(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)
آفة الهوى
قال الله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(50)} [القصص: 50].
وقال تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)} [الفرقان: 43، 44].
قسَّم الله تبارك وتعالى أمر الناس إلى قسمين لا ثالث لهما:
إما الاستجابة لله والرسول - صلى الله عليه وسلم - .. وإما اتباع الهوى.
فكل ما لم يأت به الرسول - صلى الله عليه وسلم - فهو من الهوى، ومن اتبع أحدهما لم يمكنه اتباع الآخر، فهما ضدان لا يجتمعان.
والشيطان يطيف بالعبد من أين يدخل عليه، فلا يجد عليه مدخلاً ولا إليه طريقاً إلا من هواه، والذي يخالف هواه يَفْرَقُ الشيطان من ظله.
وإنما تطاق مخالفة الهوى بالرغبة في الله، والرغبة في ثوابه، والخوف من عقابه، والخشية من حجابه، ووجود حلاوة الشفاء في مخالفة الهوى.
والهوى شارع النار الأكبر، ولذلك حذر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - من اتباع الهوى كما قال سبحانه: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18)} [الجاثية: 18].
وما أطاع أحد هواه قط إلا وجد في نفسه ذلاً، ولا يغتر أحد بصولة أهل الهوى وكبرهم، فهم أذل الناس بواطن، قد جمعوا بين رذيلتي الكبر والذل.
وكل عاقل يأنف أن يكون تحت قهر عدوه، فالشيطان إذا رأى من الإنسان ضعف عزيمة وهمة، وميلاً إلى هواه، طمع فيه وصرعه، وألجمه بلجام الهوى، وساقه حيث أراد على موارد الهلكة.
والهوى ما خالط شيئاً إلا أفسده، فإن وقع في العلم أخرجه إلى البدعة والضلالة، وصار صاحبه من جملة أهل الأهواء.
وإن وقع الهوى في الزهد أخرج صاحبه إلى الرياء، ومخالفة السنة.
وإن وقع في الحكم أخرج صاحبه إلى الظلم، وصده عن الحق.
وإن وقع في القسمة خرجت عن قسمة العدل إلى الجور.
وإن وقع في العبادة خرجت عن أن تكون طاعة وقربة.
وإن وقع في الولاية والعزل أخرج صاحبه إلى خيانة الله والمسلمين، حيث يولي بهواه، ويعزل بهواه.
فما قارن الهوى شيئاً إلا أفسده، وهو يسري في القلب والأعضاء سريان السم في القلب والأعضاء.
فإبليس حمله هواه على التكبر عن طاعة الله عزَّ وجلَّ لما أمره بالسجود لآدم، فطرده الله ولعنه، فهو أشقى الخلق في الدنيا والآخرة.
وآدم حمله الحرص وهوى نفسه على الأكل من الشجرة التي نهاه الله عن الأكل منها طمعاً في الخلود، فكان عاقبة ذلك الهوى والشهوة إخراجه منها إلى دار التعب والنصب.
وفتنة الكفار حين أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً، وابتدعوا في دينه ما لم يشرعه، وحرموا زينته التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق، وتعبدوا له بالفواحش، وزعموا أن الله أمرهم بها، واتخذوا الشياطين أولياء من دون الله.
والحامل لهم على ذلك كله الهوى والحب الفاسد، وعليه حاربوا رسله، وكذبوا كتبه، وبذلوا أنفسهم وأموالهم في سبيله حتى خسروا الدنيا والآخرة.
وقوم نوح اتبعوا أهواءهم وكذبوا رسله، واستكبروا عن الحق، فأغرقهم الله في الدنيا، ولهم النار يوم القيامة.
وقوم عاد لما دعاهم هود إلى عبادة الله وحده سفهوه وكذبوه، فعاقبهم الله بالعذاب الفظيع المستمر، بريح صرصر عاتية، تدمر كل شيء بإذن ربها، فخسروا الدنيا والآخرة.
وقوم ثمود لما كذبوا رسولهم صالحاً، واستكبروا عن الحق الذي جاء به، عاقبهم الله بالهلاك في الدنيا والآخرة: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78)} [الأعراف: 78].
ولوط دعا قومه إلى الله، وحذرهم من فعل الفاحشة، وهي إتيان الذكران من العالمين، فكذبوه وسخروا منه، فعاقبهم الله بأن أمر جبريل فرفع بلادهم وقلبها عليهم، ثم أُتبعوا بحجارة من سجيل كما قال سبحانه: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)} [هود: 82، 83].
وقوم شعيب حملهم على بخس المكيال والميزان فرط محبتهم للمال، وغلبهم الهوى على طاعة نبيهم شعيباً حتى أصابهم العذاب.
وفرعون وقومه حملهم الهوى والشهوة وعشق الرئاسة على تكذيب موسى، فعاقبهم الله بالغرق في الدنيا، والإحراق بالنار في الآخرة.
وأهل السبت مسخوا قردة لما خالفوا أمر الله، واتبعوا أهواءهم.
والذي آتاه الله آياته فانسلخ منها، واتبع هواه، فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين.
وقد ذكر الله في سورة الأعراف حال أهل الأهواء والشهوات وما آل إليه أمرهم مفصلاً، فالكفر والهوى أصل كل بلية: {سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177) مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (178)} ... [الأعراف: 177، 178].
وكل من بلغته الحجة ثم اتبع هواه فإن الله يرفع عنه ولايته ونصرته كما قال سبحانه: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120)} [البقرة: 120].
وقد شبه الله عزَّ وجلَّ أتباع الهوى بأخس الحيوانات.
فشبههم بالكلب تارة كما قال سبحانه: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف: 175، 176].
وشبههم بالحمر تارة كما قال سبحانه: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51)} [المدثر: 49 - 51].
ومن اتبع هواه طبع الله على قلبه كما قال سبحانه: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (16)} [محمد: 16].
وملاك الأمر كله الرغبة في الله .. وإرادة وجهه، والتقرب إليه .. والشوق إلى الوصول إليه .. وتحقيق مراده .. والفوز برضاه .. واتباع هداه.
فإن لم يكن للعبد همة إلى ذلك فالرغبة في الجنة ونعيمها، وما أعد الله فيها لأوليائه، فإن لم يكن له همة عالية تدفعه إلى ذلك فخشية النار، وما أعد الله فيها لمن عصاه، فإن لم تطاوعه نفسه على شيء من ذلك فليعلم أنه خُلق للجحيم والسعير لا للجنة والنعيم، ولا يًقْدِر على ذلك بعد قدر الله وتوفيقه إلا بمخالفة هواه.
ولم يجعل الله للجنة طريقاً إلا باتباع هداه، ومخالفة العبد هواه، ولم يجعل للنار طريقاً غير اتباع العبد هواه، والإعراض عن هدى مولاه كما قال سبحانه: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39)} [النازعات: 37 - 39].
واتباع الهوى يضل العبد عن سبيل الله، ومن ضل عن سبيل الله لم يصل إلى نعيم مولاه، وكانت النار مأواه كما قال سبحانه: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)} [ص: 26].
ومن نهى نفسه عن الهوى كانت الجنة مأواه، وعاش في هذه الدنيا في جنة عاجلة لا يشبه نعيم أهلها نعيم البتة.
بل التفاوت الذي بين النعيمين، كالتفاوت الذي بين نعيم الدنيا والآخرة، وهذا لا يصدق به إلا من باشر قلبه هذا وهذا.
وقلوب أهل البدع، والمعرضين عن القرآن، وأهل الغفلة عن الله، وأهل المعاصي في جحيم من العذاب قبل الجحيم الأكبر في النار.
وقلوب الأبرار في نعيم في الدنيا قبل النعيم الأكبر في الجنة كما قال سبحانه: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14)}[الانفطار: 13، 14].
وليس النعيم والجحيم في الآخرة فقط.
بل النعيم والجحيم في دورهم الثلاث كلها:
دار الدنيا .. ودار البرزخ .. ودار القرار في الآخرة.
فهؤلاء الأبرار في نعيم .. وهؤلاء الفجار في جحيم.
وهل النعيم إلا نعيم القلب .. وهل العذاب إلا عذاب القلب.
وأي عذاب أشد من الهم والحزن، والخوف والوجل، وضيق الصدر، وإعراضه عن الله والدار الآخرة، وتعلقه بغير الله، وانقطاعه عن الله.
وكل شيء تعلق به العبد وأحبه من دون الله فإنه يسومه سوء العذاب.
فكل من أحب شيئاً غير الله عذب به ثلاث مرات في هذه الدار.
فهو يعذب به قبل حصوله حتى يحصل، فإذا حصل عذب به حال حصوله بالخوف من سَلبه وفواته أو خرابه، فإذا سُلبه اشتد عذابه عليه.
فهذه ثلاثة أنواع من العذاب في هذه الدار.
وأما عذابه في البرزخ في قبره فعذاب يقارنه ألم الفراق الذي لا يرجى عوده، وألم فوات ما فاته من النعيم العظيم باشتغاله بضده، وألم الحجاب عن الله عزَّ وجلَّ، وألم الحسرة التي تقطع الأكباد.
فالهم والغم والحسرة والحزن كل هذه تعمل في نفوسهم نظير ما تعمل الهوام والديدان في أبدانهم، بل عملها في النفوس دائم مستمر حتى يردها الله إلى أجسادها، فحينئذ ينتقل العذاب إلى نوع هو أدهى وأمر، وأشد وأبقى.
إن العبد الذي يخاف مقام ربه لا يقدم على معصية ربه، فإذا أقدم عليها بحكم ضعفه البشري قاده خوف هذا المقام الجليل إلى الندم والاستغفار والتوبة، فظل في دائرة الطاعة.
والخوف من الله عزَّ وجلَّ هو الحاجز الصلب أمام عواصف الهوى العنيفة، ونهي النفس عن الهوى هو الذي يكبح جماح النفس إلى المعصية، فالهوى هو الدافع القوي لكل طغيان، وكل تجاوز، وكل معصية، وهو أساس البلوى، وينبوع الشر، وقل أن يؤتى الإنسان إلا من قِبَل الهوى.
فالجهل سهل علاجه، ولكن الهوى بعد العلم هو آفة النفس التي تحتاج إلى جهاد شاق طويل الأمد لعلاجها: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)} [النازعات: 40، 41].
ولم يكلف الله سبحانه الإنسان أن ينزع من نفسه الهوى، فإن هذا خارج عن طاقته، ولكنه كلفه أن ينهاها ويكبحها ويمسك بزمامها، وأن يستعين في هذا بالخوف من مقام ربه الجليل، وكتب له بهذا الجهاد الشاق الجنة مثابة ومأوى.
ذلك أن الله سبحانه يعلم ضخامة هذا الجهاد، وقيمته في تهذيب النفس البشرية، ورفعها إلى مقامها الأسنى.
إن الإنسان يعلو ويسمو بهذا النهي، وبهذا الجهاد، وبهذا الارتفاع، وليس إنساناً بترك نفسه لهواها، وإطاعة جواذبه إلى دركها.
إن الذي أودع في نفس الإنسان الاستعداد لجيشان الهوى، هو الذي أودعها الاستعداد للإمساك بزمامه، ونهي النفس عنه، ورفعها من جاذبيته، وجعل له الجنة جزاء ومأوى حين ينتصر على هواه ويرقى.
والحرية نوعان:
الأولى: حرية إنسانية تليق بتكريم الله للإنسان، وهي حرية الانتصار على هوى النفس، والانطلاق من أسر الشهوة، والتصرف بها في توازن تثبت معه حرية اختيار الأحسن شرعاً.
الثانية: حرية حيوانية، وهي هزيمة الإنسان أمام هواه، وعبوديته لشهوته، وانفلات الزمام من إرادته، وهي حرية لا يهتف بها إلا مخلوق مهزوم الإنسانية، فهؤلاء وإن حملوا صورة الآدمي في الظاهر فهم هابطون إلى درك الحيوان في الباطن: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)} [الفرقان: 44].
ولكل إنسان مهما كان له هوى شخصي حتى ولو كان طفيفاً، فتلك هي الطبيعة البشرية، ولكن الذي لا هوى له هو الله سبحانه، فهو سبحانه الغني الذي يملك كل شيء، ولا يحتاج إلى أحد، بل كل أحد محتاج إليه في وجوده وبقائه وحركته، فتشريعه سبحانه لا يتم عن هوى، وإنما يتم عن حق وعدل ورحمة وعلم.
وهوى النفس حينما يسيطر على الإنسان يتخذ من العلم والتطور والحرية سبيلاً ومبرراً للخروج عن منهج الله إلى هوى النفس البشرية.
وهل العلم والترقي، والحرية والطمأنينة، والعزة والسعادة إلا في اتباع منهج الله لو كانوا يعلمون؟.
فكما خلق الله كل شيء، وبين للإنسان كل شيء، وسخر له كل شيء في السموات والأرض، كذلك وضع له منهجاً يسير عليه في الحياة فيه تبيان كل شيء يحتاجه، وكما وضع للنبات أوامر، وللكواكب أوامر، كذلك وضع للإنسان أوامر يسير عليها في هذا العالم، ليكون على صلة بخالقه ومولاه.
ولكن لغلبة الهوى تشذ النفس بشهواتها عما سواها من المخلوقات المطيعة.
أفلا يستحي البشر من هذا، يتركون هدى ربهم الذي فيه فلاحهم، ويتبعون هوى أنفسهم الذي فيه هلاكهم، ويشذون بمعاصيهم عن ركب المطيعين؟
{أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83)} [آل عمران: 83].
أيبتغون غير الله رباً وهو رب كل شيء؟.
{قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164)} ... [الأنعام: 164].
أيقبلون حكم المخلوق، ويعافون حكم ربهم العدل، الذي له ملك السموات والأرض، وله الخلق والأمر وحده، وإليه يرجعون؟.
{أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114)} ... [الأنعام: 114].
واعجباً لهذا الإنسان الغافل عن ربه، الجاهل بدينه وشرعه.
أو لما أعطاه الله من العلم ما يساعده على تسهيل أمور حياته من وسائل النقل والبناء والصناعة والزراعة يجعل هذا سبباً للبعد عن ربه ورفض منهجه؟
{أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74)} [المائدة: 74].
أفلا يخجل من ربه كلما أردف عليه النعم زادته كفراً وجحوداً وإعراضاً؟.
إن العلم مع الإيمان يسوق الإنسان إلى كل خير، وإن العلم بلا إيمان يهوي بالإنسان إلى كل شر كما قال سبحانه: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (83)} [غافر: 83].
إن النفس البشرية لها شهوات، وهي تريد أن تنطلق بهذه الشهوات إلى ما تهواه، دون أن يكون لها قيود تحدها.
والله عزَّ وجلَّ قد خلقنا جميعاً، وجعل لنا ديناً واحداً، وهذا الدين يجعل عبادتنا واحدة، وشريعتنا واحدة، وقبلتنا واحدة، وحقوقنا متساوية، فإذا جاء هوى النفس يطلب ما هو حق للغير، جاء عدل الله ومنعه من ذلك.
فإن اعتدى على حق غيره عاقبه، وحينئذ يبحث هوى النفس عمن يبيح له ذلك، فيخترع آلهة من دون الله، أو يتصور أو يصور آلهة تبيح له شهوات نفسه بلا قيود.
ومن هنا فإنه يريد أن يشكل إلهه على هواه، فيتخذ أحجاراً، أو أصناماً، أو أشياء يسميها هو ولا وجود لها، ويضع لها المنهج الذي تمليه عليه نفسه، مما يحقق رغبته وشهواته، وينسبه إليها وهي غافلة عنه.
وفي هذه الحالة يكون الإنسان قد ألغى عقله، واتبع هواه، وضل عن الحق: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)} [الفرقان: 43، 44].
وهذا هو الضلال البعيد الذي ليس بعده ضلال: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)}[القصص: 50].
وهو الخسران المبين في الدنيا والآخرة إنه: {يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (12) يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13)} ... [الحج: 12، 13].
فأصل كل شر ومصيبة تقديم الهوى على الوحي .. وتقديم شهوات النفس على أوامر الرب كما قال سبحانه: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)} ... [النور: 63].
وقد رد الله على الملائكة الرأي كما قال سبحانه: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)} [البقرة: 30].
وقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105)} [النساء: 105].
وما أُخرج آدم من الجنة إلا بتقديم الرأي على النص، والشهوة على الأمر .. وما لُعن إبليس إلا بتقديم الرأي على النص .. ولا هلكت أمة من الأمم إلا بتقديم آرائها على الوحي .. ولا تفرقت الأمة شيعاً وأحزاباً وفرقاً إلا بتقديم آرائهم على النصوص.
وقد نهى الله عزَّ وجلَّ عن التقديم بين يدي الله ورسوله بأي قول يخالف الكتاب والسنة كما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)} [الحجرات: 1].
ومجامع الهوى خمسة أمور جمعها الله في قوله سبحانه: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20)} [الحديد: 20].
ومن اتبع هواه وسد على نفسه أبواب الهداية، ولج في دروب الغواية، فإن الله لا يهديه، وما ظلمه الله، ولكن هو ظلم نفسه وتسبب لمنع رحمة الله عليه باتباع هواه فمن يهديه من بعد الله؟.
{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23)} [الجاثية: 23].
والله تبارك وتعالى هو الهادي لكل خير، المانع من كل شر، أنزل الهدى وأمرنا باتباعه، وحذرنا من مخالفته والتعلق بغيره كما قال سبحانه: {قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (71)} [الأنعام: 71].
فالقرآن العظيم هو الهدى المشتمل على المطالب العالية في الدنيا والآخرة:
فهو الهادي إلى معرفة الله بأسمائه وصفاته وأفعاله.
الذي يهدي إلى معرفة جلال الله وجماله، وإنعامه وإحسانه.
ويهدي إلى معرفة رسله وأوليائه وأعدائه، وأوصافهم وأعمالهم.
ويهدي إلى الأعمال الصالحة ويدعو إليها، ويبين الأعمال السيئة وينهى عنها.
ويهدي إلى بيان الجزاء على الأعمال الحسنة والسيئة في الدنيا والآخرة.
فالمؤمنون اهتدوا به فأفلحوا وسعدوا، والذين كفروا أعرضوا عنه فشقوا في الدنيا والآخرة كما قال سبحانه: {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88)} [الأنعام: 88].
وفي اتباع الهوى السعادة الأبدية والصلاح والفلاح، فما أجدر العاقل باتباع الشريعة الكاملة التي تأمر بكل خير، وتنهى عن كل شر، ومخالفة الهوى الذي يوقع في كل شر، ويمنع كل خير كما قال سبحانه: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18)} [الجاثية: 18].
واتباع الهوى يضل العبد عن سبيل الله، ويخرجه عن الصراط المستقيم فيقع في العذاب الشديد؛ لأنه ترك الهدى واتبع الهوى كما قال سبحانه: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)} [ص: 26].
واتباع الهوى هو إيثار ميل النفس إلى الشهوة والانقياد لها فيما تدعو إليه من معاص الله عزَّ وجلَّ.
وانقياد الإنسان واتباعه للشهوات يجعله في مصاف الحيوانات، ويجلب له الخزي في الدنيا، والعذاب في الآخرة.
وجميع المعاصي تنشأ من تقديم هوى النفس على محبة الله ورسوله، والهوى شر داء خالط القلوب، وشر إله عُبد في الأرض.
وخير الناس من أخرج الشهوات من قلبه، وعصى هواه في طاعة ربه، ومن أطاع هواه أعطى عدوه مناه.
والإنسان إذا كان كلما هوى شيئاً رَكِبه، وكلما اشتهى شيئاً أتاه، لا يحجزه عن ذلك ورع ولا تقوى، فقد اتخذ إلهه هواه.
وإذا تمكنت الشهوة من الإنسان وملكته وانقاد لها كان كالبهائم أشبه منه بالناس.
وصاحب الهوى يعميه الهوى ويصمه، فلا يستحضر ما لله ورسوله في الأمر ولا يطلبه أصلاً، ولا يرضى لرضا الله ورسوله، ولا يغضب لغضب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، بل يرضى إذا حصل له ما يرضاه بهواه، ويغضب إذا حصل ما يغضب له بهواه؛ لأن قصده الحمية لنفسه، أو الرياء ليعظم هو ويثنى عليه، وليس قصده أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا.
وعلاج اتباع الهوى بسبعة أمور:
أحدها: التفكر في أن الإنسان لم يخلق للهوى، وإنما خلق لعبادة الله والنظر في العواقب، والعمل للآجل، فلو كان نيل المشتهى فضيلة لما بخس الإنسان منه وزاد عن حظ البهائم.
وفي توفير حظ الإنسان من العقل، وبخس حظه من الهوى دليل على فضل هذا وذاك.
الثاني: التفكر في فائدة مخالفة الهوى من اكتساب الذكر الجميل في الدنيا، وسلامة النفس والعرض، والأجر في الآخرة.
الثالث: التفكر في حقيقة ما يناله باتباعه هواه من اللذات والشهوات، فإن العقل سيخبره أنه ليس بشيء، ولكن عين الهوى عمياء.
الرابع: التدبر لما يحصل له من عز الغلبة إن ملك نفسه، وذل القهر إن غلبته، فمن غلب هواه عز، ومن غلبه هواه ذل.
الخامس: التفكر في عواقب الهوى، فكم فوت من فضيلة، وكم أوقع في رذيلة مع الإثم.
السادس: تصور العاقل لانقضاء غرضه من هواه، فسيرى أن ما حصل له من الأذى يربو على اتباع الهوى أضعافاً مضاعفة.
السابع: تصور عاقبة ذلك في حق غيره، فعندئذ سيرى ما يعلم به عيب نفسه إن هو وقف في ذلك المقام وارتكس في هذه الآثام.
{وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119)} [الأنعام: 119].
فما أسفه عقول البشر حين يتبعون أهواءهم بعد بلوغهم رسالة ربهم: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى(23)} [النجم: 23].
فليتبع العبد هدى ربه، ويحذر من هوى نفسه وهوى غيره، وفي طاعة ربه سعادته ونجاته: {قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120)} [البقرة: 120].