سورة الروم
بسم الله الرحمن الرحيم
{الم {1} غُلِبَتِ الرُّومُ {2} فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ {3} فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ {4} بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ {5} وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ {6} يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ {7}}
شرح الكلمات:
{ آلم } : هذه أحد الحروف المقطعة تكتب آلم، وتقرأ ألف، لام، ميم.
{ غُلبت } : أي غلبت فارس الروم.
{ الروم } : إسم رجل هو روم بن عيصو بن اسحق بن إبراهيم سميّت به قبيلة لأنه جدها.
{ في أدنى الأرض } : أي أقرب أرض الروم إلى فارس وهي أرضٌ يقال لها الجزيرة " بين دجلة والفرات ".
{ وهم من بعد غلبهم سيغلبون}: أي وهم أي الروم من بعد غلب فارس لهم سيغلبونها.
{ في بضع سنين}: أي في فترة ما بين الثلاث سنوات إلى تسع سنين.
{ لله الأمر من قبل ومن بعد}: أي الأمر في ذلك اي في غلب فارس أولاً ثم في غلب الروم أخيراً لله وحده إذ ما شاءه كان وما لم يشأه لم يكن.
{ ويومئذ يفرح المؤمنون }: أي ويوم تَغلِب الروم فارسا يفرح المؤمنون بنصر أهل الكتاب على المشركين عبدة النار، وبنصرهم هم على المشركين في بدر.
{ وعد الله }: أي وعدهم الله تعالى وعداً وأنجزه لهم.
{ لا يخلف الله وعده }: أي ليس من شأن الله خلف الوعد وذلك لكمال قدرته وعلمه.
{ ولكن أكثر الناس لا يعلمون} : كمال الله في قدرته وعلمه المستلزم لإِنجاز وعده.
{ يعلمون ظاهراً من الحياة : أي لا يعلمون حقائق الإِيمان وأسرار الشرع وإنما الدنيا} يعلمون ما ظهر من الحياة الدنيا كطلب المعاش من تجارة وزراعة وصناعة.
{ وهم عن الآخرة هم غافلون} : أي عن الحياة الآخرة، وما فيها من نعيم وجحيم وما يؤدي إلى ذلك من عقائد وأفعال وتُروك.
معنى الايات:
قوله تعالى: { آلم }: أحسن أوجه التفسير لمثل هذه الحروف القول بأن الله اعلم بمراده به، مع الإِشارة إلى أنه أفاد فائدتين الأولى أن هذا القرآن المؤلف من مثل هذه الحروف المقطعة قد عجز العرب على تاليف مثله فدل ذلك على أنه وحي الله وتنزيله، وأن من نزل عليه نبي الله ورسوله وأن ما يحمل من تشريع هو حاجة البشرية ولا تصلح ولا تكمل ولا تسعد إلا به وعليه، والثانية أنهما لما كان المشركون يمنعون من سماع القرآن مخافة تاثيره على المستمه له جاء تعالى بمثل هذه الفواتح للعديد من سور كتابه فكانت تضطرهم إلى الاستماع إليه لأن هذه الحروف لم تكن معهودة في مخاطباتهم.
وقوله تعالى: { غُلبت الروم }: اي غَلَبت فارس الروم في رأدنى الأرض } أي أرض الشام الأقرب إلى بلاد فارس وذلك في أرض الجزيرة الواقعة بين نهري دجلة والفرات وقولهك { وهم من بعد غلبهم سيغلبون } أي وهم من بعد غلب فارس الروم ستغلب الروم فارساً وقوله: { في بضع سنين }: أي في فترة زمانية ما بين الثلاث سنوات إلى تسع سنوات وقوله { لله الأمر من قبل ومن بعد } أي الأمر في ذلك لله تعالى من قبل الغلب ومن بعده إذ هو المتصرف في خلقه.
وقوله { ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله } اي ويوم يَغلِب الروم فارساً يفرح المؤمنون بانتصار الروم على فارس لأن الروم أهل كتاب وفارساً مشركون يعبدون النار، كما يفرح المؤمنون أيضاً بانتصارهم على المشركين في بدر إذ كان القوت الذي انتصرت فيه الروم وهو وقت انتصر فيه المؤمنون على المشركين في بدر.
وهذا من الغيب الذي أخبر به القرآن قبل وقوعه فكان كما أخبر فأكد بذلك أن الإِسلام وكتابه ورسوله حق. وقوله تعالى: { ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم } أي ينصر تعالى من يشاء نصره من عباده وقد شاء نصر المؤمنين والروم فنصرهم في وقت واحد منجزاً بذلك وعده الذي واعد به منذ بضع سنين، وهو العزيز أي الغالب على أمره القادر على إنجاز وعده الرحيم بأوليائه وصالحي عباده. وقوله ولكن { يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا } كتدبير الله وقدرته وعزته وفوائد شرعه وأسرار دينه، ولكن يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا كتدبير معايشهم من زراعة وصناعة وتجارة، وفي نفس الوقت هم عن الحياة الآخرة غافلون عما يجب عليهم فعله وتركه ليسعدوا فيها بالنجاة من النار وسكنان الجنان في جوار الرحمن سبحانه وتعالى.
هداية الآيات:
من هداية الايات:
1) تقرير صحة الإِسلام وأنه الدين الحق بِصِدْقِ ما يخبر به كتابه من الغيوب.
2) بيان أهل الكتاب من يهود ونصارى أقرب إِلى المسلمين من المشركين والملاحدة من بلاشفة شيوعيين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر.
3) بيان أكثر الناس لا يعلمون ما يسعدهم في الآخرة ويكملهم من العقائد الصحيحة والشرائع الحكيمة الرحيمة التي لا يكمل الإِنسان ولا يسعد إلا عليها، ويعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا كتدبير المعاش من زراعة وصناعة وتجارة، أما عن سر الحياة الدنيا ولماذا كانت فهم لا يعلمون شيئا كما هم عن الحياة الآخرة غافلون بالمرة فلا يبحثون عما يسعد فيها ولا عما يشقي. والعياذ بالله تعالى من الغفلة عن دار البقاء في السعادة أو الشقاء.
{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ {8} أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ {9} ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُون {10}}
شرح الكلمات:
{ في أنفسهم } : أي كيف خُلقوا ولم يكونوا شيئا، ثم كيف اصبحوا رجالا.
{ إلا بالحق } : أي لم يخلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق الذي هو العدل.
{ وأجل مسمى } : وهو نهاية هذه الحياة لتكون الحياة الثانية حياة الجزاء العادل.
{ بلقاء ربهم لكافرون } : اي بالبعث والوقوف بين يدي الله ليسألهم ويحاسبهم ويجزيهم.
{ وأثاروا الأرض وعمروها } : قلبوها للحرث والغرس والإِنشاء والتعمير.
{ وعمروها } : أي عمروا الأرض عمارة أكثر مما عمرها هؤلاء المشركون.
{ وجاءت رسلهم بالبينات } : أي بالدلائل والحجج والبراهين من المعجزات وغيرها.
{ ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } : أي بتكذيبهم وشركهم ومعاصيهم فعرضوا أنفسهم للهلاك.
{ أساءوا السوأى } : أي بالتكذيب والشرك والمعاصى والسوءى هي الحالة الأسوأ.
{ أن كذبوا بآيات الله } : أي بتكذيبهم بآيات الله القرآنية واستهزائهم بها.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في دعوة المنكرين للبعث الآخر إلى الإِيمان به من طريق ذكر الأدلة العقلية التي تحملها الآيات القرآنية فقوله تعالى { أو لم يتفكروا في أنفسهم } أي أيُنكرون البعث ولم يتفكروا في أنفسهم كيف كانوا عدماً ثم وجدوا أطفالاً ثم شبابا ثم رجالا كهولا وشيوخا يموتون أليس القادر على خلقهم وتربيتهم إماتهم قادر على بعثهم وحسابهم ومجازاتهم على كسبهم في هذه الحياة الدنيا وقوله تعالى { ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إِلا بالحق وأجل مسمى } أي لم يخلقهما عبثاً بل خلقهما ليّذكر ويُشكر، ثم إذا تم الأجل المحدد لهما افناهما ثم بعدث عبادة ليحاسبهم هل ذكروا وشكروا أو تركوا ونسوا وكفروا ثم يجزيهم بحسب إيمانهم وطاعتهم أو كفرهم وعصيانهم.
وقوله تعالى: { وإن كثيراً من الناس بلقاء ربهم لكافرون } يخبر تعالى أنه مع ظهور الأدلة وقوة الحجج على صحة عقيدة البعث والجزاء فإِن كثيراً من الناس كافرون بالبعث والجزاء وقوله تعالى في الآية (9) { أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم } اي أيكذِّب اولئك المشركون بالبعث والجزاء ولم يسيروا في الأرض شمالا وجنوبا فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم هلاكاً ودماراً، { كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض } بالإِنشاء والتعمير والزراعة والفلاحة { وعمروها } عمارة أكثر مما عَمَرها هؤلاء، { وجاءتهم رسلهم بالبيّنات } ، ولما أهلكهم لم يكن ظالماً لهم بل كانوا هم الظالمين نفسهم. الس في هذا دليلا على حكمة الله وعلمه وقدرته فكيف ينكر عليه بعثه لعباده يوم القيامة لحسابهم ومجازاتهم؟.
وقوله تعالى { ثم كان عاقبة الذين أساءوا } اي الأعمال فلم يصلحوها حيث كذَّبوا برسل الله وشرائعه. وقوله: { السوأى } أي عاقبة الذين أساءوا السُّوأى أي العاقبة السوأى وهو خسرانهم وهلاكهم، وقوله رأن كذبوا بآيات الله } أي من أجل أنهم كذبوا بآيات الله { وكانوا بها يستهزئون } وأصروا على ذلك ولم يتوبوا.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1) تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر الأدلة العقلية المثبتة لها.
2) كفر أكثر الناس بالبعث مع كثرة الأدلة وقوتها.
3) مشروعية السير في الأرض للاعتبار مع اشتراط عدم حصول إثم في ذلك بترك واجب أو بفعل محرم.
4) بيان جزاء الله العادل في أنَّ عاقبة الإِساءة السوأى.
5) كفر الاستهزاء بالشرع وأحكامه والقرآن وآياته.
{اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ {11} وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ {12} وَلَمْ يَكُن لَّهُم مِّن شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاء وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ {13} وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ {14} فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ {15} وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الْآخِرَةِ فَأُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ {16}}
شرح الكلمات:
{ ثم إليه ترجعون } : أي بعد إعادة الخلق وبعث الناس.
{ يُبلس المجرمون } : أي ييأسوا من النَّجاة وتنقطع حجتهم فلا يتكلمون.
{ وكانوا بشركائهم كافرين } : أي يتبرَّءون منهم ولا يعترفون بهم.
{ يتفرَّقون } : أي ينقسمون إلى سعداء أصحاب الجنة وأشقياء أصحاب النار.
{ في روضة يحبرون } : أي في روضة من رياض الجنة يُسرَّون ويفرحون.
{ في العذاب محضرون } : أي مُدخلون لا يخرجون منه.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر الأدلة وعرض صور حية صادقة لما يتم بعد البعث من جزاء، فقوله تعالى { الله يبدأ الخلق يم يُعيده، ثم غليه ترجعون } إعلان واضح صريح قاطع للشك مزيلٌ للَّبس بأن الله ربُّ السموات والأرض وما بينهما هو الذي بدأ الخلق فخلق ما شاء ثم يميته ثم يعيده، وإليه لا إلى غيره ترجع الخليقة كلها راضية أو ساخطة محبّة أو كارهة، هكذا قرر تعالى عقيدة البعث والجزاء مُدلالاً عليها بأقوى دليل وهو وجوده تعالى وقدرته التي لا تُحد وعلمه الذي أحاط بكل شيء وحكمته التي لا يخلو منها عمل، فقال { الله يبدا الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون }.
وقوله عز وجل في الآية الثانية عشر (12) { ويوم تقوم الساعة يُبلسُ المجرمون } هذا عرض لما بعد البعث فذكر أنه لمَّا تقوم الساعة ويُبعث الناس يُبلس المجرمون أي يياسون من الرحمة وينقطعون عن الكلام لعدم وجود حجة يحتجون بها. وقوله { ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء } أي ولم يكن لهم من يشفع لهم من شركائهم الذين عبدوهم بحجة أنهم يشفعون لهم عند الله، فايسوا من شفاعتهم وكفروا بهم أيضاً أي أنكروا أنهم كانوا يعبدونهم خوفا من زيادة العذاب. هذه حال المجرمين الذين أجرموا على أنفسهم بالشرك والمعاصي، الحامل عليها تكذيبهم بآيات الله ولقائه. وقوله تعالى { ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون } هذا عرض آخر يخبر تعالى أنه إذا قامت الساعة تفرق الناس على أنفسهم فريقين فريق في الجنة وفريق في السعير، وبين ذلك مقرونا بعلله فقال: { فأمّا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } أي صدَّقوا بالله ربّاً وإلهاً وبمحمد رسولاً وبالإِسلام دينا لا دين يقبل غيره وبالبعث والجزاء حقاً. { وعلموا الصالحات } اي عبدوا الله تعالى بما شرع لهم من العبادات إذ الصالحات هي المشروع من الطاعات القولية والفعلية فهؤلاء المؤمنون العاملون للصالحات { فهم في روضة } من رياض الجنة { يحبرون } اي يُسرُّون ويفرحون بما لاقُوه من الرضوان والنعيم المقيم، وذلك بفضل الله تعالى عليهم وبما هداهم إليه من الإِيمان، وما وفقهم إليه من عمل الصالحات. وقوله: { وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون } فقد اخبر عن جزائهم مقروناً بعلة ذلك الجزاء وهو الكفر بتوحيد الله تعالى، والتكذيب بالآيات القرآنية وما تحمله من حجج وشرائع وأحكام، وبلقاء الآخرة وهو لقاء الله تعالى بعد البعث للحساب والجزاء، فجزاؤهم أن يحضروا في العذاب دائماً وابداً لا يغيبون عنه، ولا يفتر عنهم، وهم فيه خالدون.
هداية الآيات:
{ من هداية الآيات:
1) تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر الأدلة وعرض مشاهد القيامة.
2) تقرير عقيدة أن لا شفاعة لمشرك ولا كافر يوم القيامة، وبطلان ما يعتقده المبطلون من وجود من يشفع لأهل الشرك والكفر.
3) تقرير مبدأ السعادة والشقاء يوم القيامة فأهل الإِيمان والتقوى في روضة يحبرون، وأهل الشرك والمعاصي في العذاب محضرون.
{فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ {17} وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ {18} يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ {19} وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ {20} وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {21}}
شرح الكلمات:
{ فسبحان الله } : أي سبحوا الله أي صلوا.
{ حين تمسون } : أي تدخلون في المساء وفي هذا الوقت صلاة المغرب وصلاة العشاء.
{ وحين تصبحون } : وتدخلون في الصباح وفيه صلاة الصبح.
{ وله الحمد في السموات والأرض } : أي وهو المحمود دون سواه في اسلموات والأرض.
{ وعشيا } : أي حين تدخلون في العشي وفيه صلاة العصر.
{ وحين تظهرون } : أي تدخلون في الظهيرة وفيه صلاة الظهر.
{ ويخرج الحي من الميت } : أي يخرج الإِنسان الحي من النطفة وهي ميتة.
{ ويخرج الميت من الحي } : أي يخرج النطفة من الإِنسان الحي والبيضة الميتة من الدجاجة الحيّة.
{ ويحي الأرض بعد موتها } : أي يحييها بالمطر فتحيا بالنبات بعدما كانت يابسة ميتة.
{ وكذلك تخرجون } : أي من قبوركم أحياء بعدما كنتم ----.
{ ومن آياته } : أي ومن أدلة قدرته وعلمه وحكمته المقتضية لبعثكم بعد موتكم.
{ أن خلقكم من تراب } : أي خلقه غياكم من تراب، وذلك بخلق آدم الب الأول.
{ تنتشرون } : أي في الأرض بشراً تعمرونها.
{ لتسكنوا إليها } : أي لتسكن نفوسكم إلى بعضكم بعضاً بحكم التجانس في البشرية.
{ وجعل بينكم مودة } : أي محبة ورحمة اي شفقة إذ كل من الزوجين يحب الآخر ويرحمه.
معنى الآيات:
قوله سبحانه وتعالى في هذه السياق: { فسبحان الله.............. } الآية لما بين تعالى بدء الخلق ونهايته باستقرار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار وهذا عمل يستوجب تنزيهه تعالى عما لا يليق بجلاله وكماله كما يستلزم حمده، ولما كانت الصلوات الخمس تشتمل على ذلك أمر بإقامتها في المساء والصباح والظهيرة والعشيّ فقال تعالى { فسبحان الله } اي سبحوا الله { حين تمسون } اي تدخلون في المساء وهي صلاة المغرب والعشاء { وحين تصبحون } اي تدخلون في الصباح وهي صلاة الصبح. وقوله تعالى { وله الحمد في السموات والأرض } يخبر تعالى أن له الحمد مستحقا له دون سائر خلقه في السموات والأرض. وقوله { وعشيِّاً } معطوف على قوله { حين تصبحون } أي وسبحوه في العشي. وهي صلاة العصر { وحين تظهرون } اي وسبحوه حين تدخلون في الظهيرة وهي صلاة الظهر.
وقوله تعالى { يخرج الحي من الميت } اي ومن مظاهر الجلال والكمال الموجبة لحمده وطاعته والمقتضية لقدرته على بعث عباده ومحاسبتهم ومجازاتهم أنه يخرج الحيَّ كالإِنسان من النطفة والطير من البيضة والمؤمن من الكافر { ويخرج الميت من الحي } كالنطفة من الإِنسان والبيضة من الدجاجة وسائر الطيور التي تبيض. وقوله { ويحيي الأرض بعد موتها } اي ومن مظاهر وجوده وقدرته وعلمه ورحمته ايضاً أنه يُحيي الرض أي بالمطر بعد موتها بالجدب والقحط فإِذا هي رابية تهتز بأنواع النباتات والزروع وقوله: { وكذلك تخرجون } اي وكإِخراجه الحيّ من الميت والميّت من الحي وكإِحيائه الأرض بعد موتها: يُحييكُم ويخرجكم من قبوركم للحساب والجزاء إذ القادر على الأول قادر على الثاني. ولا فرق.
وقوله تعالى: { ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون } اي ومن آياته الدالة على وجوده وعلمه وقدرته المستوجبة لعبادته وحده والمقررة لقدرته على البعث والجزاء خَلْقُه للبشرية من تراب إذ خلق اباها الأول آدم عليه السلام من تراب، وخلق حواء زوجه من ضلعه ثم خلق باقي البشرية بطريقة التناسل. فإِذا هي كما قال سبحانه وتعالى: بشر ينتشرون في الأرض متفرقين في أقطاهرا يعمرونها بإِذنه تعالى. وقوله تعالى: { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها } اي ومن ىياته اي حججه وأدلته الدالة على وجوده وعلمه ورحمته المستوجبة لعبادته وتوحيده فيها والدالة ايضاً على قدرته على البعث والجزاء خلقه لكم ايها الناس من انفسكم اي من جنسكم الآدمي أزواجاً اي زوجات لتسكنوا غليها بعامل التجانس، إذ كل جنس من المخلوقات يطمئن إلى جنسه ويسكن غليه، وقوله { وجعل بينكم مودة ورحمة } اي جعل بين الزوجين مودة اي محبة ورحمة أي شفقة إلا إذا ظلم أحدهما الآخر فإِن تلك المودة وتلك الرحمة قد ترتفع حتى يرتفع الظلم ويسود العدل والحق. وقوله تعالى: { إن في ذلك لآيات } اي دلائل وحجج واضحة { لقوم يتفكرون } باستعمال عقولهم في النظر والفكر فإِنهم يجدون تلك الأدلة على قدرة الله وعلمه ورحمته وكلها مقتضية لتوحيد الله ومحبته وطاعته بفعل محابه وترك مساخطه، مع تقرير عقيدة البعث والجزاء التي أنركها المجرمون المكذبون.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1) وجوب تنزيه الله عن كل مالا يليق بجلاله وكماله.
2) وجوب حمد الله على آلائه وإنعامه.
3) وجوب إقام الصلاة.
4) بيان أوقات الصلوات الخمس.
5) بيان مظاهر قدرة الله تعالى وعلمه ورحمته المقتضية لتوحيده والمقررة لعقيدة البعث والجزاء.
بسم الله الرحمن الرحيم
{الم {1} غُلِبَتِ الرُّومُ {2} فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ {3} فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ {4} بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ {5} وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ {6} يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ {7}}
شرح الكلمات:
{ آلم } : هذه أحد الحروف المقطعة تكتب آلم، وتقرأ ألف، لام، ميم.
{ غُلبت } : أي غلبت فارس الروم.
{ الروم } : إسم رجل هو روم بن عيصو بن اسحق بن إبراهيم سميّت به قبيلة لأنه جدها.
{ في أدنى الأرض } : أي أقرب أرض الروم إلى فارس وهي أرضٌ يقال لها الجزيرة " بين دجلة والفرات ".
{ وهم من بعد غلبهم سيغلبون}: أي وهم أي الروم من بعد غلب فارس لهم سيغلبونها.
{ في بضع سنين}: أي في فترة ما بين الثلاث سنوات إلى تسع سنين.
{ لله الأمر من قبل ومن بعد}: أي الأمر في ذلك اي في غلب فارس أولاً ثم في غلب الروم أخيراً لله وحده إذ ما شاءه كان وما لم يشأه لم يكن.
{ ويومئذ يفرح المؤمنون }: أي ويوم تَغلِب الروم فارسا يفرح المؤمنون بنصر أهل الكتاب على المشركين عبدة النار، وبنصرهم هم على المشركين في بدر.
{ وعد الله }: أي وعدهم الله تعالى وعداً وأنجزه لهم.
{ لا يخلف الله وعده }: أي ليس من شأن الله خلف الوعد وذلك لكمال قدرته وعلمه.
{ ولكن أكثر الناس لا يعلمون} : كمال الله في قدرته وعلمه المستلزم لإِنجاز وعده.
{ يعلمون ظاهراً من الحياة : أي لا يعلمون حقائق الإِيمان وأسرار الشرع وإنما الدنيا} يعلمون ما ظهر من الحياة الدنيا كطلب المعاش من تجارة وزراعة وصناعة.
{ وهم عن الآخرة هم غافلون} : أي عن الحياة الآخرة، وما فيها من نعيم وجحيم وما يؤدي إلى ذلك من عقائد وأفعال وتُروك.
معنى الايات:
قوله تعالى: { آلم }: أحسن أوجه التفسير لمثل هذه الحروف القول بأن الله اعلم بمراده به، مع الإِشارة إلى أنه أفاد فائدتين الأولى أن هذا القرآن المؤلف من مثل هذه الحروف المقطعة قد عجز العرب على تاليف مثله فدل ذلك على أنه وحي الله وتنزيله، وأن من نزل عليه نبي الله ورسوله وأن ما يحمل من تشريع هو حاجة البشرية ولا تصلح ولا تكمل ولا تسعد إلا به وعليه، والثانية أنهما لما كان المشركون يمنعون من سماع القرآن مخافة تاثيره على المستمه له جاء تعالى بمثل هذه الفواتح للعديد من سور كتابه فكانت تضطرهم إلى الاستماع إليه لأن هذه الحروف لم تكن معهودة في مخاطباتهم.
وقوله تعالى: { غُلبت الروم }: اي غَلَبت فارس الروم في رأدنى الأرض } أي أرض الشام الأقرب إلى بلاد فارس وذلك في أرض الجزيرة الواقعة بين نهري دجلة والفرات وقولهك { وهم من بعد غلبهم سيغلبون } أي وهم من بعد غلب فارس الروم ستغلب الروم فارساً وقوله: { في بضع سنين }: أي في فترة زمانية ما بين الثلاث سنوات إلى تسع سنوات وقوله { لله الأمر من قبل ومن بعد } أي الأمر في ذلك لله تعالى من قبل الغلب ومن بعده إذ هو المتصرف في خلقه.
وقوله { ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله } اي ويوم يَغلِب الروم فارساً يفرح المؤمنون بانتصار الروم على فارس لأن الروم أهل كتاب وفارساً مشركون يعبدون النار، كما يفرح المؤمنون أيضاً بانتصارهم على المشركين في بدر إذ كان القوت الذي انتصرت فيه الروم وهو وقت انتصر فيه المؤمنون على المشركين في بدر.
وهذا من الغيب الذي أخبر به القرآن قبل وقوعه فكان كما أخبر فأكد بذلك أن الإِسلام وكتابه ورسوله حق. وقوله تعالى: { ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم } أي ينصر تعالى من يشاء نصره من عباده وقد شاء نصر المؤمنين والروم فنصرهم في وقت واحد منجزاً بذلك وعده الذي واعد به منذ بضع سنين، وهو العزيز أي الغالب على أمره القادر على إنجاز وعده الرحيم بأوليائه وصالحي عباده. وقوله ولكن { يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا } كتدبير الله وقدرته وعزته وفوائد شرعه وأسرار دينه، ولكن يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا كتدبير معايشهم من زراعة وصناعة وتجارة، وفي نفس الوقت هم عن الحياة الآخرة غافلون عما يجب عليهم فعله وتركه ليسعدوا فيها بالنجاة من النار وسكنان الجنان في جوار الرحمن سبحانه وتعالى.
هداية الآيات:
من هداية الايات:
1) تقرير صحة الإِسلام وأنه الدين الحق بِصِدْقِ ما يخبر به كتابه من الغيوب.
2) بيان أهل الكتاب من يهود ونصارى أقرب إِلى المسلمين من المشركين والملاحدة من بلاشفة شيوعيين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر.
3) بيان أكثر الناس لا يعلمون ما يسعدهم في الآخرة ويكملهم من العقائد الصحيحة والشرائع الحكيمة الرحيمة التي لا يكمل الإِنسان ولا يسعد إلا عليها، ويعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا كتدبير المعاش من زراعة وصناعة وتجارة، أما عن سر الحياة الدنيا ولماذا كانت فهم لا يعلمون شيئا كما هم عن الحياة الآخرة غافلون بالمرة فلا يبحثون عما يسعد فيها ولا عما يشقي. والعياذ بالله تعالى من الغفلة عن دار البقاء في السعادة أو الشقاء.
{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ {8} أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ {9} ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُون {10}}
شرح الكلمات:
{ في أنفسهم } : أي كيف خُلقوا ولم يكونوا شيئا، ثم كيف اصبحوا رجالا.
{ إلا بالحق } : أي لم يخلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق الذي هو العدل.
{ وأجل مسمى } : وهو نهاية هذه الحياة لتكون الحياة الثانية حياة الجزاء العادل.
{ بلقاء ربهم لكافرون } : اي بالبعث والوقوف بين يدي الله ليسألهم ويحاسبهم ويجزيهم.
{ وأثاروا الأرض وعمروها } : قلبوها للحرث والغرس والإِنشاء والتعمير.
{ وعمروها } : أي عمروا الأرض عمارة أكثر مما عمرها هؤلاء المشركون.
{ وجاءت رسلهم بالبينات } : أي بالدلائل والحجج والبراهين من المعجزات وغيرها.
{ ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } : أي بتكذيبهم وشركهم ومعاصيهم فعرضوا أنفسهم للهلاك.
{ أساءوا السوأى } : أي بالتكذيب والشرك والمعاصى والسوءى هي الحالة الأسوأ.
{ أن كذبوا بآيات الله } : أي بتكذيبهم بآيات الله القرآنية واستهزائهم بها.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في دعوة المنكرين للبعث الآخر إلى الإِيمان به من طريق ذكر الأدلة العقلية التي تحملها الآيات القرآنية فقوله تعالى { أو لم يتفكروا في أنفسهم } أي أيُنكرون البعث ولم يتفكروا في أنفسهم كيف كانوا عدماً ثم وجدوا أطفالاً ثم شبابا ثم رجالا كهولا وشيوخا يموتون أليس القادر على خلقهم وتربيتهم إماتهم قادر على بعثهم وحسابهم ومجازاتهم على كسبهم في هذه الحياة الدنيا وقوله تعالى { ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إِلا بالحق وأجل مسمى } أي لم يخلقهما عبثاً بل خلقهما ليّذكر ويُشكر، ثم إذا تم الأجل المحدد لهما افناهما ثم بعدث عبادة ليحاسبهم هل ذكروا وشكروا أو تركوا ونسوا وكفروا ثم يجزيهم بحسب إيمانهم وطاعتهم أو كفرهم وعصيانهم.
وقوله تعالى: { وإن كثيراً من الناس بلقاء ربهم لكافرون } يخبر تعالى أنه مع ظهور الأدلة وقوة الحجج على صحة عقيدة البعث والجزاء فإِن كثيراً من الناس كافرون بالبعث والجزاء وقوله تعالى في الآية (9) { أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم } اي أيكذِّب اولئك المشركون بالبعث والجزاء ولم يسيروا في الأرض شمالا وجنوبا فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم هلاكاً ودماراً، { كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض } بالإِنشاء والتعمير والزراعة والفلاحة { وعمروها } عمارة أكثر مما عَمَرها هؤلاء، { وجاءتهم رسلهم بالبيّنات } ، ولما أهلكهم لم يكن ظالماً لهم بل كانوا هم الظالمين نفسهم. الس في هذا دليلا على حكمة الله وعلمه وقدرته فكيف ينكر عليه بعثه لعباده يوم القيامة لحسابهم ومجازاتهم؟.
وقوله تعالى { ثم كان عاقبة الذين أساءوا } اي الأعمال فلم يصلحوها حيث كذَّبوا برسل الله وشرائعه. وقوله: { السوأى } أي عاقبة الذين أساءوا السُّوأى أي العاقبة السوأى وهو خسرانهم وهلاكهم، وقوله رأن كذبوا بآيات الله } أي من أجل أنهم كذبوا بآيات الله { وكانوا بها يستهزئون } وأصروا على ذلك ولم يتوبوا.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1) تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر الأدلة العقلية المثبتة لها.
2) كفر أكثر الناس بالبعث مع كثرة الأدلة وقوتها.
3) مشروعية السير في الأرض للاعتبار مع اشتراط عدم حصول إثم في ذلك بترك واجب أو بفعل محرم.
4) بيان جزاء الله العادل في أنَّ عاقبة الإِساءة السوأى.
5) كفر الاستهزاء بالشرع وأحكامه والقرآن وآياته.
{اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ {11} وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ {12} وَلَمْ يَكُن لَّهُم مِّن شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاء وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ {13} وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ {14} فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ {15} وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الْآخِرَةِ فَأُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ {16}}
شرح الكلمات:
{ ثم إليه ترجعون } : أي بعد إعادة الخلق وبعث الناس.
{ يُبلس المجرمون } : أي ييأسوا من النَّجاة وتنقطع حجتهم فلا يتكلمون.
{ وكانوا بشركائهم كافرين } : أي يتبرَّءون منهم ولا يعترفون بهم.
{ يتفرَّقون } : أي ينقسمون إلى سعداء أصحاب الجنة وأشقياء أصحاب النار.
{ في روضة يحبرون } : أي في روضة من رياض الجنة يُسرَّون ويفرحون.
{ في العذاب محضرون } : أي مُدخلون لا يخرجون منه.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر الأدلة وعرض صور حية صادقة لما يتم بعد البعث من جزاء، فقوله تعالى { الله يبدأ الخلق يم يُعيده، ثم غليه ترجعون } إعلان واضح صريح قاطع للشك مزيلٌ للَّبس بأن الله ربُّ السموات والأرض وما بينهما هو الذي بدأ الخلق فخلق ما شاء ثم يميته ثم يعيده، وإليه لا إلى غيره ترجع الخليقة كلها راضية أو ساخطة محبّة أو كارهة، هكذا قرر تعالى عقيدة البعث والجزاء مُدلالاً عليها بأقوى دليل وهو وجوده تعالى وقدرته التي لا تُحد وعلمه الذي أحاط بكل شيء وحكمته التي لا يخلو منها عمل، فقال { الله يبدا الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون }.
وقوله عز وجل في الآية الثانية عشر (12) { ويوم تقوم الساعة يُبلسُ المجرمون } هذا عرض لما بعد البعث فذكر أنه لمَّا تقوم الساعة ويُبعث الناس يُبلس المجرمون أي يياسون من الرحمة وينقطعون عن الكلام لعدم وجود حجة يحتجون بها. وقوله { ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء } أي ولم يكن لهم من يشفع لهم من شركائهم الذين عبدوهم بحجة أنهم يشفعون لهم عند الله، فايسوا من شفاعتهم وكفروا بهم أيضاً أي أنكروا أنهم كانوا يعبدونهم خوفا من زيادة العذاب. هذه حال المجرمين الذين أجرموا على أنفسهم بالشرك والمعاصي، الحامل عليها تكذيبهم بآيات الله ولقائه. وقوله تعالى { ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون } هذا عرض آخر يخبر تعالى أنه إذا قامت الساعة تفرق الناس على أنفسهم فريقين فريق في الجنة وفريق في السعير، وبين ذلك مقرونا بعلله فقال: { فأمّا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } أي صدَّقوا بالله ربّاً وإلهاً وبمحمد رسولاً وبالإِسلام دينا لا دين يقبل غيره وبالبعث والجزاء حقاً. { وعلموا الصالحات } اي عبدوا الله تعالى بما شرع لهم من العبادات إذ الصالحات هي المشروع من الطاعات القولية والفعلية فهؤلاء المؤمنون العاملون للصالحات { فهم في روضة } من رياض الجنة { يحبرون } اي يُسرُّون ويفرحون بما لاقُوه من الرضوان والنعيم المقيم، وذلك بفضل الله تعالى عليهم وبما هداهم إليه من الإِيمان، وما وفقهم إليه من عمل الصالحات. وقوله: { وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون } فقد اخبر عن جزائهم مقروناً بعلة ذلك الجزاء وهو الكفر بتوحيد الله تعالى، والتكذيب بالآيات القرآنية وما تحمله من حجج وشرائع وأحكام، وبلقاء الآخرة وهو لقاء الله تعالى بعد البعث للحساب والجزاء، فجزاؤهم أن يحضروا في العذاب دائماً وابداً لا يغيبون عنه، ولا يفتر عنهم، وهم فيه خالدون.
هداية الآيات:
{ من هداية الآيات:
1) تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر الأدلة وعرض مشاهد القيامة.
2) تقرير عقيدة أن لا شفاعة لمشرك ولا كافر يوم القيامة، وبطلان ما يعتقده المبطلون من وجود من يشفع لأهل الشرك والكفر.
3) تقرير مبدأ السعادة والشقاء يوم القيامة فأهل الإِيمان والتقوى في روضة يحبرون، وأهل الشرك والمعاصي في العذاب محضرون.
{فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ {17} وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ {18} يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ {19} وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ {20} وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {21}}
شرح الكلمات:
{ فسبحان الله } : أي سبحوا الله أي صلوا.
{ حين تمسون } : أي تدخلون في المساء وفي هذا الوقت صلاة المغرب وصلاة العشاء.
{ وحين تصبحون } : وتدخلون في الصباح وفيه صلاة الصبح.
{ وله الحمد في السموات والأرض } : أي وهو المحمود دون سواه في اسلموات والأرض.
{ وعشيا } : أي حين تدخلون في العشي وفيه صلاة العصر.
{ وحين تظهرون } : أي تدخلون في الظهيرة وفيه صلاة الظهر.
{ ويخرج الحي من الميت } : أي يخرج الإِنسان الحي من النطفة وهي ميتة.
{ ويخرج الميت من الحي } : أي يخرج النطفة من الإِنسان الحي والبيضة الميتة من الدجاجة الحيّة.
{ ويحي الأرض بعد موتها } : أي يحييها بالمطر فتحيا بالنبات بعدما كانت يابسة ميتة.
{ وكذلك تخرجون } : أي من قبوركم أحياء بعدما كنتم ----.
{ ومن آياته } : أي ومن أدلة قدرته وعلمه وحكمته المقتضية لبعثكم بعد موتكم.
{ أن خلقكم من تراب } : أي خلقه غياكم من تراب، وذلك بخلق آدم الب الأول.
{ تنتشرون } : أي في الأرض بشراً تعمرونها.
{ لتسكنوا إليها } : أي لتسكن نفوسكم إلى بعضكم بعضاً بحكم التجانس في البشرية.
{ وجعل بينكم مودة } : أي محبة ورحمة اي شفقة إذ كل من الزوجين يحب الآخر ويرحمه.
معنى الآيات:
قوله سبحانه وتعالى في هذه السياق: { فسبحان الله.............. } الآية لما بين تعالى بدء الخلق ونهايته باستقرار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار وهذا عمل يستوجب تنزيهه تعالى عما لا يليق بجلاله وكماله كما يستلزم حمده، ولما كانت الصلوات الخمس تشتمل على ذلك أمر بإقامتها في المساء والصباح والظهيرة والعشيّ فقال تعالى { فسبحان الله } اي سبحوا الله { حين تمسون } اي تدخلون في المساء وهي صلاة المغرب والعشاء { وحين تصبحون } اي تدخلون في الصباح وهي صلاة الصبح. وقوله تعالى { وله الحمد في السموات والأرض } يخبر تعالى أن له الحمد مستحقا له دون سائر خلقه في السموات والأرض. وقوله { وعشيِّاً } معطوف على قوله { حين تصبحون } أي وسبحوه في العشي. وهي صلاة العصر { وحين تظهرون } اي وسبحوه حين تدخلون في الظهيرة وهي صلاة الظهر.
وقوله تعالى { يخرج الحي من الميت } اي ومن مظاهر الجلال والكمال الموجبة لحمده وطاعته والمقتضية لقدرته على بعث عباده ومحاسبتهم ومجازاتهم أنه يخرج الحيَّ كالإِنسان من النطفة والطير من البيضة والمؤمن من الكافر { ويخرج الميت من الحي } كالنطفة من الإِنسان والبيضة من الدجاجة وسائر الطيور التي تبيض. وقوله { ويحيي الأرض بعد موتها } اي ومن مظاهر وجوده وقدرته وعلمه ورحمته ايضاً أنه يُحيي الرض أي بالمطر بعد موتها بالجدب والقحط فإِذا هي رابية تهتز بأنواع النباتات والزروع وقوله: { وكذلك تخرجون } اي وكإِخراجه الحيّ من الميت والميّت من الحي وكإِحيائه الأرض بعد موتها: يُحييكُم ويخرجكم من قبوركم للحساب والجزاء إذ القادر على الأول قادر على الثاني. ولا فرق.
وقوله تعالى: { ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون } اي ومن آياته الدالة على وجوده وعلمه وقدرته المستوجبة لعبادته وحده والمقررة لقدرته على البعث والجزاء خَلْقُه للبشرية من تراب إذ خلق اباها الأول آدم عليه السلام من تراب، وخلق حواء زوجه من ضلعه ثم خلق باقي البشرية بطريقة التناسل. فإِذا هي كما قال سبحانه وتعالى: بشر ينتشرون في الأرض متفرقين في أقطاهرا يعمرونها بإِذنه تعالى. وقوله تعالى: { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها } اي ومن ىياته اي حججه وأدلته الدالة على وجوده وعلمه ورحمته المستوجبة لعبادته وتوحيده فيها والدالة ايضاً على قدرته على البعث والجزاء خلقه لكم ايها الناس من انفسكم اي من جنسكم الآدمي أزواجاً اي زوجات لتسكنوا غليها بعامل التجانس، إذ كل جنس من المخلوقات يطمئن إلى جنسه ويسكن غليه، وقوله { وجعل بينكم مودة ورحمة } اي جعل بين الزوجين مودة اي محبة ورحمة أي شفقة إلا إذا ظلم أحدهما الآخر فإِن تلك المودة وتلك الرحمة قد ترتفع حتى يرتفع الظلم ويسود العدل والحق. وقوله تعالى: { إن في ذلك لآيات } اي دلائل وحجج واضحة { لقوم يتفكرون } باستعمال عقولهم في النظر والفكر فإِنهم يجدون تلك الأدلة على قدرة الله وعلمه ورحمته وكلها مقتضية لتوحيد الله ومحبته وطاعته بفعل محابه وترك مساخطه، مع تقرير عقيدة البعث والجزاء التي أنركها المجرمون المكذبون.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1) وجوب تنزيه الله عن كل مالا يليق بجلاله وكماله.
2) وجوب حمد الله على آلائه وإنعامه.
3) وجوب إقام الصلاة.
4) بيان أوقات الصلوات الخمس.
5) بيان مظاهر قدرة الله تعالى وعلمه ورحمته المقتضية لتوحيده والمقررة لعقيدة البعث والجزاء.