تفسير الجلالين
{ وَمَآ أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بِى وَلاَ بِكُمْ } في الدنيا أأخرج من بلدي ، أم أقتل كما فعل بالأنبياء قبلي؟ أو ترموني بالحجارة؟ أم يخسف بكم كالمكذبين قبلكم
----------------------------------------------------------------------------------------
من تفسير بن كثير
وقوله: { وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ } قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في هذه الآية: نزل بعدها { لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } [الفتح: 2]. وهكذا قال عكرمة، والحسن، وقتادة: إنها منسوخة بقوله: { لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } ، قالوا: ولما نزلت هذه الآية قال رجل من المسلمين: هذا قد بين الله ما هو فاعل بك يا رسول الله، فما هو فاعل بنا؟ فأنزل الله: { لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ } [الفتح: 5].
هكذا قال، والذي هو ثابت في الصحيح أن المؤمنين قالوا: هنيئا لك يا رسول الله، فما لنا؟ فأنزل الله هذه الآية.
وقال الضحاك: { وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ } : ما أدري بماذا أومر، وبماذا أنهى بعد هذا؟
وقال أبو بكر الهذلِيّ، عن الحسن البصري في قوله: { وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ } قال: أما في الآخرة فمعاذ الله، قد علم أنه في الجنة، ولكن قال: لا أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا، أخرج كما أخرجت الأنبياء [من] (3) قبلي؟ أم أقتل كما قتلت الأنبياء من قبلي؟ ولا أدري أيخسف بكم أو تُرمون بالحجارة؟
وهذا القول هو الذي عَوّل عليه ابن جرير، وأنه لا يجوز غيره، ولا شك أن هذا هو اللائق به، صلوات الله وسلامه عليه، فإنه بالنسبة إلى الآخرة جازم أنه يصير إلى الجنة هو ومن اتبعه، وأما في الدنيا فلم يدر ما كان يئُول إليه أمره وأمر مشركي قريش إلى ماذا: أيؤمنون أم يكفرون، فيعذبون فيستأصلون بكفرهم (1) ؟ فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد:
[/size]
فقد انفرد بإخراجه البخاري دون مسلم (4) ، وفي لفظ له: "ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل به" (5) . وهذا أشبه أن يكون هو المحفوظ، بدليل قولها: "فأحزنني ذلك". وفي هذا وأمثاله دلالة على أنه لا يقطع لمعين بالجنة إلا الذي (6) نص الشارع على تعيينهم، كالعشرة، وابن سلام، والغُميصاء، وبلال، وسراقة، وعبد الله بن عمرو بن حرام والد (7) جابر، والقراء السبعين الذين قتلوا ببئر معونة، وزيد بن حارثة، وجعفر، وابن رواحة، وما أشبه هؤلاء.
-----------------------------------------------------------------------
من اضواء البيان للشنقيطى
قوله تعالى : { أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } .
التحقيق إن شاء الله ، أن معنى الآية الكريمة ، ما أدري ما يفعل بي ولا بكم فى دار الدنيا ، فما أدري أأخرج من مسقط رأسى أو أقتل كما فعل ببعض الأنبياء .
وما أدري ما ينالني من الحوادث والأمور فى تحمل أعباء الرسالة .
وما أدري ما يفعل بكم أيخسف بكم ، أو تنزل عليكم حجارة من السماء ، ونحو ذلك .
وهذا هو اختيار ابن جرير وغير واحد من المحققين .
وهذا المعنى فى هذه الآية دلت عليه آيات من كتاب الله كقوله تعالى : { وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الغيب لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخير وَمَا مَسَّنِيَ السواء } [ الأعراف : 188 ] الآية . قوله تعالى آمراً له صلى الله عليه وسلم : { قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ الله ولا أَعْلَمُ الغيب } [ الأنعام : 50 ] الآية .
وبهذا تعلم أن ما يروى عن ابن عباس وأنس وغيرهما من أن المراد ، { وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } أي في الآخرة فهو خلاف التحقيق ، كما سترى إيضاحه إن شاء الله .
فقد روي عن ابن عباس وأنس وقتادة والضحاك وعكرمة والحسن فى أحد قوليه أنه لما نزل قوله تعالى : { وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } أي في الآخرة فهو خلاف التحقيق ، كما سترى إيضاحه إن شاء الله .
فقد روي عن ابن عباس وأنس وقتادة والضحاك وعكرمة والحسن فى أحد قوليه أنه لما نزل قوله تعالى : { وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } فرح المشركون واليهود والمنافقون ، وقالوا : كيف نتبع نبياً لا يدري ما يفعل به ولا بنا وأنه لا فضل له علينا ، ولولا أنه ابتدع الذي يقوله ، من عند نفسه ، لأخبره الذي بعثه بما يفعل به .
فنزلت { لِّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } [ الفتح : 2 ] فنسخت هذه الآية .
وقالت الصحابة : هنيئاً لك يا رسول الله ، لقد بين لك الله ما يفعل بك فليت شعرنا ما هو فاعل بنا .
فنزلت { لِّيُدْخِلَ المؤمنين والمؤمنات جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار } [ الفتح : 5 ] الآية . ونزلت : { وَبَشِّرِ المؤمنين بِأَنَّ لَهُمْ مِّنَ الله فَضْلاً كِبِيراً } [ الأحزاب : 47 ] .
فالظاهر أن هذا كله خلاف التحقيق ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يجهل مصيره يوم القيامة لعصمته صلوات الله وسلامه عليه : وقد قال له الله تعالى { وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأولى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى } [ الضحى : 4 - 5 ] وأن قوله : { وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } في أمور الدنيا كما قدمنا . فإن قيل : قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أم العلاء الأنصاريه ما يدل على أن قوله : { يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } أي فى الآخرة فإن حديثها فى قصة وفاة عثمان بن مظعون رضي الله عنه عندهم ، ودخول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ، أنها قالت : رحمة الله عليك ، أبا السائب شهادتي عليك لقد أكرمك الله عز وجل تعنى عثمان بن مظعون ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « وما يدريك أن الله أكرمه؟ » فقلت : لا أدري بأي أنت وأمي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أما هو فقد جاءه اليقين من ربه وإني لأرجو له الخير ، والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي » الحديث .
فالجواب هو ما ذكره الحافظ ابن كثير رحمه الله ، فقد قال فى تفسير هذه الآية الكريمة ، بعد أن ساق حديث أم العلاء المذكور بالسند الذي رواه به أحمد رحمه الله انفرد به البخاري دون مسلم ، وفى لفظ له « ما أدري وأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يفعل به » ، وهذا أِبه أن يكون هو المحفوظ بدليل قولها فأحزنني ذلك اه محل الغرض منه وهو الصواب إن شاء الله ، والعلم عند الله تعالى