شهد العالم منذ بدء الخلق ظهور أشخاصٍ فاقوا من حولَهم, عُرفوا بميّزاتهم الكثيرة, مِّما رفع قدرهم وسطَّر أسماءَهم على صحائف المجد بحروفٍ من ذهب. وإنّ أعظم شخصية شهدها التاريخ هو محمد صلى الله عليه وسلم, لا لأنّ ملايين الأشخاص يحملون اسمه, ولا لأنّ آلاف المجلدات جَمَعتْ سيْرِتَه, ولا لأن غير المسلمين من أهل المعرفة والعلم أثنوا عليه وأُعجبوا بشخصه, بل لأكثر من ذلك كلِّه فإنه رسول صلى الله عليه وسلم مَجْمَع الفضائل وصاحب الفكر العميق والمشروع البشري الذي ما عرفت البشرية الأمن والرخاء والرفاهية والعدالة والإحسان إلا في ظلِّه.
ومحمد عليه الصلاة والسلام محلُّ الاقتداء في كل زمانٍ ومكان, منْ هنا على الجميع أن يعرفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحسب مواقعهم ليتمكّنوا من التأسي به عليه الصلاة والسلام. إذاً لا يَسَعُ الزوج المميز إلا أن يعرف الرسول الزوج, ولا يسع الجار الأمين إلا أن يعرف الرسول الجار, ولا يسعُ الحاكم العادل إلا أن يعرف الرسول الحكيم في حكمه, ولا يسع القائد المبدع إلا أن يعرف الرسول القائد القدوة. وهذه بعض صور حياته عليه الصلاة والسلام.
الرسول الزوج: كان عليه الصلاة والسلام حلو المعاشرة, كثير المثامرة لزوجاته وكان يقول: «خيركم خيركم لأهله, وأنا خيركم لأهلي».
الرسول الصديق: امتاز النبي بحسن صحبته وعظيم محبته لإخوانه وأعوانه يقول أنس رضي الله عنه: "خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أفٌ قط, ولا قال لشيء صنعته: لِمَ صنعته؟ ولا لشيء تركته: لِمَ تركته؟".
وقالت عائشة رضي الله عنها: "ما ضرب صلى الله عليه وسلم شيئاً قط, ولا ضرب امرأة ولا خادماً".
يقول أبو هريرة رضي الله عنه: دخلتُ السوق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوثب بائعٌ إلى يد النبي صلى الله علي وسلم ليقبّلها, فجذب يده, ومنعهُ قائلاً له: «هذا تفعله الأعاجم بملوكها, ولستُ بِمَلِك, إنما أنا رجل منكم» وأكمل أبو هريرة قائلاً: "أردت أن أحمل ما اشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى وقال: «صاحب الشيء أحق بأن يحمله».
الرسول المربي: اهتمّ النبي عليه الصلاة والسلام بالصِّبية والصغار, داعَبَهم وأحسنَ أدبهم وقال: «ما تَحَلَ [أهدى] والدٌ ولداً خيراً من أدب حسن». وكان يداعب الحسن والحسين وينْزل مِن على منبره ليحملهم ويداعبهم، وإذا كان في صلاة فارتقوا على ظهره، أطال ليأنَسُوا ويفرحوا, وكان يقول لأبناء العباس: «من سبق إليَّ فله كذا وكذا», فيسبقون إليه, فيقعون على ظهره وصدره فيقِّلُهم ويعانقهم. وكان يراقب أصحابه لِمَا ينفع الأمة وينفعهم, فهذا يطلب منه تعلم اللغات, وهذا يطلب منه القيام بالإحصاء. وإذا أساء أحد الأشخاص كان يعمم قائلاً: «ما بالُ أقوام…».
الرسول القائد: إنجازات النبي القائد صلى الله عليه وسلم أكثر من أن تُحصى. استطاع أن ينجو بأصحابه في رحلة الهجرة ثم استطاع أن يُقيم الدولة منظماً شؤونها الداخلية بوثيقةٍ دستورية, ومهتماً بمؤسساتها ونقاط القوة فيها من بناء المسجد، وإعداد الجيوش والمؤاخاة, وتعليم الناس القراءة والكتابة, وإرسال السفراء إلى الملوك والأمراء. وأعظم إنجازات النبي القائد صلى الله عليه وسلم صناعة قادة كانوا جيل القدوة وخير القرون, أمثال أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ وخالد وأبي عبيدة ومعاذ وعمر وعِكرمة رضي الله عنهم أجمعين.
ختاماً الرسول المغيِّر: لم يخرج النبي صلى الله عليه وسلم من الدنيا كما دخل, ولم تعد الدنيا بعد النبي صلى الله علي وسلم كما كانت من قبل, فلا الأصنام في الأرض تُعبَد, ولا العقول يخبو بريقها, ولا الحروب لأتفه الأسباب تنشب, ولا العرب أذلاء على أبواب روما وفارس, ولا فوضى في التشريع والقوانين, ولا همجية في قيادة الأقوى. كل شيء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تبدَّل. وها هي البشرية اليوم تتلمس أنظمة الإسلام وتعاليم النبي عليه الصلاة والسلام ولن يستقر حالها وتنعم بالأمن والعدل إلا إن اتّبعت هذا النبي وسارت على هديه وعملت بسنته.
جزى الله رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الجزاء وأكرمنا باتباعه والتأسي به في كل شؤون الحياة
وجزاكم الله خيرا