پيير كورنـِيْ Pierre Corneille (و.6 يونيو 1606 – 1 اكتوبر 1684) كان تراجيدي فرنسي كان أحد أعظم ثلاثة كتاب دراما فرنسيين في القرن 17 ، مع موليير وراسين. وقد سمي “مؤسس التراجيديا الفرنسية” وأنتج مسرحيات على مدى أربعين عاماً.
پيير كورنـِيْ
Pierre Corneille
پيير كورني
وُلِد 6 يونيو 1606
روان
توفي 1 اكتوبر 1684
باريس
الوظيفة تراجيدي
القومية فرنسا
الأصناف تراجيدي
الزوج Marie de Lampérière
الأقارب Marte le pesant
Pierre Corneille
الأدب الفرنسي
بالتصنيف
تاريخ الأدب الفرنسي
العصور الوسطى
القرن السادس عشر - القرن السابع عشر
القرن الثامن عشر -القرن التاسع عشر
القرن العشرون - المعاصر
كتـّاب الفرنسية
قائمة زمنية
كتـّاب حسب تصنيفهم
روائيون - كتاب مسرحيات
شعراء - كتاب مقالات
كتاب القصة القصيرة
بوابة فرنسا
بوابة الأدب
ع • ن • ت
اشتهر كورني بملهاته المأساوية السِّيد (1636 أو 1637م)، وقد انتقدت الأكاديمية الفرنسية هذه المسرحية؛ لكسرها عددًا من القواعد الكلاسيكية. وتقضي هذه القواعد أن تتألف المسرحية من حبكة واحدة، وتدور أحداثها في مكان واحد، وفي زمن لايتجاوز اليوم الواحد.
كما أن العنف كان ممنوعًا على خشبة المسرح. ومع أن مسرحية السيد كسرت هذه القواعد، إلا أنها أمتعت عددًا كبيرًا من الجماهير. وكانت أول مسرحية فرنسية تركز على الصراع النفسي داخل الشخصيات، أكثر مما تركز على تفصيلات تتعلق بالحبكة. وجلبت معها إلى خشبة المسرح الفرنسي لغة غنائية جديدة تتواءم مع الطبيعة العاطفية لأبطال كورني.
موضوعات معظم مسرحيات كورني مأخودة من التاريخ الروماني. ومعظم شخصياته البارزة تشبه النماذج القديمة لها، حيث تعبر دائمًا عن الفخر والولاء والشرف والشجاعة الفائقة. فهذه الشخصيات لاتخاف، وهي خاضعة للعواطف العنيفة مثل: الكراهية والانتقام والطموح البشري المتميز. ويظهر في كثيرٍ من مسرحيات كورني التأثر بالدراما الأسبانية، وبخاصة في طبيعة أبطالها العاطفية المتغطرسة والعنيفة. ومسرحيات كورني المشهورة الأخرى تشمل: هوراس (1640م)؛ سينا (1640م)؛ بوليك (1642م)؛ رودوجون (1644م). وقد وصف نظريته في الدراما في مقدمات مسرحياته، وبخاصة في أحاديث عن المأساة (1660م).
خلفية
أدريان لوكوڤرير، في دور كورنليا في "مصرع پومپي"
كان بيير كورني نجم الأدب في سماء ريشيليو، ففي صحبته أصبحت التمثيلية الفرنسية أدباً، وأصبح الأدب الفرنسي قرناً من الزمان تمثيلية في أكثره.
وقد مهدت له الطريق تجارب كثيرة. ففي عام 1552 أخرج إتيان جوديل أول مأساة فرنسية. وتلتها تمثيليات مشابهة تقلد سنيكا، وتقوم كلها على طريقته في قصص العنف، والدراسات النفسية، وتدفقات البلاغة، وقد جردت من الجورس الكلاسيكي ولكنها حشرت في وحدات أرسطو المزعومة، وحدة الحركة المعروضة على أنها تحدث في مكان واحد وزمان يوم واحد. ولكن ارسطو (كما رأينا في غضون نقاشنا للتمثيلية الأليزابيثية) كان قد اشترط وحدة الحركة أو الحبكة، ولم يطلب وحدة المكان، ولم يصر على وحدة الزمان. غير إن كتاب العالم جوليوس سيزار سكاليجر Poetices librisepetem »الكتب الشعرية السبعة« (1561) طالب جميع الكتاب المسرحيين باتباع القوالب اليونانية واللاتينية، وكرر جان شابلان هذا الطلب عام 1630. هذه الحجج التي تهاوت في إنجلترا أما عبقرية رجل علمه باللاتينية قليل وباليونانية أقل، انتصرت انتصاراً كاملاً في فرنسا وريثة اللغة والثقافة اللاتينيتين، وبعد عام 1640 سيطر القالب الس*-تم الحذف. كلمة غير محترمة لا يسمح بها في هذا المنتدى-*ي ذو الوحدات الثلاث على مسرح المأساة الفرنسية خلال كورني وراسين، وخلال فولتير والقرن الثامن عشر، وخلال الثورة، والإمبراطورية، وعودة الملكية، إلى أن كسبت الدراما الرومانتيكية في مسرحية هيجو»ايرناني« (1839) نصرها التاريخي المتأخر.
لم يكن للمسرحية الفرنسية وطن ثابت في القرن السادس عشر، فكان عليها أن تربي نفسها في الكليات وتطوف من بلاط إلى بلاط، ومن صالة الى صالة. وفي عام 1598 أنشئ أول مسرح فرنسي دائم في الأوتيل دبورجون بشارع مونوكسي. وفي عام 1600 افتتح »التياتر دي ماريه« في ما هو اليوم شارع »التاميل» القديم. وفي المسرحين كان الشكل قاعة طويلة في الوسط، حيث كانت الطبقات الأقل يسراً تقف، وتأكل، وتشرب، وتقامر، وتتشاجر، وتشاهد التمثيل وتحرس جيوبها، بينما صف على الجدران صفان من الألواح يجلس فيها السادة الميسورون. وقبل عهد ريشيلو لم يكن يحضر المسرحيات من النساء غير من لا يملكن شيئاً يخشين على فقده. أما المسرح الذي كان مرفوعاً عند أحد طرفي المستطيل فقد بعد عن نصف المشاهدين بعداً جعل تمثيل الفكر او الشعور بتعبيرات الوجه أمراً عديم الجدوى تقريباً للممثلين، لذلك شجعوا الخطابة التي تستطيع الوصول إلى أبعد الآذان. وكانت الحفلات تقام بعد الظهر، من الخامسة إلى السابعة عادة، واشترط القانون أن تنتهي قبل حلول الظلام، لأن المسرحين كانا يقعان في أحياء خطرة من المدينة. أما الممثلون فكانوا قبل موليير يستقدمون عادة من إيطاليا وأسبانيا. وكان النساء يؤدين أدوار المرأة. وفرضت الحاجة إلى تدخل الاتكاء الجريء على الجنس في التمثيليات الفكاهية. وحاولت الكنيسة والبرلمان عبثاً تنقية المسرح الفكاهي أو حظره. ونهض بالمستوى الخلقي للدراما الفرنسية ببسط حمايته وإشرافه على بعض كتابها، وبحضور الحفلات التمثيلية بشخصه، وبالتعاون مع روترو، وسكارون، وغيرهما في تأليف التمثيليات. وهكذا، وتحت بصره الشامل، مهد أسلاف كورني - وهم جارنييه وآردي وجان روترو - الطريق للنجاح الحقيقي الذي حققته مسرحية »السيد«.
السيرة
النشأة
لقي كورني ما يلقاه كل مكافح في طريقه إلى التفوق من تقلبات. ولد في روان (1606)؛ وعوقته نشأته في عاصمة إقليمية بمنأى عن حوافز باريس وفرصها الادبية، ولكن أباه كان قاضياً نابهاً استطاع أن يوفر لبيير أفضل ما أتيح من تعليم في كلية اليسوعيين المحلية. وقد استخدم هؤلاء المربون الغيورون المسرحية أداة للتعليم. وعلموا الطلاب أن يمثلوا باللاتينية مسرحيات كلاسيكية وغيرها، وقد أثر هذا التقليد اليسوعي في المسرحية الفرنسية موضوعاً وتقنيةً وأسلوباً. وبالطبع لم يقصد أحد ببيير أن يكون كاتباً مسرحياً، فقد نشئ في القانون ومارسه فترة، ولعل فن الفصاحة القانونية واعتياده عليها شاركا في صوغ البيان الذي يجلجل في مآسيه.
وحين ناهز الحادية والعشرين وقع في غرام المرأة والشعر في وقت معاً تقريباً، ولكن السيدة صدته، فوجد ملاذه في القوافي. وقد خلف الجرح فيه اكتئاباً وإحجاماً دائمين، فمثل بالمداد المسرحيات التي حرمت على دمه. وانقضت إحدى عشرة سنة قبل ان يجد له زوجة (1640) - ولم يجدها إلا بمساعدة من ريشيلو، ولكنه خلال ذلك تصور العدد الكبير من مآسي أو مهازل فيها تودد المحبين أو شهامة الأبطال. وفي عام 1629 حمل إلى باريس أولى تمثيلياته »مليت«، فمثلت في الأوتيل دبورجون، وكانت رباعية سخيفة من الحب والدسيسة ولكن حوارها المفعم بالحياة أعانها على النجاح، واصطلى كروني في دفء الشهرة. وكلفه ريشيليو هو وأربعة غيره بكتابة تمثيليات في موضوعات وبطرق اقترحها الكردينال. غير أن كورني أدخل على هذه الخطة الموضوعة له تعديلات في استقلال كثير. وعبس »صاحب النيافة الأحمر«، فانسحب كورني غاضباً إلى روان، ولكنه ظل يتسلم من ريشيلو معاشاً قدره خمسمائة كراون في العام.
وحركه وجرح كبراءه نجاح مأساة »سوفونيسب« التي كتبها ميريه فهجر التمثيلية الفكاهية، ودرس س*-تم الحذف. كلمة غير محترمة لا يسمح بها في هذا المنتدى-*ا، وحمل إلى باريس عام 1635 تمثيلية »ميديه«. هنا ظهرت صفاته الجوهرية لأول مرة-وهي قوة الفكر وسمو الحديث. وراح منذ الآن، مع بعض الاستثناءات، يملأ مسرحه برجال ونساء رفيعي المقام، ويضفي عليهم العواطف الرفيعة التي يعرب عنها في لغة جزلة وحجة قوية. وحين استمع وولر، الشاعر الإنجليزي المعاصر، إلى »ميديه« نادى به إماماً جديداً، »فغيره ينظم الشعر، ولكن كورني هو الوحيد الذي يستطيع أن يفكر(132)«.-وأسمى ضروب الفن ما اشرّب بالفلسفة. ومن مسرحية الرومان واليونان الملحمية، ومن معلميه اليسوعيين، ومن تأملاته الحزينة الموحشة-هذه الأبيات الجليلة، السداسية التفاعيل، تزحف الجيش في أحلامه-بلغ كورني مستوى من الفكر والأسلوب لم يعهد قط في التمثيليات الفرنسية من قبل وندر أن عرف بعده.
يضاف إلى هذا أدب درامي آخر اجتذبه وشكله. إنه لم يستطع أن يستقي من المسرح الأليزابيثي غير القليل، لأن هذا المسرح أغفل القواعد الكلاسيكية إغفالاَ لا يناسب قالباً كلاسيكياً. ولكن أسبانيا كانت في هذا العصر مجنونة بالمسرح، تغدق التكريم على لوبي دي فيجا وتيرسو دي مولينا كالديرون دي لاباركا كأنهم الورثة الأكفاء الوحيدون لسوفوكليس ويورپيديس، وتيرينس وسينكا. وفي المسرحية الأسبانية
غراميات السـِيد
وجد كورني موضوعاً درامياً بطبيعته-قانون الشرف أو العرض، الذي فرض الموت جزاء لكل إهانة أو إغواء. فتعلم الأسبانية، وقرأ غراميات السيد Querelle du Cid تأليف گييم ده كاسترو Guillem de Castro (1599؟)، واستعار الحبكة دون اعتذار أكثر من اعتذارات شكسبير، وكتب أشهر تمثيلية في الأدب الفرنسي.
ومثلت السيد عام 1636. وشعر النظارة أنه لم يظهر على خشبة المسرح الغالي بعد شيء بهذه القوة. قال معاصر »جميل جداً أنها ألهمت بالحب حتى أكثر السيدات بروداً، فتفجرت عاطفتهن أحياناً في المسرح العام. وشوهد في الألواح ناس قل أن بارحوا قاعاتهم المذهبة ومقاعدهم المكسوة بالزنبق شعار الملكية(133)«. ولم يعرف الكثيرون أن فكرة المسرحية مستعارة مع أن كوريني اعترف بهذا صراحة، وتعجب الجميع من لطافتها المتشابكة. فشيمين الفتاة العريقة المولد، ورودريج النبيل، عاشقان متيمان. ولكن أبا شيمين. وهو الدون جوميز، يتشاجر مع والد رودريج ويسبه وهو شيخ عليل؛ ويتحدى رودريج جوميز للمبارزة ويقتله. وتشعر شيمين، وهي مبقية على حب رودريج، بأن داعى الشرف يدعوها لرجاء الملك فرديناند أن يقطع رأسه أو ينفيه، وهذا الصراع الذي يعتمل فيها بين »واجب الشرف« ودعاء الحب يفضي على القصة عواطفها المتشابكة قوة وحدة فائقتين. أما رودريج فيقدم سيفه لشيمين ويدعوها لقتله، ولكنها لا تستطيع الانتهاء إلى قرار. فينطلق إلى محاربة المسلمين، ويعود إلى إشبيلية وفي موكبه الملوك والأسرى وهالات المجد، وتتغنى باسمه إشبيلية كلها، ولكن شيمين لا تزال تطالب بموته. وحين يرفض فرديناند، تعد بأن تتزوج أي رجل يتحدى حبيبها ويقتله. ويضطلع سانشو بالمهمة. ويقترح رودريج أن يدع سانشو يقتله. ولكن شيمين تندم على انتقامها، وتتوسل إليه أن يدافع عن نفسه. فيهزم سانشو، ولكنه يبقى عليه، وأخيراً يتم استرضاء قانون الشرف، وتقبل شيمين حبيبها، وينتهي كل شيء نهاية سعيدة.
واحتفلت باريس طوال نصف موسم بجمال شيمين وناقشت سلامة عقلها. وسمعت نغمات سياسية صاحبت النقاش. ذلك أن ريشليو حرم المبارزات، ولكنها تبدو في التمثيلية جزءاً من القانون الأعلى. أما النبلاء الكارهون لريشليو فقد تهللوا لتمثيل أرستقراطية ما زالت تتولى العقاب بنفسها. كذلك لم يسر الكردينال كثيراً لنجاح رجل توقف عن تلقي توجيهاته الدبية، فطلب إلى اكاديميته الوليدة أن تصدر نقداً منصفاً للتمثيلية، ولم يكد يخفي أمله في أن يكون الحكم ضدها. وأطالت الأكاديمية مناقشاتها حتى تهدأ الأعصاب؛ وأخيراً وبعد خمسة شهور، نشرت رأيها، وكان حكمها في جملته معتدلاً منصفاً. فقد اعترضت على الإشادة الواضحة بالحب الرومانسي، ورأت أن حل عقدة التمثيلية لا يحتمل التصديق، ووجدت في كلمات شيمين الخيرة لرودريجو وهو ماضٍ إلى قتال سانشو بعض الجلافة والغرور السخيف »عد ظافراً من قتال جائزته شيمين«. على أن هذا النقد لطفته الفقرة الختامية في حكم الأكاديمية تلطيفاً جميلاً:
»يجب أن يغتفر الناس، حتى العلماء منهم، بعض الاغتفار شوائب عمل ما كان يحظى بابتهاج المجتمع إلا هذا الحد لولا ما فيه من مواطن جمال غير عادية... وأن طبيعة عواطفه وعنفها، وقوة الكثير من أفكاره ورقتها، والسحر الفائق الوصف الذي يمتزج بكل عيوبه-كل أولئك قد كسب له مكاناً عالياً بين القصائد الفرنسية التي من هذا النوع(134).
مسرحية اوراس
Crystal Clear app kdict.png مقالة مفصلة: اوراس (مسرحية)
ولم تتخذ الأكاديمية صفة القاضي الأدبي بعد ذلك إطلاقاً. أما كورني فقد لطف من الموقف باهدائه تمثيلية »السيد« عند نشرها إلى ابنة أخت الكردينال المحبوبة، ورائعته التالية »أوراس Horace« (1640) للكردينال نفسه، وكان ليڤي قد روى هذه الأسطورة في »تاريخه«. ففي اليوم ذاته ولدت أختان توأمان، في مدينتين مختلفين، كل منهما ثلاثة توائم ذكور-أبو الأولين هورانيوس في روما، وأبو الآخرين كورياتوس في ألبا لونجا. وبعد جيل ارتبطت الأسرتان برباط أوثق، وذلك بزواج سلبينا ابنة كورياتوس، بأوراس وهو ابن هوراتيوس ، وبحب كاميللا ابنة هوراتيوس لأحد توائم كورياتوس. ولكن المدينتين تنزلقان إلى الحرب، ويلتقي جيشاهما وجها لوجه. أما سابينا وكاميللا فترتعدان في المعسكر الروماني، وتحدد سابينا الموضوع النسائي الذي تردده التمثيلية.
” أنني وا أسفاه رومانية ما دام أوراس رومانياً، فقد اتخذت لقبه حين قبلت يده، ولكن هذا الرباط سيسترقني لو حجب عن ناظري مسقط رأسي-ألبا، حين بدأت أتنفس الحياة، ألبا، وطني العزيز وحبي الأول، أنني حين أرى الحرب تنشب بيننا وبينك أخاف النصر خوفي من الهزيمة. فإذا شكوت يا روما من أن هذا خيانة لك، فاصنعي لنفسك أعداء أستطيع أن أكرههم. فانىّ لي وأنا اشهد من أسوارك جيشهم وجيشنا، وأرى أشقائي الثلاثة في جيش وزوجي في الآخر، أن أصوغ صلواتي وألح على السماء في أن تسعدك دون أن يكون في هذا خروج على الولاء(136). “
تعاون پيير كورنـِيْ وموليير، بريشة جان ليون جيروم
وهكذا لا يعرض كورني موضوعا هو مجرد معركة سلاح ورجال، إنما هو صراع الولاءات المشبوبة، ومأساة الحق يصارع الحق، فإذا تلقى قلمه هذا الإلهام. انطلقت منه عبارات محكمة القوة؛ وأبيات تسير بخطى عسكرية وأنغام مجلجلة.
أما قائد ألبا فيذكر الرومان بأنهم هو وأهل ألبا أبناء دم واحد ووطن واحد (أكان في ذهن كورني الكاثوليك والهيجونوت؟)، وأن من الاجرام تقطيع أوصال إيطاليا (فرنسا؟) بالحرب الأهلية، ويقترح انهاء الحرب بنزال ثلاثة من أهل ألبا مع ثلاثة من أهل روما. ويقبل الاقتراح، وتتاح للنساء ساعة من السعادة المرتجفة. ولكن قائد ألبا يختار توائم كورياتوس الثلاثة، ويختار القائد الروماني توائم هوراتيوس. وتبكي النساء، ويرق الأبطال لحظة لدموعهن؛ لكن هوراتيوس الأب يوبخهم وهو يعلن الفكرة الرجولية، لأنهم يضيعون الوقت مع النساء بينما يدعوهم داعي الشرف:
"أدوا واجبكم، واتركوا الباقي للآلهة(137)".
ولكن الآلهة تخطيء. فيقتل توائم كورياتوس، ولا يبقى على قيد الحياة من توائم هوراتيوس سوى أوراس. وتعنفه شقيقته كاميلا لقتله خطيبها، وتندد بروما وبناموس شرفها وحربها. فيقتلها وهو بعد سكران بنشوة المعركة لأنها ليست جديرة بأن تكون رومانية. وتوبخه زوجته سابينا على قسوته، وتبكي أشقاءها القتلى، وتدعو أوراس ليقتلها هي أيضاً. أما هو فيحاول اقناعها بأن الوطنية أسمى من الحب.
وفكرة التمثيلية بالطبع لا تصدق، ولكنها في هذا لا تزيد عما في شيكسبير. إن الدرامي بحكم تعريفه شاذ؛ والمسرحية مقضى عليها، هي وصفت الواقع في غير تحيز. وهي ترتفع إلى مقام الفن إذا استطاعت بتجاهلها ما ليس متصلاً بموضوعها واختيارها للمهم أن تزيدنا عمقاً بفهم أكمل للحياة. لقد ورث كورني تمجيد النهضة لروما القديمة، وأيد المفهوم الصارم للواجب أمام انحلالات الحب التي سيطرت على المسرح الفرنسي قبله، فصمم ألا يكون أبطاله عشاقاً أولا، بل وطنيين أو قديسيين.
پوليوكت
وقد اختار من التقويم الكاثوليكي قديساً يسيطر على تمثيلية أقوى حتى من هذه. يقول سانت-بوف: »كل الناس يعرفون »پوليوكت« Polyeucte، ويعرفونها عن ظهر قلب(138)«. والبناء في هذه التمثيلية كلاسيكي على نحو صارم، إذ يتقبل الوحدات كلها، ولكنه يبني داخلها مأساة معقدة ذات قوة مركزة. ولا يصلنا اليوم سوى فصاحة التمثيلية في مكاتبنا، ولكن يجب أن نسمعها منطلقة من افواه الممثلين الفرنسيين يتحركون في جلال على خشبة المسرح، أو تحت النجوم في فناء الانفاليد أو اللوفر، وحتى مع توافر هذه الشروط يجب أن نملك ناصية الفرنسية وتكون لنا أرواح فرنسية. ويجب أن نكسو أنفسنا من جديد بإيماننا الشاب. أما الحبكة فتدور حول تصميم بوليوكت، الروماني المثقف، المعتز بنفسه، حديث العهد باعتناق المسيحية، على تحطيم مذبح الآلهة الوثنية. أما زمن التمثيلية فهو الاضطهاد الديني (249-51م)، وأما مكانها فمليتين، وهي مخفر أمامي روماني في أرمنيا، ومشهد الدراما كلها قصر فيلكس الوالي الروماني. وقد دعي المسيحيون جميعاً، منذرين بالموت عقابا للمخالفين، أن يشتركوا في صلاة تنتظم الإمبراطورية بأسرها وقربان للآلهة القديمة طلبا لتأييدها للجيوش الرومانية ضد الهمج المغيرين المحدقين بها. ويشتعل بوليوكت بغيرة المؤمن المهتدي، فيبغي بعمل مثير أن يشجع المسيحيين على مقاومة الأمر الإمبراطوري. ويعوقه عن هذا حبه لزوجته بوليني، ابنة الوالي، ولكنه يضحي بالحب في سبيل الواجب كما يفعل أبطال موريني الصادقون. وفي حضرة فيلكس ذاته يقطع وهو صديق له الطقوس الوثنية، ثم يناشدان العابدين أن ينصرفوا عن جوبيتر الفاجر إلى إله المسيحيين، »الملك الواحد القهار للأرض والسماء«، ولكي يفضحا »المسوخ العاجزة« التي يتألف منها مجمع الآلهة الروماني يرتقيان المذبح ويحطمان آنية الشعائر وتمثال جوبيتر، ويأمر فيلكس بالقبض على منتهكي هذه المقدسات. وتتوسل بولين إلى بوليوكت أن يتوب عن تدنيسه المعبد، ولكنه يدعوها بدلاً من ذلك إلى اعتناق دينه الجديد. وتناشد بولين أباها أن يعفو عنه فيأبى، وتجهر هي باعتناقها المسيحية وتستعد لمرافقة زوجها إلى الموت. ويتأثر فيلكس تأثراً يحمله على اعتزال منصبه واعتناق المسيحية. ثم ينتهي الاضطهاد فجأة، ويرد فيلكس إلى منصبه، ولكن بوليوكت قاسى أثناء ذلك عذاب الاستشهاد.
كورنـِيْ في اللوڤر.
وكل ما في التمثيلية تحلية للتاريخ من قلم كورني، فيما عدا الاستشهاد وتدنيس المذبح، كذلك هو خالق وقاحة القديس المتعالية وعنف الفعل، وحين قرأ المؤلف التمثيلية في الأوتيل درامبوييه، أدان عدد من السامعين، ومنهم أحد الأساقفة، بوليوكت لخشونته وتطرفه في غير ضرورة. وفكر كورني حيناً في وقف التمثيلية، ولكن نجاحها على المسرح رفعه إلى أوج حياته الأدبية (1643). وبقى له في أجله آنذاك واحد وأربعون عاماً سنرى أنه أنفقها في منافسة مع راسين، ولكنه لم يؤت العلم بأنه قد كتب أعظم أعماله في هذه المسرحيات الثلاث-بل يرى البعض أنها افضل المسرحيات في تاريخ المسرح الفرنسي كله. وهي تختلف عن الدراما »الرومانسية«، التي شاعت في إنجلترا الأليزابيثية أو فرنسة القرن التاسع عشر اختلافاً يقتضينا إعانة التاريخ بالخيال لتعليل سلطانها على زمانها وعلى مسرح اليوم. إن في كورني روحاً رومانسية أيضاً بقدر ما في شكسبير، وعواطف مدروسة بأكثر من عناية ديكارت ورهافته، ولكن أتباع مثل العصر الكلاسيكية اقتضى اخضاع العواطف-على ما فيها من تعبير قوي-»للعقل«-أو للحجة. والإسراف في الحجج هو ثقل الموازنة لهذه التمثيليات. بحيث قل أن تحلق التحليقات التي تكثر جداً في راسبين. أما الحركة فتبعد عن خشبة المسرح، فليس عليها سوى السرد، والحضّ، والفصاحة، وكل شخوص كورني محاجون بارعون. أما الفرنسيون فتتلاشى في نظرهم هذه العيوب في بهاء الأسلوب وجلال الموضوعات. فإذا عن لنا في أي عمل فني أن نلتمس السمو، أو نبحث عن فكرة أو شعور يرفعنا فوق ذواتنا وزماننا. وجدنا هذا مردداً في كوريني. لقد كتب وكأنه يكتب للساسة والفلاسفة. ونظم أبياته وكأنه يلحن موسيقى، وتحت عبارات ما زالت ملازمة لذاكرة فرنسا. وامتزجت الآن الروح الكلاسيكية والأرستقراطية-روح العقل يكبح العاطفة، والشكل يسيطر على المضمون-بضبط النفس الرواقي، وبالشرف الأسباني، وبالذكاء الفرنسي، ليخرج من هذا كله مسرح بعيد عن المسرح الأليزابيثي بعد السماء عن الأرض، وهو مع ذلك، بفضل راسين وموليير أيضاً، بعدله قيمة وتألقاً في تراث البشرية.
تذييل 1643 - 1684
بلغت اللغة أوجها في السهولة المرنة التي أتسم بها حوار موليير، وفي بلاغة كورنيي الطنانة، وفي تأنق راسين الشجي.
أما كورنيي فكان يبدو في ربيع أدبه-وهو في السابعة والثلاثين-حين اعتلى لويس العرش. وقد بدأ العهد بملهاة "الكذاب" التي رفعت نبرة الملهاة الفرنسية كما رفعت "السيد" نبرة المأساة. ثم راح يدفع إلى المسرح بالمآسي كل عام تقريباً بعد ذلك، رودوجون (1644)، وتيودور (1645)، وهيراقليوس (1646) ودن سانشو الأراجوني (1649) واندروميد (1650) و*-تم الحذف. كلمة غير محترمة لا يسمح بها في هذا المنتدى-*وميد (1651) وبرتاريت (1652). ولقي بعض هذه التمثيليات استقبالاً حسناً، ولكن حين تعاقبت كل منها سريعاً خلف سابقتها، وضح أن كورنيي يتعجل الإنتاج، وأن عصارة عبقريته آخذة في النضوب. وضاع ولعه بتصوير النبالة وسط بحر من الجدل، وهزمت بلاغته ذاتها باستمرارها دون توقف. قال موليير "إن لصديقي كورني رفيقاً يلهمه أروع شعر في الدنيا. ولكن يحدث أن يتركه رفيقه ليرعى شؤونه، وعندها يتعثر شر تعثر(5)." وقد لقيت "بارتاريت" من سوء الاستقبال ما حمل كورنيي على أن يعتزل المسرح ست سنوات (1653-59)، وتناول نقاده في سلسلة من "الفحوص"، وفي ثلاث أحاديث عن الشعر المسرحي. وقد دلت هذه الأحاديث على صعود موهبته النقدية بهبوط ملكته الشعرية، وأصبحت ينبوعاً للنقد الأدبي الحديث، واتخذها درايدن نماذج حين دافع عن شعره المتوسط الجودة في نثر رائع.
وفي 1659 ردت كورنيي إلى خشبة المسرح لفتة تلقاها من فوكيه. وظفرت مسرحيته "أوديب" ببعض الاستحسان عقب ثناء الملك الشاب عليها، ولكن المسرحيات التي تلتها-سرتوريوس (1662)، وسوفونيسب (1663)، وأوتون (1664)، وآجيسيلاس (1666) وأتيلا (1667)-هذه كلها كانت قاصرة قصوراً لم يستطع فونتنبيل إزاءه أن يصدق أن كاتبها هو كورنيي؛ وقال بوالو في بيت ساخر:
"بعد أجيسيلاس، وا أسفاه! ولكن بعد أتيلا، قف!" وزادت مدام هنرييتا الطين بلة، مع أنها كانت عادة آية العطف والرقة، حين دعت كلاً من كونيي وراسين، بعلم من كل، إلى أن يكتب تمثيلية في ذات الموضوع-وهو بيرنيس، الأميرة اليهودية التي وقع في حبها تيطس الإمبراطور القادم. ومثلت بيرنيس التي ألفها راسين في الأوتيل دبورجون في 21 نوفمبر 1670 بعد خمسة أشهر تقريباً من موت هنرييتا، ولقيت نجاحاً كاملاً. أما مسرحية كونيي "تيطس وبرينيس" فقد مثلتها فرقة موليير بعد ذلك بأسبوع، ولم تلق غير استقبال فاتر: وحطم فشلها روح كونيي. وجرب حظه ثانية بمسرحيتي "بولشيري" (1672) وسورينا (1674)، ولكن الفشل كان نصيبهما أيضاً.
آخر العمر والوفاة
وأنفق كورنيي بعد ذلك السنين العشر التي بقيت له من أجله في تقوى هادئة مكتئبة.
وكان متلافاً، مات فقيراً برغم ما أجرى عليه لويس الرابع عشر من معاش وما نفحه به من هبات، وقد قطع معاشه دون قصد أربع سنوات، فلجأ كورنيي إلى كولبير، فأمر برده إليه، ولكنه انقطع ثانية بعد موت كولبير. فلما نمى الأمر إلى بوالو أعلم به لويس الرابع عشر، وعرض أن ينزل عن معاشه لكورنيي. ولكن الملك بادر بإرسال مائتي جنيه للشاعر العجوز، الذي مات بعدها بقليل (1684) بالغاً الثامنة والسبعين وأبنه في الأكاديمية الفرنسية مزاحمه الذي كان قد خلفه، ورفع المسرحية والشعر الفرنسيين إلى ذروة تاريخهما، والتأبين ما زال مذكوراً لما حوى من سماحة وبلاغة.
مقتبسات
من مسرحيات كورني
"When we conquer without danger our triumph is without glory." – Le Cid
"And the combat ceased, for want of combatants." - Le Cid
"My sweetest hope is to lose all hope." - Le Cid
"All evils are equal when they are extreme." - Horace
"We read that we ought to forgive our enemies; but we do not read that we ought to forgive our friends." – Cinna
"By speaking of our misfortunes we often relieve them." - Polyeucte
"In the service of Caesar, everything is legitimate." - La Mort de Pompée
عن كورني
“Le Cid marks the birth of a man, the rebirth of poetry, the dawn of a great century.” – Sainte-Beuve (transl.)
نصوص إلكترونية
أعمال من Pierre Corneille في مشروع گوتنبرگ
Le Cid, available at Project Gutenberg.
Le Cid, available at Project Gutenberg.
(بالفرنسية) Cinna
پيير كورنـِيْ
Pierre Corneille
پيير كورني
وُلِد 6 يونيو 1606
روان
توفي 1 اكتوبر 1684
باريس
الوظيفة تراجيدي
القومية فرنسا
الأصناف تراجيدي
الزوج Marie de Lampérière
الأقارب Marte le pesant
Pierre Corneille
الأدب الفرنسي
بالتصنيف
تاريخ الأدب الفرنسي
العصور الوسطى
القرن السادس عشر - القرن السابع عشر
القرن الثامن عشر -القرن التاسع عشر
القرن العشرون - المعاصر
كتـّاب الفرنسية
قائمة زمنية
كتـّاب حسب تصنيفهم
روائيون - كتاب مسرحيات
شعراء - كتاب مقالات
كتاب القصة القصيرة
بوابة فرنسا
بوابة الأدب
ع • ن • ت
اشتهر كورني بملهاته المأساوية السِّيد (1636 أو 1637م)، وقد انتقدت الأكاديمية الفرنسية هذه المسرحية؛ لكسرها عددًا من القواعد الكلاسيكية. وتقضي هذه القواعد أن تتألف المسرحية من حبكة واحدة، وتدور أحداثها في مكان واحد، وفي زمن لايتجاوز اليوم الواحد.
كما أن العنف كان ممنوعًا على خشبة المسرح. ومع أن مسرحية السيد كسرت هذه القواعد، إلا أنها أمتعت عددًا كبيرًا من الجماهير. وكانت أول مسرحية فرنسية تركز على الصراع النفسي داخل الشخصيات، أكثر مما تركز على تفصيلات تتعلق بالحبكة. وجلبت معها إلى خشبة المسرح الفرنسي لغة غنائية جديدة تتواءم مع الطبيعة العاطفية لأبطال كورني.
موضوعات معظم مسرحيات كورني مأخودة من التاريخ الروماني. ومعظم شخصياته البارزة تشبه النماذج القديمة لها، حيث تعبر دائمًا عن الفخر والولاء والشرف والشجاعة الفائقة. فهذه الشخصيات لاتخاف، وهي خاضعة للعواطف العنيفة مثل: الكراهية والانتقام والطموح البشري المتميز. ويظهر في كثيرٍ من مسرحيات كورني التأثر بالدراما الأسبانية، وبخاصة في طبيعة أبطالها العاطفية المتغطرسة والعنيفة. ومسرحيات كورني المشهورة الأخرى تشمل: هوراس (1640م)؛ سينا (1640م)؛ بوليك (1642م)؛ رودوجون (1644م). وقد وصف نظريته في الدراما في مقدمات مسرحياته، وبخاصة في أحاديث عن المأساة (1660م).
خلفية
أدريان لوكوڤرير، في دور كورنليا في "مصرع پومپي"
كان بيير كورني نجم الأدب في سماء ريشيليو، ففي صحبته أصبحت التمثيلية الفرنسية أدباً، وأصبح الأدب الفرنسي قرناً من الزمان تمثيلية في أكثره.
وقد مهدت له الطريق تجارب كثيرة. ففي عام 1552 أخرج إتيان جوديل أول مأساة فرنسية. وتلتها تمثيليات مشابهة تقلد سنيكا، وتقوم كلها على طريقته في قصص العنف، والدراسات النفسية، وتدفقات البلاغة، وقد جردت من الجورس الكلاسيكي ولكنها حشرت في وحدات أرسطو المزعومة، وحدة الحركة المعروضة على أنها تحدث في مكان واحد وزمان يوم واحد. ولكن ارسطو (كما رأينا في غضون نقاشنا للتمثيلية الأليزابيثية) كان قد اشترط وحدة الحركة أو الحبكة، ولم يطلب وحدة المكان، ولم يصر على وحدة الزمان. غير إن كتاب العالم جوليوس سيزار سكاليجر Poetices librisepetem »الكتب الشعرية السبعة« (1561) طالب جميع الكتاب المسرحيين باتباع القوالب اليونانية واللاتينية، وكرر جان شابلان هذا الطلب عام 1630. هذه الحجج التي تهاوت في إنجلترا أما عبقرية رجل علمه باللاتينية قليل وباليونانية أقل، انتصرت انتصاراً كاملاً في فرنسا وريثة اللغة والثقافة اللاتينيتين، وبعد عام 1640 سيطر القالب الس*-تم الحذف. كلمة غير محترمة لا يسمح بها في هذا المنتدى-*ي ذو الوحدات الثلاث على مسرح المأساة الفرنسية خلال كورني وراسين، وخلال فولتير والقرن الثامن عشر، وخلال الثورة، والإمبراطورية، وعودة الملكية، إلى أن كسبت الدراما الرومانتيكية في مسرحية هيجو»ايرناني« (1839) نصرها التاريخي المتأخر.
لم يكن للمسرحية الفرنسية وطن ثابت في القرن السادس عشر، فكان عليها أن تربي نفسها في الكليات وتطوف من بلاط إلى بلاط، ومن صالة الى صالة. وفي عام 1598 أنشئ أول مسرح فرنسي دائم في الأوتيل دبورجون بشارع مونوكسي. وفي عام 1600 افتتح »التياتر دي ماريه« في ما هو اليوم شارع »التاميل» القديم. وفي المسرحين كان الشكل قاعة طويلة في الوسط، حيث كانت الطبقات الأقل يسراً تقف، وتأكل، وتشرب، وتقامر، وتتشاجر، وتشاهد التمثيل وتحرس جيوبها، بينما صف على الجدران صفان من الألواح يجلس فيها السادة الميسورون. وقبل عهد ريشيلو لم يكن يحضر المسرحيات من النساء غير من لا يملكن شيئاً يخشين على فقده. أما المسرح الذي كان مرفوعاً عند أحد طرفي المستطيل فقد بعد عن نصف المشاهدين بعداً جعل تمثيل الفكر او الشعور بتعبيرات الوجه أمراً عديم الجدوى تقريباً للممثلين، لذلك شجعوا الخطابة التي تستطيع الوصول إلى أبعد الآذان. وكانت الحفلات تقام بعد الظهر، من الخامسة إلى السابعة عادة، واشترط القانون أن تنتهي قبل حلول الظلام، لأن المسرحين كانا يقعان في أحياء خطرة من المدينة. أما الممثلون فكانوا قبل موليير يستقدمون عادة من إيطاليا وأسبانيا. وكان النساء يؤدين أدوار المرأة. وفرضت الحاجة إلى تدخل الاتكاء الجريء على الجنس في التمثيليات الفكاهية. وحاولت الكنيسة والبرلمان عبثاً تنقية المسرح الفكاهي أو حظره. ونهض بالمستوى الخلقي للدراما الفرنسية ببسط حمايته وإشرافه على بعض كتابها، وبحضور الحفلات التمثيلية بشخصه، وبالتعاون مع روترو، وسكارون، وغيرهما في تأليف التمثيليات. وهكذا، وتحت بصره الشامل، مهد أسلاف كورني - وهم جارنييه وآردي وجان روترو - الطريق للنجاح الحقيقي الذي حققته مسرحية »السيد«.
السيرة
النشأة
لقي كورني ما يلقاه كل مكافح في طريقه إلى التفوق من تقلبات. ولد في روان (1606)؛ وعوقته نشأته في عاصمة إقليمية بمنأى عن حوافز باريس وفرصها الادبية، ولكن أباه كان قاضياً نابهاً استطاع أن يوفر لبيير أفضل ما أتيح من تعليم في كلية اليسوعيين المحلية. وقد استخدم هؤلاء المربون الغيورون المسرحية أداة للتعليم. وعلموا الطلاب أن يمثلوا باللاتينية مسرحيات كلاسيكية وغيرها، وقد أثر هذا التقليد اليسوعي في المسرحية الفرنسية موضوعاً وتقنيةً وأسلوباً. وبالطبع لم يقصد أحد ببيير أن يكون كاتباً مسرحياً، فقد نشئ في القانون ومارسه فترة، ولعل فن الفصاحة القانونية واعتياده عليها شاركا في صوغ البيان الذي يجلجل في مآسيه.
وحين ناهز الحادية والعشرين وقع في غرام المرأة والشعر في وقت معاً تقريباً، ولكن السيدة صدته، فوجد ملاذه في القوافي. وقد خلف الجرح فيه اكتئاباً وإحجاماً دائمين، فمثل بالمداد المسرحيات التي حرمت على دمه. وانقضت إحدى عشرة سنة قبل ان يجد له زوجة (1640) - ولم يجدها إلا بمساعدة من ريشيلو، ولكنه خلال ذلك تصور العدد الكبير من مآسي أو مهازل فيها تودد المحبين أو شهامة الأبطال. وفي عام 1629 حمل إلى باريس أولى تمثيلياته »مليت«، فمثلت في الأوتيل دبورجون، وكانت رباعية سخيفة من الحب والدسيسة ولكن حوارها المفعم بالحياة أعانها على النجاح، واصطلى كروني في دفء الشهرة. وكلفه ريشيليو هو وأربعة غيره بكتابة تمثيليات في موضوعات وبطرق اقترحها الكردينال. غير أن كورني أدخل على هذه الخطة الموضوعة له تعديلات في استقلال كثير. وعبس »صاحب النيافة الأحمر«، فانسحب كورني غاضباً إلى روان، ولكنه ظل يتسلم من ريشيلو معاشاً قدره خمسمائة كراون في العام.
وحركه وجرح كبراءه نجاح مأساة »سوفونيسب« التي كتبها ميريه فهجر التمثيلية الفكاهية، ودرس س*-تم الحذف. كلمة غير محترمة لا يسمح بها في هذا المنتدى-*ا، وحمل إلى باريس عام 1635 تمثيلية »ميديه«. هنا ظهرت صفاته الجوهرية لأول مرة-وهي قوة الفكر وسمو الحديث. وراح منذ الآن، مع بعض الاستثناءات، يملأ مسرحه برجال ونساء رفيعي المقام، ويضفي عليهم العواطف الرفيعة التي يعرب عنها في لغة جزلة وحجة قوية. وحين استمع وولر، الشاعر الإنجليزي المعاصر، إلى »ميديه« نادى به إماماً جديداً، »فغيره ينظم الشعر، ولكن كورني هو الوحيد الذي يستطيع أن يفكر(132)«.-وأسمى ضروب الفن ما اشرّب بالفلسفة. ومن مسرحية الرومان واليونان الملحمية، ومن معلميه اليسوعيين، ومن تأملاته الحزينة الموحشة-هذه الأبيات الجليلة، السداسية التفاعيل، تزحف الجيش في أحلامه-بلغ كورني مستوى من الفكر والأسلوب لم يعهد قط في التمثيليات الفرنسية من قبل وندر أن عرف بعده.
يضاف إلى هذا أدب درامي آخر اجتذبه وشكله. إنه لم يستطع أن يستقي من المسرح الأليزابيثي غير القليل، لأن هذا المسرح أغفل القواعد الكلاسيكية إغفالاَ لا يناسب قالباً كلاسيكياً. ولكن أسبانيا كانت في هذا العصر مجنونة بالمسرح، تغدق التكريم على لوبي دي فيجا وتيرسو دي مولينا كالديرون دي لاباركا كأنهم الورثة الأكفاء الوحيدون لسوفوكليس ويورپيديس، وتيرينس وسينكا. وفي المسرحية الأسبانية
غراميات السـِيد
وجد كورني موضوعاً درامياً بطبيعته-قانون الشرف أو العرض، الذي فرض الموت جزاء لكل إهانة أو إغواء. فتعلم الأسبانية، وقرأ غراميات السيد Querelle du Cid تأليف گييم ده كاسترو Guillem de Castro (1599؟)، واستعار الحبكة دون اعتذار أكثر من اعتذارات شكسبير، وكتب أشهر تمثيلية في الأدب الفرنسي.
ومثلت السيد عام 1636. وشعر النظارة أنه لم يظهر على خشبة المسرح الغالي بعد شيء بهذه القوة. قال معاصر »جميل جداً أنها ألهمت بالحب حتى أكثر السيدات بروداً، فتفجرت عاطفتهن أحياناً في المسرح العام. وشوهد في الألواح ناس قل أن بارحوا قاعاتهم المذهبة ومقاعدهم المكسوة بالزنبق شعار الملكية(133)«. ولم يعرف الكثيرون أن فكرة المسرحية مستعارة مع أن كوريني اعترف بهذا صراحة، وتعجب الجميع من لطافتها المتشابكة. فشيمين الفتاة العريقة المولد، ورودريج النبيل، عاشقان متيمان. ولكن أبا شيمين. وهو الدون جوميز، يتشاجر مع والد رودريج ويسبه وهو شيخ عليل؛ ويتحدى رودريج جوميز للمبارزة ويقتله. وتشعر شيمين، وهي مبقية على حب رودريج، بأن داعى الشرف يدعوها لرجاء الملك فرديناند أن يقطع رأسه أو ينفيه، وهذا الصراع الذي يعتمل فيها بين »واجب الشرف« ودعاء الحب يفضي على القصة عواطفها المتشابكة قوة وحدة فائقتين. أما رودريج فيقدم سيفه لشيمين ويدعوها لقتله، ولكنها لا تستطيع الانتهاء إلى قرار. فينطلق إلى محاربة المسلمين، ويعود إلى إشبيلية وفي موكبه الملوك والأسرى وهالات المجد، وتتغنى باسمه إشبيلية كلها، ولكن شيمين لا تزال تطالب بموته. وحين يرفض فرديناند، تعد بأن تتزوج أي رجل يتحدى حبيبها ويقتله. ويضطلع سانشو بالمهمة. ويقترح رودريج أن يدع سانشو يقتله. ولكن شيمين تندم على انتقامها، وتتوسل إليه أن يدافع عن نفسه. فيهزم سانشو، ولكنه يبقى عليه، وأخيراً يتم استرضاء قانون الشرف، وتقبل شيمين حبيبها، وينتهي كل شيء نهاية سعيدة.
واحتفلت باريس طوال نصف موسم بجمال شيمين وناقشت سلامة عقلها. وسمعت نغمات سياسية صاحبت النقاش. ذلك أن ريشليو حرم المبارزات، ولكنها تبدو في التمثيلية جزءاً من القانون الأعلى. أما النبلاء الكارهون لريشليو فقد تهللوا لتمثيل أرستقراطية ما زالت تتولى العقاب بنفسها. كذلك لم يسر الكردينال كثيراً لنجاح رجل توقف عن تلقي توجيهاته الدبية، فطلب إلى اكاديميته الوليدة أن تصدر نقداً منصفاً للتمثيلية، ولم يكد يخفي أمله في أن يكون الحكم ضدها. وأطالت الأكاديمية مناقشاتها حتى تهدأ الأعصاب؛ وأخيراً وبعد خمسة شهور، نشرت رأيها، وكان حكمها في جملته معتدلاً منصفاً. فقد اعترضت على الإشادة الواضحة بالحب الرومانسي، ورأت أن حل عقدة التمثيلية لا يحتمل التصديق، ووجدت في كلمات شيمين الخيرة لرودريجو وهو ماضٍ إلى قتال سانشو بعض الجلافة والغرور السخيف »عد ظافراً من قتال جائزته شيمين«. على أن هذا النقد لطفته الفقرة الختامية في حكم الأكاديمية تلطيفاً جميلاً:
»يجب أن يغتفر الناس، حتى العلماء منهم، بعض الاغتفار شوائب عمل ما كان يحظى بابتهاج المجتمع إلا هذا الحد لولا ما فيه من مواطن جمال غير عادية... وأن طبيعة عواطفه وعنفها، وقوة الكثير من أفكاره ورقتها، والسحر الفائق الوصف الذي يمتزج بكل عيوبه-كل أولئك قد كسب له مكاناً عالياً بين القصائد الفرنسية التي من هذا النوع(134).
مسرحية اوراس
Crystal Clear app kdict.png مقالة مفصلة: اوراس (مسرحية)
ولم تتخذ الأكاديمية صفة القاضي الأدبي بعد ذلك إطلاقاً. أما كورني فقد لطف من الموقف باهدائه تمثيلية »السيد« عند نشرها إلى ابنة أخت الكردينال المحبوبة، ورائعته التالية »أوراس Horace« (1640) للكردينال نفسه، وكان ليڤي قد روى هذه الأسطورة في »تاريخه«. ففي اليوم ذاته ولدت أختان توأمان، في مدينتين مختلفين، كل منهما ثلاثة توائم ذكور-أبو الأولين هورانيوس في روما، وأبو الآخرين كورياتوس في ألبا لونجا. وبعد جيل ارتبطت الأسرتان برباط أوثق، وذلك بزواج سلبينا ابنة كورياتوس، بأوراس وهو ابن هوراتيوس ، وبحب كاميللا ابنة هوراتيوس لأحد توائم كورياتوس. ولكن المدينتين تنزلقان إلى الحرب، ويلتقي جيشاهما وجها لوجه. أما سابينا وكاميللا فترتعدان في المعسكر الروماني، وتحدد سابينا الموضوع النسائي الذي تردده التمثيلية.
” أنني وا أسفاه رومانية ما دام أوراس رومانياً، فقد اتخذت لقبه حين قبلت يده، ولكن هذا الرباط سيسترقني لو حجب عن ناظري مسقط رأسي-ألبا، حين بدأت أتنفس الحياة، ألبا، وطني العزيز وحبي الأول، أنني حين أرى الحرب تنشب بيننا وبينك أخاف النصر خوفي من الهزيمة. فإذا شكوت يا روما من أن هذا خيانة لك، فاصنعي لنفسك أعداء أستطيع أن أكرههم. فانىّ لي وأنا اشهد من أسوارك جيشهم وجيشنا، وأرى أشقائي الثلاثة في جيش وزوجي في الآخر، أن أصوغ صلواتي وألح على السماء في أن تسعدك دون أن يكون في هذا خروج على الولاء(136). “
تعاون پيير كورنـِيْ وموليير، بريشة جان ليون جيروم
وهكذا لا يعرض كورني موضوعا هو مجرد معركة سلاح ورجال، إنما هو صراع الولاءات المشبوبة، ومأساة الحق يصارع الحق، فإذا تلقى قلمه هذا الإلهام. انطلقت منه عبارات محكمة القوة؛ وأبيات تسير بخطى عسكرية وأنغام مجلجلة.
أما قائد ألبا فيذكر الرومان بأنهم هو وأهل ألبا أبناء دم واحد ووطن واحد (أكان في ذهن كورني الكاثوليك والهيجونوت؟)، وأن من الاجرام تقطيع أوصال إيطاليا (فرنسا؟) بالحرب الأهلية، ويقترح انهاء الحرب بنزال ثلاثة من أهل ألبا مع ثلاثة من أهل روما. ويقبل الاقتراح، وتتاح للنساء ساعة من السعادة المرتجفة. ولكن قائد ألبا يختار توائم كورياتوس الثلاثة، ويختار القائد الروماني توائم هوراتيوس. وتبكي النساء، ويرق الأبطال لحظة لدموعهن؛ لكن هوراتيوس الأب يوبخهم وهو يعلن الفكرة الرجولية، لأنهم يضيعون الوقت مع النساء بينما يدعوهم داعي الشرف:
"أدوا واجبكم، واتركوا الباقي للآلهة(137)".
ولكن الآلهة تخطيء. فيقتل توائم كورياتوس، ولا يبقى على قيد الحياة من توائم هوراتيوس سوى أوراس. وتعنفه شقيقته كاميلا لقتله خطيبها، وتندد بروما وبناموس شرفها وحربها. فيقتلها وهو بعد سكران بنشوة المعركة لأنها ليست جديرة بأن تكون رومانية. وتوبخه زوجته سابينا على قسوته، وتبكي أشقاءها القتلى، وتدعو أوراس ليقتلها هي أيضاً. أما هو فيحاول اقناعها بأن الوطنية أسمى من الحب.
وفكرة التمثيلية بالطبع لا تصدق، ولكنها في هذا لا تزيد عما في شيكسبير. إن الدرامي بحكم تعريفه شاذ؛ والمسرحية مقضى عليها، هي وصفت الواقع في غير تحيز. وهي ترتفع إلى مقام الفن إذا استطاعت بتجاهلها ما ليس متصلاً بموضوعها واختيارها للمهم أن تزيدنا عمقاً بفهم أكمل للحياة. لقد ورث كورني تمجيد النهضة لروما القديمة، وأيد المفهوم الصارم للواجب أمام انحلالات الحب التي سيطرت على المسرح الفرنسي قبله، فصمم ألا يكون أبطاله عشاقاً أولا، بل وطنيين أو قديسيين.
پوليوكت
وقد اختار من التقويم الكاثوليكي قديساً يسيطر على تمثيلية أقوى حتى من هذه. يقول سانت-بوف: »كل الناس يعرفون »پوليوكت« Polyeucte، ويعرفونها عن ظهر قلب(138)«. والبناء في هذه التمثيلية كلاسيكي على نحو صارم، إذ يتقبل الوحدات كلها، ولكنه يبني داخلها مأساة معقدة ذات قوة مركزة. ولا يصلنا اليوم سوى فصاحة التمثيلية في مكاتبنا، ولكن يجب أن نسمعها منطلقة من افواه الممثلين الفرنسيين يتحركون في جلال على خشبة المسرح، أو تحت النجوم في فناء الانفاليد أو اللوفر، وحتى مع توافر هذه الشروط يجب أن نملك ناصية الفرنسية وتكون لنا أرواح فرنسية. ويجب أن نكسو أنفسنا من جديد بإيماننا الشاب. أما الحبكة فتدور حول تصميم بوليوكت، الروماني المثقف، المعتز بنفسه، حديث العهد باعتناق المسيحية، على تحطيم مذبح الآلهة الوثنية. أما زمن التمثيلية فهو الاضطهاد الديني (249-51م)، وأما مكانها فمليتين، وهي مخفر أمامي روماني في أرمنيا، ومشهد الدراما كلها قصر فيلكس الوالي الروماني. وقد دعي المسيحيون جميعاً، منذرين بالموت عقابا للمخالفين، أن يشتركوا في صلاة تنتظم الإمبراطورية بأسرها وقربان للآلهة القديمة طلبا لتأييدها للجيوش الرومانية ضد الهمج المغيرين المحدقين بها. ويشتعل بوليوكت بغيرة المؤمن المهتدي، فيبغي بعمل مثير أن يشجع المسيحيين على مقاومة الأمر الإمبراطوري. ويعوقه عن هذا حبه لزوجته بوليني، ابنة الوالي، ولكنه يضحي بالحب في سبيل الواجب كما يفعل أبطال موريني الصادقون. وفي حضرة فيلكس ذاته يقطع وهو صديق له الطقوس الوثنية، ثم يناشدان العابدين أن ينصرفوا عن جوبيتر الفاجر إلى إله المسيحيين، »الملك الواحد القهار للأرض والسماء«، ولكي يفضحا »المسوخ العاجزة« التي يتألف منها مجمع الآلهة الروماني يرتقيان المذبح ويحطمان آنية الشعائر وتمثال جوبيتر، ويأمر فيلكس بالقبض على منتهكي هذه المقدسات. وتتوسل بولين إلى بوليوكت أن يتوب عن تدنيسه المعبد، ولكنه يدعوها بدلاً من ذلك إلى اعتناق دينه الجديد. وتناشد بولين أباها أن يعفو عنه فيأبى، وتجهر هي باعتناقها المسيحية وتستعد لمرافقة زوجها إلى الموت. ويتأثر فيلكس تأثراً يحمله على اعتزال منصبه واعتناق المسيحية. ثم ينتهي الاضطهاد فجأة، ويرد فيلكس إلى منصبه، ولكن بوليوكت قاسى أثناء ذلك عذاب الاستشهاد.
كورنـِيْ في اللوڤر.
وكل ما في التمثيلية تحلية للتاريخ من قلم كورني، فيما عدا الاستشهاد وتدنيس المذبح، كذلك هو خالق وقاحة القديس المتعالية وعنف الفعل، وحين قرأ المؤلف التمثيلية في الأوتيل درامبوييه، أدان عدد من السامعين، ومنهم أحد الأساقفة، بوليوكت لخشونته وتطرفه في غير ضرورة. وفكر كورني حيناً في وقف التمثيلية، ولكن نجاحها على المسرح رفعه إلى أوج حياته الأدبية (1643). وبقى له في أجله آنذاك واحد وأربعون عاماً سنرى أنه أنفقها في منافسة مع راسين، ولكنه لم يؤت العلم بأنه قد كتب أعظم أعماله في هذه المسرحيات الثلاث-بل يرى البعض أنها افضل المسرحيات في تاريخ المسرح الفرنسي كله. وهي تختلف عن الدراما »الرومانسية«، التي شاعت في إنجلترا الأليزابيثية أو فرنسة القرن التاسع عشر اختلافاً يقتضينا إعانة التاريخ بالخيال لتعليل سلطانها على زمانها وعلى مسرح اليوم. إن في كورني روحاً رومانسية أيضاً بقدر ما في شكسبير، وعواطف مدروسة بأكثر من عناية ديكارت ورهافته، ولكن أتباع مثل العصر الكلاسيكية اقتضى اخضاع العواطف-على ما فيها من تعبير قوي-»للعقل«-أو للحجة. والإسراف في الحجج هو ثقل الموازنة لهذه التمثيليات. بحيث قل أن تحلق التحليقات التي تكثر جداً في راسبين. أما الحركة فتبعد عن خشبة المسرح، فليس عليها سوى السرد، والحضّ، والفصاحة، وكل شخوص كورني محاجون بارعون. أما الفرنسيون فتتلاشى في نظرهم هذه العيوب في بهاء الأسلوب وجلال الموضوعات. فإذا عن لنا في أي عمل فني أن نلتمس السمو، أو نبحث عن فكرة أو شعور يرفعنا فوق ذواتنا وزماننا. وجدنا هذا مردداً في كوريني. لقد كتب وكأنه يكتب للساسة والفلاسفة. ونظم أبياته وكأنه يلحن موسيقى، وتحت عبارات ما زالت ملازمة لذاكرة فرنسا. وامتزجت الآن الروح الكلاسيكية والأرستقراطية-روح العقل يكبح العاطفة، والشكل يسيطر على المضمون-بضبط النفس الرواقي، وبالشرف الأسباني، وبالذكاء الفرنسي، ليخرج من هذا كله مسرح بعيد عن المسرح الأليزابيثي بعد السماء عن الأرض، وهو مع ذلك، بفضل راسين وموليير أيضاً، بعدله قيمة وتألقاً في تراث البشرية.
تذييل 1643 - 1684
بلغت اللغة أوجها في السهولة المرنة التي أتسم بها حوار موليير، وفي بلاغة كورنيي الطنانة، وفي تأنق راسين الشجي.
أما كورنيي فكان يبدو في ربيع أدبه-وهو في السابعة والثلاثين-حين اعتلى لويس العرش. وقد بدأ العهد بملهاة "الكذاب" التي رفعت نبرة الملهاة الفرنسية كما رفعت "السيد" نبرة المأساة. ثم راح يدفع إلى المسرح بالمآسي كل عام تقريباً بعد ذلك، رودوجون (1644)، وتيودور (1645)، وهيراقليوس (1646) ودن سانشو الأراجوني (1649) واندروميد (1650) و*-تم الحذف. كلمة غير محترمة لا يسمح بها في هذا المنتدى-*وميد (1651) وبرتاريت (1652). ولقي بعض هذه التمثيليات استقبالاً حسناً، ولكن حين تعاقبت كل منها سريعاً خلف سابقتها، وضح أن كورنيي يتعجل الإنتاج، وأن عصارة عبقريته آخذة في النضوب. وضاع ولعه بتصوير النبالة وسط بحر من الجدل، وهزمت بلاغته ذاتها باستمرارها دون توقف. قال موليير "إن لصديقي كورني رفيقاً يلهمه أروع شعر في الدنيا. ولكن يحدث أن يتركه رفيقه ليرعى شؤونه، وعندها يتعثر شر تعثر(5)." وقد لقيت "بارتاريت" من سوء الاستقبال ما حمل كورنيي على أن يعتزل المسرح ست سنوات (1653-59)، وتناول نقاده في سلسلة من "الفحوص"، وفي ثلاث أحاديث عن الشعر المسرحي. وقد دلت هذه الأحاديث على صعود موهبته النقدية بهبوط ملكته الشعرية، وأصبحت ينبوعاً للنقد الأدبي الحديث، واتخذها درايدن نماذج حين دافع عن شعره المتوسط الجودة في نثر رائع.
وفي 1659 ردت كورنيي إلى خشبة المسرح لفتة تلقاها من فوكيه. وظفرت مسرحيته "أوديب" ببعض الاستحسان عقب ثناء الملك الشاب عليها، ولكن المسرحيات التي تلتها-سرتوريوس (1662)، وسوفونيسب (1663)، وأوتون (1664)، وآجيسيلاس (1666) وأتيلا (1667)-هذه كلها كانت قاصرة قصوراً لم يستطع فونتنبيل إزاءه أن يصدق أن كاتبها هو كورنيي؛ وقال بوالو في بيت ساخر:
"بعد أجيسيلاس، وا أسفاه! ولكن بعد أتيلا، قف!" وزادت مدام هنرييتا الطين بلة، مع أنها كانت عادة آية العطف والرقة، حين دعت كلاً من كونيي وراسين، بعلم من كل، إلى أن يكتب تمثيلية في ذات الموضوع-وهو بيرنيس، الأميرة اليهودية التي وقع في حبها تيطس الإمبراطور القادم. ومثلت بيرنيس التي ألفها راسين في الأوتيل دبورجون في 21 نوفمبر 1670 بعد خمسة أشهر تقريباً من موت هنرييتا، ولقيت نجاحاً كاملاً. أما مسرحية كونيي "تيطس وبرينيس" فقد مثلتها فرقة موليير بعد ذلك بأسبوع، ولم تلق غير استقبال فاتر: وحطم فشلها روح كونيي. وجرب حظه ثانية بمسرحيتي "بولشيري" (1672) وسورينا (1674)، ولكن الفشل كان نصيبهما أيضاً.
آخر العمر والوفاة
وأنفق كورنيي بعد ذلك السنين العشر التي بقيت له من أجله في تقوى هادئة مكتئبة.
وكان متلافاً، مات فقيراً برغم ما أجرى عليه لويس الرابع عشر من معاش وما نفحه به من هبات، وقد قطع معاشه دون قصد أربع سنوات، فلجأ كورنيي إلى كولبير، فأمر برده إليه، ولكنه انقطع ثانية بعد موت كولبير. فلما نمى الأمر إلى بوالو أعلم به لويس الرابع عشر، وعرض أن ينزل عن معاشه لكورنيي. ولكن الملك بادر بإرسال مائتي جنيه للشاعر العجوز، الذي مات بعدها بقليل (1684) بالغاً الثامنة والسبعين وأبنه في الأكاديمية الفرنسية مزاحمه الذي كان قد خلفه، ورفع المسرحية والشعر الفرنسيين إلى ذروة تاريخهما، والتأبين ما زال مذكوراً لما حوى من سماحة وبلاغة.
مقتبسات
من مسرحيات كورني
"When we conquer without danger our triumph is without glory." – Le Cid
"And the combat ceased, for want of combatants." - Le Cid
"My sweetest hope is to lose all hope." - Le Cid
"All evils are equal when they are extreme." - Horace
"We read that we ought to forgive our enemies; but we do not read that we ought to forgive our friends." – Cinna
"By speaking of our misfortunes we often relieve them." - Polyeucte
"In the service of Caesar, everything is legitimate." - La Mort de Pompée
عن كورني
“Le Cid marks the birth of a man, the rebirth of poetry, the dawn of a great century.” – Sainte-Beuve (transl.)
نصوص إلكترونية
أعمال من Pierre Corneille في مشروع گوتنبرگ
Le Cid, available at Project Gutenberg.
Le Cid, available at Project Gutenberg.
(بالفرنسية) Cinna