روى ابن كثير في البداية والنهاية عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - مر عليه يوما وهو جالس في رهط (جماعة ) من القوم
فَقَالَ : " إِنَّ فِيكُمْ لَرَجُلا ضَرْسُهُ فِي النَّارِ أَعْظَمُ مِنْ أُحُدٍ"
كان إخبارا من رسول الله أن واحدا منهم سيكون من أهل النار .. وياله من إخبار من الصادق المصدوق .. فقد حق على أحدهم!
فمات القوم كلهم على خير .. علي الإسلام والإيمان ، ولم يبق منهم إلا أبا هريرة و رجلا من بني حنيفة اسمه " الرَّجَّال بن عنفوة " ، وكان من الذين وفدوا على رسول الله فلزمه وتعلم منه وحفظ القرآن والأحكام وجدَّ في العبادة
يقول رافع بن خديج: " كان " بالرَّجَّالِ " من الخشوع ولزوم قراءة القرآن والخير شيئ عجيب "
وقال عنه ابن عمر " كان من أفضل الوفد عندنا"
ياسبحان الله حافظا قواما صواما
ظل إخبار النبي عالقا برأس أبي هريرة وكلما رأى "الرَّجَّال بن عنفوة " ومدوامته على العبادة وزهده ، ظن أنه هالك وأنه هو صاحب النبوءة وأصابه الرعب (أي ظن أبو هريرة أنه المقصود بحديث النبي) حتى ظهر مسليمة الكذاب في اليمامة وأدعى النبوة و اتبعه خلق من أهل اليمامة !
فبعث أبو بكر الصديق "الرَّجَّال بن عنفوة " لأهل اليمامة يدعوهم إلى الله ويثبتهم على الإسلام ، فلما وصل " الرَّجَّال " اليمامة التقاه مسليمة الكذاب وأكرمه وأغراه بالمال والذهب ، وعرض عليه نصف ملكه إذا خرج إلى الناس ، وقال لهم إنه سمع محمدا يقول إن مسليمة شريك له في النبوة
ولما رأى " الرَّجَّال " ما فيه مسليمة من النعيم - وكان من فقراء العرب - ، ضعف ونسي إيمانه وصلاته وصيامه وزهده ، وخرج إلى الناس الذين كانوا يعرفون أنه من رفقاء النبي صلى الله عليه وسلم ، فشهد أنه سمع رسول الله يقول: إنه قد أشرك معه مسيلمة بن حبيب في الأمر .
فكانت فتنة " الرَّجَّال " أشد من فتنة مسيلمة الكذاب وضل خلق كثير بسببه وأتبعوا مسيلمة ، حتى تعدى جيشه أربعين ألفا .. فجهز أبوبكر الصديق جيشا لحرب مسيلمة فهزم في بادئ الأمر ، فأرسل مددا وجعل على رأسه سيف الله خالد بن الوليد.
كان من ضمن الجيش " وحشي بن حرب " الذي قتل أسد الله وسيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ، ثم أسلم وذهب لرسول الله الذي كان كلما رآه تذكر ما فعله بعمه حمزة أسد الله فيتألم ، فقرر "وحشي" أن يترك المدينة ويسيح في الأرض مجاهدا في سبيل الله حتى يكفر عن ذنبه الكبير ...
ولما ذهب في جيش خالد قرر أن يترصد مسيلمة فيقتل شر خلق الله ، تكفيرا عن قتل حمزة عم النبي ، وبدأت معركة لم يعرف العرب مثلها وكان يوما شديد الهول ، وانكشف المسلمون في البداية مع كثرة عددهم وكثرة عتاده ...
ولم يثبت منهم إلا أصحاب القرآن الذين نادوا في الناس ، فعادوا إليهم ، وحملوا على جيش مسيلمة حتى زحزحوه و تتبع "وحشي" مسيلمة الكذاب حتى قتله بحصن تحصن فيه ، وانهزم بنو حنيفة و قتل "الرَّجَّال بن عنفوة" مع من قتل من أتباع مسيلمة فمات على الكفر مذموما مخذولا !
ولما علم أبوهريرة خر ساجدا لله بعد أن أدرك أخيراً أنه قد نجا ..
★الرَّجَّال بن عنفوة : رافق النبي ولزم العبادة و القرآن والزهد و لكنه ختم له بشر ، فضل وأضل ومات على الكفر .
★وحشي بن حرب : قتل حمزة أسد الله وأسد رسوله ، ولكن هداه الله فختم له بخير وصار من خيرة المجاهدين .
فلا تغتر بعباداتك وصلاتك وصيامك وصدقاتك ، ولا تمنن ، وادع الله بأن يثبتك و يختم لك بخير .. ولاتحقرن أحدا بذنبه أو لذنبه وأدع الله أن يتوب عليه ..
فأنت لا تعلم ماذا كتب في اللوح المحفوظ!
نسأل الله حُسن الخاتمه ...