تراجم السلف الصالحين, والعلماء العاملين, والفقهاء الماضين, من أعظم الوسائل التي تعين على السير قدما على طريق الاستقامة, وتبعث على غرس الفضائل في النفوس, وتدفعها إلى التأسي والاقتداء بالأخيار الذين أخذوا بالكتاب والسنة والآثار, كل ذلك لتسمو النفس إلى الدرجات العلية, وتندفع إلى المقامات السنية.
وقد ذكر أهل العلم جملة من الفوائد التي تستفاد من هذه التراجم والحكايات, حتى تكون سببا ليشمر المرء للعكوف لقراءتها, من ذلك:
1ـ علو الهمة وتباث القلب: قال أحد السلف: "الحكايات جند من جنود الله يثبت الله بها قلوب أوليائه", وشاهده من كتاب الله تعالى قوله سبحانه: "وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ".
2- الاقتداء بالسلف والاستفادة والاعتبار بمواعظهم وأحوالهم: يقول ابن الجوزي رحمه الله: "..وعليكم بملاحظة سير السلف, ومطالعة تصانيفهم وأخبارهم فالاستكثار من مطالعة كتبهم رأية لهم... ولو قلت إني طالعت عشرين ألف مجلد كان أكثر وأنا بعد في الطلب.
فاستفدت بالنظر فيها من ملاحظة سير القوم, وقدر هممهم وحفظهم وعباداتهم, وغرائب علومهم, ما لا يعرفه من لم يطالع" صيد الخاطر.
3- صلاح القلب: قال ابن الجوزي رحمه الله: "رأيت الاسشتغال بالفقه وسماع الحديث لا يكاد يكفي في صلاح القلب إلا أن يمزج بالرقائق والنظر في سير السلف الصالحين, لأنهم تناولوا مقصود النقل, وخرجوا عن صور الأفعال المأمور بها إلى ذوق معانيها والمراد بها" صيد الخاطر.
4- معرفة الإنسان قدر نفسه: قال أحد العلماء: "إذا ذكر السلف افتضحنا", وفي صفة الصفوة قال حمدون القصار رحمه الله: "من نظر في سير السلف عرف تقصيره وتخلفه عن درجات الرجال".
وذكر عند مخلد بن الحسين رحمه الله أخلاق الصالحين فقال:
لا تعرضن لذكرنا في ذكرهم ........ ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد
وقال ابن الجوزي رحمه الله في تلبيس إبليس: "ومن نظر في سير السلف من العلماء العاملين استحقر نفسه, فلم يتكبر".
5ـ محبة السلف والأئمة: لأن قراءة تراجمهم والوقوف عند أحوالهم تبعث على ذلك فطوبى لمن أحبهم في الله ولله جل وعلا, فقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: "المرء مع من أحب".
6ـ من الفوائد كذلك أن تجتمع عند المرء خلاصة التجارب وعصارة الأفكار, ويُطلع على عجائب الأمور وتقلبات الزمان.
قال بعضهم:
إذا علم العبد أخبار من مضى ........توهمته قد عاش من أول الدهر
وقال ابن الجوزي رحمه الله في مقدمة كتابه المنتظم في تاريخ الملوك والأمم: "واعلم أن في ذكر السير والتاريخ فوائد كثيرة من أهمها أن يطلع بذلك على عجائب الأمور, وتقلبات الزمن وتصاريف القدر, وسماع الأخبار, فالنفس تجد راحة بسماع الأخبار".
7ـ من فوائد ذلك تنزل الرحمات حيث بذكر أحوال السلف والعلماء يحصل في النفوس من الحركة والرغبة إلى الخير واللذة والسرور, فإن هذه الأخيرة رحمة من الله جل وعلا يجعلها في قلوب المؤمنين.
قال ابن تيمية رحمه الله: "الله يعجل للمؤمنين من الرحمة في قلوبهم وغيرها بما يجدونه من حلاوة الإيمان ويذوقونه من طعمه وانشراح صدورهم للإسلام إلى غير ذلك من السرور وبالإيمان والعلم النافع والعمل الصالح" الإقتضاء 1/21.
قال سفيان بن عيينة رحمه الله: "عند ذكر الصالحين تتنزل الرحمة" التمهيد, ومقدمة صفة الصفوة.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: ".. فتارة يكون المعلوم محبوبا يلتذ بعلمه وذكره كما يلتذ المؤمنون لمعرفة الله وذكره، بل ويلتذون بذكر الأنبياء والصالحين، ولهذا يقال: عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة, بما يحصل في النفوس من الحركة إلى محبة الخبر والرغبة فيه والفرح به والسرور واللذة" الصفدية 2/269.