[size=33]شهر رمضان المبارك أمر الله -تعالى- المسلمين بصيام شهر رمضان المبارك، وجعله ركناً من أركان الإسلام الخمسة، والصيام في الاصطلاح الشرعي هو إمساكٌ معينٌ، في زمنٍ معينٍ، من أشياءٍ معينةٍ، بشروطٍ معينةٍ، والصيام واجبٌ في حقّ المسلم العاقل، غير المرأة الحائض والنفساء، ويبدأ الصيام من طلوع الفجر الثاني، إلى دخول وقت صلاة المغرب، فيُمسك المسلم طيلة ذلك الوقت عن مبطلات الصيام؛ أيّ عن المفطرات، وقد شُرع صيام شهر رمضان المبارك، في شهر شعبان من السنة الثانية للهجرة، فصام النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بذلك تسعة رمضاناتٍ في حياته، ويستدلّ العلماء على وجوب صيام رمضان بأدلةٍ عديدةٍ، منها قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)،[١] ومنها كذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (بُنِيَ الإسلامُ على خَمْسٍ، شهادةِ أن لا إلهَ إلا اللهُ، وأنَّ محمداُ عبدُهُ ورسولُهُ، وإقامِ الصلاةِ، وإيتَاءِ الزكاةِ، وحجِّ البيتِ، وصومِ رمضانَ)،[٢] كما أجمعت الأمّة على وجوب صيام رمضان على المسلمين، وكُفْر من أنكر ذلك.[٣] وقد خصّ الله -تعالى- شهر رمضان المبارك، بفضائلٍ عظيمةٍ، منها: أنّ من صام رمضان إيماناً بالله، واحتساباً للأجر عنده؛ غُفر له ما تقدّم من ذنبه، كما جعل صيامه سبباً في دخول الإنسان للجنة، كما أنّ درجة المسلم الذي شهد شهر رمضان المبارك، وصامه، واجتهد في الطاعات فيه، أعظم من درجة الشهيد، الذي استُشهد قبل أن يدرك رمضان، وإذا دخلت أول ليلةٍ من ليالي رمضان المبارك على الناس؛ فُتحت أبواب الجنة، وأغلقت أبواب النيران، وسُلسلت الشياطين، ثمّ يتخذ الله -تعالى- في كلّ ليلةٍ عتقاء يعتقهم من نار جهنم، ودليل ذلك قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (للَّهِ عُتقاءُ منَ النَّارِ، وذلكَ كلُّ لَيلةٍ)،[٤] كما جعل الله -تعالى- الدعاء في شهر رمضان مستجاباً، وشرّف شهر رمضان بأن جعل نزول القرآن الكريم فيه، لا في غيره من الأشهر، وخصّه بليلة القدر، التي يعدل قيامها؛ لمن وُفّقَ لها، عبادة الله -تعالى- ألف شهرٍ، وجعل العمرة فيه تعدل الحجّ.[٥] أصل كلمة رمضان تأتي كلمة رمضان في اللغة من كلمة الرّمض، وهي شدّة الحرّ، ووقوع أشعة الشمس على الرمال والحجارة، وقد كان شهر رمضان قديماً يصادف زمن الرمضاء؛ أيّ زمن الحرارة الشديدة، في جزيرة العرب، ولأنّ الشهور كانت تسمّى بحسب الأزمنة التي وقعت فيها، فقد سُمي شهر رمضان المبارك بذلك الاسم؛ نتيجةً لما يكون عليه من شدّة الحرارة، كما أنّ ذلك الاسم مناسبٌ لحال الصائمين في ذلك الشهر، من مقاساتهم لحرارته، ورمضائه الشديدة أثناء الصيام، كما أنّ قلوب الصائمين تأخذ من حرارة الاتعاظ الشيء الكثير، تماماً كما تأخذ الرمال والحجارة من حرارة الشمس، وهو أيضاً شهرٌ يرمض الذنوب؛ أيّ يحرقها بالأعمال الصالحة، وقال بعضهم بأنّ تسمية رمضان، مأخوذةٌ من الرميض؛ أيّ المطر الذي يأتي قبل الخريف، فهو يغسل الإنسان من الذنوب، كما يغسل المطر الأرض، وقيل أيضاً بأنّ العرب كانوا يرمضون أسلحتهم؛ أيّ يحدّونها ويحشدونها فيه، استعداداً للحرب في شوّال، لذلك سمّي شهر رمضان المبارك بذلك الاسم.[٦][٧] أعمال مستحبّة في شهر رمضان يستحبّ للمسلم في رمضان أن يُكثر من مختلف الطاعات والعبادات، ويحرص على اغتنام أوقاته، بكلّ ما يقرّبه إلى الله عزّ وجلّ، ومن ذلك أن يحافظ على قيام رمضان، خاصةً في جماعةٍ، وأن يؤديه حاضر القلب، خاشع الجوارح لله تعالى، بالإضافة إلى الإكثار من صلاة النافلة في الليل والنهار، كما يستحبّ للإنسان أن يُكثر من تلاوة القرآن الكريم، ويجتهد في ذلك ما استطاع، ومن المهم أيضاً أن يتدبّر ما يقرأ من القرآن، وأن يحرص على فهمه، والانتفاع به، ثمّ يجب على الصائم أن يحرص على الدعاء، والذكر، وشتّى أنواع الصدقات والتبرعات، ويجب عليه أن يحرص على تفطير الصائمين، وإطعامهم، وكما يستحبّ له أن يمشي بين الناس بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ حتى يكتب له الله أجر ذلك في شهر رمضان المبارك، وكما يجب عليه أن يحفظ وقته بعدم اللهو واللعب.[٨] الحكمة من مشروعية صيام شهر رمضان شرع الله -تعالى- صيام شهر رمضان المبارك في الإسلام لحكمٍ وعبرٍ عديدةٍ، وفيما يأتي بيان بعضها:[٣] يضيّق الصيام مجاري الشيطان من جسم الإنسان، ممّا يقيه من سوء الأقوال، والأفعال، والأخلاق. يساعد الصيام الإنسان ليزهد في الدنيا، ويتركها، ويميل عنها إلى الآخرة. يقوّي الصيام شعور الإنسان بالضعفاء، والمساكين، والمحتاجين من الناس، فتبقى مشاعر الرحمة حيّةً في قلبه تجاههم. الصيام يعوّد الإنسان على ترك شهواته من أجل الله تعالى، ويُعينه على إيثار حقّ الله تعالى، وطاعته، على رغبات النفس وأهوائها وشهواتها. يربّي الصيام الإنسان على معاني الإرادة القوية، والعزيمة الوقّادة، ويجعل منه إنساناً قادراً على الصبر والتحمّل، ولديه من الجَلَد والقوة، ما يمكّنه من تحمّل المصائب. يعتبر الصيام سبباً في تقوية البدن، واكتساب الصحة والشفاء من العديد من الأمراض؛ كالسمنة، التي تؤدي إلى الضغط، والسكري، وبعض أمراض القلب. الصيام أحد أهم عوامل تقوية التقوى في قلب الإنسان. يداوي الصيام الشهوة في قلب الإنسان، حيث إنّ قدراته الجنسية تضعف أثناء صيامه، فبالتالي تضعف القوة الدافعة للشهوة في نفسه بسبب الصيام[/size]