ألم يعصر قلبي ، واسترخاء يملك إحساسي |
لكأني أتجرع ذوب نبات سام |
أو في جوفي أفرغ – عن آخرها- كأس مخدر |
حتى أهوي في لجة نهر النسيان |
لا حسدا مني لسعودك |
بل فرحا بسعادتك |
وأنت تغرد للصيف بكل شعورك |
يا سلطان الشجر الطائر |
في المرج المخضل ، وفي ممتد الظل |
. |
من لي بسلاف باردةٍ |
عاشت زمنا في جوف الأرض |
جمعت نكهتها من ريف أخضر وربيع طلق |
من رقصات وأغان وهناء مشمس |
من لي بالكأس امتلأت من خمر جنوب دافئ |
بالحق وبالحكمة حف بها الحببُ |
والياقوت القاني يصبغ مرشفها |
أحسو ، أغمض عن كل العالم عيني |
وأهيم بصحبتك إلى أعماق دامسة في الغاب |
. |
وبعيدا أتخفى أتلاشى ما بين الأغصان |
أنسى ما لم تعرف أنت |
من السأم ، الحمى ، القلق ، هنا حيث الناس |
جلوسا يصغي البعض لآلام البعض |
ويهز الوهن ببطء الأحزان شعيرات في الرأس رمادية |
صار ربيع العمر هزيلا يذوي ويموت |
وما في البال سوى الأشجان |
رب جمال لا يقدر إبقاء العينين منورتين |
ولا الحب الآتي أن يذوي تحناني لهما خلف الغد |
. |
هناك بعيدا بعيدا إليك أطير |
على متن أجنحة الشعر |
أفضل من عربات لباخوس ، ذات الفهود |
وإن كان عقلي ثقيلا يعوق انطلاقي |
وهأنذا معك الآن ، ما أروع الليل |
والقمر المترفع إذ يستوي فوق عرشه |
محاطا بحاشية من نجوم وضاء |
ولكن هنا . لا ضياء |
سوى ما أتى من علٍ فوق متن النسيم |
خلال الغياهب تزهو اخضرارا |
وعبر الطحالب فوق السبل |
. |
لا أستجلي أزهارا تمسس قدمي |
أو عبقا هفهافا بين الأفنان |
لكني في الظلمة أستكنه كل عبير يتضوع هذا لشهر |
الأعشاب الأجمات وأشجار الفاكهة البرية |
الزعرور الأبيض والنسرين البائس |
وبنفسجة ما أسرع أن تذبل تستخفي في الأوراق |
والبنت البكر لمايو إذ ينتصفُ |
وأزهار المسك المترعة خمورا وندى |
ثم طنين الحشرات بليلات الصيف |
. |
وأرهف سمعي بقلب الظلام ، وكم مرة |
صبوتُ إلى الموت يطرق بابي |
وأختار أحلى النداءات حين أناديه ، ثم بشعري |
أناجي ليحمل في الجو أنفاسي الوادعة. |
فما أجمل الموت في التو ، بل هو أثمن من أي وقت سواه |
فحين أموت بمنتصف الليل دون المعاناة |
لحظة تسكب روحك في نشوة وانبهار |
أيا أيها البلبل المنتشي |
تظل تردد لحنك ، تنثرهُ |
فوق ما يتبقى من الأذنين المبعثرتين بجسمي التراب! |
. |
يا هذا الطير الخالد إنك لم تولد للموت |
لم تطأ الأجيالُ الساغبة غناءك بالأقدام |
تلك النغمة أسمعها منك الليلة |
سمعتها الأمراء كثيرا والغوغاء |
با- من يدري- هي ذات النغمة |
راعت راعوث المضناة ، وكانت |
تذرف أدمعها في أعواد القمح بغربتها |
من يدري إن كانت ذات النغمات |
تفتن- ما أدراك- شبابيكا ساحرة |
تنفتح على زبد البحر الهادر في تلك الأصقاع المهجورة |
تسكنها الجنيات |
. |
المهجورة!! يا للكلمة تشبه ناقوسا |
يفصلني عنك ويدفعني للعزلة |
فوداعا ، إن غناءك ينساب |
فوق مراع مصغية ، وجداول ساكنة ، وعلى التل |
ثم اندفن عميقا بين شجيرات الوادي هذا |
هل كانت رؤيا؟ أم حلما من أحلام اليقظة؟ |
والموسيقى . أين الموسيقى؟! هل أنا صاح أم نائم؟ |
* |
ترجمة: محمد السنباطي |