يعدّ شهر رمضان المبارك من أفضل الشهور التي اختصها الله تعالى بالفضل العظيم، حيث يتسابق المسلمون في هذا الشهر الفضيل على أداء الطاعات والعبادات التي تقربهم من الله تعالى؛ طمعاً في نيل مرضاته ورضوانه في هذه الأيام المباركة، فتتنوّع العبادات في هذه الأيام من صيام النهار، وقيام الليل، وقراءة القرآن الكريم، وإعطاء الصدقات، وغيرها الكثير من الأعمال، كما تمتاز العشر الأواخر من هذا الشهر الفضيل بمزيد فضلٍ؛ إذ إنّه يعظم فيها الأجر ويزداد فيها الثواب، كما يتخلل هذه العشر ليلة القدر؛ التي تعدّ خيراً من ألف شهرٍ، يُكثر فيها المسلمون من العبادات والطاعات وأعمال الخير، والفائز من المسلمين من يحرص على اغتنام هذه الليلة وعدم التفريط بساعاتها، قال الله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ).[١] الثبات بعد رمضان إنّ الثبات على أمرٍ ما يحتاج إلى قدرٍ من الصبر والاجتهاد؛ لذا لا بُدّ للمسلم من الاستعانة بالله تعالى بالدعاء والرجاء، بأن يثبت على ما كان يداوم عليه من الطاعات خلال شهر رمضان المبارك؛ فقد يصاب المسلم بالتقاعس والفتور في أداء الطاعات التي اعتاد على القيام بها في شهر رمضان، وما يواجهه من ملهيات الدنيا وانشغالاتها، فكان من أهم الوسائل التي تساعد المسلم على الثبات بعد رمضان ما يأتي:[٢] ملازمة الدعاء؛ حيث يعدّ من أهم الوسائل التي تعين المسلم على الثبات، فالمداومة على الدعاء والاستعانة بالله تعالى؛ بأن يسأل المسلم الله الثبات على ما كان عليه من جميل الطاعات وأحسنها وكلّ ما يقربه من الله تعالى، فعن شداد بن أوس رضي الله عنه، أنّ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (اللَّهمَّ إنِّي أسألُك الثَّباتَ في الأمرِ، والعزيمةَ على الرُّشدِ).[٣] استذكار الثواب والأجر العظيم الذي أعدّه الله تعالى لعباده الذين يداومون على طاعته وتعظيمه كما يستحق، فكلّما استذكر المسلم الذي يجاهد نفسه على الطاعة، عظيم الثواب الذي ينتظره يوم القيامة، جاهد نفسه ولزم العبادات التي اعتاد عليها في رمضان. المداومة على العبادات التي تقرب العبد من الله تعالى وإن كانت قليلةً، وعلى المسلم ألّا يقلّل من شأن أيّ عملٍ يزيده قرباً من الله تعالى وإن صغر؛ فقد يكون سبباً في دخول الجنّة والنجاة من عذاب الله يوم القيامة، فعن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (يا أيُّها الناسُ، خُذوا مِن الأعمالِ ما تُطِيقُون، فإن اللهَ لا يَمَلُّ حتى تَمَلُّوا، وإنَّ أحبَّ الأعمالِ إلى اللهِ ما دامَ وإن قلَّ).[٤] الحذر من وساوس الشيطان ومن إتباع خطواته التي مرادها إهلاك كلّ من يبتغي القرب من الله تعالى، وأن يُضلّ المسلمين عن السبيل والصراط المستقيم الذي ارتضاه الله لعباده، فقد قال تعالى: (وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ).[٥] فضائل شهر مضان يمتاز شهر رمضان بفضائل كثيرة، اختصّه الله تعالى بها عن سائر شهور السنة، فكان من فضائل شهر رمضان المبارك ما يأتي:[٦] شهرٌ فرض الله تعالى فيه الصيام على المسلمين، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).[٧] أنزل الله تعالى فيه القرآن الكريم الذي يعدّ معجزة خاتم الأنبياء والرسل محمد صلّى الله عليه وسلّم؛ فقد قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ).[٨] فيه ليلة القدر، التي تعدّ خيراً من ألف شهرٍ، وهي تنحصر في الثلث الأخير من ذات الشهر الفضيل، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (إنَّ هذا الشَّهرَ قَد حضرَكُم وفيهِ ليلةٌ خيرٌ مِن ألفِ شَهْرٍ من حُرِمَها فقد حُرِمَ الخيرَ كُلَّهُ ولا يُحرَمُ خيرَها إلَّا محرومٌ).[٩] يعد شهر رمضان شهر التوبة والمغفرة والعتق من النار، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (مَن صامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا، غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ، ومَن قامَ ليلةَ القدرِ إيمانًا واحتِسابًا غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ).[١٠] مبطلات الصيام تتعدّد الأسباب التي تؤدي إلى بطلان الصيام، ومنها ما يأتي:[١١] أن يأكل الصائم أويشرب متعمّداً، ويختلف في الحكم إن كان قد أكل أو شرب ناسياً؛ ففي حالة النسيان لا يبطل الصيام؛ فعن أبي هريرة أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (من نسِيَ وهو صائمٌ، فأكلَ أو شرِبَ، فليُتمَّ صومَهُ؛ فإنَّما أطعمَهُ اللهُ وسقاهُ).[١٢] القيء متعمداً، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (مَنْ ذرعَهُ القيءُ فليس عليه قضاءٌ، ومنِ استقاء عمدًا فلْيقضِ).[١٣] الحيض والنفاس؛ فعن أبي سعيد الخدري، أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (أليس إذا حاضَتْ لم تُصَلِّ ولم تَصُمْ، فذلك نقصانُ دينِها).[١٤] الاستمناء؛ ويكون بإنزال المنيّ بشهوةٍ، من غير جِماع. المرتدّ عن الدين الإسلامي، قال الله تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).[١٥] عقد النيّة على الإفطار في نهار رمضان، حتى وإن امتنع عن المفطرات من طعامٍ وشرابٍ وغيره، كما روى عمر بن الخطاب عن الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (إنما الأعمالُ بالنياتِ، وإنما لكلِّ امرئٍ ما نوى)؛[١٦] وذلك لأنّ النيّة ركنٌ من أركان الصيام التي لا يصح إلا بها