لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الآخرة شفاعات كثيرة ، وأول شفاعة هي الشفاعة العامة ، وهي من أجل أن الجبار سبحانه وتعالى يتجلى على أهل الموقف ، ويعلن بدء الحساب ، وذلك بعد أن يخرج الناس من القبور ، ويصطفون في ساحة الموقف {وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً} طه108
فالكل مشغول ، حتى أنه من شدة الشغل ما روى في الصحيحين ، أن السيدة عائشة تعجبت عندما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الخلق سيبعثون عرايا يوم القيامة ، فقالت : واسوءتاه أيطلعون على عوراتنا ، قال : يا عائشة الأمر أشد من ذلك ، فقد شغلهم ما هو أكبر من ذلك ، فكل واحد مشغول بحاله وبنفسه ، فكل واحد سيقف في المكان الذي انتهى إليه عمله ، والذي حدده له كتابه ، والذي يتوقف عليه حسابه ، فكل واحد له جهة معينة سيحاسب عندها ، فيشفع رسول الله لبدء الحساب ، وهذه أول شفاعة ، وهي الشفاعة العامة للكل ، الكافر ، والمسلم من أمة سيدنا محمد ، والمسلم من جميع الأمم السابقة ، لأن الكل يريد أن يبدأ الحساب ، كي يتخلصوا من هذا العذاب
وتوجد شفاعات أخرى سيشفع فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمها ، الشفاعة الخاصة ، شفاعة خاصة للمقربين ، وشفاعة خاصة لعامة المؤمنين ، وشفاعة خاصة للمذنبين ، وشفاعة خاصة لأهل الكبائر الذين سيدخلون الجحيم والعياذ بالله ، كل هذه شفاعات سيشفع فيها رسول الله صلى اله عليه وسلم ، أول هذه الشفاعات ، شفاعة المقربين
سيأخذ إذن من رب العالمين ، أن يفتح لهم أبواب الجنة ، حتى يخرجوا من القبور وكل واحد إلى قصره ، ويجلس في شرفة قصره يطلع على الحساب ، لأن هؤلاء القوم ليس لهم شأن بالحساب ، أو الصراط ، أو الميزان ، وهؤلاء يقول فيهم {إذا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ ، أَنْبَتَ اللَّه تَعَالَى لِطَائِفَةٍ مِنْ أُمَّتِي أَجْنِحَةً ، فَيَطِيرُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ إلَى الجِنَانِ يَسْرَحُونَ فِيها وَيَتَنَعَمُونَ فِيها كَيْفَ شَاؤُوا ، فَتَقُولُ لَهُمُ المَلائِكَةَ : هَلْ رَأَيْتُمُ الحِسَابَ؟ فَيَقُولُون : ما رَأَيْنَا حِسَاباً ، فَتَقُولُ لَهُمْ : هَلْ جُزْتُمُ الصِّرَاطَ؟ فَيَقُولُونَ : ما رَأَيْنَا صِرَاطاً ، فَتَقُولُ لَهُمْ : هَلْ رَأَيْتُمْ جَهَنَّمَ؟ فَيَقُولُونَ : ما رَأَيْنَا ، فَتَقُولُ المَلائِكَة : مِنْ أُمَّةِ مَنْ أَنْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ : مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ، فَتَقُولُ : نَاشَدْنَاكُمْ اللَّهَ حَدِّثُونا ما كَانَتْ أَعْمَالُكُمْ فِي الدُّنْيَا ، فَيَقُولُونَ : خَصْلَتَانِ كَانَتَا فِينا فَبَلَغْنَا هَذِهِ المَنْزِلَةَ بِفَضْلِ رَحْمَةِ اللَّهِ ، فَيَقُولُونَ: وَما هُمَا؟ ، فَيَقُولُونَ: كُنَّا إذا خَلَوْنَا نَسْتَحِي أَنْ نَعْصِيه ، وَنَرْضَى بِاليَسِيرِ مِمَّا قُسِمَ لَنَا ، فَتَقُولَ المَلائِكَةُ: يَحِقُّ لَكُمْ هَذَا}[1]
مراقبة الرقيب ، والرضا بالحسيب القريب الرزاق سبحانه وتعالى ، لكن كيف يدخلون الجنة ؟ لا يدخلون إلا بعد أن يأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن الجنة ممنوعة من الفتح إلا إذا جاء مفتاحها ! ، ومفتاحها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو يقول {أنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأرْضُ ، وَأنَا أوَّلُ مَنْ يَخْرُجُ عِنْدَ الصَّيْحَةِ يَوَمَ النُّشُورِ ، فَأذْهَبُ إلىَ الْجَنَّةِ فَأسْتَفْتِحُ ، فَيُقَالُ : مَنْ؟ فَأَقُولُ : مُحَمَّدْ ، فَتَقُولُ الْمَلائِكَةُ بِكَ أمِرْنَا أنْ نَفْتَحَ وَلا نَفْتَحُ لأحَدٍ قَبْلكَ}[2]
فنحن مأمورون ألا نفتح إلا لك أولاً ، فيشفع لهؤلاء القوم ويقول : من أجل خاطري عافهم من هذه الأهوال وأدخلهم أماكنهم في الجنَّة ، أين يجلسون ساعة الحساب {عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ{23} تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ{24} يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ{25} خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ{26} المطففين
فيجلس كل واحد منهم في شرفته ، يتطلَّع على الحساب ، وليس له شأن بما يحدث ، فهذه أول شفاعة من شفاعات رسول الله صلى الله عليه وسلم للجماعة المقربين ، فيفتح لهم أبواب الجنَّة ، ويدخلهم أماكنهم في الجنَّة ، ويجلسهم في شرفاتهم في الجنَّة ، ويأمر الجنَّة أن تفتح لهم أبوابها ، وتجهز لهم شرابها ، وأن تجهز لهم حورها وقصورها ، وأن تهيئ لهم أسبابها ، حتى ينظروا الحساب وهم في نعيم عزِّ الجناب سبحانه وتعالى
الشفاعة الثانية للمؤمنين الذين برُّوا في الدنيا ، وصدقوا مع الله ورسوله {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} الأحزاب23
ما شفاعة رسول الله لهم؟ سيدنا رسول الله عندما اطلع على الموقف العظيم ، وأهواله ، وشدته ، وعذابه ، فأين يُجلس صلى الله عليه وسلم المؤمنين؟ لا يجد مكاناً يناسبهم ، ولا مكاناً يلائمهم ، إلا ظل العرش الذي سيجلس عليه {تحت ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله}[3]
فحجزه كله للمؤمنين ، وقال لا أحد يدخل هذا المكان إلا الذي معه تذكرة من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما ثمن التذكرة؟ إما أن يكون ذكر ربنا مرة بخشوع وخضوع حتى دمعت عيناه ، وإما أن يكون قلبه معلق بالمسجد دائماً ، وهو في البيت أو في العمل يكون متذكراً للصلاة، ومتنبهاً للصلاة ، ومستعداً للصلاة ، ويريد أن يدخل في قطار الرضوان في أول الوقت وإما أن يكون في فترة شبابه أخذ فيها شهادة بأنها خالية من المعاصي والذنوب ، ونشأ فيها في طاعة الله {شاب نشأ في طاعة الله}
وإما أن يكون عادلاً فيمن ولاه الله أمره سواء كان في عمل مصلحة حكومية أو بيت، فأي جماعة يتولى أمرهم يكون إماماً عادلاً بينهم يحكم بينهم بالعدل ، وأخذ شهادة بهذا ، أو يكون قد عرض عليه من شهوات الدنيا وملذاتها ، فقال: إني أخاف الله رب العالمين، فإذا أستطاع أن يخرج من ملفه شهادة بأي من هؤلاء يأخذ تذكرة ، بأنه يجلس تحت عرش الله ، لأنه لا ظل إلا ظله
والملف الخاص بك موجود ، وله عدة نسخ ، فنسخة منه توضع تحت العرش في منطقة اسمها كنوز الأعمال هناك ، وفيها أصول أعمالنا ، وتوجد صورة أخرى مع الكرام الكاتبين الذي معنا وعددهم عشرون ملكاً ، عشرة بالنهار وعشرة بالليل يتعاقبون ، ومعهم نسخة أيضاً من أعمالك ، والأرض نفسها التي تقف عليها معها نسخة من هذا الملف ، والجوارح نفسها معها صورة من هذا الملف ، وسيدنا رسول الله عنده صورة ، والحق سبحانه وتعالى عنده صورة ، وفي كل سماء من سموات الله صورة من ديوان أعمالك
وكل هذه الصور تظهر ، حتى تدخل تحت ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله ، والذين تحت ظل العرش هؤلاء ليس لهم شأن بالحساب ، وإن كان العرش في أرض الحساب ، لكنهم ليس لهم شأن بالتعب أو بالعناء أو بالشقاء الذي في هذا اليوم الطويل ، لأنهم قال فيهم رسول الله {يَمُرُّ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَىَ الْمُؤْمِنِ كَصَلاةِ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَينِ}[4]
خمسون ألف سنة ستمر عليهم في وقت ركعتين خفيفتين ، جالسين في الظل ، لا يرون شمساً ولا زمهريراً ، ودانية عليهم ظلالها ، وذللت قطوفها تذليلاً ، فالظلال نازلة عليهم ، وكذلك القطوف ، وتوجد شجرة واحدة من أشجار الجنة {طوبى} ، يقول فيها رسول الله {يَمْشِي الرَّاكِبُ فِي ظِلَّهَا مَائَةَ سَنَةٍ وَ لا يَقْطَعُهَا}[5]
وهي شجرة واحدة من أشجار الجنة ، فما بالكم بباقي الأشجار؟ فهذا شئ لا يعلمه إلا الواحد القهار سبحانه وتعالى ، هؤلاء القوم الذين أشرنا إليهم ، السابقين ، والمقرَّبين ، والمحسنين ، والمؤمنين ، ليس لهم شأن بالحساب
{1} رواه ابن حبان في الضعفاء وأبو عبد الرحمن السلمي من حديث أنس رضي الله عنه
{2} رواه مسلم عن أنس رضي الله عنه
{3} يشير بذلك إلى الحديث الذي رواه أحمد والبخاري ومسلم والنسائي و ابن حبان و الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله {سبعةٌ يُظِلُّهم اللَّهُ في ظِلِّهِ يومَ لا ظِلَّ إلاَّ ظِلُّه: إمامٌ عادِلٌ، وشابٌّ نشأَ في عبادةِ اللَّهِ، ورجلٌ قلبُه معلَّقٌ بالمسجدِ إذا خرجَ منه حتى يعودَ إليه، ورجُلانِ تحابَّا في اللَّهِ اجتمَعا عليه وتفرَّقا عليه، ورجلٌ ذكرَ اللَّهَ خالِياً ففاضتْ عيناهُ، ورجلٌ دعَتْه امرأةُ ذاتُ حَسَبٍ وَجمالٍ فقالَ: إني أخافُ الله، ورجلٌ تصدَّقَ بصدَقةٍ فأخفاها حتى لا تَعلمَ شِمالُه ما تُنفقُ يَمينُه}
{4} رواه أحمد وأبو يعلى وابن حبان والبيهقي بسند حسن عن أبي سعيد
{5} متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه
فالكل مشغول ، حتى أنه من شدة الشغل ما روى في الصحيحين ، أن السيدة عائشة تعجبت عندما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الخلق سيبعثون عرايا يوم القيامة ، فقالت : واسوءتاه أيطلعون على عوراتنا ، قال : يا عائشة الأمر أشد من ذلك ، فقد شغلهم ما هو أكبر من ذلك ، فكل واحد مشغول بحاله وبنفسه ، فكل واحد سيقف في المكان الذي انتهى إليه عمله ، والذي حدده له كتابه ، والذي يتوقف عليه حسابه ، فكل واحد له جهة معينة سيحاسب عندها ، فيشفع رسول الله لبدء الحساب ، وهذه أول شفاعة ، وهي الشفاعة العامة للكل ، الكافر ، والمسلم من أمة سيدنا محمد ، والمسلم من جميع الأمم السابقة ، لأن الكل يريد أن يبدأ الحساب ، كي يتخلصوا من هذا العذاب
وتوجد شفاعات أخرى سيشفع فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمها ، الشفاعة الخاصة ، شفاعة خاصة للمقربين ، وشفاعة خاصة لعامة المؤمنين ، وشفاعة خاصة للمذنبين ، وشفاعة خاصة لأهل الكبائر الذين سيدخلون الجحيم والعياذ بالله ، كل هذه شفاعات سيشفع فيها رسول الله صلى اله عليه وسلم ، أول هذه الشفاعات ، شفاعة المقربين
سيأخذ إذن من رب العالمين ، أن يفتح لهم أبواب الجنة ، حتى يخرجوا من القبور وكل واحد إلى قصره ، ويجلس في شرفة قصره يطلع على الحساب ، لأن هؤلاء القوم ليس لهم شأن بالحساب ، أو الصراط ، أو الميزان ، وهؤلاء يقول فيهم {إذا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ ، أَنْبَتَ اللَّه تَعَالَى لِطَائِفَةٍ مِنْ أُمَّتِي أَجْنِحَةً ، فَيَطِيرُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ إلَى الجِنَانِ يَسْرَحُونَ فِيها وَيَتَنَعَمُونَ فِيها كَيْفَ شَاؤُوا ، فَتَقُولُ لَهُمُ المَلائِكَةَ : هَلْ رَأَيْتُمُ الحِسَابَ؟ فَيَقُولُون : ما رَأَيْنَا حِسَاباً ، فَتَقُولُ لَهُمْ : هَلْ جُزْتُمُ الصِّرَاطَ؟ فَيَقُولُونَ : ما رَأَيْنَا صِرَاطاً ، فَتَقُولُ لَهُمْ : هَلْ رَأَيْتُمْ جَهَنَّمَ؟ فَيَقُولُونَ : ما رَأَيْنَا ، فَتَقُولُ المَلائِكَة : مِنْ أُمَّةِ مَنْ أَنْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ : مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ، فَتَقُولُ : نَاشَدْنَاكُمْ اللَّهَ حَدِّثُونا ما كَانَتْ أَعْمَالُكُمْ فِي الدُّنْيَا ، فَيَقُولُونَ : خَصْلَتَانِ كَانَتَا فِينا فَبَلَغْنَا هَذِهِ المَنْزِلَةَ بِفَضْلِ رَحْمَةِ اللَّهِ ، فَيَقُولُونَ: وَما هُمَا؟ ، فَيَقُولُونَ: كُنَّا إذا خَلَوْنَا نَسْتَحِي أَنْ نَعْصِيه ، وَنَرْضَى بِاليَسِيرِ مِمَّا قُسِمَ لَنَا ، فَتَقُولَ المَلائِكَةُ: يَحِقُّ لَكُمْ هَذَا}[1]
مراقبة الرقيب ، والرضا بالحسيب القريب الرزاق سبحانه وتعالى ، لكن كيف يدخلون الجنة ؟ لا يدخلون إلا بعد أن يأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن الجنة ممنوعة من الفتح إلا إذا جاء مفتاحها ! ، ومفتاحها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو يقول {أنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأرْضُ ، وَأنَا أوَّلُ مَنْ يَخْرُجُ عِنْدَ الصَّيْحَةِ يَوَمَ النُّشُورِ ، فَأذْهَبُ إلىَ الْجَنَّةِ فَأسْتَفْتِحُ ، فَيُقَالُ : مَنْ؟ فَأَقُولُ : مُحَمَّدْ ، فَتَقُولُ الْمَلائِكَةُ بِكَ أمِرْنَا أنْ نَفْتَحَ وَلا نَفْتَحُ لأحَدٍ قَبْلكَ}[2]
فنحن مأمورون ألا نفتح إلا لك أولاً ، فيشفع لهؤلاء القوم ويقول : من أجل خاطري عافهم من هذه الأهوال وأدخلهم أماكنهم في الجنَّة ، أين يجلسون ساعة الحساب {عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ{23} تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ{24} يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ{25} خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ{26} المطففين
فيجلس كل واحد منهم في شرفته ، يتطلَّع على الحساب ، وليس له شأن بما يحدث ، فهذه أول شفاعة من شفاعات رسول الله صلى الله عليه وسلم للجماعة المقربين ، فيفتح لهم أبواب الجنَّة ، ويدخلهم أماكنهم في الجنَّة ، ويجلسهم في شرفاتهم في الجنَّة ، ويأمر الجنَّة أن تفتح لهم أبوابها ، وتجهز لهم شرابها ، وأن تجهز لهم حورها وقصورها ، وأن تهيئ لهم أسبابها ، حتى ينظروا الحساب وهم في نعيم عزِّ الجناب سبحانه وتعالى
الشفاعة الثانية للمؤمنين الذين برُّوا في الدنيا ، وصدقوا مع الله ورسوله {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} الأحزاب23
ما شفاعة رسول الله لهم؟ سيدنا رسول الله عندما اطلع على الموقف العظيم ، وأهواله ، وشدته ، وعذابه ، فأين يُجلس صلى الله عليه وسلم المؤمنين؟ لا يجد مكاناً يناسبهم ، ولا مكاناً يلائمهم ، إلا ظل العرش الذي سيجلس عليه {تحت ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله}[3]
فحجزه كله للمؤمنين ، وقال لا أحد يدخل هذا المكان إلا الذي معه تذكرة من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما ثمن التذكرة؟ إما أن يكون ذكر ربنا مرة بخشوع وخضوع حتى دمعت عيناه ، وإما أن يكون قلبه معلق بالمسجد دائماً ، وهو في البيت أو في العمل يكون متذكراً للصلاة، ومتنبهاً للصلاة ، ومستعداً للصلاة ، ويريد أن يدخل في قطار الرضوان في أول الوقت وإما أن يكون في فترة شبابه أخذ فيها شهادة بأنها خالية من المعاصي والذنوب ، ونشأ فيها في طاعة الله {شاب نشأ في طاعة الله}
وإما أن يكون عادلاً فيمن ولاه الله أمره سواء كان في عمل مصلحة حكومية أو بيت، فأي جماعة يتولى أمرهم يكون إماماً عادلاً بينهم يحكم بينهم بالعدل ، وأخذ شهادة بهذا ، أو يكون قد عرض عليه من شهوات الدنيا وملذاتها ، فقال: إني أخاف الله رب العالمين، فإذا أستطاع أن يخرج من ملفه شهادة بأي من هؤلاء يأخذ تذكرة ، بأنه يجلس تحت عرش الله ، لأنه لا ظل إلا ظله
والملف الخاص بك موجود ، وله عدة نسخ ، فنسخة منه توضع تحت العرش في منطقة اسمها كنوز الأعمال هناك ، وفيها أصول أعمالنا ، وتوجد صورة أخرى مع الكرام الكاتبين الذي معنا وعددهم عشرون ملكاً ، عشرة بالنهار وعشرة بالليل يتعاقبون ، ومعهم نسخة أيضاً من أعمالك ، والأرض نفسها التي تقف عليها معها نسخة من هذا الملف ، والجوارح نفسها معها صورة من هذا الملف ، وسيدنا رسول الله عنده صورة ، والحق سبحانه وتعالى عنده صورة ، وفي كل سماء من سموات الله صورة من ديوان أعمالك
وكل هذه الصور تظهر ، حتى تدخل تحت ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله ، والذين تحت ظل العرش هؤلاء ليس لهم شأن بالحساب ، وإن كان العرش في أرض الحساب ، لكنهم ليس لهم شأن بالتعب أو بالعناء أو بالشقاء الذي في هذا اليوم الطويل ، لأنهم قال فيهم رسول الله {يَمُرُّ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَىَ الْمُؤْمِنِ كَصَلاةِ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَينِ}[4]
خمسون ألف سنة ستمر عليهم في وقت ركعتين خفيفتين ، جالسين في الظل ، لا يرون شمساً ولا زمهريراً ، ودانية عليهم ظلالها ، وذللت قطوفها تذليلاً ، فالظلال نازلة عليهم ، وكذلك القطوف ، وتوجد شجرة واحدة من أشجار الجنة {طوبى} ، يقول فيها رسول الله {يَمْشِي الرَّاكِبُ فِي ظِلَّهَا مَائَةَ سَنَةٍ وَ لا يَقْطَعُهَا}[5]
وهي شجرة واحدة من أشجار الجنة ، فما بالكم بباقي الأشجار؟ فهذا شئ لا يعلمه إلا الواحد القهار سبحانه وتعالى ، هؤلاء القوم الذين أشرنا إليهم ، السابقين ، والمقرَّبين ، والمحسنين ، والمؤمنين ، ليس لهم شأن بالحساب
{1} رواه ابن حبان في الضعفاء وأبو عبد الرحمن السلمي من حديث أنس رضي الله عنه
{2} رواه مسلم عن أنس رضي الله عنه
{3} يشير بذلك إلى الحديث الذي رواه أحمد والبخاري ومسلم والنسائي و ابن حبان و الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله {سبعةٌ يُظِلُّهم اللَّهُ في ظِلِّهِ يومَ لا ظِلَّ إلاَّ ظِلُّه: إمامٌ عادِلٌ، وشابٌّ نشأَ في عبادةِ اللَّهِ، ورجلٌ قلبُه معلَّقٌ بالمسجدِ إذا خرجَ منه حتى يعودَ إليه، ورجُلانِ تحابَّا في اللَّهِ اجتمَعا عليه وتفرَّقا عليه، ورجلٌ ذكرَ اللَّهَ خالِياً ففاضتْ عيناهُ، ورجلٌ دعَتْه امرأةُ ذاتُ حَسَبٍ وَجمالٍ فقالَ: إني أخافُ الله، ورجلٌ تصدَّقَ بصدَقةٍ فأخفاها حتى لا تَعلمَ شِمالُه ما تُنفقُ يَمينُه}
{4} رواه أحمد وأبو يعلى وابن حبان والبيهقي بسند حسن عن أبي سعيد
{5} متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه