بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين .وبعد:
قال بعض الكتاب المعاصرين اليوم في تغريدة له على تويتر:
الدقة والصناعة الحديثية عند أهل الحديث إنما أتت متأخرة، وكانت الرواية القديمة في القرن الأول إلى منتصف الثاني ساذجة، فالذين تجدونهم يرددون ( أهل الحديث كان لهم منهج كذا وكذا ...)هم جهلة بتاريخ تطور الرواية، وليس عندهم قدرة على قراءة نقدية، لأنهم متمذهبون.. أعني أصبح الدفاع عن أهل الحديث ومنهجهم مذهب قائم بذاته، فالمدافع يعدونه ممدوحاً صاحب سنة، والمنتقد يعدونه مذموماً صاحب بدعة!.. وهذه مذهبية، فلذلك تجدهم يتكلفون في الدفاع عن محدث أو رواية صححها أحدهم ولا يتكلفون في معرفة الحق، فالحق عندهم هو الشخص والمذهب وليست المعلومة الصحيحة.. وهذا من أكبر التعصب والمذهبية، لأنهم لا يعرفون الحديث إلا من آخر ملفق بين نظرياته، كابن الصلاح لا يعرفون مسيرته ورجاله وتطوره واختلافهانتهت التغريدة.
أكثر هذا الكلام مجرد تهم ودعاوى و تعميم على عشرات العلماء لم يلق كاتبه واحدا منهم و رجما بالغيب و استصغارا لعقول الباحثين المختصين و غير المختصين، فالخطيب البغدادي و الإمام النووي( جهلة بتاريخ تطور الرواية). مؤرخوا الإسلام كابن الأثيروالذهبي (وما أدراك ما الذهبي) الذين أرخوا لكل شيء بالتدقيق، أيغيب عنهم تاريخ علم هم مختصون فيه؟ و الحافظ المزي و العراقي و ابن كثير و السيوطي (لا يعرفون الحديث إلا من آخر ملفق بين نظرياته) و الضياء المقدسي و البيهقي و الذهبي و ابن عساكر و فيهم الأشعري و السلفي و فيهم الشافعي و المالكي والحنبلي و فيهم الفقهاء و المفسرون والمؤرخون و المحدثون غاب عنهم تاريخ مادة علمية تعتبر الثانية من ناحية الأهمية بعد كتاب الله جل وعلا حتى جاء رجل في القرن 15 للهجرة فاكتشف هذا .
المهم، في كلام صاحب التغريدة نقطتان يمكن أن نتناقش فيهما بأسلوب علمي نستفيد منه جميعا إن شاء الله تعالى و هما : تأخر الدقة الحديثية و تأخر التصنيف في كتب المصطلح. فالمحدثون من التابعين لم تكن لديهم قواعد مكتوبة للرواية لكن هذا لا يعني بأن روايتهم للحديث لم تكن كرواية المتأخرين، فقد كانوا يحفظون مروياتهم و يتثبتون في الرواة كتثبت من بعدهم لكن في استدلالهم بمروياتهم تجد عند بعضهم شيء من التسامح في الأسانيد المنقطعة و خاصة المراسيل فوجد فيهم من يحتج بالمرسل(الذي سقط الصحابي من اسناده) لثقته بمن أرسل و فيهم من يحتج بالمنقطع و من ناحية أخرى وجد فيهم من لا يروي على صاحب بدعة مطلقا. و بعد هاته الطبقة تأتي طبقة مالك و سفيان و شعبة ففي هذه الطبقة أصبحت الأسانيد أطول فقبل هؤلاء تجد بين المحدث و بين النبي عليه الصلاة والسلام رجلا أو رجلين و هذا مع قلة الأحاديث عند الراوي الواحد فكانت الرحلة في طلب الحديث قليلة فغالب التابعين يكتفون بالأحاديث التي تكون في بلدانهم فتجد في البلد الواحد مئات المحدثين و يتداولون على بضع آلاف من الأحاديث فلا تجد أحدا يخطئ في كلمة إلا ينبهه غيره و لهذا ضبطت أحاديث كل بلد عند مجموعة من المحدثين و اشتهروا عند رفاقهم بالحفظ و الأمانة والضبط كما يشتهر النجباء في القسم أو المدرسة الواحدة و أشهر علماء هذه الطبقة سعيد بن جبير و ابن المسيب و الحسن البصري و سالم بن عبد الله بن عمر و الأعمش و الزهري و الشعبي و عطاء ثم بعد هؤلاء جاءت طبقة من المحدثين يسمون بتابعي التابعين و من أشهرهم مالك ابن أنس بالمدينة و سفيان ابن عيينة بمكة و الأوزاعي بالشام و الليث بن سعد بمصر و سفيان الثوري بالكوفة و شعبة بالبصرة و من هنا زاد التثبت في الرواية ونقد الأسانيد و الرجال و الامتناع عن توثيق المجهول من الرواة وهذه الطبقة جاءت قبل منتصف القرن الثاني التي وصفها صاحب المقالة بالسذاجة في الرواية ، فهل رواية مالك في الموطأ و عبدالرزاق و سفيان ابن عيينة و سفيان الثوري ساذجة ؟ على كل، وبعد هاته الطبقة انتشرت الرواية كثيرا و انتشر المحدثون في كل مكان و من شتى المذاهب العقدية فأصبح علماء هذه الطبقة أشد تحريا و انتقاء للرواة و أصبح علم الحديث يدرس كما يدرس الفقه و التفسير و اللغة فبدأ التأليف في العلوم ينتشر و هذا ليس خاصا بالحديث فقط فكل العلوم كالفقه و أصوله و قواعده و النحو لها نفس التاريخ التطوري فهل هناك كتب في أصول الفقه ألفت أو قواعد قعدت في عصر التابعين؟ و هل كتب العرب في النحو قديما وفي الصرف والبلاغة؟ الجواب: طبعا لا، فكل العلوم كتبت قواعدها و أصولها بالتدرج فهل يعني هذا بأن فقه التابعين ساذج؟ و هل كانت هناك قواعد و منهج مكتوب للغة العربية؟ لو عاد بنا الزمن للوراء و التقى أحدنا بعنترة و سأله عن الأسماء الخمسة هل سيجيبه؟ فما سيقال هنا سيقال عن رواية الحديث.
والنقطة الثانية التي أردت أن أطرحها هي جواب عن اتهام المحدثين بأنهم لا يعرفون الحديث إلا من آخر ملفقيه كابن الصلاح، وهذا اتهام عريض و تعميم في القول سيسأل عنه صاحبه يوم القيامة .و هنا يطرح كل لبيب سؤالا مهما ألا و هو: هل هناك(ملفقون) قبل ابن الصلاح كما وصفه هذا الرجل ؟ اختلف العلماء في أول من ألف في علوم الحديث فمنهم من قال الشافعي لما وضعه من قواعد للحديث في كتابه (الرسالة) وهناك رسالة للحميدي شيخ البخاري (و قد ذكر عنه الخطيب مسائل عدة في كتابه) و منهم من اعتبر الرامهرمزي أول (ملفق) ثم توالت الكتابة في هذا العلم و من العلماء من اختصر و منهم من توسع فمسلم رحمه الله تعالى تكلم عن عدة قواعد في كتابه الصحيح و بدرجة أكبر في (التمييز) و الترمذي رحمه الله تعالى أتى على عدد لا بأس به من المصطلحات في كتابه "العلل" ثم أخذت الكتابة في التطور مع الزمن فألف الحاكم "معرفة علوم الحديث" ثم جاء الخطيب و ألف "الكفاية في علوم الرواية" و قبله ابن حبان و ما يمكن أن نميزه هنا بين المتقدمين و المتأخرين أن المتقدمين يكتبون في الجانب العملي كالعلل و الجرح و التعديل و التأريخ و المتأخرون يكتبون في النظري وهذا ليس عاما بل يوجد في المتقدمين من ألف في النظري و يوجد في المتأخرين من ألف في العملي(و أقصد بالمتقدمين و المتأخرين نسبة لابن الصلاح ) وكما قلت آنفا فشأن المصطلح كشأن سائر العلوم الإسلامية تدرج التأليف فيها كل على نفس المنوال.
فأول من ألف في المصطلح الحميدي و الشافعي و كذلك الفقه فالشافعي يعد من أوائل من كتب فيه و في أصول الفقه و هذا لا يعني بأن المتقدمين كانوا يجهلون هذه العلوم بل كانوا يطبقونها كما يطبقها المتأخرون و غاية ما فعل المتأخرون هو تتبع و استقراء طريقة و منهج من تقدمهم و إطلاق التسميات عليها و التفريق بينها.
نعم هناك بعض المصطلحات حدثت بعد القرون الأولى وهذا ليس خاصا بالرواية فقط فلفظ السنة كان يعني ما فعله النبي عليه الصلاة والسلام مستحبا أو واجبا و عند المتأخرين يأتي بمعنى مستحب و هذا اصطلاح حادث و كذلك عند المحدثين فالمتقدمون يطلقون لفظ الصحيح على كل حديث ثابت أما المتأخرون فجعلوا الثابت قسمين صحيح و هو في أعلى درجات الصحة و حسن دون ذلك فما يقال عن الفقهاء و الأصوليين يقال عن المحدثين بل مصطلحات المحدثين أقل تطورا بكثير من الأصوليين لمن تدبر ذلك وكل هذا لا يعد عيبا .
و في الأخير أنصح نفسي و إخواني بأخذ العلوم من العلماء المختصين و أن نبتدئ التأصيل العلمي بالمختصرات و المتون و أن نتدرج في تعلمها على أيدي العلماء أو طلبة العلم المتمكنين إن أمكن و أن لا نقفز على سلم التعلم و نذهب إلى ناس تنتقد لتهدم و نحن لم نفهم بعد التأصيلات و التقاسيم فتتمكن الشبهة من القلوب و حينئذ يصعب إخراجها. فهل يعقل لطالب العلم والحق أن يقرأ النقد قبل التأصيل؟ و هل يعقل أن نبدأ التعلم بالمعضلات التي يصعب فهما قبل الأساسيات؟ فمن بدأ بكبار المسائل قبل صغارها مثله كمثل من ابتدأ تعلم الرياضيات من الدالات و اللوغرتميات قبل تعلم الجمع و الطرح و القسمة ؟ هل يرجى لهذا وصول في سلم الأصول؟ أظن الجواب واضحا لكل قلب صادق في طلب العلم والحق .
هذا و الله أعلم و صل اللهم و سلم وبارك على سيدنا محمد و على آل محمد كما صليت و باركت على إبراهيم و على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد . و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين .وبعد:
قال بعض الكتاب المعاصرين اليوم في تغريدة له على تويتر:
الدقة والصناعة الحديثية عند أهل الحديث إنما أتت متأخرة، وكانت الرواية القديمة في القرن الأول إلى منتصف الثاني ساذجة، فالذين تجدونهم يرددون ( أهل الحديث كان لهم منهج كذا وكذا ...)هم جهلة بتاريخ تطور الرواية، وليس عندهم قدرة على قراءة نقدية، لأنهم متمذهبون.. أعني أصبح الدفاع عن أهل الحديث ومنهجهم مذهب قائم بذاته، فالمدافع يعدونه ممدوحاً صاحب سنة، والمنتقد يعدونه مذموماً صاحب بدعة!.. وهذه مذهبية، فلذلك تجدهم يتكلفون في الدفاع عن محدث أو رواية صححها أحدهم ولا يتكلفون في معرفة الحق، فالحق عندهم هو الشخص والمذهب وليست المعلومة الصحيحة.. وهذا من أكبر التعصب والمذهبية، لأنهم لا يعرفون الحديث إلا من آخر ملفق بين نظرياته، كابن الصلاح لا يعرفون مسيرته ورجاله وتطوره واختلافهانتهت التغريدة.
أكثر هذا الكلام مجرد تهم ودعاوى و تعميم على عشرات العلماء لم يلق كاتبه واحدا منهم و رجما بالغيب و استصغارا لعقول الباحثين المختصين و غير المختصين، فالخطيب البغدادي و الإمام النووي( جهلة بتاريخ تطور الرواية). مؤرخوا الإسلام كابن الأثيروالذهبي (وما أدراك ما الذهبي) الذين أرخوا لكل شيء بالتدقيق، أيغيب عنهم تاريخ علم هم مختصون فيه؟ و الحافظ المزي و العراقي و ابن كثير و السيوطي (لا يعرفون الحديث إلا من آخر ملفق بين نظرياته) و الضياء المقدسي و البيهقي و الذهبي و ابن عساكر و فيهم الأشعري و السلفي و فيهم الشافعي و المالكي والحنبلي و فيهم الفقهاء و المفسرون والمؤرخون و المحدثون غاب عنهم تاريخ مادة علمية تعتبر الثانية من ناحية الأهمية بعد كتاب الله جل وعلا حتى جاء رجل في القرن 15 للهجرة فاكتشف هذا .
المهم، في كلام صاحب التغريدة نقطتان يمكن أن نتناقش فيهما بأسلوب علمي نستفيد منه جميعا إن شاء الله تعالى و هما : تأخر الدقة الحديثية و تأخر التصنيف في كتب المصطلح. فالمحدثون من التابعين لم تكن لديهم قواعد مكتوبة للرواية لكن هذا لا يعني بأن روايتهم للحديث لم تكن كرواية المتأخرين، فقد كانوا يحفظون مروياتهم و يتثبتون في الرواة كتثبت من بعدهم لكن في استدلالهم بمروياتهم تجد عند بعضهم شيء من التسامح في الأسانيد المنقطعة و خاصة المراسيل فوجد فيهم من يحتج بالمرسل(الذي سقط الصحابي من اسناده) لثقته بمن أرسل و فيهم من يحتج بالمنقطع و من ناحية أخرى وجد فيهم من لا يروي على صاحب بدعة مطلقا. و بعد هاته الطبقة تأتي طبقة مالك و سفيان و شعبة ففي هذه الطبقة أصبحت الأسانيد أطول فقبل هؤلاء تجد بين المحدث و بين النبي عليه الصلاة والسلام رجلا أو رجلين و هذا مع قلة الأحاديث عند الراوي الواحد فكانت الرحلة في طلب الحديث قليلة فغالب التابعين يكتفون بالأحاديث التي تكون في بلدانهم فتجد في البلد الواحد مئات المحدثين و يتداولون على بضع آلاف من الأحاديث فلا تجد أحدا يخطئ في كلمة إلا ينبهه غيره و لهذا ضبطت أحاديث كل بلد عند مجموعة من المحدثين و اشتهروا عند رفاقهم بالحفظ و الأمانة والضبط كما يشتهر النجباء في القسم أو المدرسة الواحدة و أشهر علماء هذه الطبقة سعيد بن جبير و ابن المسيب و الحسن البصري و سالم بن عبد الله بن عمر و الأعمش و الزهري و الشعبي و عطاء ثم بعد هؤلاء جاءت طبقة من المحدثين يسمون بتابعي التابعين و من أشهرهم مالك ابن أنس بالمدينة و سفيان ابن عيينة بمكة و الأوزاعي بالشام و الليث بن سعد بمصر و سفيان الثوري بالكوفة و شعبة بالبصرة و من هنا زاد التثبت في الرواية ونقد الأسانيد و الرجال و الامتناع عن توثيق المجهول من الرواة وهذه الطبقة جاءت قبل منتصف القرن الثاني التي وصفها صاحب المقالة بالسذاجة في الرواية ، فهل رواية مالك في الموطأ و عبدالرزاق و سفيان ابن عيينة و سفيان الثوري ساذجة ؟ على كل، وبعد هاته الطبقة انتشرت الرواية كثيرا و انتشر المحدثون في كل مكان و من شتى المذاهب العقدية فأصبح علماء هذه الطبقة أشد تحريا و انتقاء للرواة و أصبح علم الحديث يدرس كما يدرس الفقه و التفسير و اللغة فبدأ التأليف في العلوم ينتشر و هذا ليس خاصا بالحديث فقط فكل العلوم كالفقه و أصوله و قواعده و النحو لها نفس التاريخ التطوري فهل هناك كتب في أصول الفقه ألفت أو قواعد قعدت في عصر التابعين؟ و هل كتب العرب في النحو قديما وفي الصرف والبلاغة؟ الجواب: طبعا لا، فكل العلوم كتبت قواعدها و أصولها بالتدرج فهل يعني هذا بأن فقه التابعين ساذج؟ و هل كانت هناك قواعد و منهج مكتوب للغة العربية؟ لو عاد بنا الزمن للوراء و التقى أحدنا بعنترة و سأله عن الأسماء الخمسة هل سيجيبه؟ فما سيقال هنا سيقال عن رواية الحديث.
والنقطة الثانية التي أردت أن أطرحها هي جواب عن اتهام المحدثين بأنهم لا يعرفون الحديث إلا من آخر ملفقيه كابن الصلاح، وهذا اتهام عريض و تعميم في القول سيسأل عنه صاحبه يوم القيامة .و هنا يطرح كل لبيب سؤالا مهما ألا و هو: هل هناك(ملفقون) قبل ابن الصلاح كما وصفه هذا الرجل ؟ اختلف العلماء في أول من ألف في علوم الحديث فمنهم من قال الشافعي لما وضعه من قواعد للحديث في كتابه (الرسالة) وهناك رسالة للحميدي شيخ البخاري (و قد ذكر عنه الخطيب مسائل عدة في كتابه) و منهم من اعتبر الرامهرمزي أول (ملفق) ثم توالت الكتابة في هذا العلم و من العلماء من اختصر و منهم من توسع فمسلم رحمه الله تعالى تكلم عن عدة قواعد في كتابه الصحيح و بدرجة أكبر في (التمييز) و الترمذي رحمه الله تعالى أتى على عدد لا بأس به من المصطلحات في كتابه "العلل" ثم أخذت الكتابة في التطور مع الزمن فألف الحاكم "معرفة علوم الحديث" ثم جاء الخطيب و ألف "الكفاية في علوم الرواية" و قبله ابن حبان و ما يمكن أن نميزه هنا بين المتقدمين و المتأخرين أن المتقدمين يكتبون في الجانب العملي كالعلل و الجرح و التعديل و التأريخ و المتأخرون يكتبون في النظري وهذا ليس عاما بل يوجد في المتقدمين من ألف في النظري و يوجد في المتأخرين من ألف في العملي(و أقصد بالمتقدمين و المتأخرين نسبة لابن الصلاح ) وكما قلت آنفا فشأن المصطلح كشأن سائر العلوم الإسلامية تدرج التأليف فيها كل على نفس المنوال.
فأول من ألف في المصطلح الحميدي و الشافعي و كذلك الفقه فالشافعي يعد من أوائل من كتب فيه و في أصول الفقه و هذا لا يعني بأن المتقدمين كانوا يجهلون هذه العلوم بل كانوا يطبقونها كما يطبقها المتأخرون و غاية ما فعل المتأخرون هو تتبع و استقراء طريقة و منهج من تقدمهم و إطلاق التسميات عليها و التفريق بينها.
نعم هناك بعض المصطلحات حدثت بعد القرون الأولى وهذا ليس خاصا بالرواية فقط فلفظ السنة كان يعني ما فعله النبي عليه الصلاة والسلام مستحبا أو واجبا و عند المتأخرين يأتي بمعنى مستحب و هذا اصطلاح حادث و كذلك عند المحدثين فالمتقدمون يطلقون لفظ الصحيح على كل حديث ثابت أما المتأخرون فجعلوا الثابت قسمين صحيح و هو في أعلى درجات الصحة و حسن دون ذلك فما يقال عن الفقهاء و الأصوليين يقال عن المحدثين بل مصطلحات المحدثين أقل تطورا بكثير من الأصوليين لمن تدبر ذلك وكل هذا لا يعد عيبا .
و في الأخير أنصح نفسي و إخواني بأخذ العلوم من العلماء المختصين و أن نبتدئ التأصيل العلمي بالمختصرات و المتون و أن نتدرج في تعلمها على أيدي العلماء أو طلبة العلم المتمكنين إن أمكن و أن لا نقفز على سلم التعلم و نذهب إلى ناس تنتقد لتهدم و نحن لم نفهم بعد التأصيلات و التقاسيم فتتمكن الشبهة من القلوب و حينئذ يصعب إخراجها. فهل يعقل لطالب العلم والحق أن يقرأ النقد قبل التأصيل؟ و هل يعقل أن نبدأ التعلم بالمعضلات التي يصعب فهما قبل الأساسيات؟ فمن بدأ بكبار المسائل قبل صغارها مثله كمثل من ابتدأ تعلم الرياضيات من الدالات و اللوغرتميات قبل تعلم الجمع و الطرح و القسمة ؟ هل يرجى لهذا وصول في سلم الأصول؟ أظن الجواب واضحا لكل قلب صادق في طلب العلم والحق .
هذا و الله أعلم و صل اللهم و سلم وبارك على سيدنا محمد و على آل محمد كما صليت و باركت على إبراهيم و على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد . و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.