المعروف إنَّ الغزوة هي المعركة التي حدثت في عهد رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وشارك بها رسول الله، فإذا حدثت معركة في عهد رسول الله ولم شارك بها سُمِّيت سرية، وقد شارك رسول الله في غزوات كثيرة، فقيل شارك في خمس وعشرين وقيل سبع وعشرين غزوة وقيل تسع وعشرين، وجدير بالذكر أنّ الغزوة الأولى التي غزاها رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- هي غزوة الأبواء، وآخر غزوة غزاها رسول الله هي غزوة تبوك، فيما يأتي سيتم الحديث عن غزوة من غزوات رسول الله وهي غزوة الطائف بالتفصيل.[١] بحث عن غزوة الطائف بعد المعركة الكبيرة التي خاضها جيش المسلمين في حُنين، وبعد النصر العظيم الذي منَّ الله -سبحانه وتعالى- به على المسلمين، جمع رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أصحابه وتوجه بهم نحو الطائف، وكان هذا في شهر شوال في السنة الثامنة للهجرة، اتجه المسلمون نحو الطائف لفتحها ونشر الدين الإسلامي فيها بعد سلسلة الانتصارات العظيمة التي كسبها المسلمون، حيث تعتبر غزوة الطائف امتدادًا لغزوة حُنين، فالجموع التي هربت من المسلمين في حُنين من قبائل هوازن وثقيف احتمت بالطائف وتحصنت بها، فما كان من رسول الله إلَّا أن قرَّر تحريك المسلمين الذين بلغ عدده اثني عشر ألف مقاتل على الفور، والتجهيز لفتح الطائف.[٢] كان من الضروري بعد غزوة حُنين أن يلاحق المسلمون فلول المشركين من قبائل هوازن وثقيف التي تحصَّنت في الطائف بعد غزوة حُنين، وكان رسول الله قد أوكل مهمة قيادة مقدمة الجيش للصحابي الجليل خالد بن الوليد -رضي الله عنه-، وصل المسلمون إلى الطائف في مكان قريب من حصن الطائف الي تحصنت به قوات هوازن وثقيف، فعسكر المسلمون بالقرب من الحصن، وقاموا بحصار المدينة حصارًا شديدًا، وقد استمرَّ الحصار قرابة الأربعين يومًا، ولم تخلُ هذه الأيام من بعض الصدامات العابرة بين المسلمين والمشركين المتحصنين في الطائف، ثمَّ وفي حركة ذكية أراد من خلالها رسول الله أن يضعف عزيمة المشركين، أمَّن رسول الله العبيد الذين في الحصن ووعدهم إذا خرجوا بالحرية والمعاملة الحسنة، فخرج عشرات العبيد من الحصن، وكان لهم وعد رسول الله حقًا، وعندما طال الحصار استشار رسول الله أصحابه، وجاءت المشورة بقرار رفع الحصار، روى عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قال: "لَمَّا حَاصَرَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- الطَّائِفَ، فَلَمْ يَنَلْ منهمْ شيئًا، قالَ: إنَّا قَافِلُونَ إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَثَقُلَ عليهم، وقالوا: نَذْهَبُ ولَا نَفْتَحُهُ، وقالَ مَرَّةً: نَقْفُلُ، فَقالَ: اغْدُوا علَى القِتَالِ، فَغَدَوْا فأصَابَهُمْ جِرَاحٌ، فَقالَ: إنَّا قَافِلُونَ غَدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ، فأعْجَبَهُمْ، فَضَحِكَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- وقالَ سُفْيَانُ مَرَّةً، فَتَبَسَّمَ، قالَ: قالَ الحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الخَبَرَ كُلَّهُ"[٣].[٤] وبعد أن قرر المسلمون في غزوة الطائف الانسحاب من حصار الطائف، دعا رسول الله -صلَّى الله عليه وسلّم- لثقيف بالهداية فاستجاب الله -سبحانه وتعالى- دعوة نبيه وأتى بثقيف وقد هداهم إلى الإسلام قبل أن يغادر جيش المسلمين، ثمَّ غادر المسلمون الطائف متجهين نحو منطقة الجعرانة، وبينما هم في الطريق إذ لقيهم سراقة بن مالك الجعشمي، ودخل في مجموعة من الأنصار فحاولوا ردَّه ولكنَّه وصل إلى رسول الله وأسلم في لحظته، وبعد أن وصل رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- إلى الجعرانة بقي فيها مدة من الزمن ولم يقسم الغنائم، رغبة منه بانتظار رجال قبيلة هوازن مسلمين فيجمع ما يصيب المسلمين من غنائم منهم مع غنائمهم، ولكن وفد هوازن لم يجئ، فبدأ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- بتوزيع الغنائم، فأعطى سادات العرب من غنائم غزوة الطائف وحُنين ليكسبهم في الإسلام مثل أبي سفيان بن حرب الذي أعطاه رسول الله مئة ناقة، ثمَّ أعطى أبا سفيان بن الحارث مئة من الإبل أيضًا، وأعطى الأقرع بن حابس التميمي مئة ناقة أيضًا، وأعطى عيينة بن حصن الفزاري وعلقمة بن علاثة وحكيم بن حزام مثلها، وقال يومها رسول الله لحكيم بن حزام: "يا حَكِيمُ، إنَّ هذا المَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فمَن أَخَذَهُ بسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ له فِيهِ، ومَن أَخَذَهُ بإشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ له فِيهِ، كَالَّذِي يَأْكُلُ ولَا يَشْبَعُ، اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى"[٥].[٦] ثمَّ أعطى الرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- بعد غزوة الطائف صفوان بن أمية وهو مشرك مئة من الإبل ثمَّ مئة ثمَّ مئة، فقال صفوان: "أعطاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم حنين، وإنه لأبغض الناس إليَّ، فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إليَّ"، وأعطى رسول الله الحارث بن هشام وسهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العُزى مئة من الإبل لكلٍّ واحد منهم، وما زال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يعطي الناس حتَّى انتشر الخبر أنَّ محمدًا يعطي عطاءً لا يُخشى بعده الفقر فتزاحم الناس على رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- وكان هذا التزاحم ما رغب به رسول الله، فقد ضمَّ الناس ولمَّ شملهم وحببهم بالدين وأصبحوا فيما بعد من دعاة هذا الدين ومن رجاله المدافعين عنه، فكانت غزوة الطائف بأكملها مليئة بالعبر والدروس التي كان يقدمها رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- لأصحابه في كلِّ أفعاله وأقواله وحركاته، منذ حصار الطائف حتَّى فك الحصار إلى توزيع الغنائم، كلُّها دروس من المعلم الأول، أفلح من تعلَّمها وعمل بها، والله تعالى أعلم