حديث: حجبت النار بالشهوات، وحجبت الجنة بالمكاره
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((حُجبت النار بالشهوات، وحُجبت الجنة بالمكاره))؛ متفق عليه.
يعني: أُحيطت بها؛ فالنار قد أُحيطت بالشهوات، والجنة قد أحيطت بالمكاره، والشهوات: هي ما تميل إليه النفس، فالزنا - والعياذ بالله - شهوة الفرج، تميل إليها النفس كثيرًا، فإذا هتك الإنسان هذا الحجاب، فإنه قد يكون سببًا لدخوله النار.
وكذلك شرب الخمر، تهواه النفس وتميل إليه؛ ولهذا جعل الشارع له عقوبة رادعة بالجلد، فإذا هتك الإنسان هذا الحجاب وشرِب الخمر، فقد يؤديه ذلك إلى النار - والعياذ بالله.
وكذلك حب المال شهوة من شهوات النفس؛ فإذا سرق الإنسان بدافع شهوة حبِّ جمع المال، رغبة أن يستولي على المال الذي ترغبه نفسه، فإذا سرق فقد هتَك هذا الحجاب، فقد يصل إلى النار - والعياذ بالله.
ومن ذلك الغش من أجل أن يزيد ثمن السلعة، هذا تهواه النفس، فيفعله الإنسان، فيَهتك الحجاب الذي بينه وبين النار، فقد يدخل النار.
الاستطالة على الناس، والعلو عليهم، والترفع عليهم، النفس تحب هذا وتهواه، فإذا فعله الإنسان، فقد هتك الحجاب الذي بينه وبين النار، فقد يصل إلى النار - والعياذ بالله.
ولكن، ما دواء هذه الشهوة التي تميل إليها النفس الأمارة بالسوء؟
دواؤها ما بعدها، قال: ((وحُجبت الجنة بالمكاره)).
يعني: أُحيطت بما تكرهه النفوس؛ لأن الباطل محبوب للنفس، والحق مكروه لها، فإذا تجاوز الإنسان هذا المكروه، وأكره نفسه الأمارة بالسوء على فعل الواجبات، وعلى ترك المحرمات - فحينئذ يصل إلى الجنة؛ ولهذا تجد الإنسان يستثقل الصلوات مثلًا، ولا سيما في أيام الشتاء، وأيام البرد، ولا سيما إذا كان في الإنسان نوم كثير بعد تعبٍ وجهد، فتجد الصلاة ثقيلة عليه، ويكره أن يقوم ويترك الفراش اللين الدافئ، ولكن إن هو كسر هذا الحاجب، وقام بهذا المكروه، وصل إلى الجنة.
وكذلك النفس الأمارة بالسوء، تدعو صاحبها إلى الزنا شهوة، وتحبه النفس الأمارة بالسوء، لكن إذا عقلها صاحبها، وأكرهها على تجنُّب هذه الشهوة، فهذا كره له، ولكن هو الذي يوصله إلى الجنة؛ لأن الجنة حُفَّت بالمكاره.
وأيضًا الجهاد في سبيل الله مكروه إلى النفس: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216].
مكروه للنفس، فإذا كسر الإنسان هذا الحجاب، كان ذلك سببًا لدخول الجنة، واستمع إلى قوله الله - تعالى -: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 169 - 171].
فإذا كسر الإنسان هذا المكروه، وصل إلى الجنة.
كذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، شديد على النفوس، شاقٌّ عليها، وكل إنسان يتهاون فيه ويكرهه، يقول: ما عليّ بالناس؟ أتعب نفسي معهم، وأتعبهم معي؟! ولكنه إذا كسر هذا المكروه، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر، فإن هذا سبب لدخول الجنة، وهلمَّ جرًّا، كل الأشياء التي أمر الله بها مكروهة للنفوس، لكن أكْرِه نفسك عليها؛ حتى تدخل الجنة.
فاجتناب المحرمات مكروه إلى النفوس، وشديد عليها، لا سيما مع قوة الداعي، فإذا أكرَهت نفسك على ترك هذه المحرمات، فهذا من أسباب دخول الجنة، فلو أن رجلاً شابًّا عزبًا، في بلاد كفر وحرية، فيها يفعل الإنسان ما شاء، وأمامه من النساء الجميلات فتيات شابات، وهو شاب عزب، فلا شك أنه سيعاني مشقة عظيمة في ترك الزنا؛ لأنه متيسر له، وأسبابه كثيرة، لكن إذا أكْره نفسه على تركها، صار هذا سببًا لدخول الجنة، واستمع إلى قول النبي - عليه الصلاة والسلام -: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله))؛ أي: يوم القيامة؛ حيث تدنو الشمس الحارة العظيمة التي نحس بحرارتها الآن وبيننا وبينها مئات السنين، هذه الشمس تدنو يوم القيامة، حتى تكون على رؤوس الخلائق بمقدار ميل؛ قال بعض العلماء: الميل: المكحلة، وميل المكحلة صغير، أصغر من الإصبع، وقال بعضهم: ميل المسافة، وأيًّا كان الميل، فالشمس قريبة من الرؤوس، لكن هناك أناس يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله، أسال الله أن يجعلني وإياكم ممن يُظله الله.
يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله، وليس في ذلك اليوم بناء، ولا شجر، ولا جبال تظلل، وليس هناك إلا ظل رب العالمين، أسال الله رب العالمين أن يظلني وإياكم به، هذا الظل يظل الله فيه من يشاء من عباده، ومنهم هؤلاء السبعة الذين ذكرهم الرسول - عليه الصلاة والسلام - في قوله: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله؛ إمام عادل، وشاب نشأ في طاعة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابَّا في الله، اجتمعا عليه، وتفرَّقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال))، وهذا هو الشاهد، فالمرأة ذات منصب؛ يعني: شريفة، ليست دنيئة، ذات جمال، والجمال يدعو النفس إلى التطلع إلى المرأة، والاتصال بها؛ ((فقال إني أخاف الله))، ولم يقل: ما في شهوة، أو حولنا أناس وأخاف منهم أن يكشفونا، بل قال: إني أخاف الله؛ فالرجل شاب وفيه شهوة، وأسباب الزنا قائمة، والموانع معدومة، ولكن هناك مانع واحد، وهو خوف الله - عز وجل - فقال: إني أخاف الله، فكان هذا من الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
والمهم أن النار حُجبت بالشهوات، والجنة حجبت بالمكاره، فجاهِد نفسك على ما يحب الله وإن كرِهت، واعلم - علم إنسان مُجرِّب - أنك إذا أكرهت نفسك على طاعة الله، أحببت الطاعة وألِفتها، وصِرت - بعد ما كنت تكرهها - تأبى نفسك أن تتخلف عن الطاعة إذا أردت أن تتخلف عنها.
ونحن نجد بعض الناس يكره أن يصلي مع الجماعة، ويثقل عليه ذلك عندما يبدأ في فعله، لكن إذا به بعد مدةتكون الصلاة مع الجماعة قُرَّةَ عينه، ولو تأمره ألا يصلي، لا يطيعك، فأنت عوِّد نفسك وأكْرِهها أول الأمر، وستَلين لك فيما بعد وتَنقاد؛ أسأل الله أن يعينني وإياكم على ذكره وشكره، وحُسن عبادته.