الكتاب: البديع في نقد الشعر
المؤلف: أبو المظفر مؤيد الدولة مجد الدين أسامة بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الكناني الكلبي الشيزري (المتوفى: 584هـ)
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
باب
التضييق والتوسيع والمساواة
اعلم أن النقاد قالوا: ينبغي أن يكون اللفظ على قدر المعنى، ولا يكون أطول منه ولا أقصر، ولذلك قالوا: خير الكلام ما كانت ألفاظه قوالب لمعانيه، فمتى كان اللفظ أكثر من المعنى كان الكلام واسعاً وضاع المعنى فيه، مثل قول بعض العرب:
ولما قضينا من منًى كلَّ حاجةٍ ... ومسحَ بالأركان من هوَ ماسحُ
وفاضوا ليوم النحرِ من كلّ وجهةٍ ... ولم ينظر الغادي الذي هو رائحُ
أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا ... وسالتْ بأعناق المطيّ الأباطحُ
ولا خلاف في أن المعنى ضائع في اللفظ، لأنه بمعنى لما حججنا رجعنا وتحدثنا في الطريق. لكن عليه حلاوة وطلاوة.
ومنه:
يجري الحياء الغض في قسماتهم ... في حيث يجري من أكفهم الدمُ
وإذا غضبتَ وأنتَ أنت شجاعةً ... توفي على غضبِ الورى وهمُ همُ
والتضييق هو أن يضيق اللفظ عن المعنى، لكون المعنى أكثر من اللفظ، مثل قول امرئ القيس:
على سابح يعطيك قبل سؤالهِ ... أفانينَ جريٍ غير كزٍّ ولا واني
فإن قوله: أفانين جري اختصار معان كثيرة، وكذلك غير كز يحتمل معاني كثيرة، وكذلك: ولا واني.
ومنه قول عنترة بن شداد:
ربذ يداه بالقداحِ إذا شتا ... هتاك غايات التجار ملوم
فإن في كل كلمة معنى، وقد تكون الكلمة تحتها معان كثيرة "، وكل هذا دون ما في الكتاب العزيز، مثل قوله تعالى: " ومن يتوكل على الله فهوحسبه ". وقوله تعالى: " فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين " وهو كثير في القرآن. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أوتيت جوامع الكلم ". وقوله تعالى: " إذ يغشى السدرة ما يغشى ". " وغشيهم من اليم ما غشيهم ". ولولا فضل الله عليكم ورحمته "، وقول الناس: لو رأيت علياً بين الصفين، إشارة إلى معان كثيرة. وكذلك قولهم: أتفر مني وأنا أنا. وقد قصدتك وأنت أنت، وقد وعدك وهو هو. كل هذا إشارة إلى معان كثيرة.
وأنشد أبو دلامة لامرئ القيس:
بعزهمُ عززتَ، وإن يذلوا ... فذلهم أنالكَ ما أنالا
فقوله: أنالك ما أنالا إشارة إلى أشياء كثيرة.
ومنه للمسيب:
فلأشكرنَّ غريبَ نعمته ... حتى أموتَ وفضله الفضلُ
أنتَ الشجاع إذا همُ نزلوا ... عند المضيقِ، وفعلكَ الفعلُ
المؤلف: أبو المظفر مؤيد الدولة مجد الدين أسامة بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الكناني الكلبي الشيزري (المتوفى: 584هـ)
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
باب
التضييق والتوسيع والمساواة
اعلم أن النقاد قالوا: ينبغي أن يكون اللفظ على قدر المعنى، ولا يكون أطول منه ولا أقصر، ولذلك قالوا: خير الكلام ما كانت ألفاظه قوالب لمعانيه، فمتى كان اللفظ أكثر من المعنى كان الكلام واسعاً وضاع المعنى فيه، مثل قول بعض العرب:
ولما قضينا من منًى كلَّ حاجةٍ ... ومسحَ بالأركان من هوَ ماسحُ
وفاضوا ليوم النحرِ من كلّ وجهةٍ ... ولم ينظر الغادي الذي هو رائحُ
أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا ... وسالتْ بأعناق المطيّ الأباطحُ
ولا خلاف في أن المعنى ضائع في اللفظ، لأنه بمعنى لما حججنا رجعنا وتحدثنا في الطريق. لكن عليه حلاوة وطلاوة.
ومنه:
يجري الحياء الغض في قسماتهم ... في حيث يجري من أكفهم الدمُ
وإذا غضبتَ وأنتَ أنت شجاعةً ... توفي على غضبِ الورى وهمُ همُ
والتضييق هو أن يضيق اللفظ عن المعنى، لكون المعنى أكثر من اللفظ، مثل قول امرئ القيس:
على سابح يعطيك قبل سؤالهِ ... أفانينَ جريٍ غير كزٍّ ولا واني
فإن قوله: أفانين جري اختصار معان كثيرة، وكذلك غير كز يحتمل معاني كثيرة، وكذلك: ولا واني.
ومنه قول عنترة بن شداد:
ربذ يداه بالقداحِ إذا شتا ... هتاك غايات التجار ملوم
فإن في كل كلمة معنى، وقد تكون الكلمة تحتها معان كثيرة "، وكل هذا دون ما في الكتاب العزيز، مثل قوله تعالى: " ومن يتوكل على الله فهوحسبه ". وقوله تعالى: " فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين " وهو كثير في القرآن. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أوتيت جوامع الكلم ". وقوله تعالى: " إذ يغشى السدرة ما يغشى ". " وغشيهم من اليم ما غشيهم ". ولولا فضل الله عليكم ورحمته "، وقول الناس: لو رأيت علياً بين الصفين، إشارة إلى معان كثيرة. وكذلك قولهم: أتفر مني وأنا أنا. وقد قصدتك وأنت أنت، وقد وعدك وهو هو. كل هذا إشارة إلى معان كثيرة.
وأنشد أبو دلامة لامرئ القيس:
بعزهمُ عززتَ، وإن يذلوا ... فذلهم أنالكَ ما أنالا
فقوله: أنالك ما أنالا إشارة إلى أشياء كثيرة.
ومنه للمسيب:
فلأشكرنَّ غريبَ نعمته ... حتى أموتَ وفضله الفضلُ
أنتَ الشجاع إذا همُ نزلوا ... عند المضيقِ، وفعلكَ الفعلُ