ظهر الخط الفارسي في بلاد فارس في القرن السابع الهجري الثالث عشر الميلادي. ويسمى خط التعليق) وهو خط جميل تمتاز حروفه بالدقة والامتداد. كما يمتاز بسهولته ووضوحه وانعدام التعقيد فيه. ولا يتحمّل التشكيل، رغم اختلافه مع خط الرقعة.
وكان الإيرانيون قبل الإسلام يكتبون بالخطالبهلوي) فلما جاء الإسلام وآمنوا به، انقلبوا على هذا الخط فأهملوه، وكتبوا بالخط العربي، وقد اشتق الإيرانيون خط التعليق من خط كان يكتب به القرآن آنئذ، ويسمى خط القيراموز) ويقال : إن قواعده الأولى قد استنبطت من خط التحرير) وخط الرقاع) وخط الثلث).(1)
وقد طوّر الإيرانيون هذا الخط، فاقتبسوا له من جماليات خط النسخ ما جعله سلس القياد، جميل المنظر، لم يسبقهم إلى رسم حروفه أحد، وقد وضع أصوله وأبعاده الخطاط البارع الشهير مير علي الهراوي التبريزي المتوفى سنة 919 هجرية).(2) ويحتمل أنه كان تلميذاً لزين الدين محمود، ثم انتقل مير علي سنة 1524م من هراة إلى بلاد الأوزبك في بخارى، حيث عمل على استمرار التقاليد التي أرستها مدرسة هراة في فنون الخط).(3)
ونتيجة لانهماك الإيرانيين في فن الخط الفارسي الذي احتضنوه واختصوا به، فقد مرّ بأطوار مختلفة، ازداد تجذراً وأصالة، واخترعوا منه خطوطاً أخرى مأخوذة عنه، أو هي إن صح التعبير: امتداد له، فمن تلك الخطوط:
1 ـ خط الشكستة: اخترعوه من خطي التعليق والديواني. وفي هذا الخط شيء من صعوبة القراءة، فبقي بسبب ذلك محصوراً في إيران، ولم يكتب به أحد من خطاطي العرب أو ينتشر بينهم.
2 ـ الخط الفارسي المتناظر: كتبوا به الآيات والأشعار والحكم المتناظرة في الكتابة، بحيث ينطبق آخر حرف في الكلمة الأولى مع آخر حرف في الكلمة الأخيرة، وكأنهم يطوون الصفحة من الوسط ويطبعونها على يسارها. ويسمى خط المرآة الفارسي)..
3 ـ الخط الفارسي المختزل: كتب به الخطاطون الإيرانيون اللوحات التي تتشابه حروف كلماتها بحيث يقرأ الحرف الواحد بأكثر من كلمة، ويقوم بأكثر من دوره في كتابة الحروف الأخرى، ويكتب عوضاً عنها. وفي هذا الخط صعوبة كبيرة للخطاط والقارئ على السواء(4) .
لقد رأيت إبداع الإيرانيين في هذا الخط الفارسي)، ويظهر ذلك الإبداع في الأوابد الأثرية والمساجد والحوزات والمآذن والقباب، وقصور الشاهات الصفويين، وفي جميع المدن التي زرتها عام 1996، وهي طهران،
أصفهان، مشهد الرضا، حيث رأيت ظاهرتين قد لا توجدان في بلد من بلدان العالم هما:
أولاً : نظافة المدن وجمالها وحسن تنسيق الشوارع وتنظيمها.
ثانياً : الخطوط والزخارف التي تملأ الشارع الإيراني.
يستعمل خط التعليق الفارسي) في كتابة عناوين الكتب والمجلات والإعلانات التجارية، والبطاقات الشخصية واللوحات النحاسية.ومن مميزاته ميل حروفه من اليمين إلى اليسار في اتجاهها من الأعلى إلى الأسفل).(5)
ومن وجوه تطور الخط الفارسي التعليق) مع خط النسخ أن ابتدعوا منهما خط النستعليق) وهو فارسي أيضاً. وقد برع الخطاط عماد الدين الشيرازي الحسني في هذا الخط وفاق به غيره، ووضع له قاعدة جميلة، تعرف عند الخطاطين باسمه. وهي قاعدة عماد).
كما اشتهر هذا الخط في مدينة مشهد حتى كان من أفضل الخطوط التي انفردت بها هذه المدينة، بل اشتهر خاصة في بلاد إيران دون غيرها. ويمتاز الخط الفارسي باختلاف عرض حروفه، وبعض الحروف تكتب بثلث عرض القَطَّة، كما يمتاز بعدم تداخل حروفه مع حروف قلم آخر)(6) ..
وكان أشهر من كان يكتبه بعد الخطاطين الإيرانيين محمد هاشم الخطاط البغدادي والمرحوم محمد بدوي الديراني بدمشق.(7)
ويبقى قصب السبق في هذا الخط للخطاطين الإيرانيين بلا منازع.
6- خط الإجازة
يعتبر خط الإجازة مزيجاً من خط الثلث والنسخ، فهو أصلهما، أو هما أصله على الأصح. وقد سمي بخط الإجازة لتجوّز الخطّاط في الجمع بينهما، وقد كان العلماء يكتبون به الإجازات العلمية، وتكتب به الشهادة الممنوحة للمتفوقين في الخط)( ويعتبر هذا الخط من الخطوط القديمة.
اخترع هذا الخط الخطاط يوسف الشجري المتوفى سنة 200 هـ)، وسمّاه الخط الرياسي) كما سمي خط التوقيع) لأن الخلفاء كانوا يوقعون به وكان يكتب به الكتب السلطانية زمن الخليفة المأمون).(9)
وقد تطور هذا الخط فيما بعد، فقد حسَّنه الخطاط مير علي سلطان التبريزي المتوفى سنة 919هـ)، وكان الخطاطون ومازالوا يكتبون به إجازاتهم لتلاميذهم، أسوة بالقدماء، واستمراراً لاجتهاداتهم.
يستعمل هذا الخط في الأغراض التي يستعمل فيها خط الثلث. كما أنه يحتمل التشكيل كخط الثلث أيضاً ويكون في ابتداء حروفه ونهاياتها بعض الانعطاف ويزيدها ذلك حسناً كأنها أوراق الريحان، ولذلك يسمى الريحاني) أيضاً(10) .
وقد قلَّ الذين كتبوا فيه من المعاصرين، ومن هؤلاء القلّة محمد هاشم البغدادي رحمه الله..
7- خط الديواني
يسمى هذا الخط الخط الهمايوني) كما يسمى الخط الغزلاني)، نسبة إلى الخطاط المصري غزلان)..
ويعتبر الخط الديواني من الخطوط الجميلة، ولذلك اختاره الخطاطون في دواوين الملوك والخلفاء والرؤساء في المراسلات الداخلية والخارجية، كما استعمله الخطاطون للبطاقات الشخصية، والمستندات والشهادات، والمعايدات، ولوحات التحف الفنية والنحاسية وغيرها..
ولا يحتمل هذا الخط التشكيل، وله ميزة باستقامة سطوره من الأسفل.
وقد اعتبره الخطاطون من الخطوط المطاوعة، إذ امتاز بطواعية حروفه بأقلام خطّاطيّه، فهي ليّنة، وتكتب دائرية.
لقد ابتكره الخطاطون الأتراك، وبرعوا فيه وأجادوا، وأدخلوه في قصور خلفائهم، وجعلوا حروفه ملتوية جميلة، مما يبهر العين ويبهج القلب، وينهش النفس الذواقة.
عرف هذا الخط في عهد السلطان محمد الفاتح سنة 857هـ)، وهو الخط العربي الفني الرشيق السهل، تكتب به الكتب السلطانية، وبرع به الخطاط عثمان، ومن أنواعه : الجلي الديواني، والسنبلي).(11)
وقد استطاع الخطاطون أن يبتكروا من هذا الخط خطوطاً أخرى(12) منها.
1 ـ الخط الديواني المترابط: تتشابك في هذا الخط الحروف والكلمات، وقدأبدع في هذا الخط الخطاط المصري غزلان) فكتب فيه لوحات رائعة، وأطلق على هذا الخط الخط الغزلاني) لبراعته فيه.
2 ـ الخط الديواني الجلي: ابتكر هذا الخط العثمانيون، وبرع فيه الخطاط شهلان باشا) وسمي بجلي الديواني لوضوحه وجلاء حروفه وبيانها. وقد كتبت فيه المراسيم الملكية الفرمانات) والرسائل الموجهة إلى الدول الأجنبية.
ويعتبر هذا الخط من الخطوط الجميلة التي تكثر فيها النقاط والأوراق والأغصان، كما أن حروفه تتداخل بين بعضها، وتمتلئ الفراغات بين الحروف بهذا النوع الفريد من النقاط كتشكيلات زخرفية رائعة. ويكاد في بعض الأحيان أن يكون طلسماً عند غير الخطاطين، فلا يستطيعون قراءته.
وقد ابتكره الخطاط التركي البارع إبراهيم منيف عقيب فتح القسطنطينية، وسماه جلي الديواني) أو خفي الديواني).(13)
واستعمله الخطاطون في مجالات الترف والزينة، وكتبت به المستندات والصكوك، والشهادات العلمية، والعملات الورقية، والبطاقات الشخصية أحياناً، وكان العثمانيون قد استعملوه بعد فتح القسطنطينية لشيوعه في السجلات الرسمية والدواوين، وقد كاد أن يكون خاصة لكبار الحكام والوظائف العالية الرفيعة.
وتظهر جمالية هذا الخط في السطر أكثر منها في الكلمة:
أشهر من كان يكتبه من الخطاطين المعاصرين النابغة المرحوم هاشم محمد البغدادي والشيخ عزيز الرفاعي بمصر، والشيخ نسيب مكارم في لبنان).(14)
3 ـ الخط الديواني الجلي المحبوك: حيث جعل الخطاط نسبة الفراغ بين الحروف بقدر عرض ريشة الخط.
4 ـ الخط الديواني الجلي الهمايوني: وقد اختص بهذا الخط خطاطو الأتراك، وجعلوه للوحات الفنية المتميزة. وخاصة التي تصدر عن السلاطين.
5 ـ الخط الديواني الجلي الزورقي: وهو خط جميل يتضمن لوحة فنية جميلة في أغلب الأحيان، تكون سفينة لها شراع أو مجداف أو سفّان يديرها.
8- خط الطغراء
ويسمى خط الطُّرَّة)، وهو خط ولوحة جميلة، بشكل إبريق قهوة أو نحوه، كان خاصاً بالسلاطين، ثم كتبه الخطاطون لغيرهم، ويكتب عادة بخط الثلث، أو خط الإجازة. وقد أُحدث هذا الخط في أواخر العصر العباسي كنوع من أنواع فن الخط وتطوّره..
ورغم أن الطغراء كاد أن يكون من خطوط السلاطين العثمانيين، إلا أنّ المماليك قد استعملوه، لكن السلاطين العثمانيين هم الذين اختصوا باستعماله).(15)
ويشترط الخطاطون المبدعون لهذا الخط أن تكون في أعلاه ثلاثة ألِفات أو لامات، وقبضة كقبضة الإبريق، ومن القبضة في اليسار يتيامن خطَّان ليشكّلا فوهة الإبريق.
وقد انقرض هذا الخط بزوال الدولة العثمانية، لكن الخطاطين مازالوا يكتبون البسملة به، من باب حفظ الأثر، ويعدّونه من بدائع الخط العربي.
تكتب به الآيات القرآنية الكريمة، والأحاديث الشريفة، والحكم والأمثال، والأقوال المأثورة، ويجب أن تكون كلها على هيئة واحدة)(16) .
إن انقراض هذا النوع من الخطوط العربية يذكرنا بزوال كثير من الخطوط التي كانت معروفة في عصري الخلفاء الأمويين والعباسيين.
9- خط التاج
هو نفسه خط النسخ، إلاّ أن الخطاطين طوّروه. وهذا التطوّر كان بإيعاز من الملك المصري فؤاد الأول سنة 1349 هـ ـ 1925م)، للخطاط محمد محفوظ، حيث جعل هذا الخطاط الحرف الأول من السطر تاجاً، كما جعل هذا التاج في أسماء الأعلام، وابتداء الكلام، لكن الخطاطين الذين جاؤوا بعد الخطاط محمد محفوظ لم يلتزموا بما ابتدعه لهم، فصاروا يتوّجون كل كلمة يريدونها.
يعتبر خط التاج من الخطوط التي لم يحالفها الحظ في الانتشار في العمل الفني، والتجاري، والزخرفي، بل بقي مجاله منحصراً خلال فترة إبداعه، وانتشر فيما بعد بين الخطاطين كنوع من أنواع الخطوط المتطورة. بل نجد أن بعض الخطاطين قد كتبه أيضاً في مجموعاته من خط الرقعة أيضاً، ولكن خط الرقعة لم يكتب له الذيوع أبداً).(17)
10- الخط المغربي
يعتبر الخط المغربي من الخطوط المحلية في المغرب، إذ لم يستسغه خطاطو الشام ومصر والعراق وفارس، وقد حلّ هذا الخط محلّ الخط الكوفي الذي كان سائداً في بغداد حتى القرن الخامس الهجري، وهذا الخط يحمل أسماء أخرى كالخط القرطبي، والخط الأندلسي(18) . غير أن شهرته بالخط العربي أعم.
يمتاز باستدارة حروفه استدارة كبيرة. وقد تطور هذا الخط بعد أن ازدهرت الأندلس في القرنين الثامن والتاسع الهجريين، فطغى جمال الخط المغربي على سائر الخطوط الأخرى. وانتعش في القيروان مع انتعاشه في الأندلس، لوثوق الروابط بين المغرب العربي والأندلس.
وبعد القرن التاسع الهجري هبط الخط البياني لهذا الخط في تونس، وكاد يغيب جماله فيها، وإن لم تغب تلك الزخارف الجميلة التي كانت توشي المصاحف والكتب الأخرى، وخاصة الطبّية، فقد قلّت العناية بالخط المغربي في المصاحف التي كتبت في غرناطة وفاس في القرنين الرابع عشر والخامس عشر)(19) الميلاديين.
وقد أصبح هذا الخط الآن أثراً بعد عين..
(1) كيف نعلم الخط العربي ص82).
(2) تراجم خطاطي بغداد ص83)، عن تاريخ الخط العربي وآدابه ص104).
(3) الفنون الجميلة ص184).
(4) الفنون الجميلة ص180).
(5) الخط العربي ص53) .
(6) تراجم خطاطي بغداد ص83).
(7) الخط العربي ص53) .
( كيف نعلم الخط العربي ص100). تراجم خطاطي بغداد ص77) .
(9) تراجم خطاطي بغداد ص77).
(10) تراجم خطاطي بغداد ص77).
(11) الخط العربي ص57).
(12) كيف نعلم الخط العربي ص93-99).
(13) تراجم خطاطي بغداد ص91).
(14) تراجم خطاطي بغداد ص91) .
(15) الخط العربي ص57) .
(16) تراجم خطاطي بغداد ص94).
(17) تراجم خطاطي بغداد ص97)..
(18) تراجم خطاطي بغداد ص97).
(19) الخط العربي ص57).