" لغة الطفل العربي في عصر العولمة" هو عنوان المؤتمر العالمي الذي نظمته جامعة الدول العربية في مقرها الدائم بالقاهرة بالتعاون مع المجلس العربي للطفولة والتنمية ، ويهدف المؤتمر إلى التعرف على واقع اللغة العربية في الوقت الراهن، وتحديد أدوارها ووظائفها في تشكيل هوية الطفل العربي، إضافة إلى وضع اللغة العربية في مجتمع المعرفة ورصد السبل والآليات التي تمكن اللغة العربية من التجدد والانفتاح على الثقافات الأجنبية.
نُظّم مؤتمر المجلس العربي للطفولة والتنمية بالتعاون مع جامعة الدول العربية وبالشراكة مع كل من برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية (الأجفند) ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، والصندوق الكويتي للتنمية الأقتصاديه العربية والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الأيسيسكو)..
أوراق عمل متنوعة
بحث المؤتمر على مدى ثلاثة أيام عدداً من أوراق العمل التي هدفت إلى تحديد أدوار للغة العربية ووظائفها في تشكيل الهوية العربية، وواقع اللغة في عالمنا العربي واستخداماتها، وإمكانية تعلم العلوم الحديثة باللغة العربية، والاطلاع على الخبرات الأجنبية في هذا المجال، وفتح نوافذ التواصل مع هذه الثقافات، بالإضافة إلى وضع إستراتيجية مستقبلية تتبناها الدول العربية لتمكين الطفل العربي من استخدام لغته القومية بكفاءة بما يلبي احتياجات العصر، مع احترام حق الأقليات في استخدام لغتها الأم جنباً إلى جنب، كما ناقش المؤتمر إشكالية الشعر الموجه للطفل، وأهمية هذا الموضوع في تكوين لغة الطفل العربي، بالإضافة إلى اللغة التي تروّج في الفضائيات، ويتأثر بها الطفل العربي، الأمر الذي يجعل من الأهمية بحثها ومناقشة تأثيرها على تشكيل الهوية للطفل العربي، تضمن المؤتمر أيضاً عدداً من الفعاليات المصاحبة، ومن أبرزها ورشة للأطفال العرب...
في مهب العولمة
الدكتور سليمان العسكري رئيس تحرير مجلة العربي الصغير في الكويت- أشار في ورقته المعنونة "لغة الطفل العربي في مهب لغات العولمة" إلى ثلاث إشكاليات عند دراسة اللغة العربية، إشكالية لغوية تتمثل في وجود اللهجات الدارجة والعاميات المحكية من اللغة الأم ووجود اللغة الفصحى المكتوبة والرسمية، ووجود اللغات الأجنبية التي تنتمي في الغالب إلى الثقافات المهيمنة المحيطة بالمجتمع، مؤكداً على أن لغتنا هي الداء والدواء؛ لأن اللغة بها كل مفاتيح البناء الفوقي والفهم البشري ومفاعيل الهوية الذاتية والجمعية، وأشار العسكري إلى ضرورة طرح توصية لوزراء الإعلام والثقافة بفرض نوع من الرقابة اللغوية على المنتجات الثقافية المذاعة والمطبوعة للطفل العربي، ودعماً للغة الفصحى، ومع ضرورة دعم ما يرعى اللغة العربية الفصحى فيما يُقدّم للطفل العربي من القنوات التلفزيونية وبرامجها والمجلات الموجهة للأطفال..
"اللغة العربية وتنمية العقل: من منظور الطفل العربي" هو عنوان الورقة التي قدمها د.نبيل علي خبير إستراتيجيات التكنولوجيا والمعلومات بمصر، تناول فيها أهمية دور اللغة في تنمية الفكر واستيعاب العالم من حولنا، كما أنها وسيلة البشر لممارسة الإبداع على مدار حياتهم اليومية؛ فاللغة لا تتوقف عن ابتكار العبارات الجديدة والتوسع في استخدام الألفاظ، واستحداث التكنيكات اللغوية لأغراض الإيضاح أو الإقناع أو التهرب...فالطفل لابد أن يبدع لغوياً لكي يتعلم ليكون، فلكي يكون لابد له أن يبدع لغوياً حتى يثبت تميزة وتفرده، واللغة من أهم وسائل التميز...
تطرق د.علي أيضاً إلى ثقافة الصورة وثقافة اللغة من منظور تربية الطفل، تعليم الأطفال البرمجة باللغة العربية، توفير وسائل لغوية تسهل على الأطفال البحث في الإنترنت والنفاذ إلى مصادر المعلومات، توفير البرمجيات التعليمية باللغة العربية، إضافة إلى دور الأعلام المرئي والمسموع في تنمية القدرات اللغوية لدى الأطفال ...
آثار النفط
الدكتور أحمد محمد المعتوق أستاذ الأدب والنقد بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالسعودية تناول "لغة الطفل العربي في دول الخليج الواقع والتحديات"؛ إذ أوضح أن الثروة النفطية كان لها آثار ايجابية انعكست على النشاط الاقتصادي الذي أدى بدوره إلى فتح سوق العمل للخبراء والفنيين والمهنيين الأجانب من جنسيات مختلفة، واستقطاب العمالة من مختلف الجنسيات، مما هيأ لنفوذ هذه اللغة في المجتمع وتداولها بين الكثير من الأفراد، وتسللت اللغة الأجنبية وغيرها الكثير من اللغات الأخرى حتى أصبحت تنافس اللغة العربية الأم في كثير من المواقع العامة والخاصة، ونفذت إلى حمى الأسر من خلال الخدم والمربيات، كما امتد هذا الصراع إلى الحياة الخاصة ليهدد لغة الأطفال بدءاً من نشأتهم الأولى، وتعاملهم مع الأطفال فضربت بذلك اللغة العربية في جذورها وفي عقر دارها.. ومن جانب آخر فإن العمالة القادمة من دول الخليج حملوا أسماء بلادهم وأسماء شركات باصطلاحات غريبة متعلقة بها، وامتلأت الشوارع بعشرات العمالة من الجنسيات المتعددة والذين يتراطنون بلغات متباينة.
وأشار ألدكتور المعتوق إلى أن هيمنة اللغة الانجليزية في المجتمع الخليجي آخذة في الزيادة.. واختتم د.المعتوق مشيراً إلى أنه مهما يكن من تأثيرات ومن عوامل على لغة الطفل العربي في المجتمع الخليجي فإن انسلاخاً أو شرخاً أو تشويهاً أو تغييراً يحدث في هذه اللغة نتيجة لهذه التأثيرات ستكون له خطورته الكبيرة على مستقبل المجتمع الثقافي والحضاري وعلى مستقبل الأمة بأكملها...
تغريب الثقافة
الدكتورة عفت الشرقاوي أستاذ الفكر الإسلامي والثقافة العربية بكلية الآداب جامعة عين شمس تطرقت إلى موضوع "تغريب اللغة.. وتغريب الثقافة "اعتمدت الورقة البحثية على الاعتراف بتطور اللغة والثقافة، وتأكيد العلاقة بينهما في ضوء هذا التطور، وذلك على أساس أن اللغة هي وعاء الثقافة، وأن الإيمان الحقيقي هو السبيل لاختيار أفضل في موضوع لغة الطفل وثقافته...فالمجتمع العربي الذي يعاني حضارياً مشكلات التغريب الزماني والمكاني يعاني أطفاله بسبب ذلك الطموح غير التاريخي مشكلات من الاغتراب النفسي، ولاشك أن اللغة العربية لها دور واضح في الانتماء القومي بصفتها لغة الوحي المبين، ووسيلة أداء الشعائر الدينية، وكلها دوافع يجب الاهتمام بها في تأكيد الحفاظ على العربية بصفتها اللسان القومي الذي يجمع الشعوب العربية كلها.... وأوضحت الورقة مفهوم التواصل أساساً لحقيقة اللغة وغاية جوهرية في الفعل الثقافي، وهو التواصل الذي يعبر عن روح الحضارة العربية خلال تاريخها الطويل، ويقدم منهجاً أصيلاً في مواجهة مشكلة التغريب، وما يترتب عليه من حالات الاغتراب النفسي الذي يهدد الصحة النفسية للطفل العربي، وذلك بازدواجية الظاهر والباطن في حياته اليومية...
اللغة والهوية
و عنوان الورقة التي قدمها محمد عبدة الزغير خبير الطفولة في إدارة الأسرة والطفولة في جامعة الدول العربية، وتطرقت الورقة إلى أن اللغة العربية ليست أداة للاتصال والفكر واكتساب المعرفة فحسب، ولكنها مظهر أساسي للذاتية الثقافية العربية، ووسيلة لتعزيزها سواء بالنسبة للفرد أو الجماعة في ظل سمات المجتمع العربي المتنوع... ركزت الورقة أيضاً على دور اللغة في صياغة شكل المجتمع الإنساني، وركزت على الهوية الثقافية في ضوء الثقافة الكونية والتحديات العولمية المتلاحقة، وعلاقة اللغة بهذا الجدل إضافة إلى تعاظم دور القوى والمؤثرات غير المقننة مثل الإعلام الفضائي وقواعد المعلومات وانتشارها المتسارع....وقد خلص المؤتمر إلى مجموعة من التوصيات نوجزها فيما يلي:
أولا: التعليم
• تطوير بنية ومناهج الأنظمة التربوية العربية، بحيث تستوعب جميع الأطفال في سن المدرسة، وتزودهم بالمعارف والمهارات اللازمة للتفوق في عصر العولمة، والاهتمام بمعلمي العربية عامة، ومعلمي الأطفال خاصة مادياً وأدبياً.
• إعداد المعلمين في جميع المواد، في جميع مراحل التعليم العام، إعداداً جيداً في حقل اللغة العربية.
• تأسيس مراكز للتدريب على المحادثة بالفصحى في كل بلد عربي، وفي المهاجر على وجه الخصوص، على أن تعتمد أسلوب الإتقان الوظيفي للغة، أي إتقان استعمال اللغة بدلاً من التركيز على دراسة القواعد المجردة.
• وضع مخطط علمي لمنهج متكامل لتعليم اللغة العربية في المدرسة الابتدائية العربية يبدأ بمرحلة ما قبل هذه المدرسة، وينتهي بالصف السادس.
• التشديد في شروط القبول للجامعات وكليات إعداد المعلمين على موضوع اللغة، ورفع المستوى التعليمي، والمطالبة بتدريس العربية باللغة العربية ذاتها، وليس من خلال لغة وسيطة، وتوزيع حصص الأدب والقواعد على معلمين مختلفين.
• وضع خطة عاجلة لتزويد المؤسسات التعليمية العربية بأجهزة الحاسب الآلي وتطوير أساليب تعلم اللغة العربية السليمة من خلالها للطلاب غير القادرين على اقتنائها.
• دعوة المجامع العربية إلى القيام بإجراء بحوث تتناول الرصيد اللغوي الوظيفي لكل مرحلة من مراحل الطفولة، أو التشجيع على إجراء هذه البحوث ودعمها مادياً وأدبياً. فالرصيد اللغوي الوظيفي هو الأساس الذي ينبني عليه إعداد المناهج المدرسية وتصنيف معاجم الأطفال.
ثانياً: الإعلام
• اعتماد اللغة العربية لغة لبرامج الأطفال الإذاعية والتلفزيونية في البلدان العربية.
• تشجيع الإنتاج التعليمي والترفيهي الموجَّه للأطفال عن طريق وسائل الإعلام المرئية والمسموعة على الأداء باللغة العربية الميسرة، مع الحرص على عرض تلك المواد بطريقة جذابة وشائقة.
• التوصية للجهات المعنية بفرض نوع من الرقابة اللغوية على المنتجات الثقافية المصورة والمذاعة والمطبوعة للطفل العربي، دعماً للغة العربية.
• إنشاء قنوات مخصصة كلياً للأطفال على أن يكون التداول فيها بالعربية.
• إلزام الإعلاميين بالعربية الفصحى على الأقل في برامج الأطفال.
• توجيه برامج إذاعية وتلفزيونية لتعليم اللغة العربية لتفعيل الحوار مع أولادنا في المهجر، ولتعليمهم أصول اللغة ومناقشة القضايا الثقافية والتراثية بصفة مستمرة.
• مطالبة الدول العربية سن تشريع يمنع استخدام غير اللغة العربية في الإعلانات بجميع أشكالها، وإعادة النظر في كل الإعلانات التي تقدمها التلفزيونات العربية، وخاصة الموجهة للطفل، وأن يتم تقديمها بلغة عربية صحيحة، وأن تكون مبسطة وسلسة في الوقت نفسه.
• إنشاء مسابقات للقراءة والكتابة باللغة الفصحى من خلال وسائل الإعلام على مستوى الدول الأعضاء لتشجيع الأطفال على النطق والكتابة بها، والاستماع إليها.
ثالثًا: أدب الأطفال
• الاهتمام بكتاب ومؤلفي أدب الأطفال العربي للارتقاء بهذا الأدب وجعله منافساً للآداب العالمية.
• تشجيع الدراسات التي تُعنى بأدب الطفل العربي ولغته ودعمها.
• تشجيع البحث العلمي الرصين في لغة الطفل وأدبه.
• تيسير وتسهيل عرض كنوز التراث العربي للأطفال من خلال الأعمال الفنية.
• الاستفادة من المشروعات والنشاطات التي تدعم لغة الطفل في بعض الدول العربية، ونشرها في أرجاء الوطن العربي، ومن ذلك مشروع مهرجان القراءة للجميع والمكتبات العامة.
وفي مجال الترجمة أوصى المؤتمر بتجسير الترجمة بين العربية واللغات الأخرى على نحو متوازن، يؤدي في النهاية إلى إدخال المصطلح العربي إلى لغة الآخر بلفظه ومعناه، بوصفه مُعَبِّراً عن الخصوصية الثقافية