وللآداب تعريفات عدة في اللغة والاصطلاح، نذكر منها ما يلي:
الفعل المستحسن:
قال صاحب آداب الصحبة: الهمزة والدال والباء أصل واحد تتفرع مسائله وترجع إليه، فالأدب أن تجمع الناس على طعامك، وهي المأدُوبة والمأدَبة، والمآدب جمع مأدبة، ومن هذا القياس الأدب لأنه مجمع على استحسانه.
التعلم والسلوك الحسن:
فالأدب الذي يتأدب به الأديب من الناس، سُمِّي أدبًا لأنه يأدب الناس الذين يتعلمون على المحامد، وينهاهم عن المقابح، ويأدبهم: أي يدعوه، وأصل الأدب: الدعاء. وأدبه فتأدب: علمه لذلك يقال: هذا ما أدب الله تعالى به نبيه صلى الله عليه و سلم. ولكل وجهة أدب( 1).
ويشرح العلامة المناوي قول رسول الله صلى الله عليه و سلم: «أدبني ربي فأحسن تأديبي» فيقول الأدب هو ما يحصل للنفس من الأخلاق الحسن والعلوم المكتسبة( 2).
الفعل يليق بالشخص:
ومن معانيها أنها تطلق على ما يليق بالشيء أو الشخص، فيقال: آداب الشخص، وآداب القاضي( 3).
المحامد:
ففي شرح النوابغ: هو ما يؤدي بالناس المحامد، وكل الآداب متلقيات عن رسول الله صلى الله عليه و سلم، فإنه مجمعها ظاهرا أو باطنا، ثم قال: والأدب استعمال ما يحمد قولاً، وفعلاً ( 4).
وفي فتح القدير: الأدب: الخصال الحميدة، والمراد بالأدب في قول الفقهاء كتاب أدب القاضي أي ما ينبغي للقاضي أن يفعله لا ما عليه( 5).
الآداب في مصطلح الفقهاء:
1- المستحبات لا يسيء تاركها:
يقسم الفقهاء على ما وراء الفرائض والواجبات، سنن تاركها مسيء، وآداب تاركها غير مسيء ( 6).
2- المستحبات يسيء تاركها:
فقد يطلقونه على السنة في جامع الرموز في بيان العمرة، وما سوى ذلك سنن وآداب تاركها مسيء ( 7).وحكي أن حاتم الأصم قدم رجله اليسرى عند دخوله المسجد، فتغير لونه، وخرج مذعورًا، وقدم رجله اليمنى. فقيل: ما ذلك؟ فقال: لو تركت أدبًا من آداب الدين، خفت أن يسلبني الله جميع ما أعطاني.
3- ما يفعله الشارع مرة ويتركه مرة:
ففي البزازية في كتاب الصلاة في الفصل الثاني أن: الأدب ما فعله الشارع مرة وتركه أخرى، والسنة ما واظب عليه الشارع، والواجب ما شرع لإكمال الفرض والسنة ولإكمال الواجب والأدب لإكمال السنة ( .
4- الورع:
فالأدب عند بعض أهل الشرع الورع، وعند أهل الحكمة صيانة النفس.
كما قال حكيم: الأدب مجالسة الخلق على بساط الصدق ومطابقة الحقائق.
5- ما يوقي من الخطأ:
كما قال أهل التحقيق: الأدب الخروج من صدق الاختيار والتفرغ على يسار الافتقار، وكذا في خلاصة السلوك في تعريفات الجرجانى أن: الأدب عبارة عن معرفة ما يحترز به عن جميع أنواع الخطأ، وأدب القاضي وهو التزامه لما ندب إليها الشرع من بسط العدل، ورفع الظلم، وترك الميل (9 ).
6- الفعل المستحب عن ذوي الألباب:
قال المرصفي: اعلم أن الأدب معرفة الأحوال التي يكون الإنسان المتخلق بها محبوبًا عند أولي الألباب، الذين هم أمناء الله على أهل أرضه، من القول في موضعه المناسب له، فإن لكل قول موضعًا يخصه، بحيث يكون وضع غيره فيه خروجًا عن الأدب. كما قال جرْوَل الشاعر المشهور بالحُطّيِّئة: فإن لكل مقام مقالاً، ومن الصمت وهو السكوت المقصود في موضعه، فإن للصمت موضعًا، يكون القول فيه خلاف الأدب. يرشد على ذلك قوله صلى الله عليه و سلم: «رحم الله امرءا قال خيرًا فغنم، أو سكت فسلم»( 10).
والكلام المنبه على مواضع الأقوال، وعلى مواضع الصمت كثير. ومن الأحوال التي يكون التخلق بها أدبًا، وضع الأفعال في مواضعها، كما قال الله تعالى: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾(11 ). فنبه سبحانه على أن المطلوب العفو المصلح دون المفسد.
مراتب الأدب:
تتفاوت مراتب الأدب بحسب المتأدَّب معه، فليس الأدب مع الله كالأدب مع أنبيائه، وليس الأدب مع رسول الله، كالأدب مع سائر الناس، وليس للتعامل مع الناس أدب واحد، بل للوالدين أدب خاص، وللعلماء والكبار أدبٌ خاص، وهكذا.
وكذلك للتعامل مع النفس آداب، فمراتب الأدب أربعة هي:
أ- الأدب مع الله.
ب- الأدب مع رسول الله.
ج- الأدب مع الناس.
د- الأدب مع النفس.
أولا: الأدب مع الله عز و جل:
فهو رأس الأمر وعموده، وأهم ما يقدمه العبد في دنياه. قال ابن القيم رحمه الله: «الأدب مع الله ثلاثة أنواع:
أحدها: صيانةُ معاملته أن يشوبها بنقيصةٍ
الثاني: صيانة قلبه أن يلتفت إلى غيره
الثالث: صيانة إرادته أن تتعلق بما يمقتك عليه».
ثم قال: «ومن الأدب مع الله عدم رفع البصر إلى السماء في الصلاة للنهي عن ذلك، ومن الأدب مع الله: أن لا يستقبل بيته، ولا يستدبره عند قضاء الحاجة في الفضاء والبنيان، ومن الأدب مع الله: السكون في الصلاة، وعدم الالتفات فيها، والاستماع للقراءة في الصلاة، والمقصود أن الأدب مع الله تبارك وتعالى هو القيام بدينه، والتأدب بآدابه ظاهرًا وباطنًا، ولا يستقيم لأحدٍ قط الأدب مع الله إلا بثلاثة أشياء: معرفته بأسمائه وصفاته، ومعرفته بدينه وشرعه وما يُحب وما يكره، ونفسٌ مستعدة قابلة متهيئة لقبول الحق علمًا وعملاً»(12 ).
ثانيا: الأدب مع رسول الله صلى الله عليه و سلم:
قال ابن القيم رحمه الله: «وأما الأدب مع الرسول صلى الله عليه و سلم فالقرآن مملوء به، فرأس الأدب معه كمال التسليم له، والانقياد لأمره، وتلقي خبرَه بالقبول والتصديق دون معارضته بالعقل أو الشك، أو يقدم عليه آراء الرجال، فيوحده بالتحكيم والتسليم والانقياد والإذعان كما وحَّد اللهَ تعالى بالعبادة والخضوع والذل والإنابة والتوكل، ومن الأدب مع الرسول صلى الله عليه و سلم أن لا يتقدم بين يديه بأمر ولا نهي، ولا إذن ولا تصرف، حتى يأمر هو، وينهى، ويأذن كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾(13 ).
ومن الأدب معه أن لا تُرفع الأصوات فوق صوته فما الظن برفع الآراء على سُنَّته!! ومن الأدب أن لا يُعارض نصه بقياس، ولا يُحرف كلامه عن حقيقته، ولا يوقَفُ قَبول ما جاء به على موافقة أحد، فكل هذا من قلة الأدب معه صلى الله عليه و سلم وهو عين الجرأة … »( 14).
ثالثا: الأدب مع الخلق:
فلا بد من أن يعامل كل واحد بما يليق به، ومن خلق الله الملائكة، وعلى المسلم أن يتأدب معهم، ومن الأدب مع الملائكة محبتهم وموالاتهم، ومن الأدب مع الملائكة: البعد عن الذنوب والمعاصي والروائح الكريهة، لأنها تتأذى مما يتأذى منه ابن آدم، ومن الأدب معهم الامتناع عن كل ما يمنع قرب الملائكة أو دخولهم بيوتنا أو حضورهم مجالسنا، مثل الصورة والتمثال والكلب والجرس، وكذلك لا تقرب الملائكة سكرانا أو جنبا إلا أن يتوضأ، ومتشبها بالنساء وغيرهم.
كذلك لابد أن يعامَل الناس كل واحد بما يليق به، فهناك آداب التعامل مع الوالدين، وآداب مع الأرحام، وآداب مع الجار المسلم، وآداب مع العلماء، وآداب مع ولاة الأمر، وآداب مع الضيف، وآداب مع الأولاد، وآداب بين الزوجين، وآداب مع عامة المسلمين، وآداب مع المخالفين من أهل البدع والفاسقين، وكذلك آداب مع غير المسلمين.
قال ابن القيِّم رحمه الله: «أما الأدب مع الخلق فهو معاملتهم بما يليق بهم على اختلاف مراتبهم، فلكل مرتبة أدب، والمراتب فيها آداب خاصة، فمع الوالدين أدب خاص، وللأب منهما أدب هو أخص به، ومع العالم أدب آخر، ومع السلطان أدب يليق به، ومع الضيف أدب غير أدبه مع أهله، ولكل حالٍ أدب: فللأكل آداب....»، ثم قال: «وأدب المرء عنوان سعادته وفلاحه، وقلة أدبه عنوان شقاوته وبَواره … »، ثم قال: «ومن حقوق الخلق أن لا يفرِّط في القيام بحقوقهم، ولا يستغرق فيها بحيث يشتغل بها عن حقوق الله أو عن تكميلها، أو عن مصلحة دينه و قلبه…»(15 ).
رابعا: الأدب مع النفس:
وأدب الإنسان مع نفسه متنوع متفاوت كذلك، فمن الأدب مع النفس السعي إلى تزكيتها وإصلاحها ومحاسبتها وتدريبها على الطاعات والأخلاق، ومن الأدب مع النفس حثها على التوبة والإنابة والخشية وغيرها، وكذلك من الأدب مع النفس تدريبها وإلزامها على الآداب الشرعية.
( 1) أدب الصحبة - لابن عبد الرحمن السلمي - تحقيق وتعليق يوسف على بديوي /15]، وانظر لسان العرب لابن منظور 1/43.
( 2) فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي 1/224، 225، مطبعة مصطفي محمد، الطبعة الأولى سنة 1356.
( 3) لسان العرب لابن منظور 1/43.
( 4) تترتيب القاموس المحيط للزاوي 1/282.
( 5) البحر الرائق ج 6 ص 277، وقواعد الفقه ج 1 ص 166.
( 6) مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر ج 1 ص 390.
( 7) كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في الفقه ج 24 ص 205.
( أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء ج 1 ص 106.
( 9) كشاف اصطلاحات الفنون للشيح الأجل المولوي محمد أعلى بن علي النهانوي 1/53، 54.
( 10) أخرجه ابن المبارك فى الزهد (1/128، رقم 380). و هناد (2/535، رقم 1106).
( 11) سورة الشورى: 40.
( 12) مدارج السالكين ج 2 ص 386.
( 13) سورة الحجرات: الآية ١.
( 14) مدارج السالكين ج 2 ص 390.
( 15) مدارج السالكين ج 2 ص 393.