنافع منه ماجاء به الرسول ، فالشأن فى أن نقول علما ً : هو النقل المُصدق والبحث المُحقق ، فإن ماسوى ذلك – وإن زخرف مثله
بعض الناس – خزف مُزوق ، وإلا فباطل مطلق
· الناس لايفصل بينهم النزاع إلا كتاب منزل من السماء ، وإذا رُدوا إلى عقولهم فلكل واحد منهم عقل
· الدنيا ملعونة ملعون مافيها إلا ماأشرقت عليه شمس الرسالة وأُسس بنيانه عليها ، ولابقاء لأهل الأرض إلا مادامت آثار الرسل موجودة فيهم ، فإذا درست آثار
الرسل من الأرض وانمحت بالكلية خرّب الله العال العلوي والسفلي وأقام القيامة
· ليست حاجة أهل الأرض إلى الرسول كحاجتهم إلى الشمس والقمر والرياح والمطر ، ولا كحاجة الإنسان إلى حياته ولاكحاجة العين إلى ضوئها ، والجسم إلى
الطعام والشراب بل أعظم من ذلك ، وأشد حاجة من كل مايقدر ويخطر بالبال
· لاريب أن الخوارج كان فيهم من الإجتهاد فى العبادة والورع مالم يكن فى الصحابة كما ذكره النبي صلى الله عليهوسلم، لكن كان على غير الوجه المشروع
فأفضى بهم إلى المروق من الدين ، ولهذا قال عبد الله بن مسعود وأُبىُّ بن كعب " إقتصاد فى سنة خير من إجتهاد فى بدعة "
القاعدة الرابعة عشر
تعريف البدعة وتقسيماتها
1- تعريف البدعة
* هي ماخالفت الكتاب والسنة أو إجماع سلف الأمة من الإعتقادات والعبادات : كأقوال الخوارج ، والروافض ، والقدرية ، والجهمية ، والمرجئة ، ومالذين يتعبدون
بالرقص والغنا فى المساجد ، والذين يتعبدون بحلق اللحى وأكل الحشيشة ، وأنوا ذلك من البدع التي يتعبد بها طوائف من المخالفين للكتاب والسنة وهي مالم
يشرعه الله ورسوله ، وهو مالم يأمر به أمر إيجاب ولا استحباب
فأما ماأمر به من أمر إيجاب أو استحباب وعُلم الأمر بالأدلة الشرعية فهو من الدين الذي شرعه الله
2- البدع نوعان :
أ- نوع فى الأقوال والإعتقادات
ب- نوع فى الأفعال والعبادات
* فالمنتسبون إلى العلم والنظر ومايتبع ذلك يُخاف عليهم إذ لم يعتصموا بالكتاب والسنة من الوقوع فى بدعة الأقوال والإعتقادات
* والمنتسبون إلى العبادة والنظر والإرادة ومايتبع ذلك يخاف عليهم إذا لم يعتصموا بالكتاب والسنة من الوقوع فى بدعة الأفعال والعبادات
وقد أمرنا الله أن نقول فى كل صلاة :
{اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}
(6- 7) سورة الفاتحة
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
( اليهود مغضوب عليهم ، والنصارى ضالون ) أخرجه الترمذي وصححه الألباني
قال سفيان بن عيينه :
" كانوا يقولون : من فسد من العلماء ففيه شبه من اليهود ، ومن فسد من العباد ففيه شبه من النصارى "
وكان السلف يقولون :
" احذروا فتنة العالم الفاجر والعابد الجاهل فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون "
* والضلال سمة النصارى الذين يغلب عليهم الإشراك والجهل فهم يتعبدون لكن بضلال وإشراك وبذلك وصفهم الله فى القرآن ، ولهذا يوجد يوجد فى متعبدة
الجهمية من الإتحادية وغيرهم منهم شبه كثير
* والبغي سمة اليهود الذين يغلب عليهم الإستكبار والقسوة ، فهم يعرفون الحق ولايتبعونه وبذلك وصفهم الله فى القرآن ، ومن فسد من أهل العلم والكلام كان فيه شبه منهم
التحذير من البدع
1- البدعة شر من المعصية
أهل البدع شر من أهل المعاصي الشهوانية بالسنة والإجماع
وذلك لأن الكاذب الظالم إذا علم أنه كاذب ظالم كان معترفا ً بذنبه معتقدا ً لتحريم ذلك ، فُترجي له التوبة
ويكون اعتقاده التحريم وخوفه من الله تعالى من الحسنات التى يُرجى أن يمحو الله بها سيئاته
وأما إذا كذب فى الدين معتقدا ً أن كذبه صدق ، وافترى على الله ظانا ً أن فريته حق – فهذا أعظم ضرارا ً وفسادا ً
ولهذا كان السلف يقولون :
" البدعة أحب إلى ابليس من المعصية ، لأن المعصية يُتاب منها والبدعة لايُتاب منها "
· ولهذا أمر النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام بقتال الخوارج المبتدعين مع كثرة صلاتهم وصيامهم وقراءتهم ، ونهى عن الخروج على أئمة الظلم وأمر بالصبر عليهم
· وكان يجلد رجلا ً يشرب الخمر فلعنه رجل ، فقال " لاتلعنه فإنه يحب الله ورسوله " أخرجه البخاري
2- البدعة مشتقة من الكفر
وماتجد عند أهل الأهواء والبدع من الأسباب التى بها ابتدعوا ماابتدعوا إلا تجد عند المشركين وأهل الكتاب من جنس تلك الأسباب ماأوقعهم فى كفرهم وأشد
ومن تدبر هذا وجده فى عامة الأمور فإن البدع مشتقة من الكفر ، وكمال الإيمان هو فعل ماأمر الله به ورسوله وترك مانهى عنه ورسوله
فإذا ترك بعض المأمور وعّوض عنه ببعض المحظور كان ذلك من نقص الإيمان بقدر ذلك
من آثار البدع وشؤم الإبتداع
الشرائع هي غذاء القلوب وقوتها كما قال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال :
إن هذا القرآن مأدبة الله فأقبلوا مأدبته ما استطعتم إن هذا القرآن ..حبل الله المتين .. والنور المبين .. والشفاء النافع عصمة لمن تمسك به .. ونجاة لمن اتبعه .. ولايزيد
فيستعتب .. ولا يعوج فيقوم .. ولا تنقضى عجائبه .. ولا يخلق من كثرة الرد ...
اتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته كل حرف عشر حسنات أما إنى لا اقول الم حرف ولكن ألف حرف وميم حرف ولام حرف ....
· لذا تجد من أكثر من سماع القصائد لطلب صلاح قلبه تنقص رغبته فى سماع القرآن حتى ربما يكرهه
· ومن أكثر السفر إلى زيارة المشاهد ونحوها لا يبقى لحج البيت المحرم فى قلبه من المحبة والتعظيم مايكون فى قلب من وسعته السنة
· ومن أدمن على أخذ الحكمة والآداب من كلام حكماء فارس والروم لايبقى لحكمة الإسلام وآدابه فى قلبه ذاك الموقع
· ومن أدمن قصص الملوك وسيرهم لايبقى لقصص الأنبياء وسيرهم فى قلبه ذاك الإهتمام
ولهذا عظمت الشريعة النكير على من أحدث البدع وحذرت منها لأن البدع لو خرج الرجل منها كفافا
- لاعليه ولا له – لكان الأمر خفيفا ً ،
بل لابد أن توجب له فسادا ً فى قلبه وينه ينشأ من نقص منفعة الشريعة فى حقه إذ القلب لايتسع للعوض والمعوض عنه ، فيبقى اغتذاء قلبه من هذه الأعمال المبتدعة
مانعا ً من الإغتذاء ، أو من كمال الإغتذاء بتلك الأعمال النافعة الشرعية ، فيفسد عليه حاله من حيث لايعلم
وبهذا يتبين لك بعض ضرر البدع
منقول للإستفادة