شهر رمضان هو أعظم الشهور عند الله تعالى؛ فهو الشهر الذي أُنزل فية القرآن الكريم، وفيه تتنزل الرحمات على أمة الإسلام، وجعل الله تعالى فيه أياماً مباركةً؛ ممّا جعل القلوب المؤمنة تتعلق به وتنتظره من العام إلى العام، بالإضافة إلى اهتمام الفقهاء بأحكامه، والفلكيين بحساباته، ويمكن القول أنّ ثبوت شهر رمضان عند جمهور العلماء يكون برؤية الهلال، واستدلوا على ذلك بحديث النبي صلّى الله عليه وسلّم:(صوموا لرؤيَتِهِ وأفطِروا لرؤيتِهِ، فإنْ غبِّيَ عليكم، فأكملوا عدةَ شعبانَ ثلاثينَ)،[١] ولكن اختلف العلماء في: هل تكفي شهادة عدلٍ واحدٍ برؤية الهلال؛ لثبوت دخول رمضان، أم يجب أن يراه رجلان عدلان على الأقل؟ واستدل أصحاب الرأي الأول بما رواه عبد الله بن عمر؛ أنّه أخبر الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- برؤيته للهلال في أحد الأعوام، فصام رسول الله وأمر الناس أن يصوموا، وأمّا الفريق الثاني، فاستدل بقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم:(صوموا لرُؤيتِهِ، وأفطِروا لرؤيتِهِ، وانسُكوا لها، فإن غُمَّ عليكُم، فأكمِلوا ثلاثينَ ، فإن شَهِد شاهدانِ ؛ فصوموا وأفطِروا)،[٢]، وفي حال عدم رؤية الهلال، يثبت شهر رمضان؛ بإكمال عدة شعبان ثلاثين يوماً؛ فالشهر الشرعي يمكن أن يكون تسعاً وعشرين يوماً أو ثلاثين، كما بين ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قوله: (إنّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ، لا نكتُبُ ولا نَحْسِبُ، الشهْرُ هكذا وهكذا وهكذا وعَقَدَ الإِبهامَ في الثالثةِ والشهْرُ هكذا وهكذا وهكذا؛ يعني تمامَ ثلاثينَ).[٣][٤] كيفية اغتنام شهر رمضان من كرم الله تعالى أن علّمنا الأوقات المباركة التي تتضاعف فيها الأجور على فعل الطاعات، فيحب اغتنامها، ومن هذه الأوقات؛ شهر رمضان المبارك، و في ما يأتي بعض الأعمال التي تساعد على اغتنام هذا الشهر الكريم:[٥] قراءة القران: فللقرآن على النفوس في هذا الشهر سلطانٌ عظيمٌ؛ لأنّ سلطان النفس يضعف بالصوم، ويقوى سلطان القرآن، بالإضافة إلى أنّ القرآن الكريم غذاء الروح، يدل على الخير، وينهى عن الشر، فيجلب رضا الله تعالى، ويقود إلى جنات النعيم. الصيام: إذ إنّ الله تعالى يجزي على الصيام بأفضل الثواب ومن غير حسابٍ؛ لأنّ الصائم يستغني عن شهواته، ويترك حظّ نفسه التي تدعو بطبيعتها إلى السوء، ويقدّم رضا ربّه عزّ وجلّ، بالإضافة إلى أنّ الصوم سرٌّ وإخلاصٌ بين الصائم وربه عزّ وجلّ؛ حيث قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في الحديث القدسيّ: (كلُّ عَمَلِ ابنِ آدمَ لَه إلَّا الصَّومَ؛ فإنَّهُ لي وأَنا أجزي بِه).[٦] الإحسان: فيمكن للإنسان أن يحسن لنفسه بتقوى الله تعالى وتوحيده، وأن لا يشرك به شيئاً في العبادة، ويُحسن للناس بالصدقة مثلاً؛ لينال بذلك حب الله تعالى، فهو يحب المُحسنين، ويقتدي في ذلك برسول الله عليه الصّلاة والسّلام؛ إذ كان أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان. خصائص شهر رمضان إنّ لهذا الشهر العظيم خصائص كثيرةٌ، منها:[٧] صوم رمضان ركنٌ من أركان الإسلام: أي لا يتم إسلام الإنسان إلا به، ويكفر من جحد وجوبه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بُنِي الإسلامُ على خمسٍ: شَهادةِ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأنَّ محمدًا رسولُ اللهِ، وإقامِ الصلاةِ، وإيتاءِ الزكاةِ، والحجِّ ، وصومِ رمضانَ).[٨] نزول القرآن العظيم في رمضان: وقد أنزله الله تعالى؛ هدى ونوراً، ودستوراً لأمّة الإسلام، فيه بيان الحلال والحرام والحق والباطل، بالإضافة إلى الوعد والوعيد والتهديد، حيث قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ).[٩] فيه ليلة القدر: وهي ليلةٌ مباركةٌ، وعد الله تعالى من أقامها إيماناً واحتساباً، بأن يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَن قام ليلةَ القدرِ إيمانًا واحتسابًا، غُفِرَ له ما تقدَّمَ من ذنبِه).[١٠] تتنزل الملائكة فيه: كما قال تعالى: (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ).[١١] تُصفّد فيه مردة الشياطين: فتفتح أبواب الجنة، وتُغلق أبواب النار. نزلت فيه الملائكة للقتال مع المؤمنين: حدث ذلك في معركة بدر الكبرى، ونصر الله تعالى المؤمنين ودحر الكفار. هدي رسول الله في رمضان بالرغم من أنّ النبي -عليه الصّلاة والسّلام- غُفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، إلا أنّه كان يجتهد بالطاعات والقربات في رمضان؛ لعلمه بما في هذا الشهر من فضلٍ وخيرٍ، وفي ما يأتي ذكر بعض الأعمال التي كانت من هديه -عليه الصّلاة والسّلام- في رمضان:[١٢] كان النبي -عليه الصّلاة والسّلام- يُكثر من الإحسان، والصلاة، والذكر، والاعتكاف. كان يتدارس القرآن الكريم مع جبريل عليه السلام، وكان كالريح المرسلة؛ من كثرة جوده بالخير، إذ إنّه أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان. كان إذا حضرت العشر الأواخر: أيقظ أهله، وأحيا ليله، وشد مئزره، واعتكف في المسجد؛ ليجمع قلبه للقاء ربّه، ويتفرغ لذكره ومناجاته. كان يُقبل على الجهاد في سبيل الله في رمضان؛ حتى سميّ بشهر الجهاد، ومن المعارك الكبرى التي قادها في رمضان: معركة بدرٍ الكبرى، وفتح مكة، وكان خلال سفره يصوم في بعض الأحيان، ويفطر في أخرى، وإذا دنى من العدو أمر أصحابه بالإفطار ليتقوّوا على القتال. كان لا يمتنع عن جماع أزواجه في ليل رمضان، وإذا أدركه الفجر وهو جنب، اغتسل وصام ذلك اليوم. كان يُفضّل الإفطار على الرطب، فإن لم يجد فالتمر، فإن لم يجد فشربة من الماء، وكان يحثّ الناس على تأخير السحور، وتعجيل الفطور.