بسم الله الرحمن الرحيم
استقامة اللسان
قال الله تبارك وتعالى لرسوله : " {وَقُل لعبادي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا } ) [الإسراء :53]
وقال عزوجل " {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت :33]
وعن أبى موسى الأشعري رضى الله عنه قال : « قلت يا رسول الله : أى المسلمين أفضل ؟ قال : "من سلم المسلمون من لسانه ويده » " [رواه البخارى ومسلم ] .
وعن سفيان بن عبدالله الثقفى رضي الله عنه قال : «قلت يا رسول الله : حدثنى بأمر أعتصم به ؟ قال "قل ربى الله ثم استقم " قال : قلت يا رسول الله ما أخوف ما تخاف على ؟ فأخذ بلسان نفسه ثم قال : "هذا » [الترمذى وقال : حسن صحيح] ).
وعن أسود بن أصرم رضي الله عنه قال : «قلت يا رسول الله أوصني قال : "تملك يدك " قلت : فماذا أملك إذا لم أملك يدى ؟ قال : "تملك لسانك " قلت : فماذا أملك إذا لم أملك لسانى ؟ قال : " لاتبسط يدك إلا إلى خير ، ولا تقل بلسانك إلا معروفاً» " ( رواه الطبرانى بإسناد حسن ).
وعن معاذ رضى الله عنه قال : يا رسول الله أوصنى قال : ( «اعبد الله كأنك تراه ، واعدد نفسك فى الموتى ، وإن شئت أنبأتك بما هو أملك بك من هذا كله ؟ قال : هذا وأشار إلى لسانه» ) ( رواه ابن أبى الدنيا بإسناد حسن ) .
وعن أنس رضى الله عنه قال : «لقى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا ذر فقال يا أبا ذر : ألا أدلك على خصلتين هما خفيفتان على الظهر وأثقل فى الميزان من غيرهما ؟ قال بلى يا رسول الله قال: ( عليك بحسن الخلق ، وطول الصمت ، فو الذى نفسى بيده ما عمل الخلائق بمثلها» ) ( [رواه الطبرانى وأبويعلى و رواته ثقات] ) .
و اللسان ذلك العضو الصغير الدقيق اللين ، ما أخطره وما أقدره ، وما أجل شأنه وما أعظم أثره ، إنه الذى يصور الواقع ، ويترجم عن مشاعر النفس وخواطر القلب ، وأفكار العقل ، ويحكى ما يحدث لصاحبه ولغير صاحبه ، وبواسطة اللسان يتفاهم الخلق ، وتتحد الروابط والصلات ، وتشرح المبادئ وتؤدى الرسالات , وقد دعا موسى عليه السلام ربه فقال " {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي} " ( [طه 28/27] ) .
وإن أمر هذا اللسان إذا استقام ، يكون آلة خير ، ومصدر توجيه ، وإصلاح ، وإن اعوج، يكون مصيبة من مصائب الدنيا ، ونكبة من نكبات الفرد والجماعة ، التى يصعب فيها العزاء ، إن أناساً تستقيم ألسنتهم ، وتطيب كلماتهم ، فيصبحون كالرياحين الناضرة ، تهفوا إليهم أفئدة الناس ، وتتعلق بها أرواحهم وأشباحهم ، وإن أناساً تنحرف ألسنتهم حتى تصبح كالأفاعى المتحركة داخل أفواه ، فيفر الناس من أصحابها ، فرار السليم من الأجرب ، ومن هنا شبه الناس لسان السوء بالحية والعقرب ، والسوسة ، والمطرقة ، والسوط ، والسكين ، وغير ذلك من آلات الإيذاء والإيلام .
بل قد يجرح المرء بسيفه جرحاً صغيراً أو كبيراً ، فيبرأ الجرح بعد قليل من الوقت أو طويل ، ولكن الكلمة النابية الجارحة يظل أثرها السيئ فى النفس إلى ماشاء الله ، والشاعر الحكيم يصور ذلك بقوله :
جراحات السنان لها التئام ولا يلتئم ما جرح اللسان
أيها المسلمون : وقد أشار الحديث النبوى إلى العاقبة الوخيمة الأليمة لانحراف اللسان ، حيث قال عن الكلمة يلقيها صاحبها جزافاً ، فلا يلقى إليها بالاً : ( «إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بائساً يهوى بها سبعين خريفاً» ) ( [رواه البخارى ومسلم والترمذى واللفظ له ] ).
وحيث قال لمعاذ : ( «وهل يكب الناس على مناخرهم فى النار إلا حصائد ألسنتهم ؟ » ) [ رواه أحمد والنسائى والترمذى وقال حسن صحيح] .
وهذه الحصائد _ هى عبارات الشر و السوء _ من أكثر أسباب الدخول فى العذاب ، فكلمة الكفر والشرك ، وشهادة الزور ، والكذب ، و الغيبة و النميمة ، والجدال و المراء ، و القذف و الافتراء ، كل هذه منكرات وكبائر يقترفها اللسان ، فيؤدى بصاحبه إلى الهلاك و الخسران ، ولذلك كان عبد الله بن مسعود رضى الله عنه يأخذ بلسانه ويخاطبه قائلاً : يا لسان قل خيراً تغنم ، واسكت عن شر تسلم . من قبل أن تندم . ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « أكثر خطايا ابن آدم فى لسانه» " [الطبرانى ورواته رواة الصحيح والبيهقى بإسناد حسن] " .
وقد جعل النبى صلى الله عليه وسلم استقامة اللسان من مقتضيات الإيمان فقال : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليقل خيراً أو ليصمت» [البخارى] .
ولا شك أن الصمت عن الشر والسوء فى نية وعزيمة ، مثل النطق بالخير ، كل منهما له أجره وثوابه عند الله عز وجل .
واستقامة اللسان تتحقق بعدة أمور ، منها : أن يكون الكلام لداع يدعوا إليه ، كطلب منفعة ، أو دفع مضرة ، أو نصرة حق ، أو إزهاق باطل ، والكلام بلا داع يكون لغواً يتنزه عنه المؤمنون ، لأن الله يصفهم بقوله تعالى : " {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} ( [المؤمنون 3 ] ).
وأن يكون الكلام فى حينه و أوانه ، فلا يسبق أجله و لا يتأخر عن موعده ، و أن يوجز المرء فى الكلام ، ويقتصر منه على اللازم ، وليتذكر المسلم أن الله قد خلق له أذنين اثنين ، وخلق له لساناً واحداً ، وكأنما كان ذلك ليسمع ضعف ما يتكلم . عن عبد الله بن مسعود قال : إياكم وفضول الكلام ، حسب امرئ ما بلغ حاجته .
وما أثقل أولئك الذين يثرثرون فى أحاديثهم ، ويتزيدون فى كلامهم ، ويسرفون فيما يحتاج إلى الإيجاز ، ليت هؤلاء يتذكرون ما ينسب إلى عمر رضى الله عنه أنه قال : من كثر كلامه كثر سقطه ، ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه ، ومن كثرت ذنوبه كانت النار أولى به .
ومن استقامة اللسان أن يحسن المرء إختيار الألفاظ الواضحة الملائمة ، الطيبة الكريمة ، لأن اللسان ترجمان ، وخير الترجمة ما كانت طبق الحقيقة مصداق الواقع ؛ ولذلك قالت العرب : الإيجاز أن تقول فلا تبطئ ، وأن تصيب فلا تخطئ .
والكلمة الطيبة المختارة فى براعة ودقة ، مفتاح يفك مغاليق النفوس ، ويحرك مشاعر القلوب ، ويهون العسير ، ويقرب البعيد ، ويضاعف الثمارات ، والله يقول فى شأن الصالحين من عباده : " {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَىٰ صِرَاطِ الْحَمِيدِ } " ( [الحج 24] ) .
أيها المسلمون : لعل أقوى الأسباب الموصلة إلى استقامة اللسان هو تذكر المرء على الدوام أن كلامه محصى عليه ، مفيد له عند ربه ، وأن خالقه سيحاسبه على كلامه هذا , إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر ، يقول القرآن الكريم : " {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} " ( [ ق 18] ) .
ويقول الحق تبارك وتعالى : " {نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ ۖ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} " ( [ق 45] ) .
ويقول تعالى : " {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ . كِرَامًا كَاتِبِينَ . يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُون } [الانفطار 10/12] .
" {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا } . ( [ الإسراء 53 ] ) .
ويقول تعالى : " {قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ۗ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} . ( [البقرة 263] ) .
ويقول تعالى :" {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا } " . ( [الأحزاب 70] ) .
ويقول تعالى : " {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ۚ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ۚ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۖ وَمَكْرُ أُولَٰئِكَ هُوَ يَبُورُ} . ( [ فاطر 10] ) .
" {مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ۚ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ ۚ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ ۖ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيل} ".( [الأحزاب 4] ) .
د / جلال عبدالله المنوفى
استقامة اللسان
قال الله تبارك وتعالى لرسوله : " {وَقُل لعبادي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا } ) [الإسراء :53]
وقال عزوجل " {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت :33]
وعن أبى موسى الأشعري رضى الله عنه قال : « قلت يا رسول الله : أى المسلمين أفضل ؟ قال : "من سلم المسلمون من لسانه ويده » " [رواه البخارى ومسلم ] .
وعن سفيان بن عبدالله الثقفى رضي الله عنه قال : «قلت يا رسول الله : حدثنى بأمر أعتصم به ؟ قال "قل ربى الله ثم استقم " قال : قلت يا رسول الله ما أخوف ما تخاف على ؟ فأخذ بلسان نفسه ثم قال : "هذا » [الترمذى وقال : حسن صحيح] ).
وعن أسود بن أصرم رضي الله عنه قال : «قلت يا رسول الله أوصني قال : "تملك يدك " قلت : فماذا أملك إذا لم أملك يدى ؟ قال : "تملك لسانك " قلت : فماذا أملك إذا لم أملك لسانى ؟ قال : " لاتبسط يدك إلا إلى خير ، ولا تقل بلسانك إلا معروفاً» " ( رواه الطبرانى بإسناد حسن ).
وعن معاذ رضى الله عنه قال : يا رسول الله أوصنى قال : ( «اعبد الله كأنك تراه ، واعدد نفسك فى الموتى ، وإن شئت أنبأتك بما هو أملك بك من هذا كله ؟ قال : هذا وأشار إلى لسانه» ) ( رواه ابن أبى الدنيا بإسناد حسن ) .
وعن أنس رضى الله عنه قال : «لقى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا ذر فقال يا أبا ذر : ألا أدلك على خصلتين هما خفيفتان على الظهر وأثقل فى الميزان من غيرهما ؟ قال بلى يا رسول الله قال: ( عليك بحسن الخلق ، وطول الصمت ، فو الذى نفسى بيده ما عمل الخلائق بمثلها» ) ( [رواه الطبرانى وأبويعلى و رواته ثقات] ) .
و اللسان ذلك العضو الصغير الدقيق اللين ، ما أخطره وما أقدره ، وما أجل شأنه وما أعظم أثره ، إنه الذى يصور الواقع ، ويترجم عن مشاعر النفس وخواطر القلب ، وأفكار العقل ، ويحكى ما يحدث لصاحبه ولغير صاحبه ، وبواسطة اللسان يتفاهم الخلق ، وتتحد الروابط والصلات ، وتشرح المبادئ وتؤدى الرسالات , وقد دعا موسى عليه السلام ربه فقال " {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي} " ( [طه 28/27] ) .
وإن أمر هذا اللسان إذا استقام ، يكون آلة خير ، ومصدر توجيه ، وإصلاح ، وإن اعوج، يكون مصيبة من مصائب الدنيا ، ونكبة من نكبات الفرد والجماعة ، التى يصعب فيها العزاء ، إن أناساً تستقيم ألسنتهم ، وتطيب كلماتهم ، فيصبحون كالرياحين الناضرة ، تهفوا إليهم أفئدة الناس ، وتتعلق بها أرواحهم وأشباحهم ، وإن أناساً تنحرف ألسنتهم حتى تصبح كالأفاعى المتحركة داخل أفواه ، فيفر الناس من أصحابها ، فرار السليم من الأجرب ، ومن هنا شبه الناس لسان السوء بالحية والعقرب ، والسوسة ، والمطرقة ، والسوط ، والسكين ، وغير ذلك من آلات الإيذاء والإيلام .
بل قد يجرح المرء بسيفه جرحاً صغيراً أو كبيراً ، فيبرأ الجرح بعد قليل من الوقت أو طويل ، ولكن الكلمة النابية الجارحة يظل أثرها السيئ فى النفس إلى ماشاء الله ، والشاعر الحكيم يصور ذلك بقوله :
جراحات السنان لها التئام ولا يلتئم ما جرح اللسان
أيها المسلمون : وقد أشار الحديث النبوى إلى العاقبة الوخيمة الأليمة لانحراف اللسان ، حيث قال عن الكلمة يلقيها صاحبها جزافاً ، فلا يلقى إليها بالاً : ( «إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بائساً يهوى بها سبعين خريفاً» ) ( [رواه البخارى ومسلم والترمذى واللفظ له ] ).
وحيث قال لمعاذ : ( «وهل يكب الناس على مناخرهم فى النار إلا حصائد ألسنتهم ؟ » ) [ رواه أحمد والنسائى والترمذى وقال حسن صحيح] .
وهذه الحصائد _ هى عبارات الشر و السوء _ من أكثر أسباب الدخول فى العذاب ، فكلمة الكفر والشرك ، وشهادة الزور ، والكذب ، و الغيبة و النميمة ، والجدال و المراء ، و القذف و الافتراء ، كل هذه منكرات وكبائر يقترفها اللسان ، فيؤدى بصاحبه إلى الهلاك و الخسران ، ولذلك كان عبد الله بن مسعود رضى الله عنه يأخذ بلسانه ويخاطبه قائلاً : يا لسان قل خيراً تغنم ، واسكت عن شر تسلم . من قبل أن تندم . ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « أكثر خطايا ابن آدم فى لسانه» " [الطبرانى ورواته رواة الصحيح والبيهقى بإسناد حسن] " .
وقد جعل النبى صلى الله عليه وسلم استقامة اللسان من مقتضيات الإيمان فقال : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليقل خيراً أو ليصمت» [البخارى] .
ولا شك أن الصمت عن الشر والسوء فى نية وعزيمة ، مثل النطق بالخير ، كل منهما له أجره وثوابه عند الله عز وجل .
واستقامة اللسان تتحقق بعدة أمور ، منها : أن يكون الكلام لداع يدعوا إليه ، كطلب منفعة ، أو دفع مضرة ، أو نصرة حق ، أو إزهاق باطل ، والكلام بلا داع يكون لغواً يتنزه عنه المؤمنون ، لأن الله يصفهم بقوله تعالى : " {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} ( [المؤمنون 3 ] ).
وأن يكون الكلام فى حينه و أوانه ، فلا يسبق أجله و لا يتأخر عن موعده ، و أن يوجز المرء فى الكلام ، ويقتصر منه على اللازم ، وليتذكر المسلم أن الله قد خلق له أذنين اثنين ، وخلق له لساناً واحداً ، وكأنما كان ذلك ليسمع ضعف ما يتكلم . عن عبد الله بن مسعود قال : إياكم وفضول الكلام ، حسب امرئ ما بلغ حاجته .
وما أثقل أولئك الذين يثرثرون فى أحاديثهم ، ويتزيدون فى كلامهم ، ويسرفون فيما يحتاج إلى الإيجاز ، ليت هؤلاء يتذكرون ما ينسب إلى عمر رضى الله عنه أنه قال : من كثر كلامه كثر سقطه ، ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه ، ومن كثرت ذنوبه كانت النار أولى به .
ومن استقامة اللسان أن يحسن المرء إختيار الألفاظ الواضحة الملائمة ، الطيبة الكريمة ، لأن اللسان ترجمان ، وخير الترجمة ما كانت طبق الحقيقة مصداق الواقع ؛ ولذلك قالت العرب : الإيجاز أن تقول فلا تبطئ ، وأن تصيب فلا تخطئ .
والكلمة الطيبة المختارة فى براعة ودقة ، مفتاح يفك مغاليق النفوس ، ويحرك مشاعر القلوب ، ويهون العسير ، ويقرب البعيد ، ويضاعف الثمارات ، والله يقول فى شأن الصالحين من عباده : " {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَىٰ صِرَاطِ الْحَمِيدِ } " ( [الحج 24] ) .
أيها المسلمون : لعل أقوى الأسباب الموصلة إلى استقامة اللسان هو تذكر المرء على الدوام أن كلامه محصى عليه ، مفيد له عند ربه ، وأن خالقه سيحاسبه على كلامه هذا , إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر ، يقول القرآن الكريم : " {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} " ( [ ق 18] ) .
ويقول الحق تبارك وتعالى : " {نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ ۖ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} " ( [ق 45] ) .
ويقول تعالى : " {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ . كِرَامًا كَاتِبِينَ . يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُون } [الانفطار 10/12] .
" {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا } . ( [ الإسراء 53 ] ) .
ويقول تعالى : " {قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ۗ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} . ( [البقرة 263] ) .
ويقول تعالى :" {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا } " . ( [الأحزاب 70] ) .
ويقول تعالى : " {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ۚ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ۚ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۖ وَمَكْرُ أُولَٰئِكَ هُوَ يَبُورُ} . ( [ فاطر 10] ) .
" {مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ۚ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ ۚ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ ۖ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيل} ".( [الأحزاب 4] ) .
د / جلال عبدالله المنوفى