موضوع الدرس اليوم لا يتصل بفقرة من فقرات المنهاج , بل يتجه إلى تنمية قدرة أساسية في اللغة العربية , وهي القدرة على معالجة موضوع أدبي , والقدرةُ على صياغة الأفكار والمشاعر في أسلوب صحيح سليم لا تخلو من مسحة جميلة وفي ضوء خطة واضحة ومركزة.
موضوع التعبير يحتل مركز الصدارة في الامتحان , فهو فضلاً عن أنه يستأثر بنصيب كبير من الدرجات المقدرة في مادة اللغة العربية فهو يعكس أشياء كثيرة , يعكس ثقافة الطالب الأدبية والعامة ومحفوظاتِه الشعريةَ ومحاكمتَه الفكريةَ , وقدرتِه اللغويةَ والتعبيرية وأذواقَه الأدبيةَ والجمالية , والأصح أن تقول: إنه يعكس شخصية الطالب من معظم جوانبها, وموضوع التعبير يشبه أن يكون مقالة أدبية , وأنت أيها الطالب في الامتحان أحد كتاب المقالة المغمورين غير المشهورين , وأرجو أن تكون يوماً من بين المشهورين, والمقالة الأدبية أو موضوع التعبير يستند إلى الأسس التالية: المادة والأسلوب والخطة , وهذه هي فقرات هذا الدرس.
فالمادة هي مجموعة الأفكار الأدبية المدعمة بالشواهد الشعريةِ والنثريةِ التي تقعُ ضمن حدود عناصر السؤال , ومصدرها الكتاب المقرر أو ما انطلق منه وبقي في حدوده أو ثقافةُ الطالب العامة والأدبية المتعلقة بالسؤال , وموضوعات التعبير محددة فهنالك الموضوع القومي والاجتماعي والمهجري والقصة والمسرحية والمقالة هذا بالنسبة للفرع العلمي , وكل موضوع من هذه الموضوعات ينقسم بدوره إلى موضوعات جزئية يصلح كل واحد منهما سؤالاً للتعبير, وأهم ما يجب أن يقال في المادة هو أن تكون متطابقةً مع عناصرِ السؤال , فكما أغفل الطالب عنصراً نصّ عليها السؤال خسر جزءاً من العلامة وكلما استرسل في ذكر فقرات غير مطلوبة استُنفِدَ وقته وجهده وكان ذلك على حساب الفقرات المطلوبة.
إليكم مثلاً هذا السؤال الذي ورد في عام 1970ونصه..
قال أحد الأدباء: ( لعل من أهم ما يُعنَى به القصاص اليوم رسمَ الشخصيات وتحليلَها وتوجيه القصة إلى فكرة معينة ترمي إليها ) ناقش واستشهد:
جواب هذا السؤال يؤخذ من موضوع القصة , بل يؤخذ من عناصرها الفنية والمطلوب من عناصرها الفنية الشخصيات وفكرةُ القصة فقط وبهذا الترتيب مع مقدمة بتعريفها أو قيمتها وخاتمة مناسبة , أما بقية العناصر والموضوعات فليست مطلوبة.
ويجب أن تكون مادة الموضوع وافيةً فيها حدّ أدنى من التفصيلات والجزئيات , فكثيراً ما يشكو بعض الطلاب النفس التعبيري القصير فيأتي موضوعهم في بضعة أسطر ومقتصراً على عنوانات بعض الأفكار الأساسية من دون شرح أو تعليل ومن غير زيادة أو تفصيل.
ويجب أن تكون المادة متسمة بالعمق والعمق يعني أن تشرح الفكرة وتحلل وتعلل وتوازن وتدعم بالشاهد , ويجب أن تكون الفقرات متوازنة فلا تطغى فقرة على فقرة أن تكون متسلسلة ومترابطة فلا خلل ولا اضطراب , وهذا يعني أن تسير الفقرات وفق سياق , وهذا يعني أن تسير الفقرات وفق سياق تاريخي أو موضوعي أو شخصي.
عزيزي الطالب..
لا تنسى أن تكون المادة متطابقة وافيه عميقة متوازنة متسلسلة مدعمه , والشواهد جزء أساسي من المادة ونحن لا نصبر عنها ولا عليها لا نصبر عن غيابها ولا على كثرتها فهي كالملح في الطعام إذا زاد عن حدّه انقلب إلى ضده , إذن فالعبرة ليست بكثرتها بل بحسن استخدامها ومن حسن استخدامها أن تكون في مكانها المناسب , متوافقة مع الفكرة التي قبلها ومتلاحمة مع الموضوع , ويكون هذا التلاحم بالمهتدِ لها بكلام منتزع من الشاهد نفسه وهذا لا يكلف الطالب حفظَ شيء جديد بل يكسبه نفساً تعبيرياً طويلاً.
هذه أبيات للشاعر بدر شاكر السياب يؤكد أن قطرات ماء السماء ودموعَ الجياع والفقراء ودماءَ العبيد والأشقياء ستكون وقوداً لثورة حمراء تعيد للجيل الجديد البسمة والصفاء.
فيقول...
فـــي كـــل قـطـرة من الـمطـر
وكــل قـطـرة تـراق من دم العبيــد
حمراء أو صـفراء من أجنــحة الزهـر
فهي ابتسام فـي ا نتظار مبسـم جديـــد
وقد ينزلق بعض الطلاب بدافع الاختصار فيذكرون بيتاً أو بيتين من هذا الشاهد أو يحذفون البيت الأخير وقد يفوتهم أنها أبيات متكاملة وأن البيت الأخير هو مركز ثقلها لا تؤدي المعنى , في حين أنه قد بيت واحد مركز والمعنى على أبيات متقطعة لا تؤدي معنى متكاملاً ومثال المعنى المركز في بيت واحد قول شوقي , ومن الطلاب من يجمد على أسلوب واحد في عرض الشواهد فيقول في مطلع كل شاهد , فهذا الشاعر يقول... والأولى والأقوى أن ينوع الطالب ويغير.
وحينما يكون البيت مدوراً يفضل أن يكتب متصلاً لئلا يقع الطالب في غلط يتعلق برواية البيت , البيت المدور فيه كلمه موزعه بين شطرين الكتابة الثانية غلط الثالثة غلط الرابعة صحيحه وسهله , وحينما تشك في حفظ الشاهد النثري حوّله من شاهد نصّي إلى شاهد تاريخي فدع كلمة قال أو ما في معناها ولخص فكرة الشاهد بأسلوبك أنت. ويستطيع الطالب أن يستشهد بأبيات ( من خارج الكتاب فالذي يهمنا صحتَها وانطباقها على الفكرة ولا يهمنا مصدَرها ومن قالها ).
أعزائي الطلاب..
والذي أريد أن الفت النظر إليه هو ألا تطغى الشواهد على الأفكار بحيث يصبح الموضوع قطعاً مختارة من الشعر لولا بعض عبارات الربط لخرج عن أن يكون موضوعاً تعبيرياً كلياً , وهناك طلاب يهملون الشواهد ويسترسلون في الحديث عن السياسة والاجتماع والتاريخ حتى ليغدو الموضوع افتتاحية في صحيفة أو فصلاً من كتاب في التاريخ الحديث.
أعزائي الطلاب..
نص قول الناقد ونص السؤال يحددان عناصر المادة الأدبية المطلوبة , وليكن واضحاً لديكم أن المعلومات المحفوظة هي كل شيء في المواد الدراسية الأخرى , أما في مادة اللغة العربية فهي شيء من شيئين أو شرط لازم غير كافٍ فهناك المادة المحفوظة وهناك القدرة على صياغتها ومن هنا كان الأساس الثاني في موضوع التعبير هو الأسلوب.
والأسلوب هو الصياغة اللغوية والأدبية لموضوع التعبير أو هو الثوب الذي يلبسه الأديب للفكرة , ففكرة الضجر والشكوى من متاعب الحياة يلبسها المتنبي ثوباً فنياً فيقول:
بلاني الدهر بالأرزاء حتى فـؤادي في غـشاء من بنال
فصرت إذا أصابتني سهام تكسرت النصال على النصال
وللأسلوب مستويات عدة , فحدّه الأدنى أن يخلو من الأغلاط بشتى أنواعها , فإذا تجاوزت الأغلاط الحد المعقول أخرجت الموضوع من دائرة القبول, فمن الأغلاط الإملائية التي يكثر الطلاب من الوقوع فيها: همزة الوصل والقطع والهمزة المتوسطة والمتطرفة والألف اللينة والتاء المربوطة وزيادة س أو إهماله.
ومن الأغلاط اللغوية تعدية أفعال بحروف لا تناسبها وتعريف مالا يعرف , ومن الأغلاط النحوية رفع خبر كان أو إحدى أخواتها أو رفع ماحقة النصب والغلط في استعمال المثنى أو جمع المذكر السالم وجزم الفعل المضارع المعتل الآخر وعدم التطابق من حيث التذكير والتأنيث , من الأغلاط التعبيرية التكرار في الحروف والكلمات والتراكيب والصور وكذلك عدم الانسجام في العطف , فمن الطلاب من يعطف مفرداً على جمع أو مصدراً على اسم أو معرفة على نكرة , ومن هذه الأغلاط أيضاً عدم الترابط بين أجزاء الجملة أو إقامة ترابط لا مسوغ له , ومن الطلاب من يورد المبتدأ ويغفل الخبر أو يصوغ جملة شرطية وينسى جوابها.
أيها الطلبة الأكارم..
تلك هي بعض الأغلاط القاطعة التي يشار إليها بخط أحمر وتسهم في تخفيض علامة الموضوع , وهناك أغلاط شائعة يحاسب الطالب على بعضها ولا عبرة لقول بعضهم الخطأ الشائع خير من الصواب الضائع , ومن هذه الأغلاط قارن وصوابها وازن , هذه الأغلاط تصدر غالباً عن ضعف في قواعد اللغة العربية أو عن سهو ونسيان , وفي الحالة الأولى على الطالب أن يرجع إلى هذه القواعد وفي الحالة الثانية عليه أن ينقح الموضوع وفي التنقيح يكشف الطالب معظم أغلاطه , هذا عن حدّ الأسلوب الأدبي الذي يجب أن يخلو من الأغلاط الإملائية.
أما حده الأدبي فلابد له من صفات وخصائص يجب أن تتوافر فيه منها الدقة في اختيار الكلمات وهذا يقتضي ثروة لغوية جديدة وذوقاً سليماً يتيح لصاحبه انتقاء الكلمة المناسبة والعبرة , لذلك تعد ثروة الطالب من الكلمات التي يستعملها لا التي يفهم بها النصوص هي التي تحدد مستوى أسلوبه.
اغلب الطلاب يستخدمون كلمه نظر لشتى حالات النظر مع أن هنالك مدلولاتٍ دقيقه لمرادفات نظر منها..
رنا: أدام النظر إلى الشيء بسكون الطرف.
رمق: نظر إلى الشيء من جانـب أذنـه.
لمح: نظـر إلـى الشـيء بعجــلـة.
لاح: ظهر له شيء ثم خفــي عـلـيه.
حدّج: رماه ببصره مع حـده نــظـر.
توضح: نظر نظـرة المسـتثــــبت.
استشرف: نظر واضعاً يديه على حاجبيه.
حدق: فتح جميع عينيه لشـدة النــظر.
نظر شزراً: أعـاره لحــظ العــداوة.
شخص: فتح عينيه وجعل لا يطــرف.
وهناك رأي وشاهد ونظر وحملق وبحلق واستشف ومن أجل امتلاك أسلوب أدبي لابد من توافر القدرة على بناء جملة متماسكة قوية مثال الجملة المتماسكة قول أديب إسحاق يصف الفلاحين: ( فأنتم في بلاء مستمر وعذاب مستقر , تزرعون البر ولا تأكلون وتملكون الأرض ولا تسكنون ).
ومن خصائص الأدب الإبداعي الثنائية في التعبير , وتبدو الثنائية في قول توفيق الحكيم: إذا طالعت أثراً فنياً قصيدةً أو قصةَ وشعرت بعدئذ أنها حركت مشاعرك العليا وتفكيرك المرتفع , فأنت أمام فن رفيع أما إذا لم تحركْ إلا المبتذل من مشاعرك والتافه من تفكيرك , فأنت أمام فن رخيص وكذلك التوازن اللفظي خاصة من خصائص الأسلوب الأدبي.
يبدو من قول الحكيم إن مهمة الكاتب ليست في تخوير النفوس بل في تحريات الرؤوس.
ومن خصائص الأسلوب الإبداعي أيضا إيثار التصوير على التقرير وهذا شاهد على الأسلوب التصويري:
الشعر مصباح كمصباح علاء الدين يكشف لك عن كنوزك أنت المجنوءة في أعماق نفسك ولكنه ليس بالكيس المملوء الذي يفرغ في خزائنك الخاوية...
عزيزي الطالب...
لابد حتى تمتلك هذه القدرة على صياغة أسلوب أدبي من أن تكثر من مطالعة النصوص الأدبية بهدفين أولاً فهم معناها وثانياً الوقوف على مواطن الجمال فيها فتشير إلى كلمة جديدة أو صياغة مبتكرة أو صورة رائعة...
طلابنا الأعزاء...
قد يتوافر في الموضوع مادة صحيحة وغزيرة وأسلوب سليم ومشرق يفتقر إلى خطة واضحة يسير عليها الموضوع , فترى الطالب يخبط في كتابة خبط الناقة العشواء , فالخطة منهج فكري تسير عليه المقالة , ويعني أن يبدأ الطالب بمقدمة ذات أفكار عامة ومتصلة بالموضوع أشد الاتصال أي أن تكون أدبية وليست وصفية أو فلسفيه وهي لا تحتاج إلى شاهد وإن كانت بعض الشواهد تحسنها , ويجب أن تكون موجزة مركزة مشرقة فلا تزيد عن عشر الموضوع، ويستحسنُ أن تسوّد مسبقاً ضماناً لسلامتها من الأغلاط , وتوخياً لقوة أسلوبها.
وبعد المقدمة يشرح الطالب رأي الناقد مع الإشارة إلى نقاطه الرئيسية التي ستكون فقرات الموضوع الأساسية , وفي المرحلة الثانية وهي العرض تعرض فقرات الموضوع فقرة فقرة وفق الشروط التي تحدثت عنها آنفاً في مادة الموضوع , وفي الخاتمة تلخص أفكار الموضوع ونربطها بالسؤال. فالخطة إذن مقدمة وعرض وخاتمه.
طلابي الأعزاء...
منكم من يحفظ الموضوعات ويستظهرها , وحينما يكتبها تختفي شخصيته حتى لنحسُ أننا أمام إحدى صفحات الكتاب , ومع أن هذا الحفظ يحتاج إلى جهد كبير ووقت طويل فإنه يتعب الذاكرة ويضعف المحاكمة ومثل هذه الموضوعات لا ينال أصحابها درجات عالية.
قيل لأحدهم فلان حفظ كتاب الأم للشافعي وهو من أضخم كتب الفقه فما زاد عن أن تبسم وقال في سخرية مرة زادت نسخة من نسخ الكتاب.
ومنكم من يبالغ في تأكيد شخصيته فبدلاً من أن يعالج موضوعاً محدداً بأسلوب تقريري , إذا هو يكتب قطعة حماسية لا نرى فيها أثراً للأفكار المطلوبة.
ولا تنسى -أخي الطالب- أن في سلم الدرجات درجتين تخصصان للموضوع الذي تبدو فيه شخصية الطالب واضحة , وذلك حينما يستخدم الأسلوب الذاتي وحينما يناقش بعض الأفكار مناقشة ذاتية وحينما يشف الموضوع عن ثقافة أدبية حصلها الطالب بجهده الشخصي.
ولا تنسى- أخي الطالب- أن الخط الحسن يزيد الموضوع قيمة وإذا لم يكن خطك حسناً فليكن مقروءاً , ومن أبز ما يميز الخط المقروء تمايز حروفه المتشابهة والانسجام بين حروفه وانتظامه على محورين أفقي وعمودي , ولا تبالغ في التقسيمات والتفريعات والعنوانات وأولاً وثانياً وثالثاً وألف وباء وجيم ومما يلي ومما يأتي فهذا كله يبعد الموضوع عن الطابع الأدبي والفني الذي من خصائصة الاتصال والترابط والوحدة الفنية , وكم يكون وقع الموضوع حسنا عند السادة المصححين حينما تستخدم علامات الترقيم وتعرف كيف تستخدمها.
ويشير العماد الأصفهاني إلى أن الأسلوب الأدبي لا يأتي طفرة واحدة: إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتاباً في لومه إلا قال في غده لو غير هذا لكان أحسن , ولو زيد كذا لكان يستحسن ولو قدم هذا لكان أفضل ولو ترك هذا لكان اجمل , وهذا من أعظم التعبير.
أعزائي الطلاب..
أرجو أن تترجم هذه الحقائق والملاحظات إلى قدرات تمتلكونها لا إلى معلومات تحفظونها ولن يتأتى لكم ذلك إلا عن طريق الكتابة المستمرة والتقويم المستمر.
أتمنى لكم نجاحاً مطرداً في شتى الميادين
موضوع التعبير يحتل مركز الصدارة في الامتحان , فهو فضلاً عن أنه يستأثر بنصيب كبير من الدرجات المقدرة في مادة اللغة العربية فهو يعكس أشياء كثيرة , يعكس ثقافة الطالب الأدبية والعامة ومحفوظاتِه الشعريةَ ومحاكمتَه الفكريةَ , وقدرتِه اللغويةَ والتعبيرية وأذواقَه الأدبيةَ والجمالية , والأصح أن تقول: إنه يعكس شخصية الطالب من معظم جوانبها, وموضوع التعبير يشبه أن يكون مقالة أدبية , وأنت أيها الطالب في الامتحان أحد كتاب المقالة المغمورين غير المشهورين , وأرجو أن تكون يوماً من بين المشهورين, والمقالة الأدبية أو موضوع التعبير يستند إلى الأسس التالية: المادة والأسلوب والخطة , وهذه هي فقرات هذا الدرس.
فالمادة هي مجموعة الأفكار الأدبية المدعمة بالشواهد الشعريةِ والنثريةِ التي تقعُ ضمن حدود عناصر السؤال , ومصدرها الكتاب المقرر أو ما انطلق منه وبقي في حدوده أو ثقافةُ الطالب العامة والأدبية المتعلقة بالسؤال , وموضوعات التعبير محددة فهنالك الموضوع القومي والاجتماعي والمهجري والقصة والمسرحية والمقالة هذا بالنسبة للفرع العلمي , وكل موضوع من هذه الموضوعات ينقسم بدوره إلى موضوعات جزئية يصلح كل واحد منهما سؤالاً للتعبير, وأهم ما يجب أن يقال في المادة هو أن تكون متطابقةً مع عناصرِ السؤال , فكما أغفل الطالب عنصراً نصّ عليها السؤال خسر جزءاً من العلامة وكلما استرسل في ذكر فقرات غير مطلوبة استُنفِدَ وقته وجهده وكان ذلك على حساب الفقرات المطلوبة.
إليكم مثلاً هذا السؤال الذي ورد في عام 1970ونصه..
قال أحد الأدباء: ( لعل من أهم ما يُعنَى به القصاص اليوم رسمَ الشخصيات وتحليلَها وتوجيه القصة إلى فكرة معينة ترمي إليها ) ناقش واستشهد:
جواب هذا السؤال يؤخذ من موضوع القصة , بل يؤخذ من عناصرها الفنية والمطلوب من عناصرها الفنية الشخصيات وفكرةُ القصة فقط وبهذا الترتيب مع مقدمة بتعريفها أو قيمتها وخاتمة مناسبة , أما بقية العناصر والموضوعات فليست مطلوبة.
ويجب أن تكون مادة الموضوع وافيةً فيها حدّ أدنى من التفصيلات والجزئيات , فكثيراً ما يشكو بعض الطلاب النفس التعبيري القصير فيأتي موضوعهم في بضعة أسطر ومقتصراً على عنوانات بعض الأفكار الأساسية من دون شرح أو تعليل ومن غير زيادة أو تفصيل.
ويجب أن تكون المادة متسمة بالعمق والعمق يعني أن تشرح الفكرة وتحلل وتعلل وتوازن وتدعم بالشاهد , ويجب أن تكون الفقرات متوازنة فلا تطغى فقرة على فقرة أن تكون متسلسلة ومترابطة فلا خلل ولا اضطراب , وهذا يعني أن تسير الفقرات وفق سياق , وهذا يعني أن تسير الفقرات وفق سياق تاريخي أو موضوعي أو شخصي.
عزيزي الطالب..
لا تنسى أن تكون المادة متطابقة وافيه عميقة متوازنة متسلسلة مدعمه , والشواهد جزء أساسي من المادة ونحن لا نصبر عنها ولا عليها لا نصبر عن غيابها ولا على كثرتها فهي كالملح في الطعام إذا زاد عن حدّه انقلب إلى ضده , إذن فالعبرة ليست بكثرتها بل بحسن استخدامها ومن حسن استخدامها أن تكون في مكانها المناسب , متوافقة مع الفكرة التي قبلها ومتلاحمة مع الموضوع , ويكون هذا التلاحم بالمهتدِ لها بكلام منتزع من الشاهد نفسه وهذا لا يكلف الطالب حفظَ شيء جديد بل يكسبه نفساً تعبيرياً طويلاً.
هذه أبيات للشاعر بدر شاكر السياب يؤكد أن قطرات ماء السماء ودموعَ الجياع والفقراء ودماءَ العبيد والأشقياء ستكون وقوداً لثورة حمراء تعيد للجيل الجديد البسمة والصفاء.
فيقول...
فـــي كـــل قـطـرة من الـمطـر
وكــل قـطـرة تـراق من دم العبيــد
حمراء أو صـفراء من أجنــحة الزهـر
فهي ابتسام فـي ا نتظار مبسـم جديـــد
وقد ينزلق بعض الطلاب بدافع الاختصار فيذكرون بيتاً أو بيتين من هذا الشاهد أو يحذفون البيت الأخير وقد يفوتهم أنها أبيات متكاملة وأن البيت الأخير هو مركز ثقلها لا تؤدي المعنى , في حين أنه قد بيت واحد مركز والمعنى على أبيات متقطعة لا تؤدي معنى متكاملاً ومثال المعنى المركز في بيت واحد قول شوقي , ومن الطلاب من يجمد على أسلوب واحد في عرض الشواهد فيقول في مطلع كل شاهد , فهذا الشاعر يقول... والأولى والأقوى أن ينوع الطالب ويغير.
وحينما يكون البيت مدوراً يفضل أن يكتب متصلاً لئلا يقع الطالب في غلط يتعلق برواية البيت , البيت المدور فيه كلمه موزعه بين شطرين الكتابة الثانية غلط الثالثة غلط الرابعة صحيحه وسهله , وحينما تشك في حفظ الشاهد النثري حوّله من شاهد نصّي إلى شاهد تاريخي فدع كلمة قال أو ما في معناها ولخص فكرة الشاهد بأسلوبك أنت. ويستطيع الطالب أن يستشهد بأبيات ( من خارج الكتاب فالذي يهمنا صحتَها وانطباقها على الفكرة ولا يهمنا مصدَرها ومن قالها ).
أعزائي الطلاب..
والذي أريد أن الفت النظر إليه هو ألا تطغى الشواهد على الأفكار بحيث يصبح الموضوع قطعاً مختارة من الشعر لولا بعض عبارات الربط لخرج عن أن يكون موضوعاً تعبيرياً كلياً , وهناك طلاب يهملون الشواهد ويسترسلون في الحديث عن السياسة والاجتماع والتاريخ حتى ليغدو الموضوع افتتاحية في صحيفة أو فصلاً من كتاب في التاريخ الحديث.
أعزائي الطلاب..
نص قول الناقد ونص السؤال يحددان عناصر المادة الأدبية المطلوبة , وليكن واضحاً لديكم أن المعلومات المحفوظة هي كل شيء في المواد الدراسية الأخرى , أما في مادة اللغة العربية فهي شيء من شيئين أو شرط لازم غير كافٍ فهناك المادة المحفوظة وهناك القدرة على صياغتها ومن هنا كان الأساس الثاني في موضوع التعبير هو الأسلوب.
والأسلوب هو الصياغة اللغوية والأدبية لموضوع التعبير أو هو الثوب الذي يلبسه الأديب للفكرة , ففكرة الضجر والشكوى من متاعب الحياة يلبسها المتنبي ثوباً فنياً فيقول:
بلاني الدهر بالأرزاء حتى فـؤادي في غـشاء من بنال
فصرت إذا أصابتني سهام تكسرت النصال على النصال
وللأسلوب مستويات عدة , فحدّه الأدنى أن يخلو من الأغلاط بشتى أنواعها , فإذا تجاوزت الأغلاط الحد المعقول أخرجت الموضوع من دائرة القبول, فمن الأغلاط الإملائية التي يكثر الطلاب من الوقوع فيها: همزة الوصل والقطع والهمزة المتوسطة والمتطرفة والألف اللينة والتاء المربوطة وزيادة س أو إهماله.
ومن الأغلاط اللغوية تعدية أفعال بحروف لا تناسبها وتعريف مالا يعرف , ومن الأغلاط النحوية رفع خبر كان أو إحدى أخواتها أو رفع ماحقة النصب والغلط في استعمال المثنى أو جمع المذكر السالم وجزم الفعل المضارع المعتل الآخر وعدم التطابق من حيث التذكير والتأنيث , من الأغلاط التعبيرية التكرار في الحروف والكلمات والتراكيب والصور وكذلك عدم الانسجام في العطف , فمن الطلاب من يعطف مفرداً على جمع أو مصدراً على اسم أو معرفة على نكرة , ومن هذه الأغلاط أيضاً عدم الترابط بين أجزاء الجملة أو إقامة ترابط لا مسوغ له , ومن الطلاب من يورد المبتدأ ويغفل الخبر أو يصوغ جملة شرطية وينسى جوابها.
أيها الطلبة الأكارم..
تلك هي بعض الأغلاط القاطعة التي يشار إليها بخط أحمر وتسهم في تخفيض علامة الموضوع , وهناك أغلاط شائعة يحاسب الطالب على بعضها ولا عبرة لقول بعضهم الخطأ الشائع خير من الصواب الضائع , ومن هذه الأغلاط قارن وصوابها وازن , هذه الأغلاط تصدر غالباً عن ضعف في قواعد اللغة العربية أو عن سهو ونسيان , وفي الحالة الأولى على الطالب أن يرجع إلى هذه القواعد وفي الحالة الثانية عليه أن ينقح الموضوع وفي التنقيح يكشف الطالب معظم أغلاطه , هذا عن حدّ الأسلوب الأدبي الذي يجب أن يخلو من الأغلاط الإملائية.
أما حده الأدبي فلابد له من صفات وخصائص يجب أن تتوافر فيه منها الدقة في اختيار الكلمات وهذا يقتضي ثروة لغوية جديدة وذوقاً سليماً يتيح لصاحبه انتقاء الكلمة المناسبة والعبرة , لذلك تعد ثروة الطالب من الكلمات التي يستعملها لا التي يفهم بها النصوص هي التي تحدد مستوى أسلوبه.
اغلب الطلاب يستخدمون كلمه نظر لشتى حالات النظر مع أن هنالك مدلولاتٍ دقيقه لمرادفات نظر منها..
رنا: أدام النظر إلى الشيء بسكون الطرف.
رمق: نظر إلى الشيء من جانـب أذنـه.
لمح: نظـر إلـى الشـيء بعجــلـة.
لاح: ظهر له شيء ثم خفــي عـلـيه.
حدّج: رماه ببصره مع حـده نــظـر.
توضح: نظر نظـرة المسـتثــــبت.
استشرف: نظر واضعاً يديه على حاجبيه.
حدق: فتح جميع عينيه لشـدة النــظر.
نظر شزراً: أعـاره لحــظ العــداوة.
شخص: فتح عينيه وجعل لا يطــرف.
وهناك رأي وشاهد ونظر وحملق وبحلق واستشف ومن أجل امتلاك أسلوب أدبي لابد من توافر القدرة على بناء جملة متماسكة قوية مثال الجملة المتماسكة قول أديب إسحاق يصف الفلاحين: ( فأنتم في بلاء مستمر وعذاب مستقر , تزرعون البر ولا تأكلون وتملكون الأرض ولا تسكنون ).
ومن خصائص الأدب الإبداعي الثنائية في التعبير , وتبدو الثنائية في قول توفيق الحكيم: إذا طالعت أثراً فنياً قصيدةً أو قصةَ وشعرت بعدئذ أنها حركت مشاعرك العليا وتفكيرك المرتفع , فأنت أمام فن رفيع أما إذا لم تحركْ إلا المبتذل من مشاعرك والتافه من تفكيرك , فأنت أمام فن رخيص وكذلك التوازن اللفظي خاصة من خصائص الأسلوب الأدبي.
يبدو من قول الحكيم إن مهمة الكاتب ليست في تخوير النفوس بل في تحريات الرؤوس.
ومن خصائص الأسلوب الإبداعي أيضا إيثار التصوير على التقرير وهذا شاهد على الأسلوب التصويري:
الشعر مصباح كمصباح علاء الدين يكشف لك عن كنوزك أنت المجنوءة في أعماق نفسك ولكنه ليس بالكيس المملوء الذي يفرغ في خزائنك الخاوية...
عزيزي الطالب...
لابد حتى تمتلك هذه القدرة على صياغة أسلوب أدبي من أن تكثر من مطالعة النصوص الأدبية بهدفين أولاً فهم معناها وثانياً الوقوف على مواطن الجمال فيها فتشير إلى كلمة جديدة أو صياغة مبتكرة أو صورة رائعة...
طلابنا الأعزاء...
قد يتوافر في الموضوع مادة صحيحة وغزيرة وأسلوب سليم ومشرق يفتقر إلى خطة واضحة يسير عليها الموضوع , فترى الطالب يخبط في كتابة خبط الناقة العشواء , فالخطة منهج فكري تسير عليه المقالة , ويعني أن يبدأ الطالب بمقدمة ذات أفكار عامة ومتصلة بالموضوع أشد الاتصال أي أن تكون أدبية وليست وصفية أو فلسفيه وهي لا تحتاج إلى شاهد وإن كانت بعض الشواهد تحسنها , ويجب أن تكون موجزة مركزة مشرقة فلا تزيد عن عشر الموضوع، ويستحسنُ أن تسوّد مسبقاً ضماناً لسلامتها من الأغلاط , وتوخياً لقوة أسلوبها.
وبعد المقدمة يشرح الطالب رأي الناقد مع الإشارة إلى نقاطه الرئيسية التي ستكون فقرات الموضوع الأساسية , وفي المرحلة الثانية وهي العرض تعرض فقرات الموضوع فقرة فقرة وفق الشروط التي تحدثت عنها آنفاً في مادة الموضوع , وفي الخاتمة تلخص أفكار الموضوع ونربطها بالسؤال. فالخطة إذن مقدمة وعرض وخاتمه.
طلابي الأعزاء...
منكم من يحفظ الموضوعات ويستظهرها , وحينما يكتبها تختفي شخصيته حتى لنحسُ أننا أمام إحدى صفحات الكتاب , ومع أن هذا الحفظ يحتاج إلى جهد كبير ووقت طويل فإنه يتعب الذاكرة ويضعف المحاكمة ومثل هذه الموضوعات لا ينال أصحابها درجات عالية.
قيل لأحدهم فلان حفظ كتاب الأم للشافعي وهو من أضخم كتب الفقه فما زاد عن أن تبسم وقال في سخرية مرة زادت نسخة من نسخ الكتاب.
ومنكم من يبالغ في تأكيد شخصيته فبدلاً من أن يعالج موضوعاً محدداً بأسلوب تقريري , إذا هو يكتب قطعة حماسية لا نرى فيها أثراً للأفكار المطلوبة.
ولا تنسى -أخي الطالب- أن في سلم الدرجات درجتين تخصصان للموضوع الذي تبدو فيه شخصية الطالب واضحة , وذلك حينما يستخدم الأسلوب الذاتي وحينما يناقش بعض الأفكار مناقشة ذاتية وحينما يشف الموضوع عن ثقافة أدبية حصلها الطالب بجهده الشخصي.
ولا تنسى- أخي الطالب- أن الخط الحسن يزيد الموضوع قيمة وإذا لم يكن خطك حسناً فليكن مقروءاً , ومن أبز ما يميز الخط المقروء تمايز حروفه المتشابهة والانسجام بين حروفه وانتظامه على محورين أفقي وعمودي , ولا تبالغ في التقسيمات والتفريعات والعنوانات وأولاً وثانياً وثالثاً وألف وباء وجيم ومما يلي ومما يأتي فهذا كله يبعد الموضوع عن الطابع الأدبي والفني الذي من خصائصة الاتصال والترابط والوحدة الفنية , وكم يكون وقع الموضوع حسنا عند السادة المصححين حينما تستخدم علامات الترقيم وتعرف كيف تستخدمها.
ويشير العماد الأصفهاني إلى أن الأسلوب الأدبي لا يأتي طفرة واحدة: إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتاباً في لومه إلا قال في غده لو غير هذا لكان أحسن , ولو زيد كذا لكان يستحسن ولو قدم هذا لكان أفضل ولو ترك هذا لكان اجمل , وهذا من أعظم التعبير.
أعزائي الطلاب..
أرجو أن تترجم هذه الحقائق والملاحظات إلى قدرات تمتلكونها لا إلى معلومات تحفظونها ولن يتأتى لكم ذلك إلا عن طريق الكتابة المستمرة والتقويم المستمر.
أتمنى لكم نجاحاً مطرداً في شتى الميادين