الكتاب: علوم البلاغة «البديع والبيان والمعاني»
المؤلف: الدكتور محمد أحمد قاسم، الدكتور محيي الدين ديب
2 - أقسامه:
ذهب الخطيب القزويني إلى أنه (2) «أربعة أقسام، لأنّ الوصف إمّا ثابت قصد به بيان علّته، أو غير ثابت أريد إثباته، والأوّل إمّا أن لا
__________
(1). معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب، وهبة- المهندس، ص 84.
(2). الإيضاح في علوم البلاغة، الخطيب القزويني، ص 518.
يظهر له في العادة علّة، أو يظهر له علّة غير المذكورة، والثاني إمّا ممكن، أو غير ممكن».
1 - القسم الأول: وصف ثابت غير ظاهر العلة، مثاله قول المتنبّي (الكامل):
لم يحك نائلك السّحاب وإنما … حمّت به فصبيبها الرّحضاء
«فنزول المطر لا يظهر له في العادة علّة» كما يقول القزويني (1).
ومنه أيضا قول أبي تمام (الكامل):
لا تنكري عطل الكريم من الغنى … فالسّيل حرب للمكان العالي
علّل أبو تمّام عدم إصابة الغنى الكريم بتشبيه غير ظاهر العلّة عادة؛ فالسّيل لا يصيب المكان العالي، والغنى لا يصيب الكريم، ووجه الشبه يكمن في أن الكريم عالي القدر كالمكان العالي، والغنى لحاجة الناس إليه يتدفّق كالسيل الجارف من القمم فلا يحبس مياها كما لا يحبس الغني مالا. وإذا فتّشنا عن علّة خلوّ الكريم من المال ما وجدنا علّة ظاهرة لذلك ظاهرة في البيت، وكذلك لا نجد علّة ظاهرة لعدم احتفاظ المرتفعات بمياهها.
ومن طريف الأمثلة على هذا الضرب قول أبي هلال العسكري (الكامل):
زعم البنفسج أنّه كعذاره … حسنا فسلّوا من قفاه لسانه
__________
(1). الإيضاح في علوم البلاغة، الخطيب القزويني، ص 518.
إن خروج ورقة البنفسج إلى الخلف وصف ثابت في زهرة البنفسج، وهذا الخروج لا علّة له لأنه هكذا خلق منذ عرف البنفسج، لكنّ الشاعر التمس له عذرا طريفا هو الافتراء على المحبوب.
2 - القسم الثاني: وصف ثابت ظاهر العلّة:
مثاله قول المتنبّي (الرّمل):
ما به قتل أعاديه، ولكن … يتّقي إخلاف ما ترجو الذئاب
اعتاد الناس أن يعلّلوا قتل الملوك والسلاطين لأعدائهم بنشدانهم صفاء الجوّ وعدم تعكير الأمن بالثورة أو التمرّد أو ما يشبه ذلك، ولكن الشاعر فاجأهم بتعليل آخر غريب وغير متوقع تمثّل في خوف الملك والسلطان على الذئاب الضارية التي ترتقب أكل جثث القتلى المتساقطة تحت ضربات الملك فيوفّر لها طعامها، ويخاف الملك أو السلطان أن يخيّب رجاءها لذلك فهو شديد الفتك بالأعداء لا كرها بهم أو خوفا منهم على ملكه لكن رغبة في توفير طعام للكواسر التي لا يريد إصابتها بخيبة أو صدمة وهي التي عودّها على توفير غذائها كلّما جرّد للعدو
سلاحا.
ومنه قول أحدهم (المتقارب):
أتتني تؤنّبني بالبكا … فأهلا بها وبتأنيبها
تقول- وفي قولها حشمة- … أتبكي بعين تراني بها؟!
فقلت: إذا استحسنت غيركم … أمرت الدموع بتأديبها
تسكب العين دمعها عادة من حزن يسببه إعراض الحبيب وهجرانه، وفقدان عزيز وما إلى ذلك من أسباب الاكتئاب، لكن الشاعر ابتكر علّة طريفة غير متوقّعة لتهطال الدمع تمثّلت في إرادة تأديب عينه
لأنّها استحسنت رؤية غير الحبيب فكان الدمع قصاصا لها. وفي هذا التعليل خيال لافت وذكاء خارق ومخالفة للمألوف يجنح إليه الفن وينفرد به الفنّان الأصيل الذي يسعى للخروج على المماثلة والمشاكلة ويجنح للفرادة والتميّز.
الثالث: وصف غير ثابت: وهذا الوصف يجوز أن يكون ممكنا كما يجوز ان يكون غير ممكن.
1 - الوصف غير الثابت الممكن، ومثاله، قول مسلم بن الوليد (البسيط):
يا واشيا حسنت فينا إساءته … نجّى حذارك إنساني من الغرق
خالف الشاعر المألوف في معنى ذهب إليه وهو حسن إساءة الواشي.
وأن يستحسن المرء وشاية الواشي أمر ممكن، ولكنّه خالف الناس في استحسانه هذا فاضطر إلى تبرير الاستحسان قائلا: إن حذار الواشي منعه من البكاء لكي لا يشمت به وإلا فإن البكاء كان قد أغرق إنسان عينه بالدمع (الإنسان: البؤبؤ).
2 - وصف غير ثابت وغير ممكن كقول القزويني (البسيط):
لو لم تكن نيّة الجوزاء خدمته … لما رأيت عليها عقد منتطق
ذهب الشاعر إلى أن الجوزاء تريد خدمة الممدوح، وهذه صفة غير ثابتة وغير ممكنة أيضا لا بل هي ممتنعة، ولكنّه علّلها بعلّة طريفة ادّعاها خيال مقبول عند ما تخيّل النجوم تحيط بالجوزاء فتشكّل حولها
نطاقا شبيها بالخدم المحيطين بالممدوح متحفّزين لتلبية طلبه وهم رهن إشارته. فالتعليل مبنيّ على قوّة تخييل.
تمرينات:
1 - إشرح الأبيات الآتية، مبيّنا حسن التعليل فيها وأقسامه:
- ما زلزلت مصر من كيد يراد بها … وإنّما رقصت من عدله طربا
- أرى بدر السماء يلوح حينا … ويبدو ثم يلتحف السحابا
وذاك لأنّه لمّا تبدّى … وأبصر وجهك استحيا وغابا
- استشعر الكتّاب فقدك سالفا … وقضت بصحّة ذلك الأيام
فلذاك سوّدت الدّويّ كآبة … أسفا عليك وشقّت الأقلام
- سبقت إليك من الحدائق وردة … وأتتك قبل أوانها تطفيلا
طمعت بلثمك إذ رأتك فجمّعت … فمها إليك كطالب تقبيلا
- عيون تبر كأنّها سرقت … سواد أحداقها من الغسق
فإن دجا ليلها بظلمته … تضمّها خيفة من السّرق
- عداتي لهم فضل عليّ ومنّة … فلا أذهب الرحمن عنّي الأعاديا
همو بحثوا عن زلّتي فاجتنبتها … وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا
- لو لم يكن أقحوانا ثغر مبسمها … ما كان يزداد طيبا ساعة السّحر
المؤلف: الدكتور محمد أحمد قاسم، الدكتور محيي الدين ديب
2 - أقسامه:
ذهب الخطيب القزويني إلى أنه (2) «أربعة أقسام، لأنّ الوصف إمّا ثابت قصد به بيان علّته، أو غير ثابت أريد إثباته، والأوّل إمّا أن لا
__________
(1). معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب، وهبة- المهندس، ص 84.
(2). الإيضاح في علوم البلاغة، الخطيب القزويني، ص 518.
يظهر له في العادة علّة، أو يظهر له علّة غير المذكورة، والثاني إمّا ممكن، أو غير ممكن».
1 - القسم الأول: وصف ثابت غير ظاهر العلة، مثاله قول المتنبّي (الكامل):
لم يحك نائلك السّحاب وإنما … حمّت به فصبيبها الرّحضاء
«فنزول المطر لا يظهر له في العادة علّة» كما يقول القزويني (1).
ومنه أيضا قول أبي تمام (الكامل):
لا تنكري عطل الكريم من الغنى … فالسّيل حرب للمكان العالي
علّل أبو تمّام عدم إصابة الغنى الكريم بتشبيه غير ظاهر العلّة عادة؛ فالسّيل لا يصيب المكان العالي، والغنى لا يصيب الكريم، ووجه الشبه يكمن في أن الكريم عالي القدر كالمكان العالي، والغنى لحاجة الناس إليه يتدفّق كالسيل الجارف من القمم فلا يحبس مياها كما لا يحبس الغني مالا. وإذا فتّشنا عن علّة خلوّ الكريم من المال ما وجدنا علّة ظاهرة لذلك ظاهرة في البيت، وكذلك لا نجد علّة ظاهرة لعدم احتفاظ المرتفعات بمياهها.
ومن طريف الأمثلة على هذا الضرب قول أبي هلال العسكري (الكامل):
زعم البنفسج أنّه كعذاره … حسنا فسلّوا من قفاه لسانه
__________
(1). الإيضاح في علوم البلاغة، الخطيب القزويني، ص 518.
إن خروج ورقة البنفسج إلى الخلف وصف ثابت في زهرة البنفسج، وهذا الخروج لا علّة له لأنه هكذا خلق منذ عرف البنفسج، لكنّ الشاعر التمس له عذرا طريفا هو الافتراء على المحبوب.
2 - القسم الثاني: وصف ثابت ظاهر العلّة:
مثاله قول المتنبّي (الرّمل):
ما به قتل أعاديه، ولكن … يتّقي إخلاف ما ترجو الذئاب
اعتاد الناس أن يعلّلوا قتل الملوك والسلاطين لأعدائهم بنشدانهم صفاء الجوّ وعدم تعكير الأمن بالثورة أو التمرّد أو ما يشبه ذلك، ولكن الشاعر فاجأهم بتعليل آخر غريب وغير متوقع تمثّل في خوف الملك والسلطان على الذئاب الضارية التي ترتقب أكل جثث القتلى المتساقطة تحت ضربات الملك فيوفّر لها طعامها، ويخاف الملك أو السلطان أن يخيّب رجاءها لذلك فهو شديد الفتك بالأعداء لا كرها بهم أو خوفا منهم على ملكه لكن رغبة في توفير طعام للكواسر التي لا يريد إصابتها بخيبة أو صدمة وهي التي عودّها على توفير غذائها كلّما جرّد للعدو
سلاحا.
ومنه قول أحدهم (المتقارب):
أتتني تؤنّبني بالبكا … فأهلا بها وبتأنيبها
تقول- وفي قولها حشمة- … أتبكي بعين تراني بها؟!
فقلت: إذا استحسنت غيركم … أمرت الدموع بتأديبها
تسكب العين دمعها عادة من حزن يسببه إعراض الحبيب وهجرانه، وفقدان عزيز وما إلى ذلك من أسباب الاكتئاب، لكن الشاعر ابتكر علّة طريفة غير متوقّعة لتهطال الدمع تمثّلت في إرادة تأديب عينه
لأنّها استحسنت رؤية غير الحبيب فكان الدمع قصاصا لها. وفي هذا التعليل خيال لافت وذكاء خارق ومخالفة للمألوف يجنح إليه الفن وينفرد به الفنّان الأصيل الذي يسعى للخروج على المماثلة والمشاكلة ويجنح للفرادة والتميّز.
الثالث: وصف غير ثابت: وهذا الوصف يجوز أن يكون ممكنا كما يجوز ان يكون غير ممكن.
1 - الوصف غير الثابت الممكن، ومثاله، قول مسلم بن الوليد (البسيط):
يا واشيا حسنت فينا إساءته … نجّى حذارك إنساني من الغرق
خالف الشاعر المألوف في معنى ذهب إليه وهو حسن إساءة الواشي.
وأن يستحسن المرء وشاية الواشي أمر ممكن، ولكنّه خالف الناس في استحسانه هذا فاضطر إلى تبرير الاستحسان قائلا: إن حذار الواشي منعه من البكاء لكي لا يشمت به وإلا فإن البكاء كان قد أغرق إنسان عينه بالدمع (الإنسان: البؤبؤ).
2 - وصف غير ثابت وغير ممكن كقول القزويني (البسيط):
لو لم تكن نيّة الجوزاء خدمته … لما رأيت عليها عقد منتطق
ذهب الشاعر إلى أن الجوزاء تريد خدمة الممدوح، وهذه صفة غير ثابتة وغير ممكنة أيضا لا بل هي ممتنعة، ولكنّه علّلها بعلّة طريفة ادّعاها خيال مقبول عند ما تخيّل النجوم تحيط بالجوزاء فتشكّل حولها
نطاقا شبيها بالخدم المحيطين بالممدوح متحفّزين لتلبية طلبه وهم رهن إشارته. فالتعليل مبنيّ على قوّة تخييل.
تمرينات:
1 - إشرح الأبيات الآتية، مبيّنا حسن التعليل فيها وأقسامه:
- ما زلزلت مصر من كيد يراد بها … وإنّما رقصت من عدله طربا
- أرى بدر السماء يلوح حينا … ويبدو ثم يلتحف السحابا
وذاك لأنّه لمّا تبدّى … وأبصر وجهك استحيا وغابا
- استشعر الكتّاب فقدك سالفا … وقضت بصحّة ذلك الأيام
فلذاك سوّدت الدّويّ كآبة … أسفا عليك وشقّت الأقلام
- سبقت إليك من الحدائق وردة … وأتتك قبل أوانها تطفيلا
طمعت بلثمك إذ رأتك فجمّعت … فمها إليك كطالب تقبيلا
- عيون تبر كأنّها سرقت … سواد أحداقها من الغسق
فإن دجا ليلها بظلمته … تضمّها خيفة من السّرق
- عداتي لهم فضل عليّ ومنّة … فلا أذهب الرحمن عنّي الأعاديا
همو بحثوا عن زلّتي فاجتنبتها … وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا
- لو لم يكن أقحوانا ثغر مبسمها … ما كان يزداد طيبا ساعة السّحر