بسم الله الرحمن الرحيم
--------------
1- ينبغي لمن نوَى السفر أو غيره من العبادات أنْ يستحضر نيَّة التقرُّب إلى الله تعالى في جميع أحواله؛ لتكون أ
بسم الله الرحمن الرحيم
--------------
1- ينبغي لمن نوَى السفر أو غيره من العبادات أنْ يستحضر نيَّة التقرُّب إلى الله تعالى في جميع أحواله؛ لتكون أقواله وأفعاله ونفقاته قُربةً إلى الله تعالى؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّما الأعمال بالنيّات، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى))؛ متفق عليه [1].
فيقصد بحجِّه وعُمرته وتعبه ونفَقتِه وجهَ الله تعالى والدارَ الآخرة، والتقرُّب إلى الله تعالى بما يُرضِيه من الأقوال والأعمال والإحسان إلى عباد الله، بالقول والفعل في هذه الأزمان الفاضلة والمواطن الشَّريفة والبِقاع المباركة والمشاعر المعظَّمة؛ قال تعالى: ﴿ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 112]، وقال تعالى: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 146].
2- وليحذر كلَّ الحذر من أنْ يقصد بحجِّه الدُّنيا وحُطامَها، أو الرِّياء والسمعة والمفاخرة بذلك؛ فإنَّ ذلك من أقبح المقاصد ومن الموجبات لحبوط العمل ورَدِّه وعدم قبوله؛ قال تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [هود: 15، 16]، وقال تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ﴾ [الإسراء: 18، 19].
وفي الصحيح عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: ((قال تعالى: أنا أغنى الشُّرَكاء عن الشِّرك، مَن عمل عملاً أشرَكَ معي فيه غيري تركتُه وشِركَه))[2] .
3- وممَّا ينبغي له - أيضًا - أنْ يتعلَّم ما يُشرَعُ له في حجِّه وعُمرته وأثناء سفره وإقامته من الأحكام والآداب، ويتفقَّه في ذلك، ويسأل أهل الذِّكر عمَّا أشكَلَ عليه ليكون على بصيرةٍ من دِينه، وليجتنب الوُقوع في المحظور، أو التقصير في مشروع، فإنَّه يشترطُ لقبول العمل شرطان:
أحدهما: الإخلاص لله.
وثانيهما: موافقة العامل فيه لسُنَّة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -.
ومن أدلَّتهما قوله تعالى: ﴿ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 112].
فإسلامُ الوجهِ لله هو الخُضوع لله تعالى والانقياد له رغبةً ورهبةً، والإحسان هو العمل بالقُرآن على طريقة النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ؛ ولهذا قال تعالى في الحج: ﴿ حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ﴾ [الحج: 31]، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((خُذوا عنِّي مَناسِكَكم)) [3]، وقال أيضًا: ((مَن أحدَثَ في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ))[4].
فلا يكون العمل صالحًا وحسنًا إلا إذا تحقَّق فيه الإخلاصُ لله تعالى والمتابعة لسُنَّة النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقد بيَّن النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - للناس أحكامَ المناسك بقوله وفعله وتقريره، وقال: ((خُذوا عني مَناسِكَكم))، وكثيرٌ من الناس يُعرِّض نفسَه للحرَج والمشقَّة والشكِّ والحيرة والخسارة الماليَّة الباهظة بسبب عدم عِنايته لسُنَّة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - .
4- فإذا عزَم على السفر للحجِّ أو العُمرة - أو أي سفر آخر - فينبغي أنْ يوفِّر لأهله ما يحتاجون إليه من مُؤنة ونحوها؛ حتى لا يحتاجوا إلى الناس، وليذكُر ما صَحَّ عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: ((إذا أنفَق الرجلُ على أهله نفقةً وهو يحتسبُها فهي له صدقةٌ))[5]؛ متفق عليه.
5- وينبغي أنْ يُوصِيهم بتقوى الله؛ وهي فعل أوامره واجتناب نواهيه رغبةً ورهبةً، فإنَّ تقوى الله سببٌ لحصول كلِّ خير، والوقاية من كلِّ شر، في العاجلة والآجلة، وهي وصيَّة الله للأوَّلين والآخِرين، والمسافرين والمقيمين.
وقد رتَّب الله على التقوى تيسيرَ الأمور، وتنفيسَ الكروب، وتفريجَ الهموم، وسعة الرِّزق، وحُصول الهدى، وتكفير السيئات، وعظم الأجور، والتوفيق لكلِّ خير، والحِفظ من الله لعَبْدِه في الدُّنيا والآخِرة، والنَّجاة من النار، والفوز بالجنَّة، وتَوالي البشارات بأنواع المسرَّات في سائر الأوقات، وكذلك فإنَّ عليه - كما يُوصِي بها غيره - أن يتزوَّد بها، فإنَّ الله أمَر بها الحجَّاج على وجه الخصوص، وأخبَر أنَّها خيرُ الزَّاد وحلية أُولي الألباب من العباد؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197].
6- وممَّا ينبغي له أيضًا التوبةُ إلى الله من جميع الذنوب: فإنَّ الله تعالى أمَر جميع أهل الإيمان بالتوبة بقوله: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 31]، فمَن تاب توبةً نصوحًا أفلَحَ وفازَ بكلِّ محبوبٍ مرغوبٍ، وسَلمَ من كلِّ مكروهٍ مرهوب، وقد وعَد الله تعالى التائبين الصادقين بقبول التوبة بقوله: ﴿ فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المائدة: 39].
وحقيقةُ التوبةِ الاعترافُ بالخطيئة، وتركُها، والندمُ على ما مضَى منها، والعَزيمة على عدم الرجوع إليها، وإنْ كان عنده مظالم للناس في نفسٍ أو عرضٍ أو مالٍ ردَّ المظالم إلى أهلها، أو تحلَّلهم واستباحهم منها، وإنْ كان يترتَّب على ردِّها مفسدةٌ أكبر فإنَّه يُكثِرُ الدعاء لهم بكلِّ خير، والاستغفار لهم، والصدقة عنهم، ولا سيَّما في تلك البِقاع الطاهرة والمشاعر المعظَّمة، فقد صحَّ في الحديث عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: ((مَن كانت عنده مَظلَمةٌ لأخيه من مال أو عرض فليتحلَّل منه اليوم قبل ألَّا يكون دينارٌ ولا درهمٌ، إنْ كان له عمل صالح أخذ منه بقدْر مَظلَمته، وإن لم تكن له حسناتٌ أخذ من سيِّئات صاحبه فحمل عليه))[6].
7- وينبغي كذلك أنْ يُهيِّئ لحجِّه وعمرته نفقةً طيِّبة من مالٍ حَلال لا شُبهةَ فيه، فإنَّ أكْل الحلال يُصلِح القلبَ، ويُنشِّط على الطاعة، ويكون من أسباب وجل القلب وخوفه من الله، ممَّا يُعِينُه على الانكفاف عن المعصية والحياء من الله أنْ يجاهر بِمُخالفته، وقد صَحَّ في الحديث عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: ((إنَّ الله طَيِّبٌ لا يقبَلُ إلَّا طيبًا))[7].
وروى الطبراني عن أبي هريرة - رضِي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا خرَج الرجل حاجًّا بنفقةٍ طيِّبة، ووضَع رجله في الغرز فنادَى: لبَّيْك اللَّهم لبَّيْك، ناداه مُنادٍ من السماء: لبَّيْك وسعدَيْك، زادُك حلال، وراحلتُك حلال، وحجُّك مبرورٌ غير مأزور، وإذا خرَج الرجل بالنَّفقة الخبيثة، فوضَع رجلَه في الغرز فنادى: لبَّيْك اللَّهم لبَّيْك، ناداه مُنادٍ من السماء: لا لبَّيْك ولا سعدَيْك، زادُك حرام، ونفقتُك حرام، وحجُّك غيرُ مبرور))[8].
فينبغي للحاجِّ أنْ يُطيِّب نفقته ليبرَّ حجُّه وتُقبَل نفقتُه ويُستجاب دُعاؤه، وحتى يستغني بفضْل اللهِ عن الحاجة إلى ما في أيدي الناس، بل يُحسِن إليهم بما فضل عن حاجته، ويتصدَّق بما تيسَّر؛ اغتِنامًا لشرَف الزمان والمكان والعبادة، ولكنْ عليه أيضًا أنْ يقتصد فلا يتوسَّع في المباحات؛ حتى لا يحتاج إلى منَّة الناس، بل عليه أنْ يتعفَّف عن سؤالهم أو التطلِّع إلى ما في أيديهم، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ومَن يستعفف يُعِفَّه الله، ومَن يستغنِ يُغنِه الله))؛ متفق عليه[9].
وقال - عليه الصلاة والسلام -: ((القصدَ القصدَ تبلُغوا))[10] .
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ليس الغِنَى عن كثْرة العرض، ولكنَّ الغِنَى غِنَى النفس))؛ متفق عليه[11].
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن تكفَّل لي ألَّا يسأل الناس شيئًا أتكفَّل له بالجنَّة))؛ رواه أبو داود[12].
وذكر أهل التفسير أنَّ أناسًا كانوا يحجُّون ولا يتزوَّدون ويقولون: نحن المتوكِّلون، فإذا قدموا مكة أخَذُوا يسألون الناس، فأنزل الله تعالى فيهم قوله تعالى: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾ [البقرة: 197]؛ يعني: تزوَّدوا لحجِّكم ما يَكفِيكم من النَّفقة على حسب حالكم.
ما ينبغي لسفر المرأة:
لا يجوزُ للمرأة أنْ تسافر للحجِّ وغيره إلا ومعها محرمٌ، سواء كان السفر طويلاً أو قصيرًا، وسواء كان معها نساء أو لم يكن معها، وسواء كانت شابَّة أو عَجُوزًا؛ لعموم نهيِه - صلَّى الله عليه وسلَّم - بقوله: ((لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم))[13].
والحكمة من لُزوم المحرم أنَّ المرأة عورةٌ، وضعيفةٌ، وذات عاطفةٍ، ومَطمَع للرجال، فتَفتِن أو تُفتَتن، والمحرم يَغارُ عليها؛ فيصونها ويحافظ عليها ويمنعها ممَّا يضرُّها، ويُدافع عنها، وتُهاب من أجلِه، ولذا يُشتَرط أنْ يكون المحرم بالغًا عاقلاً.
والمحرم هو الزوج وكلُّ مَن تحرم عليه تحريمًا دائمًا بقَرابةٍ أو رضاعةٍ أو مُصاهَرة؛ كالأب والجدِّ وابنه والأخ من أيِّ جهةٍ، وابنه وابن الأخت من جهةٍ، والعم والخال، ومن هو بمنزلتهم من الرضاع؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب))[14]، وأبي زوجها وجده وأبنائه وأبناء بناته، وأزواج البنات وبنات الأبناء وبنات البنات، وأزواج الأمَّهات والجدَّات الذين دخَلُوا بهنَّ.
فوجودُ المحرم للمرأة شرطٌ في وُجوب الحج عليها، فإذا توفَّر لها المحرم مع الزاد والراحلة وأمْن الطريق، وجَب عليها الحجُّ وتستأذن زوجَها، وليس لزوجها منعُها من الحج، فإذا أَذِنَ وإلا حجَّت بغير إذْنه، وعليه نفقتُها.
[1] مسند أحمد 1/275.
[2] صحيح ابن خزيمة 938، وصحيح ابن حبان 395.
[3] صحيح مسلم 1297، والبيهقي في السنن 5/125، واللفظ له.
[4] صحيح البخاري 2697، وصحيح مسلم 1718 ـ 17.
[5] صحيح البخاري 55، وصحيح مسلم 48.
[6] صحيح البخاري 6534، وسنن البيهقي 3/369.
[7] صحيح مسلم 1015.
[8] أورده المنذري في الترغيب والترهيب 2/180، وقال: رواه الطبراني في الأوسط، ورواه الأصبهاني من حديث أسلم مولى عمر بن الخطاب مرسلًا مختصرًا.
[9] صحيح البخاري 1469، وصحيح مسلم 1053.
[10] صحيح البخاري 6463.
[11] صحيح البخاري 6446، وصحيح مسلم 1051.
[12] سنن أبي داود 1643.
[13] صحيح البخاري 1087.
[14] صحيح البخاري 1، وصحيح مسلم 1907.
---------
الكلم الطيب
قواله وأفعاله ونفقاته قُربةً إلى الله تعالى؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّما الأعمال بالنيّات، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى))؛ متفق عليه [1].
فيقصد بحجِّه وعُمرته وتعبه ونفَقتِه وجهَ الله تعالى والدارَ الآخرة، والتقرُّب إلى الله تعالى بما يُرضِيه من الأقوال والأعمال والإحسان إلى عباد الله، بالقول والفعل في هذه الأزمان الفاضلة والمواطن الشَّريفة والبِقاع المباركة والمشاعر المعظَّمة؛ قال تعالى: ﴿ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 112]، وقال تعالى: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 146].
2- وليحذر كلَّ الحذر من أنْ يقصد بحجِّه الدُّنيا وحُطامَها، أو الرِّياء والسمعة والمفاخرة بذلك؛ فإنَّ ذلك من أقبح المقاصد ومن الموجبات لحبوط العمل ورَدِّه وعدم قبوله؛ قال تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [هود: 15، 16]، وقال تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ﴾ [الإسراء: 18، 19].
وفي الصحيح عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: ((قال تعالى: أنا أغنى الشُّرَكاء عن الشِّرك، مَن عمل عملاً أشرَكَ معي فيه غيري تركتُه وشِركَه))[2] .
3- وممَّا ينبغي له - أيضًا - أنْ يتعلَّم ما يُشرَعُ له في حجِّه وعُمرته وأثناء سفره وإقامته من الأحكام والآداب، ويتفقَّه في ذلك، ويسأل أهل الذِّكر عمَّا أشكَلَ عليه ليكون على بصيرةٍ من دِينه، وليجتنب الوُقوع في المحظور، أو التقصير في مشروع، فإنَّه يشترطُ لقبول العمل شرطان:
أحدهما: الإخلاص لله.
وثانيهما: موافقة العامل فيه لسُنَّة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -.
ومن أدلَّتهما قوله تعالى: ﴿ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 112].
فإسلامُ الوجهِ لله هو الخُضوع لله تعالى والانقياد له رغبةً ورهبةً، والإحسان هو العمل بالقُرآن على طريقة النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ؛ ولهذا قال تعالى في الحج: ﴿ حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ﴾ [الحج: 31]، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((خُذوا عنِّي مَناسِكَكم)) [3]، وقال أيضًا: ((مَن أحدَثَ في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ))[4].
فلا يكون العمل صالحًا وحسنًا إلا إذا تحقَّق فيه الإخلاصُ لله تعالى والمتابعة لسُنَّة النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقد بيَّن النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - للناس أحكامَ المناسك بقوله وفعله وتقريره، وقال: ((خُذوا عني مَناسِكَكم))، وكثيرٌ من الناس يُعرِّض نفسَه للحرَج والمشقَّة والشكِّ والحيرة والخسارة الماليَّة الباهظة بسبب عدم عِنايته لسُنَّة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - .
4- فإذا عزَم على السفر للحجِّ أو العُمرة - أو أي سفر آخر - فينبغي أنْ يوفِّر لأهله ما يحتاجون إليه من مُؤنة ونحوها؛ حتى لا يحتاجوا إلى الناس، وليذكُر ما صَحَّ عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: ((إذا أنفَق الرجلُ على أهله نفقةً وهو يحتسبُها فهي له صدقةٌ))[5]؛ متفق عليه.
5- وينبغي أنْ يُوصِيهم بتقوى الله؛ وهي فعل أوامره واجتناب نواهيه رغبةً ورهبةً، فإنَّ تقوى الله سببٌ لحصول كلِّ خير، والوقاية من كلِّ شر، في العاجلة والآجلة، وهي وصيَّة الله للأوَّلين والآخِرين، والمسافرين والمقيمين.
وقد رتَّب الله على التقوى تيسيرَ الأمور، وتنفيسَ الكروب، وتفريجَ الهموم، وسعة الرِّزق، وحُصول الهدى، وتكفير السيئات، وعظم الأجور، والتوفيق لكلِّ خير، والحِفظ من الله لعَبْدِه في الدُّنيا والآخِرة، والنَّجاة من النار، والفوز بالجنَّة، وتَوالي البشارات بأنواع المسرَّات في سائر الأوقات، وكذلك فإنَّ عليه - كما يُوصِي بها غيره - أن يتزوَّد بها، فإنَّ الله أمَر بها الحجَّاج على وجه الخصوص، وأخبَر أنَّها خيرُ الزَّاد وحلية أُولي الألباب من العباد؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197].
6- وممَّا ينبغي له أيضًا التوبةُ إلى الله من جميع الذنوب: فإنَّ الله تعالى أمَر جميع أهل الإيمان بالتوبة بقوله: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 31]، فمَن تاب توبةً نصوحًا أفلَحَ وفازَ بكلِّ محبوبٍ مرغوبٍ، وسَلمَ من كلِّ مكروهٍ مرهوب، وقد وعَد الله تعالى التائبين الصادقين بقبول التوبة بقوله: ﴿ فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المائدة: 39].
وحقيقةُ التوبةِ الاعترافُ بالخطيئة، وتركُها، والندمُ على ما مضَى منها، والعَزيمة على عدم الرجوع إليها، وإنْ كان عنده مظالم للناس في نفسٍ أو عرضٍ أو مالٍ ردَّ المظالم إلى أهلها، أو تحلَّلهم واستباحهم منها، وإنْ كان يترتَّب على ردِّها مفسدةٌ أكبر فإنَّه يُكثِرُ الدعاء لهم بكلِّ خير، والاستغفار لهم، والصدقة عنهم، ولا سيَّما في تلك البِقاع الطاهرة والمشاعر المعظَّمة، فقد صحَّ في الحديث عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: ((مَن كانت عنده مَظلَمةٌ لأخيه من مال أو عرض فليتحلَّل منه اليوم قبل ألَّا يكون دينارٌ ولا درهمٌ، إنْ كان له عمل صالح أخذ منه بقدْر مَظلَمته، وإن لم تكن له حسناتٌ أخذ من سيِّئات صاحبه فحمل عليه))[6].
7- وينبغي كذلك أنْ يُهيِّئ لحجِّه وعمرته نفقةً طيِّبة من مالٍ حَلال لا شُبهةَ فيه، فإنَّ أكْل الحلال يُصلِح القلبَ، ويُنشِّط على الطاعة، ويكون من أسباب وجل القلب وخوفه من الله، ممَّا يُعِينُه على الانكفاف عن المعصية والحياء من الله أنْ يجاهر بِمُخالفته، وقد صَحَّ في الحديث عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: ((إنَّ الله طَيِّبٌ لا يقبَلُ إلَّا طيبًا))[7].
وروى الطبراني عن أبي هريرة - رضِي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا خرَج الرجل حاجًّا بنفقةٍ طيِّبة، ووضَع رجله في الغرز فنادَى: لبَّيْك اللَّهم لبَّيْك، ناداه مُنادٍ من السماء: لبَّيْك وسعدَيْك، زادُك حلال، وراحلتُك حلال، وحجُّك مبرورٌ غير مأزور، وإذا خرَج الرجل بالنَّفقة الخبيثة، فوضَع رجلَه في الغرز فنادى: لبَّيْك اللَّهم لبَّيْك، ناداه مُنادٍ من السماء: لا لبَّيْك ولا سعدَيْك، زادُك حرام، ونفقتُك حرام، وحجُّك غيرُ مبرور))[8].
فينبغي للحاجِّ أنْ يُطيِّب نفقته ليبرَّ حجُّه وتُقبَل نفقتُه ويُستجاب دُعاؤه، وحتى يستغني بفضْل اللهِ عن الحاجة إلى ما في أيدي الناس، بل يُحسِن إليهم بما فضل عن حاجته، ويتصدَّق بما تيسَّر؛ اغتِنامًا لشرَف الزمان والمكان والعبادة، ولكنْ عليه أيضًا أنْ يقتصد فلا يتوسَّع في المباحات؛ حتى لا يحتاج إلى منَّة الناس، بل عليه أنْ يتعفَّف عن سؤالهم أو التطلِّع إلى ما في أيديهم، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ومَن يستعفف يُعِفَّه الله، ومَن يستغنِ يُغنِه الله))؛ متفق عليه[9].
وقال - عليه الصلاة والسلام -: ((القصدَ القصدَ تبلُغوا))[10] .
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ليس الغِنَى عن كثْرة العرض، ولكنَّ الغِنَى غِنَى النفس))؛ متفق عليه[11].
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن تكفَّل لي ألَّا يسأل الناس شيئًا أتكفَّل له بالجنَّة))؛ رواه أبو داود[12].
وذكر أهل التفسير أنَّ أناسًا كانوا يحجُّون ولا يتزوَّدون ويقولون: نحن المتوكِّلون، فإذا قدموا مكة أخَذُوا يسألون الناس، فأنزل الله تعالى فيهم قوله تعالى: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾ [البقرة: 197]؛ يعني: تزوَّدوا لحجِّكم ما يَكفِيكم من النَّفقة على حسب حالكم.
ما ينبغي لسفر المرأة:
لا يجوزُ للمرأة أنْ تسافر للحجِّ وغيره إلا ومعها محرمٌ، سواء كان السفر طويلاً أو قصيرًا، وسواء كان معها نساء أو لم يكن معها، وسواء كانت شابَّة أو عَجُوزًا؛ لعموم نهيِه - صلَّى الله عليه وسلَّم - بقوله: ((لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم))[13].
والحكمة من لُزوم المحرم أنَّ المرأة عورةٌ، وضعيفةٌ، وذات عاطفةٍ، ومَطمَع للرجال، فتَفتِن أو تُفتَتن، والمحرم يَغارُ عليها؛ فيصونها ويحافظ عليها ويمنعها ممَّا يضرُّها، ويُدافع عنها، وتُهاب من أجلِه، ولذا يُشتَرط أنْ يكون المحرم بالغًا عاقلاً.
والمحرم هو الزوج وكلُّ مَن تحرم عليه تحريمًا دائمًا بقَرابةٍ أو رضاعةٍ أو مُصاهَرة؛ كالأب والجدِّ وابنه والأخ من أيِّ جهةٍ، وابنه وابن الأخت من جهةٍ، والعم والخال، ومن هو بمنزلتهم من الرضاع؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب))[14]، وأبي زوجها وجده وأبنائه وأبناء بناته، وأزواج البنات وبنات الأبناء وبنات البنات، وأزواج الأمَّهات والجدَّات الذين دخَلُوا بهنَّ.
فوجودُ المحرم للمرأة شرطٌ في وُجوب الحج عليها، فإذا توفَّر لها المحرم مع الزاد والراحلة وأمْن الطريق، وجَب عليها الحجُّ وتستأذن زوجَها، وليس لزوجها منعُها من الحج، فإذا أَذِنَ وإلا حجَّت بغير إذْنه، وعليه نفقتُها.
[1] مسند أحمد 1/275.
[2] صحيح ابن خزيمة 938، وصحيح ابن حبان 395.
[3] صحيح مسلم 1297، والبيهقي في السنن 5/125، واللفظ له.
[4] صحيح البخاري 2697، وصحيح مسلم 1718 ـ 17.
[5] صحيح البخاري 55، وصحيح مسلم 48.
[6] صحيح البخاري 6534، وسنن البيهقي 3/369.
[7] صحيح مسلم 1015.
[8] أورده المنذري في الترغيب والترهيب 2/180، وقال: رواه الطبراني في الأوسط، ورواه الأصبهاني من حديث أسلم مولى عمر بن الخطاب مرسلًا مختصرًا.
[9] صحيح البخاري 1469، وصحيح مسلم 1053.
[10] صحيح البخاري 6463.
[11] صحيح البخاري 6446، وصحيح مسلم 1051.
[12] سنن أبي داود 1643.
[13] صحيح البخاري 1087.
[14] صحيح البخاري 1، وصحيح مسلم 1907.
---------
الكلم الطيب