الحمد لله رب العالمين
الحمد لله الذى تقدست صفاته وأسماءه والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذى أضاءت الوجود أضواءه وعلى آله الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وعلى أصحابه الذين أصبح بهم روض الإسلام باسما نضيرا
نتعرض اليوم إلى موضوع جديد
وهو
درجات من درجات النفس
1 ـ النفس اللوامة
قيل عن النفس اللوامة أنها هي التي لا تثبت على حال واحدة فهي كثيرة التقلب والتلون , فتذكر وتغفل , وتقبل وتعرض , وتحب وتبغض , وتفرح وتحزن , وترضى وتغضب , وتطيع وتتقي
وقيل أيضا عنها : هي نفس المؤمن ـ قال الجسن البصري رحمه الله :
إن المؤمن لا تراه إلا يلوم نفسه دائما يقول : ما أردت بهذا ؟! لم فعلت هذا ؟! كان أولى من هذا أو نحو هذا الكلام
وكما قيل أيضا عنها : اللوم يوم القيامة , فإن كل أحد يلوم نفسه إن كان مسيئًا على إساءئه وإن كان محسنًا على تقصيره , ويقول الإمام ابن القيم : وهذا كله حق
واللوامة نوعان : لوامة ملومة , ولوامة غير ملومة
ـ اللوامة الملومة : هي النفس الجاهلة الظالمة التي يلومها الله سبحانه وتعالى وملائكته
ـ اللوامة غير ملومة : وهي التي لا تزال تلوم صاحبها على تقصيره في طاعة الله مع بذله جهده , فهذه غير ملومة , وأشرف النفوس من لامت نفسها في طاعة الله , واحتملت ملام اللوام في مرضاته , فلا تأخذها في الله لومة لائم , فهذه قد تخلصت من لوم الله , وأما من رضيت بأعمالها ولم تلم نفسها ولم تحتمل في الله ملام اللوام , فهي التي يلومها الله عز وجل
2 ـ النفس الأمارة
وهذه هي النفس المذمومة فإنها تأمر بكل سوء وهذا من طبيعتها , فما تخلص أحد من شرها إلا بتوفيق الله , كما قال تعالى حاكيا عن امرأة العزيز :
( ومآ أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم )
يوسف 53
وقال تعالى
( ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا )
النور 21
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمهم خطبة الحاجة
( إن الحمد لله نحمده ونستعينه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورلاسوله أما بعد )
رواه مسلم في الجمعة , والنسائي في النكاح
فالشر كامن في النفس وهو يوجب سيئات الأعمال فإذا خلى الله بين العبد وبين نفسه هلك بين شرها وما تقتضيه من سيئات الأعمال وإن وفقه الله وأعانه نجا من ذلك كله , فنسأل الله العظيم أن يعيذنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا
وخلاصة القول
إن النفس واحدة تكون أمارة ثم لوامة ثم مطمئنة , وهي غاية كمالها وصلاحها , والنفس المطمئنة قرينها الملك يليها ويسددها ويقذف فيها الحق ويرغبها فيه ويريها حسن صورته
وأصعب شيء على النفس المطمئنة تخليص الأعمال من الشيطان ومن الأمارة فلو وصل منها عمل واحد لنجابه العبد , ولكن أبت الأمارة والشيطان أن يدعا عملا واحدا يصل إلى الله
كما قال بعض العارفين :
( والله لو أعلم أن لي عملا واحدا إلى الله لكنت أفرح بالموت من الغائب يقدم على أهله )
وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنه :
( لو أعلم أن الله قبل مني سجدة واحدة لم يكن غائب أحب ألي من الموت )
اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم