المدينة بعد الهجرة هاجر النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- والصحابة الكرام إلى المدينة المنورة هربًا من ظلم المشركين، ولبناء دولة إسلاميَّة قوية تكوّن الأساس المتين للإسلام وتنطلق منها الدعوة إلى بلاد العالم، ويكون النبيّ هو القائد والإمام لهذا المجتمع الجديد، وقد تكوَّن المجتمع من فئات متنوعة من الناس ففيه الأنصار وهم سكانُ المدينة الأصليين، وفيه المهاجرون من مكة المكرمة وليس لديهم مأوى، وفيه اليهود وهم من سكان المدينة أيضًا، وقد وجد المهاجرون اختلافًا في الطبيعة والعيش، فقام النبيُّ بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار ليذيب هذه الفرقة التي في المجتمع، ويكوِّن مجتمعًا واحدًا قويًا متماسكًا، وبدأ المسلمون جميعًا بناءَ الدولة الإسلاميَّة المستقلة، وسيتحدث هذا المقال عن أول مولود في الإسلام، أي أول من وُلِد للمسلمين بعد الهجرة.[١] من هو أول مولود في الإسلام إن أول مولود في الإسلام هو عبد الله بن الزبير، ابنُ السيدة أسماء بنت أبي بكر، وهو عبد الله بن الزبير بن العوام الأسدي القرشي، صحابيُّ وابنُ صحابي، يُكنى أبو بكر وأبو خبيب، كانت أسماء حامل بعبد الله في مكة وقد هاجرت إلى المدينة فلما وصلت قباء ولدته في شوال من اول سنة للهجرة فكان عبد الله بن الزبير المولود الأول للمهاجرين في المدينة بعد هجرتهم، وكان المسلمين قد أمضوا فترة من الزمن في المدينة بلا مواليد جدد، فقالوا: "سحرتنا اليهود"، فلما ولد عبد الله بن الزبير علتْ تكبيرات المسلمين فرحًا بالمولود، وحملته أمُّه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فحنكه بالتمر وسماه عبد الله كاسم جده أبي بكر، وأذن له أو بكر في أذنيه، وحتى أنَّ السيدة عائشة خالته كانت تُكنى به، فيقال: أم عبد الله، كان يشبه جده أبي بكر جدًا، ولم يكن له لحيةٌ أو شعر في وجهه، وكان شجاعًا وشهمًا وذو أنفة، كثير الصيام وكريم بالجدات والخالات والأمهات، وقد عاش حياةً تّذخر بالأحداث، دافع عن عثمان بن عفان في محنة الفتنة، وقد شهد معركة اليرموك مع أبيه الزبير، وقد شهدَ أيضًا مع عبد الله بن أبي السرح فتح أفريقيا أيام خلافة عثمان بن عفان، وقد قاتل مع أبيه في معركة الجمل ضدَّ عليٍّ بن أبي طالب، سنة 36هجرية، أصبح عبد الله بن الزبير خليفة للمسلمين سنة 64هجرية بعد وفاة يزيد بن معاوية بن أبي سُفيان، ويعتبر بعض مؤرخي أهل السُّنة أنَّ خلافته كانت شرعيَّة لأنَّ معظم البلاد الإسلاميَّة قد خضعتْ له، فيذكر عبد الله بن الزبير من بين الخلفاء.[٢] مقتل عبد الله بن الزبير حاصر الحجاج بن يوسف الثقفي وجيشة مكة المكرمة، يريد محاربةَ عبد الله بن الزبير، واستمرَّ الحصار حوالي خمسة أشهر، وقد ضرب الحجاج أهلَ مكة بالمنجنيق حتى يهربوا منها بحثًا عن الأمان ويخرجون من حكم عبد الله إلى حكم عبد الملك بن مروان، فخرج أهل مكة وتركوا ابن الزبير، عندها ذهب عبد الله إلى أمّه يشكو إليها خذلان الناس له، وذهابهم للحجاج، فثبتته أمُّه أسماء على الحق، ودعتْ له بالنصر وبالثبات على الحق، وقد قتل الحجاجُ أولَ مولود في الإسلام عبدَ الله بن الزبير وصلبه وكان ذلك في يوم الثلاثاء الموافق للسابع عشر من جمادى الأولى سنة 73هجرية، وكان عمره حينها اثنين وسبعين سنة، وقد قالت أمُّه أسماء للحجاج بعدما صلبه وأبقاه معلقًا: " أَمَا آنْ لِهَذَا الرَّاكِبِ أَنْ يَنْزِلَ؟"، ولكن الحجاج رفض أن يُنزل عبد الله، فذهب أخوه عروة بن الزبير إلى عبد الملك بن مروان طالبًا منه إنزال أخاه عبد الله، فأُنزل