حفظ اللسان في رمضان
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على خير الخلق أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين، وبعد:
إن شأن اللسان ليس كشأن سائر الجوارح، فالجوارح تتفاوت في الأهمية، وقالوا عن اللسان: إنه عضلة خلفها كل معضلة، ويقول أبو بكر رضي الله عنه وهو يُمسك بلسان نفسه: (هذا الذي أوردني الموارد)، وقد ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (إن ابن آدم إذا أصبح فإن أعضاءه كلها تكفر اللسان، تقول: اتَّقِ الله فينا فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا وإن اعْوجَجْتَ اعْوَجَجْنا)؛ حسنه الألباني، ولهذا يمكن للإنسان أن يكسب الخير العظيم من خلال لسانه، ويمكن أن يكتسب الشر المستطير من خلال لسانه أيضًا، وأسهل فعل يمكن أن يقوم به الإنسان هو الكلام، فنظرًا لتلك الأهمية لهذه الجارحة عمومًا، وفي شهر الصيام خصوصًا، فسيكون الحديث عنها من خلال خمس عشرة وقفة وهي على النحو التالي:
الوقفة الأولى:
هذه الجارحة ذات الوزن الخفيف تحمل في عملها أرباحًا عظيمة وخسائر فادحة، فبكلمة يدخل الإنسان الإسلام، وبكلمة يخرج منه، وبكلمة يتزوج، وبكلمة يُطلق، وهكذا، فهي حرية بالانتباه لها وصيانتها وأطرها على الحق، وتهذيبها عن الشوائب الفاسدة، فكم من نادم قال كلمة لم يتأملها فعلت الأفاعيل، إن آفة واحدة من آفات اللسان قد تذهب بروح الصيام وتزهقها، وهي قول الزور؛ قال عليه الصلاة والسلام: (مَن لم يدَع قولَ الزور والعملَ به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدَع طعامه وشرابه)؛ أخرجه مسلم.
فالصيام جُنة، وتصديع جدار الصيام بآفات اللسان مثلبٌ عظيم، وهو مؤثر سلبًا على هذه الجنة للصيام، فليتَّقِ الله تعالى أولئك الذين يطلقون ألسنتهم هنا وهناك بلا رقيب.
الوقفة الثانية:
إن اللسان له عبودية يجب أن تأخذ مفعولها في كل وقت، لا سيما في شهر الصيام، فهو فرصتك أخي الصائم أن تعوِّد لسانك على عبوديته؛ ليستقيم عليها ويتهذب من خلالها، فعبوديته متنوعة بين الواجب والمستحب، وترك الحرام والمكروه، فمن واجب هذه العبودية الشهادتان والتلاوة اللازمة للقرآن في الصلاة، وأذكار الصلاة من تسبيح وتسميع وتحميد وتكبير، وكذلك أمرٌ بمعروف ونهي عن منكر وصدق الحديث، ونحو ذلك، ومنه المستحب؛ كعموم الأذكار وقراءة القرآن، ومذاكرة العلم وتوابعه، ونحو ذلك، ومن عمله أيضًا ترك المحرمات؛ كالغيبة والنميمة والكذب ونحوها، إن تدريب اللسان على الإيجابية وإبعاده عن السلبية هو مطلب الشرع، فاعمل على تحصيل ذلك.
الوقفة الثالثة:
الصائم مأمور بترك السباب والجهل ونحوهما، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحل الشرعي في المواقف التي يكون فيها شيء من هذا أن يقول: (إني صائم)، فهي تُشعر الطرفين كليهما على احترام الشهر والصيام من أن يُخدش بسباب أو زورٍ أو جهل.
الوقفة الرابعة:
إذا حضرت مجلسًا فيه شيء من الغيبة أو النميمة ونحوهما، فعليك بإنكار ذلك بطريقة مناسبة، وتذكَّر دائمًا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَن ردَّ عن عِرض أخيه، ردَّ الله عن وجهه النار يوم القيامة)، فاستثمر المواقف السلبية بالإيجابية، واعلَم أنك إن جاملت ولم تفعل، فقد تكون مشاركًا؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 69]، فإن أنكرت ولم يُقبل منك، ففارِق ذلك المجلس؛ ليسلم لك لسانُك وميزانك وصيامُك، ولكن إياك والمجاملة في أمور دينك، فكن آمرًا وناهيًا لكن بحكمة وأدب.
الوقفة الخامسة:
عبادات اللسان فيها خبايا لا يعلمها إلا الله، ومنها أذكارك في خلواتك، وذهابك وإيابك، فاحرص عليها؛ فإنها من أسباب الثبات، وأيضًا هي من الاستثمار الأمثل لهذه الجارحة، وأيضًا من كسب الأجر من أوسع أبوابه، فأكثر منها ودُل عليها، وإن كان جميلًا تربية النفس على ذلك، فهو أيضًا جميل تربية من تحت أيدينا على ذلك؛ ليكتمل عِقد التربية في تلك الذرية؛ لينشؤوا على الخير ويكسبوه، فتزكو النفوس وتطيب القلوبُ!
الوقفة السادسة:
حاول ما أمكنك الابتعاد عن الجدل العقيم والمماراة في كلماتك وجلساتك، واعلم أنها لا طائل من ورائها في الغالب إلا الشقاق والخلاف، خصوصًا في شهر الصيام، فبُعدك عنها راحة لك ولغيرك، وسلامة لكما جميعًا.
الوقفة السابعة:
تعرَّف كثيرًا على أرباح جارحة اللسان وفضلها، ومحاولة تطبيقها والإكثار منها، واجعلها من سجاياك، واحذَر من خسائرها فابتعد عنها، فإن الله تعالى يقول: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18]، وإنك لتعجب من مواقف تحصل لبعض الناس فيما بينهم مما تكون شجارًا أو خلافًا، ثم يذهب أحد الطرفين يتحدث بالطرف الآخر سلبًا في المجالس، وهو يظن أنه بهذا يتشفى، وما علم المسكين أن صاحبه المخالف له يغرف من حسناته من حيث لا يشعر، ووالله لو علم ذلك المتحدث عن عاقبة حديثه السلبية، لشقِي وضاق ذرعًا وتألَّم، ولكن خفي الأمر عليه، فاستمر في الحديث، فانتبِه لذلك حق الانتباه.
الوقفة الثامنة:
الأصل أن يوصي بعضنا بعضًا بقلة الكلام؛ حيث إن من كثُر كلامه كثُر سقطُه، وهذا في عموم أوقاتنا، ولكن في شهر الصيام يتأكد هذا، حفاظًا على روح الصيام وهروبًا من سقطات اللسان وآفاته.
الوقفة التاسعة:
تأمل ما تقول دائمًا، فربما تحدَّث فلانٌ بكلمة لم يتأملها، ففعلت بالآخر الأفاعيل، وربما فُهمت بفهومات غير سليمة، إن الرجل قد يتحدث فلا يلقي لها بالًا يهوي بها في النار سبعين خريفًا؛ قال عليه الصلاة والسلام: (إن الرجل ليتحدث بالكلمة من سخط الله، لا يُلقي لها بالًا، يهوي بها في النار سبعين خريفًا، وإن الرجل ليتحدث بالكلمة من رضوان الله تعالى، يكتُب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه)، فتأمَّل كيف أوصلت كلمة إلى النار وكلمة إلى الجنة!
الوقفة العاشرة:
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (إن شرائع الإسلام قد كثُرت عليَّ، فدُلني على عمل أتشبث به، فقال: لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله)، ما أحوجنا دائمًا إلى ذلك عمومًا وفي شهر رمضان خصوصًا! فإن الذكر من أيسر الأعمال وأخفها، ومن تركها فليس لثقلٍ فيها، وإنما هو توفيق لقوم وحِرمان لآخرين، فاطمَح أن تكون من الموفقين، فما أيسر العمل وأعظم الأمل في ذكر الله تبارك وتعالى.
الوقفة الحادية عشرة:
إن كثرة المزاح يتسلل من خلالها كثيرٌ من السلبيات لتلك الجارحة، فالتوازن في الجد والمرح مطلبٌ عظيم، وربما كان مزاح أحدهم بما لا تُحمد عقباه قولًا أو فعلًا، فيندم حينها ويعتذر، ولكن بعد فوات الأوان، فمراعاة الناس من جهة والشرع من جهة أخرى، هو عقل وحكمة قد تنقص كثيرًا عند الكثيرين
الوقفة الثانية عشرة:
إن أكثر عبادة يمارسها المسلم حال صيامه، هي عن طريق اللسان، فهو يذكر الله تعالى على جميع أحيانه، منوعًا في هذا الذكر، وإن جارحةً في هذه المكانة لجديرة أن تكون دائمًا في دائرة التهذيب عن السلبيات والآفات، فاللسان يسرق الحسنات بعمله للسيئات من الغيبة والنميمة ونحوهما، وقد يكون لسانك من جانب آخر نهرًا يجري لك بالحسنات والأجور
الوقفة الثالثة عشرة:
في حال صيامك وفطرك، اختر ألفاظك كما تختار أطايب الطعام، فإن الناس يعرفونك بما يسمعون من حديثك ويصنفونك من خلاله، فما أكثر ما نتكلم به وما أقل ما نتثبت به إلا من رحم الله!
الوقفة الرابعة عشرة:
تأمَّل قوله عليه الصلاة والسلام: (المسلم مَن سلِم المسلمون من لسانه ويده)؛ فجمع في هذا الحديث بين القول والعمل، ففي سلامتهما تتحقق السلامة، فهذا الحديث قاعدة تربوية اجتماعية عظيمة لصلاح المجتمع في معاملاتهم وتصرفاتهم، ولو طبقناه عمليًّا كما نحفظه ذهنيًّا لهُدينا ووُقينا.
الوقفة الخامسة عشرة:
إن مشكلتنا أننا قد لا نتصور الثمن الباهظ الذي يمكن أن ندفعَه لقاء امتلاء صحائفنا بحصائد الألسن وأرصدة الكلام، فإن العاقل الحصيف يتفطَّن لمثل هذا، معالجًا ومهذبًا قبل فوات الأوان، وإن من أهم العلاجات في هذا قوله عليه الصلاة والسلام: (أمسِك عليك لسانك)، فهذا الإمساك عن الشر هو وقايةٌ وعلاج بإذن الله تبارك وتعالى.
أخي الصائم، هذه خمس عشرة وقفة مع لسانك عمومًا وفي رمضان خصوصًا، اجعلها دائمًا أمام ناظريك وفي مسمعك، وعلى قُرب منك؛ حتى تفوز برضا الله تبارك وتعالى، محاولًا محاسبة نفسك، فإن أطلقتَ لهذا اللسان العنان، فإنه سيؤدي بك إلى مواقع وصفات لا تُحمد عقباها، وإن حاسبته وراقبتَه، فهو دليل لك وبين يديك توجِّهه كما تشاء.
أسأل الله تعالى لنا جميعًا حُسنَ القول والعمل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على خير الخلق أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين، وبعد:
إن شأن اللسان ليس كشأن سائر الجوارح، فالجوارح تتفاوت في الأهمية، وقالوا عن اللسان: إنه عضلة خلفها كل معضلة، ويقول أبو بكر رضي الله عنه وهو يُمسك بلسان نفسه: (هذا الذي أوردني الموارد)، وقد ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (إن ابن آدم إذا أصبح فإن أعضاءه كلها تكفر اللسان، تقول: اتَّقِ الله فينا فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا وإن اعْوجَجْتَ اعْوَجَجْنا)؛ حسنه الألباني، ولهذا يمكن للإنسان أن يكسب الخير العظيم من خلال لسانه، ويمكن أن يكتسب الشر المستطير من خلال لسانه أيضًا، وأسهل فعل يمكن أن يقوم به الإنسان هو الكلام، فنظرًا لتلك الأهمية لهذه الجارحة عمومًا، وفي شهر الصيام خصوصًا، فسيكون الحديث عنها من خلال خمس عشرة وقفة وهي على النحو التالي:
الوقفة الأولى:
هذه الجارحة ذات الوزن الخفيف تحمل في عملها أرباحًا عظيمة وخسائر فادحة، فبكلمة يدخل الإنسان الإسلام، وبكلمة يخرج منه، وبكلمة يتزوج، وبكلمة يُطلق، وهكذا، فهي حرية بالانتباه لها وصيانتها وأطرها على الحق، وتهذيبها عن الشوائب الفاسدة، فكم من نادم قال كلمة لم يتأملها فعلت الأفاعيل، إن آفة واحدة من آفات اللسان قد تذهب بروح الصيام وتزهقها، وهي قول الزور؛ قال عليه الصلاة والسلام: (مَن لم يدَع قولَ الزور والعملَ به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدَع طعامه وشرابه)؛ أخرجه مسلم.
فالصيام جُنة، وتصديع جدار الصيام بآفات اللسان مثلبٌ عظيم، وهو مؤثر سلبًا على هذه الجنة للصيام، فليتَّقِ الله تعالى أولئك الذين يطلقون ألسنتهم هنا وهناك بلا رقيب.
الوقفة الثانية:
إن اللسان له عبودية يجب أن تأخذ مفعولها في كل وقت، لا سيما في شهر الصيام، فهو فرصتك أخي الصائم أن تعوِّد لسانك على عبوديته؛ ليستقيم عليها ويتهذب من خلالها، فعبوديته متنوعة بين الواجب والمستحب، وترك الحرام والمكروه، فمن واجب هذه العبودية الشهادتان والتلاوة اللازمة للقرآن في الصلاة، وأذكار الصلاة من تسبيح وتسميع وتحميد وتكبير، وكذلك أمرٌ بمعروف ونهي عن منكر وصدق الحديث، ونحو ذلك، ومنه المستحب؛ كعموم الأذكار وقراءة القرآن، ومذاكرة العلم وتوابعه، ونحو ذلك، ومن عمله أيضًا ترك المحرمات؛ كالغيبة والنميمة والكذب ونحوها، إن تدريب اللسان على الإيجابية وإبعاده عن السلبية هو مطلب الشرع، فاعمل على تحصيل ذلك.
الوقفة الثالثة:
الصائم مأمور بترك السباب والجهل ونحوهما، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحل الشرعي في المواقف التي يكون فيها شيء من هذا أن يقول: (إني صائم)، فهي تُشعر الطرفين كليهما على احترام الشهر والصيام من أن يُخدش بسباب أو زورٍ أو جهل.
الوقفة الرابعة:
إذا حضرت مجلسًا فيه شيء من الغيبة أو النميمة ونحوهما، فعليك بإنكار ذلك بطريقة مناسبة، وتذكَّر دائمًا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَن ردَّ عن عِرض أخيه، ردَّ الله عن وجهه النار يوم القيامة)، فاستثمر المواقف السلبية بالإيجابية، واعلَم أنك إن جاملت ولم تفعل، فقد تكون مشاركًا؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 69]، فإن أنكرت ولم يُقبل منك، ففارِق ذلك المجلس؛ ليسلم لك لسانُك وميزانك وصيامُك، ولكن إياك والمجاملة في أمور دينك، فكن آمرًا وناهيًا لكن بحكمة وأدب.
الوقفة الخامسة:
عبادات اللسان فيها خبايا لا يعلمها إلا الله، ومنها أذكارك في خلواتك، وذهابك وإيابك، فاحرص عليها؛ فإنها من أسباب الثبات، وأيضًا هي من الاستثمار الأمثل لهذه الجارحة، وأيضًا من كسب الأجر من أوسع أبوابه، فأكثر منها ودُل عليها، وإن كان جميلًا تربية النفس على ذلك، فهو أيضًا جميل تربية من تحت أيدينا على ذلك؛ ليكتمل عِقد التربية في تلك الذرية؛ لينشؤوا على الخير ويكسبوه، فتزكو النفوس وتطيب القلوبُ!
الوقفة السادسة:
حاول ما أمكنك الابتعاد عن الجدل العقيم والمماراة في كلماتك وجلساتك، واعلم أنها لا طائل من ورائها في الغالب إلا الشقاق والخلاف، خصوصًا في شهر الصيام، فبُعدك عنها راحة لك ولغيرك، وسلامة لكما جميعًا.
الوقفة السابعة:
تعرَّف كثيرًا على أرباح جارحة اللسان وفضلها، ومحاولة تطبيقها والإكثار منها، واجعلها من سجاياك، واحذَر من خسائرها فابتعد عنها، فإن الله تعالى يقول: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18]، وإنك لتعجب من مواقف تحصل لبعض الناس فيما بينهم مما تكون شجارًا أو خلافًا، ثم يذهب أحد الطرفين يتحدث بالطرف الآخر سلبًا في المجالس، وهو يظن أنه بهذا يتشفى، وما علم المسكين أن صاحبه المخالف له يغرف من حسناته من حيث لا يشعر، ووالله لو علم ذلك المتحدث عن عاقبة حديثه السلبية، لشقِي وضاق ذرعًا وتألَّم، ولكن خفي الأمر عليه، فاستمر في الحديث، فانتبِه لذلك حق الانتباه.
الوقفة الثامنة:
الأصل أن يوصي بعضنا بعضًا بقلة الكلام؛ حيث إن من كثُر كلامه كثُر سقطُه، وهذا في عموم أوقاتنا، ولكن في شهر الصيام يتأكد هذا، حفاظًا على روح الصيام وهروبًا من سقطات اللسان وآفاته.
الوقفة التاسعة:
تأمل ما تقول دائمًا، فربما تحدَّث فلانٌ بكلمة لم يتأملها، ففعلت بالآخر الأفاعيل، وربما فُهمت بفهومات غير سليمة، إن الرجل قد يتحدث فلا يلقي لها بالًا يهوي بها في النار سبعين خريفًا؛ قال عليه الصلاة والسلام: (إن الرجل ليتحدث بالكلمة من سخط الله، لا يُلقي لها بالًا، يهوي بها في النار سبعين خريفًا، وإن الرجل ليتحدث بالكلمة من رضوان الله تعالى، يكتُب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه)، فتأمَّل كيف أوصلت كلمة إلى النار وكلمة إلى الجنة!
الوقفة العاشرة:
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (إن شرائع الإسلام قد كثُرت عليَّ، فدُلني على عمل أتشبث به، فقال: لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله)، ما أحوجنا دائمًا إلى ذلك عمومًا وفي شهر رمضان خصوصًا! فإن الذكر من أيسر الأعمال وأخفها، ومن تركها فليس لثقلٍ فيها، وإنما هو توفيق لقوم وحِرمان لآخرين، فاطمَح أن تكون من الموفقين، فما أيسر العمل وأعظم الأمل في ذكر الله تبارك وتعالى.
الوقفة الحادية عشرة:
إن كثرة المزاح يتسلل من خلالها كثيرٌ من السلبيات لتلك الجارحة، فالتوازن في الجد والمرح مطلبٌ عظيم، وربما كان مزاح أحدهم بما لا تُحمد عقباه قولًا أو فعلًا، فيندم حينها ويعتذر، ولكن بعد فوات الأوان، فمراعاة الناس من جهة والشرع من جهة أخرى، هو عقل وحكمة قد تنقص كثيرًا عند الكثيرين
الوقفة الثانية عشرة:
إن أكثر عبادة يمارسها المسلم حال صيامه، هي عن طريق اللسان، فهو يذكر الله تعالى على جميع أحيانه، منوعًا في هذا الذكر، وإن جارحةً في هذه المكانة لجديرة أن تكون دائمًا في دائرة التهذيب عن السلبيات والآفات، فاللسان يسرق الحسنات بعمله للسيئات من الغيبة والنميمة ونحوهما، وقد يكون لسانك من جانب آخر نهرًا يجري لك بالحسنات والأجور
الوقفة الثالثة عشرة:
في حال صيامك وفطرك، اختر ألفاظك كما تختار أطايب الطعام، فإن الناس يعرفونك بما يسمعون من حديثك ويصنفونك من خلاله، فما أكثر ما نتكلم به وما أقل ما نتثبت به إلا من رحم الله!
الوقفة الرابعة عشرة:
تأمَّل قوله عليه الصلاة والسلام: (المسلم مَن سلِم المسلمون من لسانه ويده)؛ فجمع في هذا الحديث بين القول والعمل، ففي سلامتهما تتحقق السلامة، فهذا الحديث قاعدة تربوية اجتماعية عظيمة لصلاح المجتمع في معاملاتهم وتصرفاتهم، ولو طبقناه عمليًّا كما نحفظه ذهنيًّا لهُدينا ووُقينا.
الوقفة الخامسة عشرة:
إن مشكلتنا أننا قد لا نتصور الثمن الباهظ الذي يمكن أن ندفعَه لقاء امتلاء صحائفنا بحصائد الألسن وأرصدة الكلام، فإن العاقل الحصيف يتفطَّن لمثل هذا، معالجًا ومهذبًا قبل فوات الأوان، وإن من أهم العلاجات في هذا قوله عليه الصلاة والسلام: (أمسِك عليك لسانك)، فهذا الإمساك عن الشر هو وقايةٌ وعلاج بإذن الله تبارك وتعالى.
أخي الصائم، هذه خمس عشرة وقفة مع لسانك عمومًا وفي رمضان خصوصًا، اجعلها دائمًا أمام ناظريك وفي مسمعك، وعلى قُرب منك؛ حتى تفوز برضا الله تبارك وتعالى، محاولًا محاسبة نفسك، فإن أطلقتَ لهذا اللسان العنان، فإنه سيؤدي بك إلى مواقع وصفات لا تُحمد عقباها، وإن حاسبته وراقبتَه، فهو دليل لك وبين يديك توجِّهه كما تشاء.
أسأل الله تعالى لنا جميعًا حُسنَ القول والعمل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.