هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

دخول

descriptionالتربية على الرجولة وبناء الرجال Emptyالتربية على الرجولة وبناء الرجال

more_horiz
التربية على الرجولة وبناء الرجال







الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:







إنني لأتعجب حين ألمح أنَّ الرجولة في الإسلام تتعدى حدود العمر الزمني كذلك.. فقد صنع الإسلام من الغلمان رجالاً.. ربَّاهم أن يقفوا وينافسوا الشرف والسؤدد صغارًا.. يقولون بلسان حالهم ما قال عمرو بن كلثوم الشاعر البطل:




وقد علم القبائلُ من معدّ÷ إذا قُبَبٌ بأبطحها بُنِينا

بأنّا العاصمون إذا قدرنا÷وإنا المهلكون إذا ابتلينا

وأنّا المانعون لما أردنا÷وأنَّا النازلون بحيث شينا

وأنّا التاركون إذا سخطنا÷وأنَّا الآخذون إذا رضينا

ونشرب إن وردنا الماء صفواً÷ويشرب غيرنا كدراً وطينا

إذا ما الملك سام الناس خسفاً÷أبينا أن نُقِرَّ الذلّ فينا

لنا الدنيا ومن أمسى عليها÷ ونبطش حين نبطش قادرينا

بغاةٌ ظالمين وما ظلمنا÷ولكنا سنبدأ ظالمينا

ملأنا البر حتى ضاق عنا÷وكذاك البحر نملاؤه سفينا

إذا بلغ الرضيع لنا فطاما÷تخرُّ له الجبابرُ ساجدينا[1]




وحين أرى هؤلاء الذين خرَّت لهم الجبابر ساجدين أراهم- وبكل بساطة للذين لم يتعلموا الدرس- صناعة نبوية خالصة امتزجت فيها العقيدة بالشخصية، واستعلاء الإيمان بعظمة الرحمة المحمدية، فصنعت هذا الكيان الفريد.. ولا أَدل من هذا الموقف الجليل الذي يرويه البخاري رحمه الله فيقول بسنده-

(عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَدَحٍ، فَشَرِبَ مِنْهُ، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ أَصْغَرُ القَوْمِ، وَالأَشْيَاخُ عَنْ يَسَارِهِ، فَقَالَ: «يَا غُلاَمُ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ الأَشْيَاخَ»، قَالَ: مَا كُنْتُ لِأُوثِرَ بِفَضْلِي مِنْكَ أَحَدًا يَا رَسُولَ اللَّهِ( أي أنه لم يرد أن ينال أحد بركة الشرب خلف رسول الله سواه)، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ "[2])..

إن هذا الدرس النبوي الكريم يُظهر: كيف ربى النبي أولاده على الرجولة صغارًا؟..

ربَّاهم أولاً: على الأدب واستئذان الكبير وحفظ منزلته، حتى ولو كان الحق عند الصغير، ثم ارتقى بهم إلى الدرس الثاني؛ وهو: احترام الشباب ووضعه مكانه في بناء الوجود والفاعلية والإيجابية.. فالرسول الحكيم جعل الغلام ذا كيان يُستأذن مع وجود الكبار.

وهذه هي القيمة الحقيقية للشباب والصغار في البناء الإسلامي، فقد روى الترمذي بسند صحيح عَنْ سَيَّارٍ، قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ ثَابِتٍ البُنَانِيِّ، فَمَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ ثَابِتٌ: كُنْتُ مَعَ أَنَسٍ، فَمَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ أَنَسٌ: «كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ»[3]...

ثم يعلمنا الدرس الأكبر (لا تؤثر بمكانك من رسول الله أحدا، فلست أقل من أحد إن أحببته بصدق واتبعته).

ولقد وعى بُناة الرجولة؛ صحْب محمد صلى الله عليه وسلم – هذه الدروس جيدًا، وبدؤوا بدورهم بناءً شامخًا للرجولة على أُسس مدرسةِ الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري في صحيحه:

أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يُدخِل ابن عباس رضي الله عنهما، وهو غلام حدث مع أشياخ بدر، قال ابن عباس: فكأن بعضهم وجد في نفسه فقال: لمَ تُدخِل هذا معنا، ولنا أبناء مثله؟!، فقال عمر: إنه من حيث علمتم -يعني: أن هذا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن آل البيت- فدعاه ذات يوم، فأدخله معهم، وانظر إلى ذكاء ابن عباس كيف كان يراقب ويحلل، ويختزن المواقف في ذهنه، فدعاه يومًا ففهم وتفرس أنه دعاه حتى يختبره أمامهم، ويُظهِر فضله في العلم عليهم، يقول ابن عباس في الرواية: فما رأيت أنه دعاني يومئذٍ إلا ليريهم علمي، قال عمر: ما تقولون في قول الله تعالى: ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴾؟، فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم، فلم يقل شيئًا، فقال لي: أكذاك تقول يا ابن عباس؟!، فقلت: لا، قال: ما تقول؟، قلت: هو أجلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له -يعني: أن هذه الآية فيها نعي رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى نفسه- قال: ﴿ إذا جاء نصر الله والفتح ﴾، وذلك علامة أجلك، ﴿ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴾، يعني: تهيأ للقاء ربك، فقال عمر: ما أعلم منها إلا ما تقول)..

هكذا كان أمير المؤمنين يُقوي ثقة ابن عباس بنفسه، وهكذا علمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشجاعة والجرأة في أخذ نصيبهم من عظمة هذا الدين وبالقوة، لا بالضعف والبكاء والتباكي!!؟.

روى البخاري – بسنده- (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: «إِنِّي لَوَاقِفٌ يَوْمَ بَدْرٍ فِي الصَّفِّ، فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَشِمَالِي، فَإِذَا أَنَا بَيْنَ غُلَامَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمَا، فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ بَيْنَ أَضْلَعَ (أي أقوى) مِنْهُمَا، فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا، فَقَالَ يَا عَمِّ أَتَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ؟، قُلْتُ نَعَمْ، وَمَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ، قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ رَأَيْتُهُ لَا يُفَارِق سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الْأَعْجَلُ مِنَّا (يُقسِم على قتله)، فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ، فَغَمَزَنِي الْآخَرُ؛ فَقَالَ لِي مِثْلَهَا؛ فَلَمْ أَنْشِبْ (فلم ألبث) أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَجُولُ فِي النَّاسِ، فَقُلْتُ: أَلَا تَرَيَانِ، هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي تَسْأَلَانِ عَنْهُ، فَابْتَدَرَاهُ (أسرعا إليه) بِسَيْفَيْهِمَا، فَضَرَبَاهُ حَتَّى قَتَلَاهُ، ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَاهُ، فَقَالَ: أَيُّكُمَا قَتَلَهُ؟، قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلْتُهُ، قَالَ هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا؟، قَالَا: لَا. قَالَ: فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ، فَقَالَ: كِلَاكُمَا قَتَلَهُ، وَقَضَى بِسَلَبِهِ (أي حكم بالغنيمة منه) لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرٍو، وَالْآخَرُ معاذ بن عَفْرَاءَ»[4].

هكذا ربَّى الإسلام رجالًا، ولم ينتظر هؤلاء حُكم الأيام لتكشف عن رجولتهم، فأعلنوها مدويةً لا تلوى على أحد.. لم يهابوا السنان والطُّعان.. بل لم يهابوا حتى ما تعلنه البديهة من أن مطاردة هذا الأبي جهلن وهو من هو في حروب العرب ووقائعهم.. ولكنها الرجولة يُرضعها الإسلام بنيه، وربما صاروا أبطالاً قبل الفصال.. ولكن لماذا؟، قلت لك: إنه المبدأ والثبات، وليس الموقف من يزكى الرجولة في الإسلام.. (أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ رَأَيْتُهُ لَا يُفَارِق سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الْأَعْجَلُ مِنَّا).. إنه الدفاع عن الإيمان، ولكن على أرض معركة حقيقية، الكلمات لا تكفى، والدموع لم تُخلق للرجال إلا قهرًا.. وساحات المعارك كثيرة في العلم والاقتصاد والثقافة و...،




هوامش:

[1] جواهر الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب (2/ 67).

[2] البخاري 2351، و أخرجه مسلم في الأشربة باب استحباب إدارة الماء واللبن ونحوهما عن يمين المبتدئ رقم 2030، (غلام) هو الفضل بن عباس رضي الله عنهما، وقال في التمهيد (وَالْغُلَامُ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ ابْنُ عَبَّاسٍ). (الأشياخ) منهم خالد بن الوليد رضي الله عنه جمع شيخ وهو من طعن في السن. (لأوثر) لأقدم على نفسي. (بفضلي) بما فضل لي]

[3] رواه الترمذي رقم 2696ت. شاكر، و قال «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ ثَابِتٍ، وَرُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَنَسٍ» وهو في الصحيحين. راجع كتابنا – بإذن الله تعالى – كيف ربى النبي أبناءه؟

[4] رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُسَدَّدٍ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلَاهُمَا عَنْ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ الْمَاجِشُونِ. دلائل النبوة للبيهقى، العلمية، 3\84 ).

منقول بتصرف يسير.

descriptionالتربية على الرجولة وبناء الرجال Emptyرد: التربية على الرجولة وبناء الرجال

more_horiz
بارك الله فيك
وجزاك الله خير الجزاء

descriptionالتربية على الرجولة وبناء الرجال Emptyرد: التربية على الرجولة وبناء الرجال

more_horiz
بارك الله فيك ع الموضوع القيم

ينقل لقسم أدم العام

descriptionالتربية على الرجولة وبناء الرجال Emptyرد: التربية على الرجولة وبناء الرجال

more_horiz
شكرا لك التربية على الرجولة وبناء الرجال 886773

descriptionالتربية على الرجولة وبناء الرجال Emptyرد: التربية على الرجولة وبناء الرجال

more_horiz
بارك الله فيك عزيزي
استمر بطرح مثل هذه المواضيع
الراقية .. يعطيك الف عافية
اجمل تحية
 gg444g   

descriptionالتربية على الرجولة وبناء الرجال Emptyرد: التربية على الرجولة وبناء الرجال

more_horiz
بارك الله فيك على الموضوع الراائع

استمر في طرح ونشر مواضيعك المتميزة

تقبل مروري ، تحياتي لك

descriptionالتربية على الرجولة وبناء الرجال Emptyرد: التربية على الرجولة وبناء الرجال

more_horiz
شكرا لك التربية على الرجولة وبناء الرجال 886773
موضوع مميز ...  rendeer 

descriptionالتربية على الرجولة وبناء الرجال Emptyرد: التربية على الرجولة وبناء الرجال

more_horiz
موضوع جميل
استمر في الأبداع

descriptionالتربية على الرجولة وبناء الرجال Emptyرد: التربية على الرجولة وبناء الرجال

more_horiz
دمت ودام عطاؤك
لك شكري وإمتناني
بإنتظار جديدك



privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى

جميع الحقوق محفوظة لدليل الاشهار العربي