مشروعيته يُعرّف الصّيام في اللغة بأنّه الإمساك، أمّا في الاصطلاح: فهو التعبّد لله تعالى، بالإمساك عن الطعام والشراب وجميع المفطرات، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وقد شرعه الله لما فيه من المصالح التي شهدت عليها العقول السليمة والفِطَر المستقيمة، فكان لهم إحساناً ورحمةً وجنّةً، فالصائم يشعر بِنعم الله -تعالى- عليه، كما يصل به إلى تقوى الله عزّ وجلّ، والصيام بمثابة تربية المسلمين على الصبر، وقوّة التحمّل، والإرادة، وفيه قهرٌ للشيطان وغيظه، وفيه تعمّ الرحمة والعطف على الفقراء والمساكين، ثمّ إنّ الصيام يطهّر البدن، ويكسبه الصحة والقوة.[١] فضل شهر رمضان إنّ شهر رمضان هو شهر الصيام، والقيام، وتلاوة القرآن، شهر الصدقات والإحسان، والعتق من النار والغفران، فيه تُفتح أبواب الجنان، وهو من الأوقات التي يُستجاب فيها الدعاء، ويُكرم الله فيه عباده بالعديد من الكرامات، ويعطيهم المزيد من العطيات، وصيام رمضان هو الركن الرابع من أركان الإسلام، حيث صامه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأمر الناس بصيامه، وأخبرهم أنّ من صامه إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن قامه إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه، كما حثّ فيه على المبادرة إلى التوبة من الذنوب والخطايا، والتعاون على البر والتقوى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجميع الأخلاق التي تُرضي الله، وتُقرب العبد من ربه.[٢] ومن الفضائل التي اختص الله بها شهر رمضان عن غيره من الشهور ما يأتي:[٣] تفتح فيه أبواب الجنّة، وتُغلق أبواب النّار، فإذا كانت أول ليلة من شهر رمضان، صفّدت الشّياطين، وفُتحت أبواب الجنّة فلم يغلق منها باب، وأُغلقت أبواب النّار فلم يفتح منها باب. العمرة في رمضان ثوابها مضاعف، وقد أخبر رسول الله أنّ العمرة في رمضان تعدل الحج. اختصه الله بنزول القرآن الكريم فيه، قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ).[٤] فيه ليلة القدر، وهي خير من ألف شهر. تكفير الذنوب والسيئات والخطايا. صلاة التراويح وفضل قيامها، والاعتكاف في رمضان، فهو سنة واظب عليها رسول الله. الصدقة في رمضان أجرها عظيم، فقد كان رسول الله أجود الناس في رمضان. عِظم أجر تلاوة القرآن الكريم وتلاوته. فضائل الصيام من فضائل الصيام أنّ الله -تعالى- قد أضافه إليه، فكل أعمال العباد لهم، إلا الصيام فهو لله وهو يجزي به، وقد قال العلماء في سبب اختصاص الصوم بهذه المزيّة أنّه من الأعمال التي لا يقع فيها الرّياء، وقيل لأنّ الله هو فقط العالم بمقدار ثوابه ومضاعفة حسناته، وهو من أفضل الأعمال التي لا مساوي لها عند الله، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي أمامة الباهلي: (عليك بالصَّوم فإنَّه لا مثل له)،[٥] وهو وقاية من شهوات الدنيا، فيمنع صاحبه من الوقوع في الشهوات والمعاصي، وهو وقاية من عذاب الآخرة كذلك.[٦] ويحصل الصائم على أجر الصبر على طاعة الله، والصبر في البعد عن المعصية، والصبر على ألم الجوع والعطش والكسل وضعف النفس، وفيه يكفر الله الخطايا والذنوب، ويشفع لصاحبه يوم القيامة، ويدخله الجنّة من باب الريان، ويعيش الصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، وإنّ خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وقد بشّر رسول الله بأنّ دعوة الصائم من الدعوات المستجابة، فقال: (ثلاثُ دعواتٍ مُستجاباتٍ: دعوةُ الصائم، ودعوةُ المظلُوم، ودعوةُ المسافر).[٧][٦] أركان الصيام يعرّف الركن في اللغة بأنّه الجانب الأقوى للشيء، وجمعه أركان، أمّا في الاصطلاح فهو عبارة عن جزء الماهيّة، وللصيام ركنان تتركّب منهما ماهيّته، وهما كما يأتي بشكلٍ مفصّلٍ:[٨] النية؛ وهي قصد الشيء وإرادته، وهي نوعان؛ الأول: نية المعمول له، وهي الإخلاص لله عزّ وجلّ، وابتغاء وجهه ومرضاته وثوابه، قال تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء)،[٩] فلا تقع الأعمال إلا عن قصدٍ، وصلاح تلك الأعمال أو فسادها مرتبطٌ بصلاح النّية أو فسادها، وإن نوى خيراً حصل له الخير، وإن نوى الشر حصل له الشر، أما الثاني: تمييز العبادات بعضها عن بعض، كتمييز الصلوات فيما بينها، وتمييز صيام رمضان عن غيره، ولا بدّ في الصيام من توافر هذين النوعين من النية؛ فلا بدّ أن يقصد به المسلم وجه الله، ولا بدّ أن يميز صيام الفرض عن صيام التطوع. الامتناع عن جميع المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (كُلُوا واشربوا حتَّى يؤَذِّن ابنُ أُمِّ مكتومٍ، فإنَّه لا يُؤَذِّنُ حتَّى يطلُع الفَجر).[١٠] شروط وجوب الصيام أوجب الله -عزّ وجلّ- الصيام على من توافرت فيه العديد من الشروط، ومن فقد واحدةٍ منها كان الصيام عليه غير واجب، وفيما يأتي بيانٌ لهذه الشروط بشكلٍ مفصّلٍ:[١١] الإسلام: حيث إنّ صيام الكافر لا يصح، لأنّ الصيام عبادة، والعبادة لا تصح من الكافر، ثمّ إن أسلم فلا قضاء عليه فيما فاته من الصيام وقت كفره. البلوغ: فإنّ الصيام لا يجب على من لم يصل إلى سن البلوغ، لقوله صلّى الله عليه وسلّم: (رُفع القلمُ عن ثلاثةٍ: عن الصَّبيِّ حتَّى يبلغ، وعن المجنون حتَّى يُفيق، وعن النَّائم حتَّى يستيقظ)،[١٢] لكن لو صام الصبي كان صيامه صحيحاً إذا كان مميّزاً، كما يجب على وليه أن يأمره بالصيام؛ حتى يألفه ويعتاد عليه. العقل: فالصيام لا يجب على المعتوه والمجنون؛ لأنّهم من المرفوع عنهم القلم. الصحة: فمن كان مريضاً لا يستطيع الصيام لم يكن الصيام عليه واجباً، وإن صام صحّ منه، قال تعالى: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)،[١٣] ويجب عليه القضاء إن أفطر حين يزول المرض. الإقامة: فالمسافر لا يجب عليه الصيام، وإن صام كان صيامه صحيحاً، وعليه قضاء الأيام التي أفطرها في سفره. الخلو من الحيض أو النّفاس: حيث إنّ الحائض والنفساء لا يجب عليهما الصيام؛ بل يحرم الصيام في حقهما، وعليهما قضاء الأيام، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (أليس إذا حاضت لم تُصلِّ ولم تصُم قُلن: بلى، قال: فذلك من نُقصان دينها)