هو الكلام المقفى ، إذ يتألف أواخر الكلام على نسق كما تأتلف القوافي، وأصل الاسم من السجاعة، وهو الاستواء والاستقامة والاشتباه، لأن كل كلمة تشبه صاحبتها. قال ابن جني: سمي سجعًا لاشتباه أواخره وتناسب فواصله [2]. وقد كان كهنة العرب قبل الإسلام يسجعون، بدليل الحديث الذي نهى فيه الرسول عن سجعهم: قال رجل للرسول كيف ندي (أي ندفع دية) من لا شرب ولا أكل، ولا صاح فاستهل، وثعل دمه يطل، قال صلى الله عليه وسلم: أسجع كسجع الكهان؟! [3]. وفي رواية إياكم وسجع الكهان، وفي الحديث كذلك - أنه نهى عن السجع في الدعاء، وأضاف الأزهري : فأما فواصل الكلام المنظوم الذي لا يشاكل المسجع فهو مباح في الخطب والرسائل .[4] وليس لدينا نماذج كثيرة من سجع الكهان حتى نحكم عليه وعلى سبب العزوف عنه، ويبدو لنا أن تكلف السجع هو الذي حدا بالرسول إلى رفضه، ولكنا مع ذلك نستطيع أن نرى نماذج السجع أو الكلام الذي له فواصل[5] على حد تعبير الرماني والباقلاني. ففي القرآن الكريم: فإذا فرغت فانصب * وإلى ربك فارغب [6] ؛ قل يا أيها الكافرون* لا أعبد ما تعبدون [7]فهذا الازدواج غير مطّرد، إذ يكون الكلام مرسلاً وغير مرسل. وفي الانتقال والمراوحة جمالية فنية ووقع جديد. وجدير بالذكر أن السجع في القرآن يسمى غالبًا فاصلة . والسجع في الحديث الشريف –نسبيًا- قليل، لكنه يظهر هنا وهناك. ففي وصية للرسول: افشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام [8]. ولا شك هنا أن السجع متعمد، بل إن في بعض الأحاديث تغييرات لغوية أجازها الرسول لنفسه ، فقد ورد على لسانه : ارجعن مأزورات غير مأجورات [9] ، ونحن نجد في اللغة لفظة - موزورات بمعنى آثمات، فأجراها على الإتباع. وهاك مثالاً آخر:
أعوذ بكلمات الله التامه، من كل شيطان وهامه، ومن كل عين لامّه [10] ، واللامة هي الملمة، لكن التسجيع جعله يستعمل هذه الكلمة. ومن جهة أخرى فالتوقيعات، وهي الرسائل الموجزة كان أغلبها مسجوعًا:
- ليس عليك بأس، ما لم يكن منك بأس.
- يعطو على الشغب، ولا يحرجوا إلى الطلب [11] ، وقد كثر السجع في مقدمات الكتب الأدبية، حتى كانت المقامات قمة السجع، فهي أصلاً بُنيت عليه في عصور أدبية متأخرة ، ولو على حساب المضمون، حيث بدأ الانبهار اللغوي ، وكان وسيلة للكدية. وفي عصر المماليك خلعت على كثير من أسماء الكتب الأسماء المسجوعة:
نهاية الأرب في فنون العرب للنويري،
صبح الأعشى في صناعة الإنشا للقلقشندي، بل انظر إلى الاسم الدقيق لمقّدمة ابن خلدون: كتاب العبر، وديوان المبتدأ والخبر، في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر. فمقدمة المقدمة مسجوعة، حتى إذا أخذ ابن خلدون في تناول المواضيع شرع يرسل الكلام مرسلاً - أسوة بالجاحظ وعبد الله بن المقفع وابن قتيبة وغيرهم. أما كتاب ألف ليلة وليلة فلا يعتمد السجع دائمًا بل يراوح وهو ينسق ، فمثلاً: قال هشام وقد تزايد به الغضب: لقد حضرت في يوم حضر فيه أجلك ، وغاب عنه أملك وانصرم عمرك، فقال والله يا هشام: لئن كان في المدة تأخير، ولم يكن في الأجل تقصير، فما ضر بي كلامك….[12]
وقد استُعمل هذا السجع لجذب انتباه السامعين عند سرد الحكايات، وبرز بصورة خاصة في سير عنترة والزير وأبي ليلى المهلهل وتغريبة بني هلال ورحيلهم إلى بلاد المغرب، وعلينا أن نلاحظ هنا هذه الفقرات القصيرة التي تتلاءم وطبيعة القص والإثارة: ولما أصبح الصباح ركبوا ابن دخان، وكان اسمه سكران، فنزل إلى الميدان، وطلب مبارزة الفرسان [13]. وفي اللهجة العامية بقي السجع ظاهرًا في الأمثال الشعبية والأغاني وتعديد النساء. فمن الأمثال:
عادت حليمة لعادتها القديمة،
البيت معمور وصاحبته بتدور،
ناس بحنانيها وناس بغنانيها،
الباب اللي يجي منه الريح سده واستريح…
والسجع يكون أحيانًا صوتيًا:
لبس البوصة تصير عروسة،
القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود.
ويظهر السجع في بداية الحكايات وخواتمها:
مكان مكان يا مستمعين الكلام ، حتى توحدوا الله، لا اله إلا الله…
وعاشوا في تبات ونبات ، وخلفوا صبيان وبنات .[14] ولو عدنا إلى الشعر فالسجع في البيت الواحد يسمى تشطيرًا. وقد ورد كثيرًا في الشعر العربي، ولنذكر مثلاً من امرئ القيس:
سليمِ الشَّظى عبلِ الشّوى شَنِجِ الَّنسا
له حَجَباتٌ مُشْرِفاتٌ على الفالي [15]
مما تقدم نرى أن السجع كان ملازمًا للغة العربية، واستمر حتى عصرنا، غير أننا لا نكاد نرى اليوم مقدمات كتب مسجوعة ، بسبب اعتماد الكتاب على التركيز على المضمون. فإن جاء السجع تلقائيًا ومطبوعًا فهو سائغ، وإلا فما أغنانا عن التحمل والتكلف على غرار تقديم أحدهم لكتابه: انتشر هذا الديوان ، معتمدًا على الواحد الديان، وممتلئ النفس من الرضا والاطمئنان، لأنه ثمرة جهد جهيد، وصبر مؤمن عنيد، ولقد جاء كما ترى معبرا، عما صار وجرى، وسلكت به الطريق الطويل، على نهج الفراهيدي الخليل، بلا انحراف وتحويل، ولا تمويه ولا تضليل، بل عربي مصري أصيل…
فالسجع لا يحسن إلا إذا كان رصين التركيب خاليًا من التكرار في غير فائدة، يراوح مع المرسل. ولهذا كان جمال القرآن اللغوي الذي راوح بين الفواصل والإرسال ، ومن جهة أخرى نفرنا من أسلوب المقامات ، وخاصة المتكلف منه ، بينما أعجبنا بالأمثال المسجوعة. فالخطيب إذا استعمل السجع بعض المرات يزيد خطبته سبكًا ورونقًا، بينما إذا استمر على السجع فإنه يتركز على الشكل ويفقد الجاذبية. فالسجع اليسير استعمل قديمًا وما زال. والعودة إليه لا تدل على ارتفاع في الأسلوب، فهو جزء من اللغة لم ينفصل عنها في أية فترة زمنية ، فالعبرة في قوة السبك وفي التأثير
أعوذ بكلمات الله التامه، من كل شيطان وهامه، ومن كل عين لامّه [10] ، واللامة هي الملمة، لكن التسجيع جعله يستعمل هذه الكلمة. ومن جهة أخرى فالتوقيعات، وهي الرسائل الموجزة كان أغلبها مسجوعًا:
- ليس عليك بأس، ما لم يكن منك بأس.
- يعطو على الشغب، ولا يحرجوا إلى الطلب [11] ، وقد كثر السجع في مقدمات الكتب الأدبية، حتى كانت المقامات قمة السجع، فهي أصلاً بُنيت عليه في عصور أدبية متأخرة ، ولو على حساب المضمون، حيث بدأ الانبهار اللغوي ، وكان وسيلة للكدية. وفي عصر المماليك خلعت على كثير من أسماء الكتب الأسماء المسجوعة:
نهاية الأرب في فنون العرب للنويري،
صبح الأعشى في صناعة الإنشا للقلقشندي، بل انظر إلى الاسم الدقيق لمقّدمة ابن خلدون: كتاب العبر، وديوان المبتدأ والخبر، في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر. فمقدمة المقدمة مسجوعة، حتى إذا أخذ ابن خلدون في تناول المواضيع شرع يرسل الكلام مرسلاً - أسوة بالجاحظ وعبد الله بن المقفع وابن قتيبة وغيرهم. أما كتاب ألف ليلة وليلة فلا يعتمد السجع دائمًا بل يراوح وهو ينسق ، فمثلاً: قال هشام وقد تزايد به الغضب: لقد حضرت في يوم حضر فيه أجلك ، وغاب عنه أملك وانصرم عمرك، فقال والله يا هشام: لئن كان في المدة تأخير، ولم يكن في الأجل تقصير، فما ضر بي كلامك….[12]
وقد استُعمل هذا السجع لجذب انتباه السامعين عند سرد الحكايات، وبرز بصورة خاصة في سير عنترة والزير وأبي ليلى المهلهل وتغريبة بني هلال ورحيلهم إلى بلاد المغرب، وعلينا أن نلاحظ هنا هذه الفقرات القصيرة التي تتلاءم وطبيعة القص والإثارة: ولما أصبح الصباح ركبوا ابن دخان، وكان اسمه سكران، فنزل إلى الميدان، وطلب مبارزة الفرسان [13]. وفي اللهجة العامية بقي السجع ظاهرًا في الأمثال الشعبية والأغاني وتعديد النساء. فمن الأمثال:
عادت حليمة لعادتها القديمة،
البيت معمور وصاحبته بتدور،
ناس بحنانيها وناس بغنانيها،
الباب اللي يجي منه الريح سده واستريح…
والسجع يكون أحيانًا صوتيًا:
لبس البوصة تصير عروسة،
القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود.
ويظهر السجع في بداية الحكايات وخواتمها:
مكان مكان يا مستمعين الكلام ، حتى توحدوا الله، لا اله إلا الله…
وعاشوا في تبات ونبات ، وخلفوا صبيان وبنات .[14] ولو عدنا إلى الشعر فالسجع في البيت الواحد يسمى تشطيرًا. وقد ورد كثيرًا في الشعر العربي، ولنذكر مثلاً من امرئ القيس:
سليمِ الشَّظى عبلِ الشّوى شَنِجِ الَّنسا
له حَجَباتٌ مُشْرِفاتٌ على الفالي [15]
مما تقدم نرى أن السجع كان ملازمًا للغة العربية، واستمر حتى عصرنا، غير أننا لا نكاد نرى اليوم مقدمات كتب مسجوعة ، بسبب اعتماد الكتاب على التركيز على المضمون. فإن جاء السجع تلقائيًا ومطبوعًا فهو سائغ، وإلا فما أغنانا عن التحمل والتكلف على غرار تقديم أحدهم لكتابه: انتشر هذا الديوان ، معتمدًا على الواحد الديان، وممتلئ النفس من الرضا والاطمئنان، لأنه ثمرة جهد جهيد، وصبر مؤمن عنيد، ولقد جاء كما ترى معبرا، عما صار وجرى، وسلكت به الطريق الطويل، على نهج الفراهيدي الخليل، بلا انحراف وتحويل، ولا تمويه ولا تضليل، بل عربي مصري أصيل…
فالسجع لا يحسن إلا إذا كان رصين التركيب خاليًا من التكرار في غير فائدة، يراوح مع المرسل. ولهذا كان جمال القرآن اللغوي الذي راوح بين الفواصل والإرسال ، ومن جهة أخرى نفرنا من أسلوب المقامات ، وخاصة المتكلف منه ، بينما أعجبنا بالأمثال المسجوعة. فالخطيب إذا استعمل السجع بعض المرات يزيد خطبته سبكًا ورونقًا، بينما إذا استمر على السجع فإنه يتركز على الشكل ويفقد الجاذبية. فالسجع اليسير استعمل قديمًا وما زال. والعودة إليه لا تدل على ارتفاع في الأسلوب، فهو جزء من اللغة لم ينفصل عنها في أية فترة زمنية ، فالعبرة في قوة السبك وفي التأثير