إن الاهتزاز الكبير الذي تعرضت له القافية بعد ثورة الحداثة في الشعر العربي، أخضعها لمقاييس ومقاربات جديدة تنسجم مع طبيعة هذه الثورة وقوانينها، لذلك لم تستطع الاحتفاظ بشكلها التقليدي الموحد الذي سارت عليه القصيدة العربية عدة قرون.
ونتيجة لتأثيرات كثيرة-داخلية وخارجية- فقد تعددت أنماط القافية بتعدد مستويات أدائها، إذ إن "الشعراء لم يهملوا القافية في القصيدة الحرة بل طوروها لتكون أكثر مؤاتاة للبناء في القصيدة الحديثة"(1) .
كما أن وظائفها وخصائصها تعددت بتعدد أنماطها واتسمت في معظم استخداماتها بغنى دلالي يقدم مستويات جديدة في الأداء، وذلك بسبب الحرية في استخدامها أو تغييبها، مما ينفي صفة الاضطرار ويقصر الاستخدام التقفوي فيها على الحاجة الفعلية حسب، على عكس القصيدة التقليدية "العمودية" التي كان لا مناص فيها من استخدام القافية مما يضطر الشاعر أحياناً إلى التضحية بجزء كبير من قيمتها الدلالية كي يحافظ على الشكل العام للقصيدة.
وفي استقراء فاحص يزعم بشيء من الإحاطة والشمولية، استطاع البحث أن يكتشف أكثر أنماط التقفية استخداماً في الشعر العربي الحديث، مما يمكن أن يشكل ظواهر جماعية واضحة وليست فردية محدودة الاستخدام، إذ أن أنماطاً معينة محددة يمكن العثور عليها في هذه التقفية أو تلك وعند هذا الشاعر أو ذاك، لكنها قد تكون يتيمة ولا يمكن أن تشكل ظاهرة تغري بالحديث والتحليل والمعاينة.