السؤال
ما مقصود الفقهاء بأن الرجل يكون مسلما بالإدعاء والانتساب ، أرجو التفصيل .
نص الجواب
الحمد لله
الطريق لإثبات الإسلام لشخص ما؛ يكون إما بتصريحه بدخول الإسلام ، أو بنطقه الشهادة، والالتزام بمضمونها، أو بأن يُرى وهو يقوم بأركان الإسلام كالصلاة.
جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (4 / 266):
" ما يصير به الكافر مسلما:
ذكر الفقهاء أن هناك طرقا ثلاثة يحكم بها على كون الشخص مسلما وهي: النص - والتبعية - والدلالة.
أما النص فهو أن يأتي بالشهادتين صريحا.
وأما التبعية فهي أن يأخذ التابع حكم المتبوع في الإسلام، كما يتبع ابن الكافر الصغير أباه إذا أسلم مثلا، وسيأتي الكلام عليها مستوفى.
وأما طريق الدلالة فهي سلوك طريق الفعل للدخول في الإسلام " انتهى.
والإسلام بالنص أو بالتصريح؛ الأصل فيه أن يكون بالنطق بكلمة التوحيد، واظهار الالتزام بها.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الإِسْلاَمِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ ) رواه البخاري (25) ومسلم (22).
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا، وَصَلَّوْا صَلاَتَنَا، وَاسْتَقْبَلُوا قِبْلَتَنَا، وَذَبَحُوا ذَبِيحَتَنَا، فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ، إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ ) رواه البخاري (392).
لكن الشخص ربما يصرح بادّعاء الإسلام والانستاب إليه؛ كأن يقول أنا مسلم ؛ أو أنه من المسلمين ؛ فإنه يحكم بإسلامه ، ولو لم يُسْمَع منه النطق بالشهادتين .
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:
" وإن قال: أنا مؤمن، أو أنا مسلم. فقال القاضي: يحكم بإسلامه بهذا، وإن لم يلفظ بالشهادتين؛ لأنهما اسمان لشيء معلوم معروف ، وهو الشهادتان، فإذا أخبر عن نفسه بما تضمن الشهادتين؛ كان مخبرا بهما " انتهى، من "المغني" (12 / 289).
وروي هذا عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى:
" قال الخلال: حدثنا محمد بن علي، قال: حدثنا مهنا، قال: سألت أحمد عن رجل من أهل الذمّة يهودي أو نصراني أو غير ذلك من الأديان يقول: أنا مسلم ، وإن محمدًا نبي؟
قال: هو مسلم، ثم قال: أما أنا فكنت أجبره على الإسلام.
وقال: عجبًا لأبي حنيفة ، بلغني عنه أنه يقول: لا يكون مسلمًا حتى يقول أنا بريء من الكفر الذي كنت فيه، وإلَّا فلا يكون مسلمًا ، ولا يجبر على الإسلام حتى يقول: وإني بريء من الكفر " انتهى، من "الجامع لعلوم الإمام أحمد" (4 / 172).
وجاء في "الاختيار لتعليل المختار" في الفقه الحنفي (4 / 150):
" ولو قال: أنا مسلم كان أبو حنيفة يقول: لا يكون مسلما حتى يتبرأ، ثم رجع وقال: ذلك إسلام منه." انتهى.
ويستدل لهذا بحديث عِمْرَان بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: كَانَتْ ثَقِيفُ حُلَفَاءَ لِبَنِى عُقَيْلٍ، فَأَسَرَتْ ثَقِيفُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَسَرَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَجُلًا مِنْ بَنِي عُقَيْلٍ، وَأَصَابُوا مَعَهُ الْعَضْبَاءَ، فَأَتَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الْوَثَاقِ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ! فَأَتَاهُ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ: بِمَ أَخَذْتَنِي؟ وَبِمَ أَخَذْتَ سَابِقَةَ الْحَاجِّ؟
فَقَالَ، إِعْظَامًا لِذَلِكَ : أَخَذْتُكَ بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكَ ثَقِيفَ .
ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ، فَنَادَاهُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! يَا مُحَمَّدُ! وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحِيمًا رَقِيقًا، فَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: إِنِّي مُسْلِمٌ .
قَالَ: لَوْ قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَكَ أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلَاحِ ... ) رواه مسلم (1641).
وأخرج النسائي في "السنن الكبرى" (9 / 11 - 12) تحت باب "قَوْلُ الْمُشْرِكِ: إِنِّي مُسْلِمٌ" عن عُقْبَة بْن مَالِكٍ، قَالَ: ( بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فَغَارَتْ عَلَى قَوْمٍ فَشَذَّ مِنَ الْقَوْمِ رَجُلٌ، فَاتَّبَعَهُ رَجُلٌ مِنَ السَّرِيَّةِ ، مَعَهُ السَّيْفُ شَاهِرُهُ ، فَقَالَ الشَّاذُّ من الْقَوْم: إِنِّي مُسْلِمٌ.
فَلَمْ يَنْظُرْ إِلَى مَا قَالَ، فَضَرَبَهُ، فَقَتَلَهُ .
فَنُمِيَ الْحَدِيثُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ فِيهِ قَوْلًا شَدِيدًا ...
قَالَ الْقَاتِلُ: وَاللهِ مَا كَانَ الَّذِي قَالَ إِلَّا تَعَوُّذًا مِنَ الْقَتْلِ ...
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللهَ أَبَى عَلَيَّ الَّذِي قَتَلَ مُؤْمِنًا. ثَلَاثَ مَرَّاتٍ )، ورواه الإمام أحمد في "المسند" (28 / 221)، وصححه محققو المسند.
وروى أبو داود في "السنن" (2652) عَنْ فُرَاتِ بْنِ حَيَّانَ: ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِهِ، وَكَانَ عَيْنًا لِأَبِي سُفْيَانَ، وَكَانَ حَلِيفًا لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَمَرَّ بِحَلَقَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: إِنِّي مُسْلِمٌ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّهُ يَقُولُ: إِنِّى مُسْلِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مِنْكُمْ رِجَالًا نَكِلُهُمْ إِلَى إِيمَانِهِمْ، مِنْهُمْ فُرَاتُ بْنُ حَيَّانَ )، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (4 / 276).
وكذا؛ إذا كان الشخص مجهول الحال ، وادعى أنه مسلم؛ فإن هذه الدعوى تُصدّق.
قال الخطابي رحمه الله تعالى:
" إذا جاءنا من نجهل حاله بالكفر والإيمان فقال إني مسلم قبلناه، وكذلك إذا رأينا عليه أمارة المسلمين من هيئة وشارة ونحوهما حكمنا بإسلامه إلى أن يظهر لنا منه خلاف ذلك " انتهى، من "معالم السنن" (1 / 223).
وهذا كله أخذا بظاهر الحال، من غير تنقيب عن سريرته فهذه حكمها إلى الله تعالى.
قال القرطبي رحمه الله تعالى:
" وفي هذا من الفقه باب عظيم، وهو أن الأحكام تناط بالمظان والظواهر، لا على القطع واطلاع السرائر " انتهى، من "تفسير القرطبي" (7 / 51).
ثانيا:
المنتسب إلى الإسلام إذا ارتكب شيئا من المكفرات ونواقض الإسلام، واجتمعت فيه شروط التكفير، فمثل هذا لا ينفعه الانتساب إلى الإسلام، وهو يباشر شيئا من نواقض الإسلام ويصر عليه.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى :
" وقد أجمع العلماء على أن من أتى بناقض من نواقض الإسلام : يحكم عليه بذلك الناقض وإن قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. وإن صلى وصام؛ لأن هذه الشهادة تنفع إذا أدى حقها، أما إذا ضيع حقها لم تنفع قائلها، والله المستعان." انتهى. "فتاوى نور على الدرب" (1 / 52).
وراجع للفائدة الجواب رقم (85102).
والله أعلم.
المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب