ليلة القدر هي أفضل ليالي السنة على الإطلاق، وهي ليلةٌ عظيمةٌ، أنزل الله -سبحانه وتعالى- فيها القرآن الكريم، ودليل ذلك قوله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)،[١] وأخبر -سبحانه وتعالى- أنّها خيرٌ من ألف شهر، وأنّها ليلةٌ مباركةٌ يُفرق فيها كل أمرٍ حكيم، والعمل فيها خيرٌ من العمل في ألف شهرٍ ممّا سواها، وهذا من فضل الله -سبحانه وتعالى- ورحمته بعباده، فحريٌّ بالمسلم أن يُعظِّمها، ويُحييها بالعبادات، ويتحرّاها في العشر الأواخر من شهر الرحمات، وفي الليالي الوترية على وجه الخصوص، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (التمسوها في العشرِ الأواخرِ، والتمسُوها في كلّ وترٍ).[٢][٣] أعمال ليلة القدر إنّ من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا بدأت العشر الأواخر من رمضان، أنّه كان يشد المِئزر، ويُحيي ليله، ويوقظ أهله، ويجتهد فيها أعظم الاجتهاد؛ لأنّها نهاية المطاف، وخلاصة الشهر، بل والأعظم في سائر الشهر الفضيل، فكان -صلوات الله عليه- يُعلن حالة الاستنفار في هذه الليالي العشر، وإذا جاءت ليلة السابع والعشرين جمع أهله وأزواجه، وأوصاهم بالعبادة لإصابة ليلة القدر، وسيتمّ فيما يأتي بيان أفضل أعمال ليلة القدر:[٤][٥][٦] الاعتكاف في المسجد: وهو من عبادات هذه الأمّة، وهو من أخص العبادات، وألصقها بالصيام، وهو من هدي النّبي صلى الله عليه وسلم، وفيه خلوة شرعية، بخلاف الخلوات البدعية الموجودة عند الطوائف والأمم الأخرى، خلوةٌ يُقبل فيها المسلم على الله سبحانه وتعالى، ولا يخفى ما في هذه الخلوة وهذا الاعتكاف من معنى العبادة، والدوام، واللزوم، والتوحيد لله، والإقبال عليه، والانقطاع عن الدنيا طلباً لمرضاته، ورغبةً بإصابة ليلة القدر. قيام الليل: فمن السنة إحياء العشر الأواخر من رمضان بقيام الليل لنيل الأجر العظيم الوارد في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قام ليلة القَدرِ إيماناً واحتساباً، غُفر له ما تقدَّم من ذنبه)،[٧] وصلاة القيام تُصلّى ركعتين ركعتين، ثّم إذا خشي المسلم أن يطلع الصبح يوتر بركعةٍ واحدةٍ، أمّا بالنسبة لعدد ركعات القيام فقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه كان يُصلّي إحدى عشرة ركعة، ولكن ليس هذا العدد على وجه التحديد، بل تجوز الزيادة عليه، فقد كان الصحابة -رضوان الله عليهم- يصلّون عشرين ركعة. الإكثار من الدعاء: وخصوصاً قول: (اللهم إنّك عفو تحب العفو فاعف عني). الإكثار من قراءة القرآن: خاصةً إن استطاع المسلم أن يختم القرآن الكريم في ليلة القدر، فإنّه يحصل على أجرٍ عظيمٍ. الإكثار من الصدقات: ينبغي على المسلم أن يحرص على إخراج صدقةٍ في كل ليلةٍ من ليالي العشر من رمضان؛ لأنّه إذا تقبّلها الله -سبحانه وتعالى- وصادفت ليلة القدر يضاعف أجرها، فالدينار إذا تقبّله الله في ليلة القدر قد يساوي أكثر من ثلاثين ألف دينارٍ، والمئة دينار قد تساوي أكثر من ثلاثمئة ألف دينارٍ وهكذا، والصدقة يُربيها الله -سبحانه وتعالى- لصاحبها في الجنة حتى تصبح كالجبل، وإن أخفى المسلم صدقته كان أعظم للأجر، حتى يدخل ضمن السبعة الذين يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلا ظلّه. القيام بالفرائض والسنن: ينبغي على المسلم منذ أن تغرب الشمس أن يحرص على القيام بالفرائض والسنن، مثل؛ الترديد مع الأذان، وقول الدعاء المأثور بعده، والوضوء كوضوء الرسول صلى الله عليه وسلم، والمبادرة بالذهاب إلى المسجد، وصلاة سنة تحية المسجد، وسنة صلاة المغرب الراتبة، والصلاة بخشوع، واستشعار معاني آيات القرآن الكريم التي يتلوها الإمام، و المحافظة على أذكار المساء ليكون في حرز من الشيطان في تلك الليلة. تعجيل الفطور: ينبغي على المسلم في هذه الليالي العشر أن يحرص على تعجيل الفطور، والإفطار على تمرٍ احتساباً للأجر، ولا ينسى الدعاء عند الفطر، وليكن من ضمن دعائه أن يُعينه ويوفقه الله -سبحانه وتعالى- لقيام ليلة القدر. بر الوالدين: إن كان للمسلم والدان، عليه أن يحرص في هذه الليالي العشرة المباركة على برّهما، والتقرّب منهما، وقضاء حوائجهما، والإفطار معهما. الإكثار من ذكر الله: خاصّة إذا تعب الجسد من العبادات البدنية، فيستطيع المسلم أن ينال كل الخير وهو ملقى على السرير، ويذكر ربه بالتهليل، والتسبيح، والتحميد، والحوقلة، والتكبير، والاستغفار، وخاصة سيد الإستغفار، والصلاة والسلام على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، والحرص على قراءة السور، والآيات التي يَعظم أجرها، كسورة الإخلاص التي تعدل ثلث القرآن، وسورة الكافرون التي تعدل ربع القرآن، وآية الكرسي التي هي أعظم آية في كتاب الله. البكاء من خشية الله: ينبغي على المسلم أن يحرص على أن تدمع عيناه، فيحاول أن يتذكّر هادم اللذات الموت؛ لأنّه إذا دمعت عيناه كان من السبعة الذين يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلا ظلّه، كما قال -صلى الله عليه وسلم- وهو يعدّهم: (ورجلٌ ذكر اللَّه خالياً، ففاضت عيناه).[٨] تأخير السحور: ينبغي على المسلم أن يحرص على تطبيق سنة السحور، ولو تسحّر على شربة ماء، فإنّ في السحور بركة. وقت ليلة القدر دلّت الأحاديث الصحيحة الواردة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّ ليلة القدر تتنقّل في العشر الأواخر، وهي ليست ثابتةً في ليلةٍ معيّنةٍ بشكلٍ دائمٍ، فمن الممكن أن تصادف ليلة إحدى وعشرين من رمضان، وممكن أن تكون في ليلة الثالث والعشرين، ومن المحتمل أن تكون في ليلة الخامس والعشرين، ولكن أحرى الليالي هي ليلة السابع والعشرين، ومع ذلك قد تكون ليلة التاسع والعشرين، وقد تكون في الليالي الزوجية من العشر الأواخر، لذلك ينبغي على المسلم إن أراد أن يُدرك ليلة القدر بشكلٍ مضمونٍ، ويفوز بما وعد الله -سبحانه وتعالى- أهلها، أن يقوم العشرة الأواخر جميعها إيماناً واحتساباً.[٣] علامات ليلة القدر إنّ لليلة القدر علامات تدلّ عليها، منها ما تكون مقارِنةً لنفس ليلة القدر، ومنها ما تكون لاحقةً لها، فالعلامات المقارنة هي:[٩] النور وقوة الإضاءة: وهذه العلامة في الزمن الحالي لا يشعر بها إلا من كان في البرّ بعيداً عن الأضواء. طمأنينة القلب، وانشراح الصدر: وهذه العلامة يشعر بها المؤمن لما يجد في قلبه من راحةٍ، وطمأنينةٍ، وانشراح صدر، ولذّةٍ في القيام في تلك الليلة أكثر من غيرها. الجو المناسب: فلا يكون في هذه الليلة رياحٌ شديدةٌ، وتكون خاليةً من العواصف والقواصف. أما العلامات اللاحقة فهي: أن تكون الشمس صافية، وليس لها شعاعٌ في صبيحة ليلة القدر،[٩] ومن العلامات التي ذكرها بعض العلماء أنّ ليلة القدر طلقة لا حارة، ولا باردة، تصبح الشمس يومها بلونٍ أحمر ضعيف، ومنهم من قال: إن الشمس تكون صافية بلجة كأن في داخلها قمرٌ ساطع، وإنّها ليلةٌ ساكنةٌ صاحيةٌ لا حرّ فيها، ولا برد، ومنهم من قال: إنّها ليلةٌ ماطرةٌ، وفيها رياح، وقيل: إنّ الملائكة في تلك الليلة يكون عددها في الأرض أكثر من عدد الحصى، ومن الجدير بالذكر أن عدم رؤيتها لا يمنع من حصول فضلها لمن قامها إيماناً واحتساباً