بسم الله الرحمن الرحيم
حكم صلاة الجمعة في المنزل في زمن الكرونا
السؤال:
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته اريد ان اعرف كيفية صلاة الجمعه حاليا في الوقت الحالى مع منع الصلاة في المسجد
الإجابة:
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فحكم صلاة الجماعة في المنزل عند تفشي الوباء يتوقف على معرفة شُرُوط صلاةِ الجُمُعة، وتحديدًا، العدد الذي تنعقد به، والمكان الذي تقام فيه، وهل يشترط لها أن تصلى في المسجد أم لا:
أما العدد الذي تنعقد به، فقد أجمع الأئمة على أن الجماعة شرط لصحة صلاة الجمعة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة، إلا أربعة: عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض"؛ رواه أحمد وأبو داود عن طارق بن شهاب.
واشترط الشافعية والحنابلة لإقامة الجمعة أربعين رجلاً، وذهب الإمام أبو حنيفة في الأصح عنه إلى اشتراط ثلاثة رجال غير الإمام ولو كانوا مسافرين أو مرضى، واشترط البعض اثني عشر غير الإمام، ويشرط فيهم أن لا يكونوا مسافرين وهو مذهب المالكية في المشهور عنهم.
ومن تأمل السنة الصريحة الواردة في هذا الباب، علم أنه ليس هناك نص صريح في اشتراط عدد معين لإقامة الجمعة، والأصل في الشريعة عدم الاشتراط إلا بدليل من كتاب أو سنة أو قياس صحيح؛ ففي الصحيحين من حديث عائشة.عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "فما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله! ما كان من شرط ليس في كتاب الله - عز وجل - فهو باطل، وإن كان مائة شرط، كتاب الله أحق، وشرط الله أوثق" .
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الجمعة تنعقد باثنين فصاعدا، وهو قول أبي محمد بن حزم، والشوكاني، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنها تنعقد بثلاثة رجال، إمام ومستمعين،.
هذا؛ وأقوى ما احتج به الجمهور على اشتراط العدد ما رواه أبو داود وابن ماجه وغيرهما عن كعب بن مالك، أنه كان إذا سمع النداء يوم الجمعة ترحم لأسعد بن زرارة، فقلت له: إذا سمعت النداء ترحمت لأسعد بن زرارة، قال: "لأنه أول من جمع بنا في هزم النبيت من حرة بني بياضة في نقيع، يقال له: نَقِيعِ الْخَضَمَاتِ، فِي هَزْمٍ مِنْ حَرَّةِ بَنِي بَيَاضَةَ، قلت: كم أنتم يومئذ، قال: أربعون"، ولا يخفى أنها حكاية فعل لا يستفاد منها واجب ولا شرط؛ كما هو مقرر في أصول الفقة.
قال أبو محمد بن حزم في "المحلى" (3/ 250) بعدما روى هذا الحديث: "ولا حجة له في هذا؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يقل: إنه لا تجوز الجمعة بأقل من هذا العدد، نعم والجمعة واجبة بأربعين رجلاً، وبأكثر من أربعين، وبأقل من أربعين؟!". اهـ.
وقال أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية في "المستدرك على مجموع الفتاوى" (3/ 127)، والاختيارات (2/ 86): "وتنعقد الجمعة بثلاثة، واحد يخطب، واثنان يستمعان، وهو إحدى الروايات عن أحمد، وقول طائفة من العلماء، وقد يقال بوجوبها على الأربعين؛ لأنه لم يثبت وجوبها على من دونهم، وتصح ممن دونهم؛ لأنه انتقال إلى أعلى الفرضين كالمريض، بخلاف المسافر فإن فرضه ركعتان". اهـ. وهو تفصيل يليق بشيخ الإسلام، وينطبق على أحوالنا في يومنا هذا، أعنى أنها لا تجب على من دون الأربعين وإنما تشرع فقط فتأمله!
وقال الشوكاني في "السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار" (ص: 182):
"...والحاصل أن صلاة الجماعة قد صحت بواحد مع الإمام، وصلاة الجمعة هي صلاة من الصلوات، فمن اشترط فيها زيادة على ما تنعقد به الجماعة فعليه الدليل، ولا دليل؛ وقد عرفناك غير مرة أن الشروط إنما تثبت بأدلة خاصة تدل على انعدام المشروط عند انعدام شرطه، فإثبات مثل هذه الشروط بما ليس بدليل أصلاً، فضلاً عن أن يكون دليلاً على الشرطية، مجازفة بالغة، وجرأة على التقول على الله وعلى رسوله وعلى شريعته.
والعجب من كثرة الأقوال في تقدير العدد حتى بلغت إلي خمسة عشر قولاً، وليس على شيء منها دليل يستدل به قط، إلا قول من قال إنها تنعقد جماعة الجمعة بما تنعقد به سائر الجماعات". اهـ.
أما المكان الذي تقام فيه، وهل يشترط لها أن تصلى في المسجد أم لا؟ فذهب المالكية إلى أن المسجد شرط لوجوب صلاة الجمعة، وذهب جمهور الأئمة المتبعين وغيرهم إلى جوازُ أداءِ الجُمُعةِ في أيّ مكان، ولم يشترطوا لإقامتها أن تكون في المسجد، وهو الراجح؛ لأنه لم يرد ما يدل على اشتراط المسجد لصلاة الجمعة.
جاء في "المغني"(2/ 246): "... ولنا، أن مصعب بن عمير جمع بالأنصار في هزم النبيت في نقيع الخضمات، والنقيع: بطن من الأرض يستنقع فيه الماء مدة، فإذا نضب الماء نبت الكلأ".
وقال أيضًا (2/ 248): "ولنا: أنها صلاة شُرع لها الاجتماع والخطبة، فجازت فيما يحتاج إليه من المواضع... قال أبو داود: سمعت أحمد يقول: أي حد كان يقام بالمدينة، قدمها مصعب بن عمير وهم مختبئون في دار، فجمع بهم وهم أربعون". اهـ.
وقال الشوكاني في "السيل الجرار"(ص: 182) متعقبًا قول صاحب "مختصر الأزهار" (ومسجد في مستوطن): "أقول: وهذا الشرط أيضًا لم يدل عليه دليل يصلح للتمسك به لمجرد الاستحباب، فضلاً عن الشرطية، ولقد كثر التلاعب بهذه العبادة وبلغ إلي حد تقضي منه العجب.
والحق أن هذه الجمعة فريضة من فرائض الله سبحانه، وشعار من شعارات الإسلام، وصلاة من الصلوات-: فمن زعم أنه يعتبر فيها ما لا يعتبر في غيرها من الصلوات، لم يسمع منه ذلك إلا بدليل وقد تخصصت بالخطبة، وليست الخطبة إلا مجرد موعظة يتواعظ بها عباد الله، فإذا لم يكن في المكان إلا رجلان قام أحدهما يخطب واستمع له الآخر، ثم قأما فصليا صلاة الجمعة". اهـ.
وقال ابن رشد -المالكي- في "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" (1/ 170) – في معرض كلامه عن شروط الوجوب والصحة المختصة بيوم الجمعة -: "والسبب في اختلافهم في اشتراط الأحوال والأفعال المقترنة بها، هو كون بعض تلك الأحوال أشد مناسبة لأفعال الصلاة من بعض، ولذلك اتفقوا على اشتراط الجماعة، إذ كان معلومًا من الشرع أنها حال من الأحوال الموجودة في الصلاة، ولم ير مالك المصر ولا السلطان شرطًا في ذلك؛ لكونه غير مناسب لأحوال الصلاة، ورأى المسجد شرطًا؛ لكونه أقرب مناسبة، حتى لقد اختلف المتأخرون من أصحابه هل من شرط المسجد السقف أم لا؟ وهل من شرطه أن تكون الجمعة راتبة فيه أم لا؟ وهذا كله تعمق في هذا الباب ودين الله يسر!
ولقائل أن يقول: إن هذه لو كانت شروطاً في صحة الصلاة، لما جاز أن يسكت عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أن يترك بيانها؛ لقوله تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}[النحل:44]، ولقوله تعالى: {لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النحل:64]". اهـ.
هذا؛ وقد ظن البعض أن من لم تجب عليه صلاة الجمعة للعذر - مثل حال المسلمين اليوم- لا تقبل منه الجمعة إذا صلاها، وهو كلام باطل لا دليل عليه، بل قام الدليل على خلافه، فالمرأة لا تجب عليها صلاة الجمعة وإذا صلتها قبلت منها بالإجماع.
وقد نصّ الأئمة على صحة ما ذكرناه؛ فقد جاء في كتاب "الأم"(1/ 218) للإمام الشافعي : "ومن قلت لا جمعة عليه من الأحرار للعذر بالحبس، أو غيره ومن النساء، وغير البالغين، والمماليك-: فإذا شهد الجمعة صلاها ركعتين، وإذا أدرك منها ركعة أضاف إليها أخرى، وأجزأته عن الجمعة: (قال: الشافعي): وإنما قيل لا جمعة عليهم- والله تعالى أعلم - لا يحرجون بتركه". اهـ.
وجاء في "نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج" (2/ 287) في الفقه الشافعي: "(ومن صحت ظهره)، ممن لا جمعة عليه، (صحت جمعته)، بالإجماع كالصبي والعبد والمرأة". اهـ.
وكذلك نص الإمام ابن قدامة في "المغني"(2/ 253) على أن من لم تجب عليه الجمعة إن صلاها أجزأته، فقال:"(وإن حضروها أجزأتهم)، يعني تجزئهم الجمعة عن الظهر، ولا نعلم في هذا خلافًا؛ قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن لا جمعة على النساء، وأجمعوا على أنهن إذا حضرن فصلين الجمعة أن ذلك يجزئ عنهن؛ لأن إسقاط الجمعة للتخفيف عنهن، فإذا تحملوا المشقة وصلوا، أجزأهم، كالمريض". اهـ.
وقال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (23/ 166): "وكما لا تجب الجمعة على المريض والمسافر والعبد، وإن جاز له فعلها". اهـ.
إذا تقرر هذا؛ فيجوز أداء صلاة الجمعة في المنازل في زمان الأوبئة العامة، والجمعة وإن كانت غير واجبة على المكلفين في المسجد لحفظ النفس، كما سبق بيانه في فتوى: "حكم ترك الجمعة والجماعة بسبب فيروس كورونا"، إلا أنه يشرع أداؤها في المنزل لأمن العدوى، والقول بعدم وجوبها لا ينافي صحتها لمن صلاها؛ كما سبق ذكره من كلام الأئمة.
هذا؛ وقد أطلت الكلام في تلك المسألة؛ لشدة الحاجة إليها، ولبيان ضعف المخالف، ولإظهار أنه لا تعارض بين عدم الوجوب من جهة وجواز الفعل من جهة أخرى، وللتنبيه على بطلان دعوى أن الأحوط صلاة الظهر خروجًا من الخلاف.
ومن تأمل كلام أكثر من انتدب لتلك النازلة، وجد أن غرض القوم نصر المسألة الحاضرة بما أمكن من باطل أو حق، ولا يبالون بأن يهدموا بذلك ألف مسألة لهم، ثم لا يبالون بعد ذلك بإبطال ما صححوه في هذه المسألة إذا أخذوا في الكلام في أخرى؛ قاله أبو محمد بن حزم في كتابه "الإحكام في أصول الأحكام،، والله أعلم.
حكم صلاة الجمعة في المنزل في زمن الكرونا
السؤال:
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته اريد ان اعرف كيفية صلاة الجمعه حاليا في الوقت الحالى مع منع الصلاة في المسجد
الإجابة:
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فحكم صلاة الجماعة في المنزل عند تفشي الوباء يتوقف على معرفة شُرُوط صلاةِ الجُمُعة، وتحديدًا، العدد الذي تنعقد به، والمكان الذي تقام فيه، وهل يشترط لها أن تصلى في المسجد أم لا:
أما العدد الذي تنعقد به، فقد أجمع الأئمة على أن الجماعة شرط لصحة صلاة الجمعة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة، إلا أربعة: عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض"؛ رواه أحمد وأبو داود عن طارق بن شهاب.
واشترط الشافعية والحنابلة لإقامة الجمعة أربعين رجلاً، وذهب الإمام أبو حنيفة في الأصح عنه إلى اشتراط ثلاثة رجال غير الإمام ولو كانوا مسافرين أو مرضى، واشترط البعض اثني عشر غير الإمام، ويشرط فيهم أن لا يكونوا مسافرين وهو مذهب المالكية في المشهور عنهم.
ومن تأمل السنة الصريحة الواردة في هذا الباب، علم أنه ليس هناك نص صريح في اشتراط عدد معين لإقامة الجمعة، والأصل في الشريعة عدم الاشتراط إلا بدليل من كتاب أو سنة أو قياس صحيح؛ ففي الصحيحين من حديث عائشة.عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "فما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله! ما كان من شرط ليس في كتاب الله - عز وجل - فهو باطل، وإن كان مائة شرط، كتاب الله أحق، وشرط الله أوثق" .
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الجمعة تنعقد باثنين فصاعدا، وهو قول أبي محمد بن حزم، والشوكاني، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنها تنعقد بثلاثة رجال، إمام ومستمعين،.
هذا؛ وأقوى ما احتج به الجمهور على اشتراط العدد ما رواه أبو داود وابن ماجه وغيرهما عن كعب بن مالك، أنه كان إذا سمع النداء يوم الجمعة ترحم لأسعد بن زرارة، فقلت له: إذا سمعت النداء ترحمت لأسعد بن زرارة، قال: "لأنه أول من جمع بنا في هزم النبيت من حرة بني بياضة في نقيع، يقال له: نَقِيعِ الْخَضَمَاتِ، فِي هَزْمٍ مِنْ حَرَّةِ بَنِي بَيَاضَةَ، قلت: كم أنتم يومئذ، قال: أربعون"، ولا يخفى أنها حكاية فعل لا يستفاد منها واجب ولا شرط؛ كما هو مقرر في أصول الفقة.
قال أبو محمد بن حزم في "المحلى" (3/ 250) بعدما روى هذا الحديث: "ولا حجة له في هذا؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يقل: إنه لا تجوز الجمعة بأقل من هذا العدد، نعم والجمعة واجبة بأربعين رجلاً، وبأكثر من أربعين، وبأقل من أربعين؟!". اهـ.
وقال أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية في "المستدرك على مجموع الفتاوى" (3/ 127)، والاختيارات (2/ 86): "وتنعقد الجمعة بثلاثة، واحد يخطب، واثنان يستمعان، وهو إحدى الروايات عن أحمد، وقول طائفة من العلماء، وقد يقال بوجوبها على الأربعين؛ لأنه لم يثبت وجوبها على من دونهم، وتصح ممن دونهم؛ لأنه انتقال إلى أعلى الفرضين كالمريض، بخلاف المسافر فإن فرضه ركعتان". اهـ. وهو تفصيل يليق بشيخ الإسلام، وينطبق على أحوالنا في يومنا هذا، أعنى أنها لا تجب على من دون الأربعين وإنما تشرع فقط فتأمله!
وقال الشوكاني في "السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار" (ص: 182):
"...والحاصل أن صلاة الجماعة قد صحت بواحد مع الإمام، وصلاة الجمعة هي صلاة من الصلوات، فمن اشترط فيها زيادة على ما تنعقد به الجماعة فعليه الدليل، ولا دليل؛ وقد عرفناك غير مرة أن الشروط إنما تثبت بأدلة خاصة تدل على انعدام المشروط عند انعدام شرطه، فإثبات مثل هذه الشروط بما ليس بدليل أصلاً، فضلاً عن أن يكون دليلاً على الشرطية، مجازفة بالغة، وجرأة على التقول على الله وعلى رسوله وعلى شريعته.
والعجب من كثرة الأقوال في تقدير العدد حتى بلغت إلي خمسة عشر قولاً، وليس على شيء منها دليل يستدل به قط، إلا قول من قال إنها تنعقد جماعة الجمعة بما تنعقد به سائر الجماعات". اهـ.
أما المكان الذي تقام فيه، وهل يشترط لها أن تصلى في المسجد أم لا؟ فذهب المالكية إلى أن المسجد شرط لوجوب صلاة الجمعة، وذهب جمهور الأئمة المتبعين وغيرهم إلى جوازُ أداءِ الجُمُعةِ في أيّ مكان، ولم يشترطوا لإقامتها أن تكون في المسجد، وهو الراجح؛ لأنه لم يرد ما يدل على اشتراط المسجد لصلاة الجمعة.
جاء في "المغني"(2/ 246): "... ولنا، أن مصعب بن عمير جمع بالأنصار في هزم النبيت في نقيع الخضمات، والنقيع: بطن من الأرض يستنقع فيه الماء مدة، فإذا نضب الماء نبت الكلأ".
وقال أيضًا (2/ 248): "ولنا: أنها صلاة شُرع لها الاجتماع والخطبة، فجازت فيما يحتاج إليه من المواضع... قال أبو داود: سمعت أحمد يقول: أي حد كان يقام بالمدينة، قدمها مصعب بن عمير وهم مختبئون في دار، فجمع بهم وهم أربعون". اهـ.
وقال الشوكاني في "السيل الجرار"(ص: 182) متعقبًا قول صاحب "مختصر الأزهار" (ومسجد في مستوطن): "أقول: وهذا الشرط أيضًا لم يدل عليه دليل يصلح للتمسك به لمجرد الاستحباب، فضلاً عن الشرطية، ولقد كثر التلاعب بهذه العبادة وبلغ إلي حد تقضي منه العجب.
والحق أن هذه الجمعة فريضة من فرائض الله سبحانه، وشعار من شعارات الإسلام، وصلاة من الصلوات-: فمن زعم أنه يعتبر فيها ما لا يعتبر في غيرها من الصلوات، لم يسمع منه ذلك إلا بدليل وقد تخصصت بالخطبة، وليست الخطبة إلا مجرد موعظة يتواعظ بها عباد الله، فإذا لم يكن في المكان إلا رجلان قام أحدهما يخطب واستمع له الآخر، ثم قأما فصليا صلاة الجمعة". اهـ.
وقال ابن رشد -المالكي- في "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" (1/ 170) – في معرض كلامه عن شروط الوجوب والصحة المختصة بيوم الجمعة -: "والسبب في اختلافهم في اشتراط الأحوال والأفعال المقترنة بها، هو كون بعض تلك الأحوال أشد مناسبة لأفعال الصلاة من بعض، ولذلك اتفقوا على اشتراط الجماعة، إذ كان معلومًا من الشرع أنها حال من الأحوال الموجودة في الصلاة، ولم ير مالك المصر ولا السلطان شرطًا في ذلك؛ لكونه غير مناسب لأحوال الصلاة، ورأى المسجد شرطًا؛ لكونه أقرب مناسبة، حتى لقد اختلف المتأخرون من أصحابه هل من شرط المسجد السقف أم لا؟ وهل من شرطه أن تكون الجمعة راتبة فيه أم لا؟ وهذا كله تعمق في هذا الباب ودين الله يسر!
ولقائل أن يقول: إن هذه لو كانت شروطاً في صحة الصلاة، لما جاز أن يسكت عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أن يترك بيانها؛ لقوله تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}[النحل:44]، ولقوله تعالى: {لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النحل:64]". اهـ.
هذا؛ وقد ظن البعض أن من لم تجب عليه صلاة الجمعة للعذر - مثل حال المسلمين اليوم- لا تقبل منه الجمعة إذا صلاها، وهو كلام باطل لا دليل عليه، بل قام الدليل على خلافه، فالمرأة لا تجب عليها صلاة الجمعة وإذا صلتها قبلت منها بالإجماع.
وقد نصّ الأئمة على صحة ما ذكرناه؛ فقد جاء في كتاب "الأم"(1/ 218) للإمام الشافعي : "ومن قلت لا جمعة عليه من الأحرار للعذر بالحبس، أو غيره ومن النساء، وغير البالغين، والمماليك-: فإذا شهد الجمعة صلاها ركعتين، وإذا أدرك منها ركعة أضاف إليها أخرى، وأجزأته عن الجمعة: (قال: الشافعي): وإنما قيل لا جمعة عليهم- والله تعالى أعلم - لا يحرجون بتركه". اهـ.
وجاء في "نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج" (2/ 287) في الفقه الشافعي: "(ومن صحت ظهره)، ممن لا جمعة عليه، (صحت جمعته)، بالإجماع كالصبي والعبد والمرأة". اهـ.
وكذلك نص الإمام ابن قدامة في "المغني"(2/ 253) على أن من لم تجب عليه الجمعة إن صلاها أجزأته، فقال:"(وإن حضروها أجزأتهم)، يعني تجزئهم الجمعة عن الظهر، ولا نعلم في هذا خلافًا؛ قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن لا جمعة على النساء، وأجمعوا على أنهن إذا حضرن فصلين الجمعة أن ذلك يجزئ عنهن؛ لأن إسقاط الجمعة للتخفيف عنهن، فإذا تحملوا المشقة وصلوا، أجزأهم، كالمريض". اهـ.
وقال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (23/ 166): "وكما لا تجب الجمعة على المريض والمسافر والعبد، وإن جاز له فعلها". اهـ.
إذا تقرر هذا؛ فيجوز أداء صلاة الجمعة في المنازل في زمان الأوبئة العامة، والجمعة وإن كانت غير واجبة على المكلفين في المسجد لحفظ النفس، كما سبق بيانه في فتوى: "حكم ترك الجمعة والجماعة بسبب فيروس كورونا"، إلا أنه يشرع أداؤها في المنزل لأمن العدوى، والقول بعدم وجوبها لا ينافي صحتها لمن صلاها؛ كما سبق ذكره من كلام الأئمة.
هذا؛ وقد أطلت الكلام في تلك المسألة؛ لشدة الحاجة إليها، ولبيان ضعف المخالف، ولإظهار أنه لا تعارض بين عدم الوجوب من جهة وجواز الفعل من جهة أخرى، وللتنبيه على بطلان دعوى أن الأحوط صلاة الظهر خروجًا من الخلاف.
ومن تأمل كلام أكثر من انتدب لتلك النازلة، وجد أن غرض القوم نصر المسألة الحاضرة بما أمكن من باطل أو حق، ولا يبالون بأن يهدموا بذلك ألف مسألة لهم، ثم لا يبالون بعد ذلك بإبطال ما صححوه في هذه المسألة إذا أخذوا في الكلام في أخرى؛ قاله أبو محمد بن حزم في كتابه "الإحكام في أصول الأحكام،، والله أعلم.