بحث وجمع وكتابة : أ . تحسين يحيى أبو عاصي
مات زعيم الكﻼب وقائدهم الذي كان يدير أمورهم وينظم حياتهم ، ويجمعهم حول كلمة واحدة ، وطلب كل كلب من بعده أن يدير القطيع ويكون سيده وقائده وزعيمه ، وأن يكون له اﻷمر والمشورة والحكم والنهي ، و اختلفت الكﻼب فيما بينها على صفات قائدهم وزعيمهم ، ورفضت تعيين قائدا من بعده ، وتعمق بينهم اﻻنقسام ، وساد بينهم العداء ، وتفرقوا وتخاصموا فلم تجتمع لهم كلمة من بعده*.
في يوم من اﻷيام طلب أكبرهم اﻻجتماع بهم جميعاً وقال لهم مخاطباً : إن حمل اﻷمانة ثقيل وعبئها كبير ، وتحتاج إلى رجل حكيم قوي ذكي ، فمن يرغب منكم بحمل أمانة المسئولية ، وأن يكون قائدنا وكبيرنا ومعلمنا وملهمنا فعليه تنفيذ الشروط اﻵتية*:
1-*أن يُحضر لنا من الغابة أسداً*.
2-*أن يأتي إلينا راكباً على ظهره*.
3-*أن يربطه في الشجرة*.*
قال أحد الكﻼب الصغار ( جرو ) : أنا أوافق على هذه الشروط ، وانطلق مسرعا إلى الغابة يبحث عن عرين اﻷسد ، وبعد رحلة طويلة شاقة ، كابد بها الكلب الصغير (الجرو*)*جميع أنواع اﻷخطار من جوع وعطش وخوف وتعب ، وأخيراً اهتدى إلى العرين فدخله خلسة ليجد اﻷسد وزوجته اللبوة وصغارهم نائمين*.وضع الجرو الصغير ( الكلب ) نفسه بين صغار اﻷسد وتظاهر بالنوم ، انتبهت اﻷم فجأة إلى الجرو ، واندهشت من وجوده نائماً بين أبنائها ، ولكنها كانت حليمة هادئة فلم تغضب ، إﻻ أنها رفضت عندما رأته أن يعيش عنصر غريب بين أبنائها ، سألت اللبوة الكلب الصغير : ماذا تفعل هنا ؟ وما الذي جاء بك بيننا ؟*.
قال الجرو متمسكناُ وقد تظاهر بالعناء والضعف والجوع : أنا صغير وضعيف وجائع وﻻ مكان لي لكي آوي إليه ، وبدأ يستجدي اﻷم بأن يعيش مع صغارها ، يلعب ويلهو ويأكل ويشرب ، فوافقت اﻷم على ذلك ولم تكترث لوجود الجرو بين أبنائها ؛ ﻷنها اقتنعت أنه ﻻ يشكل خطراُ على أحد منهم*.بعد ساعة انتبه اﻷسد الذي كان نائماً من قبل ، وحملق بالجرو غاضباً ، وفتح فاه المرعب وبدأ بالغضب ، لكن زوجته اللبوة قالت له : اهدأ وتمهل قليﻼً ، إنه جرو صغير ولن يضيرنا وجوده بيننا في شيء ، فنحن ملوك الغابة والغابة لنا ، اتركه يلعب مع صغارنا*.
وافق اﻷسد ملك الغابة على ما قالته اللبوة ، ولم يكترث أيضاً بوجود الجرو بينهم وفي عرينه*.
بعد مدة من الزمن أصبح الكلب جزءا من أسرة اﻷسد وأحد أفراد حاشيته ، ونال احترام وتقدير اﻷسد واللبوة والحيوانات كلها في الغابة ، وفي يوم من اﻷيام قال الجرو لﻸسد : يا ملك الغابة ، إن لي قصة مأساوية محزنة وأريد منك مساعدتي ، فقد خرجت من موطني مطروداً من الكﻼب التي كانت تنهش جسدي ، واعتدوا عليّ ، واغتصبوا حقوقي ، وإنني أرغب بأن أعود إلى موطني مؤيدا مُعزّزا مُكرّما برفقتك وتحت حمايتك*.
وافق ملك الغابة على مساعدة الجرو وحمايته وقال له : اطمئن وستعود إلى موطنك مؤيداً معززاً بكرامتك واحترامك بين أقربائك ... وإنني مستعد لخدمتك وحمايتك*.
انطلق الجرو واﻷسد إلى موطن الجرو ، وفي الطريق كان الجرو يتلذذ بجميع أنواع اللحوم التي كان يأكلها مع اﻷسد ، من بقر وغزﻻن وأرانب وغير ذلك*.وعندما اقترب الجرو من موطنه وبدأ يشاهد أقرباءه من قطيع الكﻼب قال لﻸسد : يا ملك الغابة وزعيمها وقائدها ، لقد تعبت كثيرا من طول الطريق ، وانت صاحب الجود والكرم والشهامة والنخوة ، أريد أن أستريح قليﻼ من المشي فأركب فوق ظهرك لعلي أحظى بقسط من الراحة ، عطف اﻷسد على الجرو وجعله يصعد فوق ظهره ليستريح من عناء المشي ومشقة الطريق ، وعندما اقتربا كثيراً من موطن قطيع الكﻼب أراد اﻷسد أن يودعه وينصرف عائداً ، فقال له الجرو وهو جالساً على ظهر اﻷسد : يا ملك الغابة إنني ﻻ زلت في خطر ، وإنني أخشى من عقاب قطيع الكﻼب لي ، فﻼ تتركني وحيدا وتنصرف إﻻ بعد أن أشعر باﻷمان واﻻطمئنان ، فقد صنعت معي صنيعا لن أنساه لك أبدا ولم يبق إﻻ القليل ، لقد آويتني وأكرمتني وجعلتني أعيش بين زوجتك وأبنائك وفي مملكتك وداخل عرينك ، وخدمتني أجل وأعظم خدمة حيث جئت بي إلى هنا مؤيدا مكرما ، وإنني أخشى إن دخلت اﻵن إلى أقربائي الكﻼب أن يفتكوا بي ويقتلوني بعد أن تعود إلى عرينك فﻼ أجد لي حامياً وﻻ نصيرا ، أرجو منك يا ملك الغابة أن تكمل معروفك وإحسانك لي بأن أربطك في هذه الشجرة لكي أطمئن أنك لن تتركني وحيداً*.*
قال له اﻷسد : افعل ما يروق لك وﻻ تقلق ، وسأبذل كل جهدي من أجل راحتك ، وأرجو أﻻ تمكث كثيراً فتتركني مقيداً وانت بعيداً عني*.
اقترب اﻷسد من الشجرة ، ومنح ثقته للكلب الصغير لكي يُجسّد اﻹخﻼص بأسمى معانيه ، وتمكن الجرو من ربطه وشد وثاقه ، وذهب إلى أقربائه الكﻼب الذين كانوا يشاهدون الموقف كامﻼً بدهشة كبيرة وكأن أعينهم ﻻ تصدق ما يجري أمامهم*.، فقد نجح هذا الجرو الصغير من تحقيق الشروط الثﻼثة ، فأحضر اﻷسد ، وركب على ظهره ، وربطه في الشجرة ، وصار الجرو كبير الكﻼب يحكم ويأمر وينهى ، وله اﻷمر والمشورة في كل هاربة وواردة*.
وبينما كان اﻷسد مربوطاً في الشجرة ، أقبل إليه فأر صغير ضعيف ﻻ قيمة وﻻ وزن له ، فحياه بالسﻼم وقال له : يا ملك الغابة : ما رأيك بأن أنقذك من هذه المصيبة التي ألمَّت بك مقابل أن تعطيني نصف مملكتك ( الغابة ) ؟وافق اﻷسد على هذا الشرط وقال للفأر : بل أعطيك كل مملكتي ، وبدأ الفأر بقرض الحبل وعاد اﻷسد إلى عرينه ، وسألته زوجته اللبوة عما أصابه فقد ألم به الضعف واﻹعياء وبلغ منه اﻹرهاق مبلغه ، ورفض أن يخبر زوجته وأوﻻده حقيقة ما حدث به من ويﻼت الزمان ، فقال لها : لقد أصابني المرض واﻹسهال من كثرة ما أكلت من اللحوم ، حتى صرت هكذا كما تشاهدين*.بعد أيام هجم ألوف الفئران على الغابة التي أصبحت ملكا لهم ، فطلب اﻷسد من زوجته وأبنائه الرحيل قائﻼ لهم : ﻻ مكان لي في بلد الكﻼب فيه تربط والفئران تحل*...