السؤال :
نشأت في مجتمع بريلوي العقيدة وحنفي المذهب ، وقد أدركت مؤخراً أن هذه العقيدة فاسدة ، فتبت إلى الله ، وغيرت عقيدتي ، لكن عدم وجود علماء وأئمة على العقيدة الصحيحة في أوساط هذا المجتمع جعل الأمر عليّ في غاية الصعوبة ، وبالتالي يعسر عليّ تمييز القول الأرجح في كثير من المسائل . فما توجيهكم ؟
أمّا الفقه فقد تعرفت على كثير من مسائل الفقه الحنفي ، وسؤالي هو : هل أستمر في اتباع المذهب الحنفي مصحوباً بالعقيدة الصحيحة ؟
الجواب :
الحمد لله
توجيهنا لجميع المسلمين غير المختصين بالعلوم الشرعية أن يتمسكوا في تصوراتهم العقائدية وممارساتهم الشرعية العملية بالعصمة التي أمرهم الله عز وجل بها ، وكل الأمارات والعلامات التي تهدي إليها ، وذلك يتمثل بما يلي :
أولا : بالكتاب والسنة الصحيحة ، ففيهما الهدى والنور ، وفيها العصمة من الزلل والخطأ ، ونحن على يقين أن الناس لا يمكنهم التدقيق في فهم الكتاب والسنة كما يصنع العلماء والفقهاء، ولكننا على يقين أيضا أن ثمة قدرا مشتركا يمكن لكل مسلم عاقل أن يفيده من القرآن الكريم ، وهو ما نسميه بـ " المحكمات " أو " جمل الثوابت " التي لا تخفى على كل قارئ لهذا الكتاب العظيم ، كالدعوة إلى توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة ، ونبذ الشرك والكفر ، والإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ، والدعوة إلى الفضائل ومكارم الأخلاق ومحاسن الشيم ، وحرمة الظلم والعدوان وقتل النفس والسرقة والزنا وشرب الخمر وأكل مال اليتيم وغيرها من كبائر الذنوب ومعايب الأخلاق ، كل ذلك نجده ظاهرا واضحا في كتاب الله تعالى ، وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته ، وقد قال الله عز وجل : ( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ) القمر/17، وقال سبحانه : ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) محمد/24 ، فلو لم يكن القرآن واضحا وظاهرا في محكماته ومجملاته لكل من يقرؤه ويتدبره لما كان فيه إفادة ، ولكان كتاب نخبة لا يتناوله سوى طبقة خاصة من المثقفين ، وحينئذ يفقد نوره ومقصده الذي أنزل لأجله ، وقد كان العربي الجاهلي من كفار قريش إذا وقف على آيات القرآن الكريم يستشعر ما فيها من هداية ونور ، ويفهم ما ترمي إليه من دعوة الحق والعدل والخير ، ولكن منهم من يؤمن ومنهم من يعاند ويستكبر ، فلن يكون المسلم الذي نشأ في أسرة مسلمة ، ويعيش اليوم في عصر العلم والعقل أبعد عن تفهم كتاب الله تعالى ، ومعرفة مقاصده الثابتة ، وأحكامه العامة ، وقواعده الشريفة .
ثانيا : الإفادة من العلماء والفقهاء الثقات المتوافرين اليوم والحمد لله ، وهم من شهدت لهم الأمة بالعلم والفهم والعمل ، وبلوغ درجة رفيعة في هذا المقام ، بفضل جهادهم ومصابرتهم وإخلاصهم لهذا الدين .
وعلامتُهم أن تجدهم دائما ما يستدلون بآيات الكتاب ، وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، ويميزون صحيحها من سقيمها ، ويعلمون الناسخ والمنسوخ ، والخاص والعام .
ومن علامتهم أيضا أن تجدهم يقتدون بالسلف الصالحين ، من الصحابة والتابعين ، والأئمة المتبوعين ، فلا يخرجون عن هديهم العام ، وكل فتوى أو كلمة تصدر منهم يعزونها لأحد الأئمة السابقين ، كأبي بكر وعمر ، وسفيان والأوزاعي ، وأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ، ومن بعد هؤلاء من المحققين من أهل السنة وأتباع السلف الصالح ؛ كابن تيمية وابن كثير وابن رجب ، وأمثالهم من علماء الإسلام الذين لا يختلف المسلمون في إمامتهم وديانتهم .
ومن أبرز علامتهم العامة التي نرشد الناس إليها أنهم لا ينغلقون على طائفة ، ولا ينفردون عن الأمة باسم أو وصف ، بل انتسابهم لرحم هذه الأمة وعمقها الضارب في التاريخ الإسلامي كله، أما من ينتمي إلى فرقة عقائدية خاصة ، كالبريليوية أو الديوبندية أو القاديانية ونحوها ، أو ينفرد عن وصف " أهل السنة والجماعة " باسم مستحدث وهيكل تنسُّكي خاص ، فغالبا ما يكون ذلك علامة على البدعة والخروج عن السنة ؛ إذ لو كان المعتقد الذي يحمله هو معتقد المسلمين من أهل السنة لما احتاج إلى أن يخرج إلى وصف آخر ، أو أن يتسمى بغير ما سماه الله به ، وقد قال الله عز وجل : ( وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) الحج/78. أما الانتساب إلى الأعمال الدعوية للتعاون على برامج عملية ، فليس هو المحذور المقصود هنا ، وكذلك الانتساب الفقهي لأحد المذاهب الأربعة ، بل المقصود الانتساب العقائدي لفرقة تتبنى توجها عقائديا خاصا ، وتجتمع عليه ، وتوالي وتعادي عليه .
ثالثا : ومن أهم ما يمكن لغير المختصين أيضا اللجوء إليه : كصحيح البخاري ومسلم ، والسنن المعتمدة : أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة ، وكتب الإمام مالك والشافعي ، وغيرهما ، وما صح من كتب الإمام أبي حنيفة وغيره من أئمة الإسلام ؛ فلا حرج عليه في تقليدهم والأخذ بأقوالهم في الفقه والاعتقاد ، والقراءة في كتبهم والإفادة منها ، فهم حجة بينه وبين الله ، وقد أمره الله عز وجل بالأخذ عنهم ، فقال سبحانه : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) النحل/43.
وإن وقع خطأ منهم فهذا أمر لا يخلو منه بشر ، وهو خطأ مغفور بل مأجور بإذن الله ، فقد قال عليه الصلاة والسلام : ( إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ ) رواه البخاري (7352) ، ومسلم (1716).
فتمييز القول الراجح من بين أقوال أئمة الإسلام ليس بالأمر الميسور ، ولا يتسنى لكل أحد ، وليس واجبا على عامة المسلمين أن يسعوا إليه ، فذلك شأن خاص بالعلماء ، المهم أن المسلم لا يتتبع الأقوال الشاذة ، وهي محصورة ومعروفة ، ولا يأخذ إلا عمن شهدت له الأمة بالفضل والعلم والفهم .
يقول العلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله:
" سمعت شيخنا ـ يعني : شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله يقول : جاءني بعض الفقهاء من الحنفية فقال : أستشيرك في أمر ! قلت : ما هو ؟ قال : أريد أن أنتقل عن مذهبي . قلت له : ولم ؟ قال : لأني أرى الأحاديث الصحيحة كثيرا تخالفه ، واستشرت في هذا بعض أئمة أصحاب الشافعي فقال لي : لو رجعت عن مذهبك لم يرتفع ذلك من المذهب ، وقد تقررت المذاهب ، ورجوعك غير مفيد ، وأشار عليَّ بعض مشايخ التصوف بالافتقار إلى الله والتضرع إليه ، وسؤال الهداية لما يحبه ويرضاه . فماذا تشير به أنت عليَّ ؟
قال : فقلت له : اجعل المذهب ثلاثة أقسام :
قسم الحق فيه ظاهر بَيِّن ، موافق للكتاب والسنة ؛ فاقض به وأنت به طيب النفس ، منشرح الصدر .
وقسم مرجوح ، ومخالفه معه الدليل ؛ فلا تفت به ولا تحكم به ، وادفعه عنك .
وقسم من مسائل الاجتهاد ، التي الأدلة فيها متجاذبة ؛ فإن شئت أن تفتي به وإن شئت أن تدفعه عنك ، فقال : جزاك الله خيرا . أو كما قال " انتهى من " إعلام الموقعين " (4/ 236 - 237) .
ثم إن القسم المرجوح المذكور هنا يعذر فيه الإمام ، ولا تثريب على المذهب لأجله ؛ لأن مرجوحيته لا تعني خلوه من الدليل ، أو بناءه على الهوى والابتداع ، ولكن يعني أن غيره من الأقوال أرجح وأقوى في نظر المجتهدين الآخرين ، كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ليعلم أنه ليس أحد من الأئمة المقبولين عند الأمة قبولا عاما ، يتعمد مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من سنته ، دقيق ولا جليل ؛ فإنهم متفقون اتفاقا يقينيا على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعلى أن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولكن إذا وجد لواحد منهم قول قد جاء حديث صحيح بخلافه , فلا بد له من عذر في تركه . وجميع الأعذار ثلاثة أصناف : أحدها : عدم اعتقاده أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله . والثاني : عدم اعتقاده إرادة تلك المسألة بذلك القول . والثالث : اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ . وهذه الأصناف الثلاثة تتفرع إلى أسباب متعددة " .
انتهى من " رفع الملام عن الأئمة الأعلام " (ص/8 - 9) .
والخلاصة أنه لا حرج عليك في الاستمرار باتباع المذهب الحنفي ، مع تمسكك بالمعتقد الصحيح ، كما يجوز لك اتباع غير المذهب الحنفي من المذاهب الإسلامية المعتبرة ، ومن أقوال الأئمة المحققين .
وللمزيد ينظر الفتوى رقم : (69836) ، (149035) ، (158755) .
ولمعرفة المزيد عن طائفة البريلوية يمكن مراجعة الفتوى رقم : (1487) ، (150265) ، (161862) ، ورقم (200321).
والله أعلم .
نشأت في مجتمع بريلوي العقيدة وحنفي المذهب ، وقد أدركت مؤخراً أن هذه العقيدة فاسدة ، فتبت إلى الله ، وغيرت عقيدتي ، لكن عدم وجود علماء وأئمة على العقيدة الصحيحة في أوساط هذا المجتمع جعل الأمر عليّ في غاية الصعوبة ، وبالتالي يعسر عليّ تمييز القول الأرجح في كثير من المسائل . فما توجيهكم ؟
أمّا الفقه فقد تعرفت على كثير من مسائل الفقه الحنفي ، وسؤالي هو : هل أستمر في اتباع المذهب الحنفي مصحوباً بالعقيدة الصحيحة ؟
الجواب :
الحمد لله
توجيهنا لجميع المسلمين غير المختصين بالعلوم الشرعية أن يتمسكوا في تصوراتهم العقائدية وممارساتهم الشرعية العملية بالعصمة التي أمرهم الله عز وجل بها ، وكل الأمارات والعلامات التي تهدي إليها ، وذلك يتمثل بما يلي :
أولا : بالكتاب والسنة الصحيحة ، ففيهما الهدى والنور ، وفيها العصمة من الزلل والخطأ ، ونحن على يقين أن الناس لا يمكنهم التدقيق في فهم الكتاب والسنة كما يصنع العلماء والفقهاء، ولكننا على يقين أيضا أن ثمة قدرا مشتركا يمكن لكل مسلم عاقل أن يفيده من القرآن الكريم ، وهو ما نسميه بـ " المحكمات " أو " جمل الثوابت " التي لا تخفى على كل قارئ لهذا الكتاب العظيم ، كالدعوة إلى توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة ، ونبذ الشرك والكفر ، والإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ، والدعوة إلى الفضائل ومكارم الأخلاق ومحاسن الشيم ، وحرمة الظلم والعدوان وقتل النفس والسرقة والزنا وشرب الخمر وأكل مال اليتيم وغيرها من كبائر الذنوب ومعايب الأخلاق ، كل ذلك نجده ظاهرا واضحا في كتاب الله تعالى ، وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته ، وقد قال الله عز وجل : ( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ) القمر/17، وقال سبحانه : ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) محمد/24 ، فلو لم يكن القرآن واضحا وظاهرا في محكماته ومجملاته لكل من يقرؤه ويتدبره لما كان فيه إفادة ، ولكان كتاب نخبة لا يتناوله سوى طبقة خاصة من المثقفين ، وحينئذ يفقد نوره ومقصده الذي أنزل لأجله ، وقد كان العربي الجاهلي من كفار قريش إذا وقف على آيات القرآن الكريم يستشعر ما فيها من هداية ونور ، ويفهم ما ترمي إليه من دعوة الحق والعدل والخير ، ولكن منهم من يؤمن ومنهم من يعاند ويستكبر ، فلن يكون المسلم الذي نشأ في أسرة مسلمة ، ويعيش اليوم في عصر العلم والعقل أبعد عن تفهم كتاب الله تعالى ، ومعرفة مقاصده الثابتة ، وأحكامه العامة ، وقواعده الشريفة .
ثانيا : الإفادة من العلماء والفقهاء الثقات المتوافرين اليوم والحمد لله ، وهم من شهدت لهم الأمة بالعلم والفهم والعمل ، وبلوغ درجة رفيعة في هذا المقام ، بفضل جهادهم ومصابرتهم وإخلاصهم لهذا الدين .
وعلامتُهم أن تجدهم دائما ما يستدلون بآيات الكتاب ، وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، ويميزون صحيحها من سقيمها ، ويعلمون الناسخ والمنسوخ ، والخاص والعام .
ومن علامتهم أيضا أن تجدهم يقتدون بالسلف الصالحين ، من الصحابة والتابعين ، والأئمة المتبوعين ، فلا يخرجون عن هديهم العام ، وكل فتوى أو كلمة تصدر منهم يعزونها لأحد الأئمة السابقين ، كأبي بكر وعمر ، وسفيان والأوزاعي ، وأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ، ومن بعد هؤلاء من المحققين من أهل السنة وأتباع السلف الصالح ؛ كابن تيمية وابن كثير وابن رجب ، وأمثالهم من علماء الإسلام الذين لا يختلف المسلمون في إمامتهم وديانتهم .
ومن أبرز علامتهم العامة التي نرشد الناس إليها أنهم لا ينغلقون على طائفة ، ولا ينفردون عن الأمة باسم أو وصف ، بل انتسابهم لرحم هذه الأمة وعمقها الضارب في التاريخ الإسلامي كله، أما من ينتمي إلى فرقة عقائدية خاصة ، كالبريليوية أو الديوبندية أو القاديانية ونحوها ، أو ينفرد عن وصف " أهل السنة والجماعة " باسم مستحدث وهيكل تنسُّكي خاص ، فغالبا ما يكون ذلك علامة على البدعة والخروج عن السنة ؛ إذ لو كان المعتقد الذي يحمله هو معتقد المسلمين من أهل السنة لما احتاج إلى أن يخرج إلى وصف آخر ، أو أن يتسمى بغير ما سماه الله به ، وقد قال الله عز وجل : ( وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) الحج/78. أما الانتساب إلى الأعمال الدعوية للتعاون على برامج عملية ، فليس هو المحذور المقصود هنا ، وكذلك الانتساب الفقهي لأحد المذاهب الأربعة ، بل المقصود الانتساب العقائدي لفرقة تتبنى توجها عقائديا خاصا ، وتجتمع عليه ، وتوالي وتعادي عليه .
ثالثا : ومن أهم ما يمكن لغير المختصين أيضا اللجوء إليه : كصحيح البخاري ومسلم ، والسنن المعتمدة : أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة ، وكتب الإمام مالك والشافعي ، وغيرهما ، وما صح من كتب الإمام أبي حنيفة وغيره من أئمة الإسلام ؛ فلا حرج عليه في تقليدهم والأخذ بأقوالهم في الفقه والاعتقاد ، والقراءة في كتبهم والإفادة منها ، فهم حجة بينه وبين الله ، وقد أمره الله عز وجل بالأخذ عنهم ، فقال سبحانه : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) النحل/43.
وإن وقع خطأ منهم فهذا أمر لا يخلو منه بشر ، وهو خطأ مغفور بل مأجور بإذن الله ، فقد قال عليه الصلاة والسلام : ( إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ ) رواه البخاري (7352) ، ومسلم (1716).
فتمييز القول الراجح من بين أقوال أئمة الإسلام ليس بالأمر الميسور ، ولا يتسنى لكل أحد ، وليس واجبا على عامة المسلمين أن يسعوا إليه ، فذلك شأن خاص بالعلماء ، المهم أن المسلم لا يتتبع الأقوال الشاذة ، وهي محصورة ومعروفة ، ولا يأخذ إلا عمن شهدت له الأمة بالفضل والعلم والفهم .
يقول العلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله:
" سمعت شيخنا ـ يعني : شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله يقول : جاءني بعض الفقهاء من الحنفية فقال : أستشيرك في أمر ! قلت : ما هو ؟ قال : أريد أن أنتقل عن مذهبي . قلت له : ولم ؟ قال : لأني أرى الأحاديث الصحيحة كثيرا تخالفه ، واستشرت في هذا بعض أئمة أصحاب الشافعي فقال لي : لو رجعت عن مذهبك لم يرتفع ذلك من المذهب ، وقد تقررت المذاهب ، ورجوعك غير مفيد ، وأشار عليَّ بعض مشايخ التصوف بالافتقار إلى الله والتضرع إليه ، وسؤال الهداية لما يحبه ويرضاه . فماذا تشير به أنت عليَّ ؟
قال : فقلت له : اجعل المذهب ثلاثة أقسام :
قسم الحق فيه ظاهر بَيِّن ، موافق للكتاب والسنة ؛ فاقض به وأنت به طيب النفس ، منشرح الصدر .
وقسم مرجوح ، ومخالفه معه الدليل ؛ فلا تفت به ولا تحكم به ، وادفعه عنك .
وقسم من مسائل الاجتهاد ، التي الأدلة فيها متجاذبة ؛ فإن شئت أن تفتي به وإن شئت أن تدفعه عنك ، فقال : جزاك الله خيرا . أو كما قال " انتهى من " إعلام الموقعين " (4/ 236 - 237) .
ثم إن القسم المرجوح المذكور هنا يعذر فيه الإمام ، ولا تثريب على المذهب لأجله ؛ لأن مرجوحيته لا تعني خلوه من الدليل ، أو بناءه على الهوى والابتداع ، ولكن يعني أن غيره من الأقوال أرجح وأقوى في نظر المجتهدين الآخرين ، كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ليعلم أنه ليس أحد من الأئمة المقبولين عند الأمة قبولا عاما ، يتعمد مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من سنته ، دقيق ولا جليل ؛ فإنهم متفقون اتفاقا يقينيا على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعلى أن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولكن إذا وجد لواحد منهم قول قد جاء حديث صحيح بخلافه , فلا بد له من عذر في تركه . وجميع الأعذار ثلاثة أصناف : أحدها : عدم اعتقاده أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله . والثاني : عدم اعتقاده إرادة تلك المسألة بذلك القول . والثالث : اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ . وهذه الأصناف الثلاثة تتفرع إلى أسباب متعددة " .
انتهى من " رفع الملام عن الأئمة الأعلام " (ص/8 - 9) .
والخلاصة أنه لا حرج عليك في الاستمرار باتباع المذهب الحنفي ، مع تمسكك بالمعتقد الصحيح ، كما يجوز لك اتباع غير المذهب الحنفي من المذاهب الإسلامية المعتبرة ، ومن أقوال الأئمة المحققين .
وللمزيد ينظر الفتوى رقم : (69836) ، (149035) ، (158755) .
ولمعرفة المزيد عن طائفة البريلوية يمكن مراجعة الفتوى رقم : (1487) ، (150265) ، (161862) ، ورقم (200321).
والله أعلم .