1. ظلام للعبيد
جاء في خمس مواضع من القرآن الكريم بأن الله ليس بظلام للعبيد ؛ ثبتت الألف في موضع واحد؛ وحذفت في المواضع الأربعة الباقية.
واختلف موضع الإثبات عن مواضع الحذف في أن النفي للظلم كان عن عبيد موجودين وقت نزول الآية؛ فعرفهم الله ذنبهم؛ ومصيرهم، وهددهم بعذاب الحريق الذي لم يأت بعد، وأن الله ليس بظلام لهم، فقوله تعالى "سنكتب ما قالوا" بعد أن قد قالوا قولهم؛ أي سنثبت عليهم قولهم، ومن خرج من كفره إلى الإسلام بعد ذلك؛ فسيسقط عنه هذا القول، ولا يثبت عليه، ولن يذوق عذاب الحريق؛ فالتهديد هو في يوم لم يأت بعد، والتهديد قائم ممتد حتى يأتي ذلك اليوم الذي يحاسبون فيه.
والظلم في الأصل هو النقصان؛ فالنقص ممن له الحق وصرفه لغيره يعد ظلمًا، ولذلك كان الشرك ظلمًا لأن فيه نقص من حق الله في العبادة وصرفه لغيره بغير حق، والنزع من صاحب الحق وإعطائه لغيره اقتصاصًا لا يعد ظلمًا، ومن هذا فعل الله تعالى في التسوية بين الناس.
ونقصان الحق في الحالين يغضب أو يحزن صاحب الحق.
فكان هذا النفي للظلم في الدنيا قبل الآخرة، وهناك في الدنيا من يظلم غيره؛ لذلك ثبتت الألف فيه.للدلالة على نفي الظلم عن الله في الدنيا والآخرة، وإثبات أن هناك غير الله تعالى من يظلم في الدنيا.
قال تعالى : (لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ (181) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ (182) آل عمران؟
أما بقية المواضع فموجه فيها القول لمن مات على الكفر، أو يقال لهم ذلك في يوم الحساب؛ أو بعد إدخالهم النار؛ وقد انتهى كل شيء، ولا عمل لهم جديد، ولا حساب جديد بعد يوم الحساب؛ لذلك سقطت الألف لانتهاء الأمر، ولا أحد غير الله تعالى يأخذ من حق أحد ويعطيه لغيره؛
قال تعالى : (وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلَّـاـمٍ لِّلْعَبِيدِ (51) الأنفال.
قال تعالى : (ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّـاـمٍ لِّلْعَبِيدِ (10) الحج
قال تعالى : (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـاـمٍ لِّلْعَبِيدِ (46) فصلت.
قال تعالى : (مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّـاـمٍ لِّلْعَبِيدِ (29) ق.
2. الغفار :
ورد اسم الغفار معرفًا بالألف واللام في ثلاث آيات؛ لم تثبت فيها الألف؛ لأن التعريف خص الله تعالى بالمغفرة، ولم يساوه أحد فيه، فكان إسقاط الألف لسقوط الند والنظير الذي يوصف بما وصف به تعالى بالمغفرة. والاسم جاء في سياق من ثبت له هذا الوصف في كل وقت؛ من غير ذكر للتوبة والاستغفار. وربط بعزة الله تعالى؛ لأن غفرانه تعالى ليس عن أخذ عوض، وأيضًا الغفران هو إسقاط العقاب وليس فيه زيادة في العطاء.
قال تعالى: (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّـاـرُ (66) ص
وقال تعالى: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّـاـرُ (5) الزمر
وقال تعالى: (تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّـاـرُ (42) غافر
أما إثبات الألف فجاء في سياق التوبة والدعوة إلى الله تعالى ليغفر الذنوب في آيتين؛
قال تعالى : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82) طه.
وقال تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) نوح.
فكان إثبات الألف هو لبيان أن المغفرة الموعودة بها؛
أولاً : ليست للجميع ؛ فمن تاب وآمن وعمل صالحًا؛ ينالها، ومن لم يفعل ذلك لن ينلها.
وثانيًا : أن المغفرة يتبعها عطاء وجزاء، فمن تاب يسقط ذنبه، ويسجل أجره على إيمانه وعمله الصالح، واستغفار قوم نوح عليه السلام؛ يسقط عنهم ذنوبهم ويمدهم بما ذكره الله تعالى: (يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا (12) نوح.
وثالثًَا : أن غفران الله تعالى أعلى وأعظم من غفران الناس للناس؛
فقد قال تعالى : (قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِما كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) الجاثية وقال تعالى: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (22) النور. فمن يغفر فهو غافر ، لكن شتان بين مغفرة الله لعباده ومغفرة العباد للعباد.
فإثبات الألف جاءت موافقة لما عليه الواقع، فمغفرة الله لا تساويها مغفرة العباد، وأن المغفرة لا ينالها إلا من تاب وآمن وعمل صالحًا، وأن بعد المغفرة عطاء وجزاء من الله تعالى؛ وكلها من مسوغات إثبات الألف.
3. القادر:
وصف الله تعالى نفسه بأنه قادر في أمور لم يفعلها بعد؛ مبينًا أن صفة القدرة قائمة فيه، وممتدة معه سبحانه وتعالى؛ فمتى شاء فعل، وإذا لم يشأ لم يفعل؛ فثبتت لذلك الألف في هذه المواضع؛
قال تعالى: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَـاـتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) الأنعام.
وقال تعالى: (وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلٍ آيَةً وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (37) الأنعام
وقال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَـاـوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّـاـلِمُونَ إَلاَّ كُفُورًا (99) الإسراء.
وقال تعالى: (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَـاـنُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ( الطارق
ووصف الله تعالى نفسه بقادر في سياق الاستفهام التقريري؛ لأن التقرير يكون في الإجابة، ولو كانت الألف ثابتة لكان التقرير لما هو مقرر، ونافى ذلك أسلوب الاستفهام؛ والله تعالى يريد منهم أن يقروا بما عرفوا من قدرة الله السابقة في خلقه للسموات والأرض، وخلقه للإنسان من نطفة؛ بأن الله عز وجل قادر على أن يخلق مثلهم، وقادر على أن يحيى الموتى. فكان الحذف لأجل الاستفهام التقريري.
قال تعالى: (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَـاـوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَـاـدِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلّـَاـقُ الْعَلِيمُ (81) يس.
وقال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَـاـوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَـاـدِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (33) الأحقاف.
وقال تعالى: (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَـاـدِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40) القيامة
4. القهار :
القهر في الدنيا من الله ومن الملائكة ومن الناس بعضهم لبعض، والقهر في الآخرة من الله تعالى، ومن الملائكة بأمر من الله بجر وحمل وعتل الذين كفروا إلى النار.
ولذلك أثبتت ألف القهار في الكل إلا في موضع واحد؛ حتى يتميز وصف الله بهذه الصفة فوق الذي يتصفون بها ؛
قال تعالى : (يـاـصَاحِبَيِ السِّجْنِ ءَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) يوسف.
قال تعالى : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَـاـوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48)إبراهيم
قال تعالى : (قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (65) ص.
قال تعالى : (لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَّاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاء سُبْحَـاـنَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (4) الزمر.
قال تعالى : (يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16) غافر.
أما الموضع الذي حذفت فيه الألف فكان في؛
قوله تعالى : (قُلِ اللّهُ خَـاـلِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّـاـرُ (16) الرعد،
لما ذكر الله تعالى أنه خالق كل شيء؛ فشمل ذلك الإنس والجن والملائكة، فكان القهر للجميع بلا استثناء؛ فانفرد الله تعالى وحده بهذا الوصف، دون أن يتصف به أحد غيره؛ لذلك حذفت الألف لبيان عدم وجود غير الله تعالى يحمل هذه الصفة في الشأن الذي ذكره الله تعالى في الآية؛ وهو خلقه لكل شيء وقهره له.
5. هادي
الهداية تكون من الله تعالى مباشرة دون وسيط بين العبد وربه، وتكون بعد وجود الوسيط ممن يبعثهم الله تعالى من الأنبياء والرسل، ومن أتباع الرسل، فكان إثبات الألف للتفريق بين هداية الله وهداية غيره؛
قال تعالى : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31) الفرقان. فقوله تعالى وكفى بربك هاديًا ما يدل على وجود غيره وإن كان دونه في الهداية.
وأثبتت الألف في موضع نفي وجود الهادي لمن يضلل الله من الأنبياء والرسل وأتباعهم وكل من يهدي الناس للحق:
قال تعالى : (مَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَـاـنِهِمْ يَعْمَهُونَ (186) الأعراف
ولما جاء تخصيص صفة الهادي للرسول صلى الله عليه وسلم دون غيره، سقطت الألف لعدم وجود آخر مقصود معه؛
قال تعالى : (وَمَا أَنتَ بِهَـاـدِي الْعُمْيِ عَن ضَلَـاـلَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَـاـتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ (81) النمل.
قال تعالى : (وَمَا أَنتَ بِهَـاـدِ الْعُمْيِ عَن ضَلَـاـلَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَـاـتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ (53) الروم.
جاء في خمس مواضع من القرآن الكريم بأن الله ليس بظلام للعبيد ؛ ثبتت الألف في موضع واحد؛ وحذفت في المواضع الأربعة الباقية.
واختلف موضع الإثبات عن مواضع الحذف في أن النفي للظلم كان عن عبيد موجودين وقت نزول الآية؛ فعرفهم الله ذنبهم؛ ومصيرهم، وهددهم بعذاب الحريق الذي لم يأت بعد، وأن الله ليس بظلام لهم، فقوله تعالى "سنكتب ما قالوا" بعد أن قد قالوا قولهم؛ أي سنثبت عليهم قولهم، ومن خرج من كفره إلى الإسلام بعد ذلك؛ فسيسقط عنه هذا القول، ولا يثبت عليه، ولن يذوق عذاب الحريق؛ فالتهديد هو في يوم لم يأت بعد، والتهديد قائم ممتد حتى يأتي ذلك اليوم الذي يحاسبون فيه.
والظلم في الأصل هو النقصان؛ فالنقص ممن له الحق وصرفه لغيره يعد ظلمًا، ولذلك كان الشرك ظلمًا لأن فيه نقص من حق الله في العبادة وصرفه لغيره بغير حق، والنزع من صاحب الحق وإعطائه لغيره اقتصاصًا لا يعد ظلمًا، ومن هذا فعل الله تعالى في التسوية بين الناس.
ونقصان الحق في الحالين يغضب أو يحزن صاحب الحق.
فكان هذا النفي للظلم في الدنيا قبل الآخرة، وهناك في الدنيا من يظلم غيره؛ لذلك ثبتت الألف فيه.للدلالة على نفي الظلم عن الله في الدنيا والآخرة، وإثبات أن هناك غير الله تعالى من يظلم في الدنيا.
قال تعالى : (لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ (181) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ (182) آل عمران؟
أما بقية المواضع فموجه فيها القول لمن مات على الكفر، أو يقال لهم ذلك في يوم الحساب؛ أو بعد إدخالهم النار؛ وقد انتهى كل شيء، ولا عمل لهم جديد، ولا حساب جديد بعد يوم الحساب؛ لذلك سقطت الألف لانتهاء الأمر، ولا أحد غير الله تعالى يأخذ من حق أحد ويعطيه لغيره؛
قال تعالى : (وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلَّـاـمٍ لِّلْعَبِيدِ (51) الأنفال.
قال تعالى : (ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّـاـمٍ لِّلْعَبِيدِ (10) الحج
قال تعالى : (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـاـمٍ لِّلْعَبِيدِ (46) فصلت.
قال تعالى : (مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّـاـمٍ لِّلْعَبِيدِ (29) ق.
2. الغفار :
ورد اسم الغفار معرفًا بالألف واللام في ثلاث آيات؛ لم تثبت فيها الألف؛ لأن التعريف خص الله تعالى بالمغفرة، ولم يساوه أحد فيه، فكان إسقاط الألف لسقوط الند والنظير الذي يوصف بما وصف به تعالى بالمغفرة. والاسم جاء في سياق من ثبت له هذا الوصف في كل وقت؛ من غير ذكر للتوبة والاستغفار. وربط بعزة الله تعالى؛ لأن غفرانه تعالى ليس عن أخذ عوض، وأيضًا الغفران هو إسقاط العقاب وليس فيه زيادة في العطاء.
قال تعالى: (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّـاـرُ (66) ص
وقال تعالى: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّـاـرُ (5) الزمر
وقال تعالى: (تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّـاـرُ (42) غافر
أما إثبات الألف فجاء في سياق التوبة والدعوة إلى الله تعالى ليغفر الذنوب في آيتين؛
قال تعالى : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82) طه.
وقال تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) نوح.
فكان إثبات الألف هو لبيان أن المغفرة الموعودة بها؛
أولاً : ليست للجميع ؛ فمن تاب وآمن وعمل صالحًا؛ ينالها، ومن لم يفعل ذلك لن ينلها.
وثانيًا : أن المغفرة يتبعها عطاء وجزاء، فمن تاب يسقط ذنبه، ويسجل أجره على إيمانه وعمله الصالح، واستغفار قوم نوح عليه السلام؛ يسقط عنهم ذنوبهم ويمدهم بما ذكره الله تعالى: (يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا (12) نوح.
وثالثًَا : أن غفران الله تعالى أعلى وأعظم من غفران الناس للناس؛
فقد قال تعالى : (قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِما كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) الجاثية وقال تعالى: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (22) النور. فمن يغفر فهو غافر ، لكن شتان بين مغفرة الله لعباده ومغفرة العباد للعباد.
فإثبات الألف جاءت موافقة لما عليه الواقع، فمغفرة الله لا تساويها مغفرة العباد، وأن المغفرة لا ينالها إلا من تاب وآمن وعمل صالحًا، وأن بعد المغفرة عطاء وجزاء من الله تعالى؛ وكلها من مسوغات إثبات الألف.
3. القادر:
وصف الله تعالى نفسه بأنه قادر في أمور لم يفعلها بعد؛ مبينًا أن صفة القدرة قائمة فيه، وممتدة معه سبحانه وتعالى؛ فمتى شاء فعل، وإذا لم يشأ لم يفعل؛ فثبتت لذلك الألف في هذه المواضع؛
قال تعالى: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَـاـتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) الأنعام.
وقال تعالى: (وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلٍ آيَةً وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (37) الأنعام
وقال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَـاـوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّـاـلِمُونَ إَلاَّ كُفُورًا (99) الإسراء.
وقال تعالى: (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَـاـنُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ( الطارق
ووصف الله تعالى نفسه بقادر في سياق الاستفهام التقريري؛ لأن التقرير يكون في الإجابة، ولو كانت الألف ثابتة لكان التقرير لما هو مقرر، ونافى ذلك أسلوب الاستفهام؛ والله تعالى يريد منهم أن يقروا بما عرفوا من قدرة الله السابقة في خلقه للسموات والأرض، وخلقه للإنسان من نطفة؛ بأن الله عز وجل قادر على أن يخلق مثلهم، وقادر على أن يحيى الموتى. فكان الحذف لأجل الاستفهام التقريري.
قال تعالى: (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَـاـوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَـاـدِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلّـَاـقُ الْعَلِيمُ (81) يس.
وقال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَـاـوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَـاـدِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (33) الأحقاف.
وقال تعالى: (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَـاـدِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40) القيامة
4. القهار :
القهر في الدنيا من الله ومن الملائكة ومن الناس بعضهم لبعض، والقهر في الآخرة من الله تعالى، ومن الملائكة بأمر من الله بجر وحمل وعتل الذين كفروا إلى النار.
ولذلك أثبتت ألف القهار في الكل إلا في موضع واحد؛ حتى يتميز وصف الله بهذه الصفة فوق الذي يتصفون بها ؛
قال تعالى : (يـاـصَاحِبَيِ السِّجْنِ ءَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) يوسف.
قال تعالى : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَـاـوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48)إبراهيم
قال تعالى : (قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (65) ص.
قال تعالى : (لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَّاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاء سُبْحَـاـنَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (4) الزمر.
قال تعالى : (يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16) غافر.
أما الموضع الذي حذفت فيه الألف فكان في؛
قوله تعالى : (قُلِ اللّهُ خَـاـلِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّـاـرُ (16) الرعد،
لما ذكر الله تعالى أنه خالق كل شيء؛ فشمل ذلك الإنس والجن والملائكة، فكان القهر للجميع بلا استثناء؛ فانفرد الله تعالى وحده بهذا الوصف، دون أن يتصف به أحد غيره؛ لذلك حذفت الألف لبيان عدم وجود غير الله تعالى يحمل هذه الصفة في الشأن الذي ذكره الله تعالى في الآية؛ وهو خلقه لكل شيء وقهره له.
5. هادي
الهداية تكون من الله تعالى مباشرة دون وسيط بين العبد وربه، وتكون بعد وجود الوسيط ممن يبعثهم الله تعالى من الأنبياء والرسل، ومن أتباع الرسل، فكان إثبات الألف للتفريق بين هداية الله وهداية غيره؛
قال تعالى : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31) الفرقان. فقوله تعالى وكفى بربك هاديًا ما يدل على وجود غيره وإن كان دونه في الهداية.
وأثبتت الألف في موضع نفي وجود الهادي لمن يضلل الله من الأنبياء والرسل وأتباعهم وكل من يهدي الناس للحق:
قال تعالى : (مَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَـاـنِهِمْ يَعْمَهُونَ (186) الأعراف
ولما جاء تخصيص صفة الهادي للرسول صلى الله عليه وسلم دون غيره، سقطت الألف لعدم وجود آخر مقصود معه؛
قال تعالى : (وَمَا أَنتَ بِهَـاـدِي الْعُمْيِ عَن ضَلَـاـلَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَـاـتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ (81) النمل.
قال تعالى : (وَمَا أَنتَ بِهَـاـدِ الْعُمْيِ عَن ضَلَـاـلَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَـاـتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ (53) الروم.