في شهر رمضان الكريم ينسحب الطعام من الموائد في النهار، فيعوّض نفسه بأكثر من صورة، وحيثما أمكنه أن يفعل.
وهكذا تنبعث وصفات من الراديو، وبرامج تُبث على القنوات التلفزية، وصفحات خاصة بمختلف "الشهيوات" تنشرها الجرائد والمجلات، وصور لأطباق شهية تملأ مواقع التواصل الاجتماعي، كما أن الطعام بات موضوعا يثار في المكالمات الهاتفية بين الأهل والأحباب..
ولا يعود هذا الطعام إلى نفسه من جديد إلّا بحلول مائدة الإفطار في الشهر الفضيل.
جريدة هسبريس الإلكترونية ارتأت أن تتحف قراءها خلال شهر رمضان المبارك بحلقات من كتاب "ديوان المائدة" للشاعر والكاتب المغربي المتألق سعد سرحان، وهو يقدم صورا غير مألوفة للطعام.
عملة
إذا كانت الدعارة أقدم مهنة في التاريخ، فلأن حرائر أول الزمان كنَّ يأكلن بأثدائهن إذا جعن، ذلك أن الغرائز لا الأخلاق هي ما كان مؤشرا في بوصلة الحياة. هكذا كانت النساء يمنحن المتعة لمن يضع الثمار والطرائد بين أفخاذهن، حتى إذا وَلَغْنَ فيها سمحن بالإيغال فيهن. وتلك كانت أول صفقة عقدها الرجل والمرأة: الجنس مقابل الغذاء.
الطعام، إذن، هو أول عملة في التاريخ.
قبل ظهور العملة بالشكل المتعارف عليه، كان الطعام، كغيره من البضائع، عملة قائمة الذات. فالمبادلات التجارية كانت تتم وفق المقايضة، وقيمة هذه السلعة أو تلك تتحدّد بمدى الحاجة إليها. فعكس البورصة الآن، حيث تتحدّد يوميا قيم العملات بدلالة بعضها بأرقام دقيقة، فإن بورصة ذلك الزمان، التي لم يكن لها وجود أصلا، كانت تساوي بين الملح والذهب.
وحتى أيامنا هذه، وفي غير مكان من العالم، ما زال كثير من الناس يتقاضون أجورهم، لا على شكل أوراق مالية وإنما على شكل طعام. كما أن هناك من يتصدّق بالأرغفة وكأنها قطع نقدية كبيرة.
من القطع النقدية إلى الأوراق المالية إلى الشيكات والسندات والأسهم والبطائق البنكية... تطوّرت العملة بشكل مذهل. ومع ذلك لا يزال الطعام عملة رائجة.
بيان
بين الطعام والكلام أكثر من آصرة. فالثاني يخرج من حيث يدخل الأول، فأحدهما دفين الفم والآخر وليده. وكما أن من البيان لسحرًا، فإن من الطعام لسحرًا أيضا. فاللسان الذي ينطق هو نفسه الذي يتذوّق.
للكلام مراتب وللطعام مثلها. فمن الكلام البذيءُ والفاحش والسوقي والركيك والعادي والجميل والبليغ... ومن الطعام الرديءُ والعفن والفاسد والمسموم والدسم واللذيذ...
في اللحظات التاريخية الحاسمة يحتاج الكلام إلى كل ترسانته البلاغية، حتى أن بعض القصائد والخطب كانت بمثابة الفيالق التي تتقدّم الجيوش.
وفي المناسبات الشخصية المهمة ينوب الطعام عن الكلام في الإعراب عن الكرم والمحبة والفرح... فللطعام فصاحته أيضًا.
بين الطعام والكلام كل الأواصر، فالأطباق نصوص والطهاة نحاة المطابخ.
وهكذا تنبعث وصفات من الراديو، وبرامج تُبث على القنوات التلفزية، وصفحات خاصة بمختلف "الشهيوات" تنشرها الجرائد والمجلات، وصور لأطباق شهية تملأ مواقع التواصل الاجتماعي، كما أن الطعام بات موضوعا يثار في المكالمات الهاتفية بين الأهل والأحباب..
ولا يعود هذا الطعام إلى نفسه من جديد إلّا بحلول مائدة الإفطار في الشهر الفضيل.
جريدة هسبريس الإلكترونية ارتأت أن تتحف قراءها خلال شهر رمضان المبارك بحلقات من كتاب "ديوان المائدة" للشاعر والكاتب المغربي المتألق سعد سرحان، وهو يقدم صورا غير مألوفة للطعام.
عملة
إذا كانت الدعارة أقدم مهنة في التاريخ، فلأن حرائر أول الزمان كنَّ يأكلن بأثدائهن إذا جعن، ذلك أن الغرائز لا الأخلاق هي ما كان مؤشرا في بوصلة الحياة. هكذا كانت النساء يمنحن المتعة لمن يضع الثمار والطرائد بين أفخاذهن، حتى إذا وَلَغْنَ فيها سمحن بالإيغال فيهن. وتلك كانت أول صفقة عقدها الرجل والمرأة: الجنس مقابل الغذاء.
الطعام، إذن، هو أول عملة في التاريخ.
قبل ظهور العملة بالشكل المتعارف عليه، كان الطعام، كغيره من البضائع، عملة قائمة الذات. فالمبادلات التجارية كانت تتم وفق المقايضة، وقيمة هذه السلعة أو تلك تتحدّد بمدى الحاجة إليها. فعكس البورصة الآن، حيث تتحدّد يوميا قيم العملات بدلالة بعضها بأرقام دقيقة، فإن بورصة ذلك الزمان، التي لم يكن لها وجود أصلا، كانت تساوي بين الملح والذهب.
وحتى أيامنا هذه، وفي غير مكان من العالم، ما زال كثير من الناس يتقاضون أجورهم، لا على شكل أوراق مالية وإنما على شكل طعام. كما أن هناك من يتصدّق بالأرغفة وكأنها قطع نقدية كبيرة.
من القطع النقدية إلى الأوراق المالية إلى الشيكات والسندات والأسهم والبطائق البنكية... تطوّرت العملة بشكل مذهل. ومع ذلك لا يزال الطعام عملة رائجة.
بيان
بين الطعام والكلام أكثر من آصرة. فالثاني يخرج من حيث يدخل الأول، فأحدهما دفين الفم والآخر وليده. وكما أن من البيان لسحرًا، فإن من الطعام لسحرًا أيضا. فاللسان الذي ينطق هو نفسه الذي يتذوّق.
للكلام مراتب وللطعام مثلها. فمن الكلام البذيءُ والفاحش والسوقي والركيك والعادي والجميل والبليغ... ومن الطعام الرديءُ والعفن والفاسد والمسموم والدسم واللذيذ...
في اللحظات التاريخية الحاسمة يحتاج الكلام إلى كل ترسانته البلاغية، حتى أن بعض القصائد والخطب كانت بمثابة الفيالق التي تتقدّم الجيوش.
وفي المناسبات الشخصية المهمة ينوب الطعام عن الكلام في الإعراب عن الكرم والمحبة والفرح... فللطعام فصاحته أيضًا.
بين الطعام والكلام كل الأواصر، فالأطباق نصوص والطهاة نحاة المطابخ.