فتح جزيرة صقلية
أهمية الموقع: صقلية جزية في البحر الأبيض المتوسط وتعتبر حلقة الوصل بين شمال أفريقية من ناحية، وبين إيطاليا من ناحية ثانية. ولهذا الموقع الهام أثر عظيم كبير تجارياً وحضارياً، فقد سهل الاتصال بالشعوب ذوات الحضارة على شواطئ المتوسط منذ القديم، فلا عجب إذن إذا سميت صقلية "درة جزر البحر المتوسط". صقلية في زمن عثمان بن عفان: في عام 36هـ 656م زمن الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان وعندما كان معاوية بن أبي سفيان والياً على الشام، بدا الغزو الإسلامي لجزيرة صقلية، حين وجه معاوية بن أبي سفيان قائدا محنكا يقال له معاوية بن حديج الكندي، على رأس أسطول من مئتي سفينة انطلقت من شواطئ سورية، وتابع عبد الله بن قيس الفزاري قيادة هذا الأسطول، فوصل إلى صقلية فغنم وعاد سالما. صقلية وتوالي الغزوات: استمر الغزو الإسلامي لجزيرة صقلية، وكان مسلموا أفريقية بحكم موقعها الجغرافي هم الذين تولوا أمرها، وكان معظمهم من البربر فغزاها: - عباس بن أخيل من رجال موسى بن نصير.
- ومحمد بن يزيد الأنصاري والي أفريقية 97- 99هت 725-717م. - وأيام أبي جعفر المنصور قام عبد الرحمن بن حبيب الفهري والي أفريقية بغزوها عام 135هـ 752م. - وتكرر الغزو أيضاً عام 146هـ 763م. - وكان للأغالبة، حكام أفريقية، النصيب الأكبر ولجهد الأهم في فتح صقلية وإكمال فتحها. قبيل فتح صقلية: عقد إبراهيم الأغلبي هدنة ومعاهدة مع حاكم صقلية الخاضع للإمبراطورية البيزنطية، وهو البطريق "قسطنطين" مدتها عشر سنوات ولم يطل أمر المعاهدة هذه، بسبب مخالفة ونقض البيزنطيين الصقليين لهم بنودها ألا وهو رد الأسرى المسلمين إلى ديارهم .. فأرسل الأغالبة عام 197هـ/ 812م أسطولاً هاجم بعض الجزر التابعة لصقلية، وأرسل الإمبراطور البيزنطي ميخائيل الأول 811- 813 أسطولاً بقيادة جريجوري، انضمت إليه فرقة بحرية من المدن الإيطالية الساحلية مثل: جايتنا وأمالقي، غير أن المسلمين استطاعوا أن يهزموا الأسطول البيزنطي وغنموا بعض سفنه قرب جزيرة "لبندوشة".
وعاود البيزنطيون الكرة فأرسلوا أسطولاً جديداً، فانتصروا على الأسطول الإسلامي، مما أدى إلى تجديد الهدنة مرة أخرى، ولكن أمدها لم يطل، فقد أرسل زياد الله الأغلبي، ثالث حكام الأغالبة في أفريقية أسطولاً لفتح صقلية بقيادة ابن عمه فلم يفلح في فتحها، ولكنه استطاع أن يرد الأسرى إلى المسلمين. ثم أرسل زياد الله بن الأغلب حملة بقيادة أسد بن الفرات لفتح صقلية.. مسير الحملة لفتح صقلية: وصلت الحملة بعد مسير خمسة أيام من "سوسة" إلى صقلية، ونزلت في مدينة "مازارا" في عام 212هـ فالتقوا مع جامتها في قتال سريع لم يلبث أن انهزم حاكمها ومن معه من جيش الروم أمام أسد بن الفرات وهرب إلى مدينة "إنا"، وفتح المسلمون عدة حصون من الجزيرة ووصلوا إلى قلعة "الكرات" وفتحها ثم حاصروا "سرقوسة" وفتحوها أيضاً بعد قتال عنيف حين أرسل الإمبراطور البيزنطي مدداً لصقلية، وجرح ابن الفرات وهو يبدي حسن التدبير، وصدق الإيمان، وقوة الإرادة .. ولكن أضر الجوع بالناس، ومات ابن الفرات متأثراً بجراحه، ودفن بمدينة "قصريانة". استمرار الفتوحات :- وفي عام 225هـ/ 839م أرسل أبو عقال الأغلب أمداداً جديدة من أفريقية، ففتح حصن "البلوط" و "قرلون" و "سوترا" مما اضطر الإمبراطور ثيوفلي إلى طلب المساعدة من الفرنجة، وأمده البنادقة بأسطول دمره الأسطول الإسلامي في مياه "تارانت" جنوبي إيطاليا، ويمكن القول أنه في عام 840م كان المسلمون قد فتحوا ثلث الجزيرة تقريباً.
وفي الفترة ما بين 842- 845م فتح المسلمون "كالتاجيروني" و "مسينا". وفي عام 847م فتح المسلمون ليونيتني، وعام 848م فتحوا راجوزة بفضل شجاعة القائد المسلم الفضل بن جعفر، ثم استأنف الهجوم على "إنا" عام 852م، واتجه إلى الساحل الشرقي عام 853م، وغزا قطانيا وتوتو وراجوزة التي كان البيزنطيون قد استردوها من المسلمين، وحاصر بويترا خمسة شهور حتى سلمت لهم، وفي عام 856م فتح خمسة حصون، وفي عام 857م فتحت تورمينا وسرقوسة .. وفي عام 859م استسلمت مدينة قصريانة وفتحت قلعتها التي ظلت تقاوم ثلاثين سنة، وابتنى المسلمون فيها مسجداً. وقد تلا سقوط قصريانة سقوط سرقوسة في يد المسلمين فير 878م، بعد حصار دام تسعة شهور، وكان سقوطها كارثة كبرى لبيزنطة وسياستها الحربية، فقد انهارت الجهود الجبارة التي بذلتها خلال سنوات طويلة لإعادة النفوذ البيزنطي على ساحل الدورياني. وسقطت مدينة "تاورومنيوم" في 902م على يد إبراهيم الأغلبي وهي آخر معقل في صقلية وبسقوطها أضحت صقلية كلها خاضعة للسيادة الإسلامية.