صيام رمضان بين الرُّخصة والعزيمة صيام شهر رَمَضان المُبارك من العبادات التي ينبغي على المسلم الحرص على أدائها وعدم التّهاون فيها مطلقاً، فقد فرض الله -سبحانه وتعالى- صيامه، وسنَّ قيامه، وجعل أجر ذلك دوناً عن سائر العبادات والفرائض راجعاً له وحده، ممّا يُشير إلى عظَمة فضل الصّيام ومنزلته عند الله سبحانه وتعالى. ورغم أهميّة الصيام وقيمته إلا أنّ الإنسان ربما يمرُّ بأحوالٍ يعجز بوجودها عن الصيام، مثل: المرض، والسّفر، وغير ذلك، وفي مثل هذه الحالات لا حرَج على المسلم من ترك الصيام ما دام قد أدرك أنّ فيه زيادة مشقّة، أو تأخيراً في شفائه، أو تفاقماً لمرضه، وربما يؤدّي به إلى الوفاة في بعض الحالات، ويكون تقدير ترك الصيام في حالات الضرورة عائداً للطبيب الحاذِق المسلم، الذي يعلم ويُدرك أهميّة الصيام، وفي ذات الوقت يدرك خطورته على المريض إن صام. وقد مُنِعت المرأة من الصِّيام في بعض الأحوال التي تمرُّ بها، كما مُنِعت من القيام بسائر العبادات، وهي تلك الأوقات الفطريّة التي تمرّ بها المرأة وتقتضي الابتعاد عن الطاعات، مثل: الحيض، والنّفاس؛ مراعاةً لصحّتها ورأفةً بها، أمّا إن كانت المرأة ذات حملٍ فهل يُشرَع لها الفطر، أم يجب عليها إتمام الصيام، وما حكم إفطارها في نهار رمضان؟ ذلك ما ستبحثه هذه المقالة بعد توفيق الله. حُكم إفطار الحامل في رمضان راعت الشريعة الإسلاميّة أحوال الصائم، وأباحت له الفطر إن خشي على نفسه من توابع الصيام، وكذلك الحامل، إلا أنَّ الحُكم الرئيسيّ للحامل هو الاستمرار في الصّيام وإتمامه، فإن كان في صيامها ضررٌ عليها أو على الجنين فإنه يُباح لها الفطر على أن تقضيَ ما أفطرته من رمضان فور قدرتها على ذلك، وفيما يأتي بيان متى يجوز للحامل الفطر في رمضان، ومتى لا يجوز لها ذلك:[١] أن يكون في صيامها ضررٌ مُحقَّقٌ عليها أو على جنينها؛ بحيث يؤدّي ذلك إلى إلحاق الضّرر بها، مثل: التّعب والإرهاق، والإعياء، أو إصابة جنينها بتشوّهات خَلقيّة، وربّما يؤدّي إلى أمور أشدّ خطراً من ذلك، كوفاة الجنين، وفي هذه الحالة ينبغي عليها الإفطار، ويُشرَع لها القضاء إذا ما انقضى شهر رَمَضان ووضعت حملها، ودليل ذلك ما رُوِي عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- حيث قال: (أغارت علينا خيلُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأتيتُ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- فوجدتُه يتَغَدَّى، فقال: ادنُ فكُلْ، فقُلْتُ: إني صائمٌ، فقال: ادنُ أحدِّثْك عن الصومِ أو الصِّيامِ: إن اللهَ وضع عن المسافرِ الصّوم وشطرَ الصّلاةِ، وعن الحاملِ -أو المرضعِ- الصومَ أو الصّيامَ، واللهِ لقد قالهما النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- كليهما أو أحدَهما، فيا لَهفَ نفسي أن لا أكونَ طَعِمتُ من طعامِ النبيِّ صلّى اللهُ عليه وسلَّم).[٢] ويقول ابن قدامة في المُغني: (وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ إذَا خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا، فَلَهُمَا الْفِطْرُ، وَعَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ فَحَسْبُ، لَا نَعْلَمُ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ اخْتِلَافًا؛ لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ الْخَائِفِ عَلَى نَفْسِهِ. وَإِنْ خَافَتَا عَلَى وَلَدَيْهِمَا أَفْطَرَتَا، وَعَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ وَإِطْعَامُ مِسْكِينٍ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ، وَهَذَا يُرْوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ). إذا لم يكن في الصّيام ضررٌ على الحامل أو على جنينها فلا يجوز لها الفطر، وتأثم إن أفطرت دون أن تخشى على نفسها أو على جنينها منه. إذا لم تخشَ الحامل على نفسها أو على جنينها من الصّيام، ثمّ صامت ووجدت مشقّةً فيه، جاز لها الفطر وقطع الصّوم، وقضاء ما أفطرت بعد انقضاء شهر رمضان. كفّارة الإفطار في رمضان للحامل سبقت الإشارة إلى جواز إفطار الحامل في رمضان إن خشِيت على نفسها أو جنينها، شرط أن يغلب على ظنّهما ذلك، فإن أفطرت الحامل لتجنُّب ضررٍ مُتحقّق عليها فليس عليها إلا القضاء كما قال العلماء، أمّا إذا كان سبب فِطرهما هو الخوف على جنينها فقد اختلف الفقهاء في الكفّارة التي تترتّب عليها؛ هل تترتّب عليها الفدية، أم لا يجب عليها إلا القضاء فقط؟ وبيان ذلك فيما يأتي: ذهب فقهاء الشافعيّة، والحنابلة، وغيرهم من المجتهدين ومنهم مجاهد؛ إلى القول بأنّه يجب على الحامل إذا كان فطرها في رمضان خوفاً على ابنها أن تقضي ما أفطرت، مع لزوم الكفّارة عليها بأن تُطعِم مسكيناً عن كلّ يوم أفطرته فيه،[٣] ودليل أصحاب هذا القول ما جاء في قول الله سبحانه وتعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ).[٤] ذهب فقهاء الحنفيّة، والمالكيّة، والشافعيّة في قول آخر، والأوزاعيّ، والحسن البصريّ، وسعيد بن جبير، والزهريّ، وعطاء بن أبي رباح، والضحاك، وسفيان الثوري، إلى القول بأنّه لا يجب على الحامل إن أفطرت في رمضان خوفاً على جنينها إلا القضاء، ولا تجب الكفّارة عليها، إنما يُستحَبّ لها إخراجها لا على وجه الوجوب.[٣][٥] يرى فقهاء المالكيّة، وقولٌ ثالثٌ للشافعيّة، والليث بن سعد إلى أنّه ينبغي التّفريق في حال إفطار الحامل في رمضان عن إفطار المرضع؛ فالحامل يجوز لها عندهم أن تفطر في رمضان، ويجب عليها القضاء فقط دون الكفّارة، أمّا المُرضع عندهم فيجب عليها القضاء والفدية إن أفطرت خوفاً على ابنها من عدم الشبع؛ لأنه يمكن لها أن تسترضع له من غيرها.[٣] أصحاب الأعذار في رمضان أباح الإسلام لِمن كان في صيامه مشقّةٌ أو ضَرر مُتحقّق أن يفطر في نهار رمضان، وقد بيَّن المُشرِّع الكريم أصناف المسلمين الذين يجوز لهم الإفطار وفق الضّرورة التي يقتضي معها الإفطار، وهم على النّحو الآتي: الشيخ الكبير: مَن كان كبيراً في السنّ ويعجز عن إتمام الصّيام؛ لضعفٍ في بنيته، أو مرضٍ أعجزه عن ذلك، فإنّه يُباح له الإفطار باتّفاق الفقهاء، وتترتّب عليه الكفّارة دون القضاء، ويرى المالكيّة أنّه يُندَب له إخراج الفدية لا على سبيل الوجوب،[٣] واستدلّوا على ذلك بقول الله -سبحانه وتعالى- في كتابه العزيز: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)،[٦] وبقول الله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ).[٤] المريض الذي لا يُرجى شفاؤه: المريض الذي أصابه مرضٌ لا يتوقّع الأطبّاء شفاءه منه، عادةً يكون حكمه كالشيخ الكبير العاجز؛ فيجوز له الإفطار في رمضان؛ وذلك في حال تحقّق المشقّة بسبب الصيام، وعليه أن يُخرِج الفدية لقاء ما أفطر من الأيّام دون القضاء.[٥]