ليلة القدر ليلة القدر تعدّ ليلةً كثيرة الخير وعظيمة الفضل، ففيها الكثير من البركات التي لا تحصى، فقد كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يجتهد في العشر الأواخر من شهر رمضان أكثر من غيرها من ليالي السنة، وسميت ليلة القدر بذلك لأنّ لها مكانةً ومنزلةً عاليةً عند الله تعالى، كما أنّ العبادة فيها تعدل عبادة ألف شهرٍ، وتقدّر فيها أقدار العباد، وتعتق رقابهم من النار، ومن الجدير بالذكر أنّ الملائكة مع جبريل -عليه السلام- تتنزل من السماء إلى الأرض ليلة القدر، حيث إنّهم ينزلون بالكثير من الرحمة والبركات، وليس في ليلة القدر أي شرّ حتى طلوع الشمس، كما أنّ القرآن الكريم بدء بالنزول على الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- فيها، ووردت سورة من القرآن سمّيت باسمها، وقد كان لهذه الليلة قدرٌ عند الله -تعالى- منذ الأزل، ولكن قدرها ازداد بنزول القرآن فيها، ويستحبّ من المسلم في ليلة القدر التقرّب من الله تعالى بالأعمال الصالحة والعبادات.[١] أهمية ليلة القدر تحظى ليلة القدر بأهميةٍ عظيمةٍ؛ ففيها يُحدّد قدر الإنسان لعامٍ قادمٍ، وفيها تُنسخ الآجال، وعلى المسلم أن يكون ذاكراً لله تعالى، ومسبّحاً له، والدعاء وطلب السعادة منه في الدنيا والآخرة، مع وجوب الحذر من مواطن الغفلة التي تُبعد عن طاعة الله تعالى، مثل: الأسواق، ومدن الملاهي، ومجالس اللغو، فبذلك يضيع الأجر العظيم والفضل الخاص بليلة القدر على المسلم، فلو قام المسلم ليلة القدر لمدّة عشرين سنةً فيكتب له أجراً يزيد عن عبادة ألفٍ وستمئةٍ وستةٍ وستين سنةً، وذلك من فضل الله -تعالى- على عباده، حيث إنّ أعمار الأمة الإسلامية قليلةٌ، وأجسادهم ضعيفةٌ، فلذلك عوضهم الله -تعالى- بالأجور المضاعفة والعظيمة، وقد أخفى الله -تعالى- هذه الليلة ولم يحدّدها ليجتهد العبد في طلبها وتحرّيها في جميع العشر الأواخر من رمضان، ويجدّ في العبادة، كما أنّه أخفى ساعة الجمعة وأُخفي وقت الوفاة ليكون الإنسان مستعداً في كلّ الأوقات للقاء الله تعالى، وقيام ليلة القدر يكون إيماناً واحتساباً من العبد للأجور العظيمة، كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم، والإيمان يعني التصديق بفضل ليلة القدر والإيمان بمشروعية العمل فيها، أمّا الاحتساب فيكون بإخلاص نية الأعمال لله تعالى، بحيث لا يريد العبد من أعماله الصالحة المدح أو الثناء من الناس، إنّما يريد الأجر من الله تعالى، وفي المقابل فإنّ الله -تعالى- ينعم على عباده بمغفرة الذنوب والمعاصي إلّا الكبائر منها، فالكبائر لا بدّ لها من التوبة الحقيقة إلى الله عزّ وجلّ، بإقلاع العبد عنها، والندم على فعلها، وعدم العودة إليها،[٢] وكان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يجتهد في العشر الأواخر من رمضان، كما أنّه قال: (تَحَرَّوْا ليلة القدرِ في العشرِ الأواخرِ من رمضانَ).[٣] علامات ليلة القدر تتميّز ليلة القدر بمجموعةٍ من العلامات التي تميّزها عن غيرها من الليالي، ومن الجدير بالذكر أنّ العلامات لا تظهر للناس إلّا بعد انتهاء ليلة القدر، فالعبد الذي تقرّب إلى الله -تعالى- فيها يحمد ربه ويشكره على ما أنعم عليه، أمّا العبد الذي قصّر فيها فيندم على ما فاته من الأجور العظيمة، كما قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (ليلةُ القدْرِ ليلةٌ سمِحَةٌ، طَلِقَةٌ، لا حارَّةٌ ولا بارِدَةٌ، تُصبِحُ الشمسُ صبيحتَها ضَعيفةً حمْراءَ)،[٤] وفيما يأتي البعض من العلامات الخاصة بليلة القدر:[٥] تكون الشمس في الصباح دون شعاعٍ، وسبب ذلك يرجع إلى ما ذكره العلماء من أنّ الملائكة يصعدون إلى السماء في الصباح، فتحجب أجنحتهم أشعة الشمس، فلا يظهر شعاعها. يكثر السلام والأمان والاطمئنان في ليلة القدر. تكون ليلة القدر ليلةً صافيةً، فلا تكون باردةً ولا حارّةً، وذلك بالنسبة لغيرها من الليالي التي سبقتها، أو بالنسبة لليالي التي بعدها. عبادات في ليلة القدر يمكن للعبد القيام بالعديد من العبادات في ليلة القدر للتقرّب من الله جلّ وعلا، وفيما يأتي بعض الأمثلة عليها:[٦] الدعاء؛ حيث إنّه من أعظم العبادات التي يتقرّب بها العبد من الله عزّ وجلّ، وقد أمر النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- بالدعاء فيها، فعلّمها الدعاء بقول: (اللَّهمَّ إنَّك عفُوٌّ تُحبُّ العفوَ فاعْفُ عنِّي).[٧] الانقطاع لله تعالى، والتبتل له، حيث إنّه من أشرف وأجلّ العبادات التي تقرّب من الله عزّ وجل، حيث قال الله تعالى: (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا).[٨] طهارة الظاهر والباطن، فقد كان السلف الصالح يغتسلون في كلّ ليلةٍ من ليالي العشر الأواخر. إحسان الظّن بالله تعالى، فمن أحسن الظن بالله -عزّ وجلّ- سيحبّه الله حبّاً عميقاً، وسيسود حياته الرضا والراحة والاطمئنان. الإكثار من عبادات السرّ التي لا يطّلع عليها إلّا الله، حيث إنّها أدعى للإخلاص، وأرجى لقبول الأعمال من الله عزّ وجلّ، وفيها إصلاح سريرة الإنسان، ويتحقّق بذلك إخلاص الأعمال والأقوال. الصدقة، فتصدّق أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- مرّةً بكلّ ماله، وتصدّق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- مرّةً بنصف ماله، في سبيل نصرة الإسلام والمسلمين، وكذلك كانوا الصحابة رضي الله عنهم. الإكثار من الذكر، فقد امتدح الله -عزّ وجلّ- الذاكر، ووعده بالأجر العظيم في الدنيا والاخرة، حيث قال الله تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُون)