إن قلت أكرمك الله: لا خفاء على القطع بالجملة أنه صلى الله عليه وسلم أعلى الناس قدرا، وأعظمهم محلا، وأكملهم محاسن وفضلا، وقد ذهب في تفاصيل خصال الكمال مذهبا جميلا شوقني إلى أن أقف عليها من أوصافه صلى الله عليه وسلم تفصيلا..
فاعلم نور الله قلبي وقلبك، وضاعف في هذا النبي الكريم حبي وحبك، أنك إذا نظرت إلى خصال الكمال التي هي غير مكتسبة في جبلة الخلقة، وجدته حائزا لجميعها، محيطا بشتات محاسنها دون خلاف بين نقلة الأخبار لذلك، بل قد بلغ بعضها مبلغ القطع.
أما الصورة، وجمالها، وتناسب أعضائه في حسنها، فقد جاءت الآثار الصحيحة، والمشهورة الكثيرة بذلك (..) من أنه صلى الله عليه وسلم كان أزهر اللون، أدعج، أنجل، أشكل، أهدب الأشفار، أبلج، أزج، أقنى، أفلج، مدور الوجه، واسع الجبين، كث اللحية تملأ صدره، سواء البطن والصدر، واسع الصدر، عظيم المنكبين، ضخم العظام، عبل العضدين والذراعين والأسافل، رحب الكفين والقدمين، سائل الأطراف، أنور المتجرد، دقيق المسربة، ربعة القد، ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير المتردد، مع ذلك فلم يكن يماشيه أحد ينسب إلى الطول إلا طاوله صلى الله عليه وسلم رجل الشعر، إذا افتر ضاحكا افتر عن مثل سنا البرق، وعن مثل حب الغمام، إذا تكلم رئي كالنور يخرج من ثناياه، أحسن الناس عنقا، ليس بمطهم، ولا مكلثم، متماسك البدن، ضرب اللحم.
قال البراء: ما رأيت من ذي لمة في حلة حمراء أحسن من رسول صلى الله عليه وسلم.
وقال أبو هريرة رضي الله عنه: ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأن الشمس تجري في وجهه، وإذا ضحك يتلألأ في الجدر.
وقال جابر بن سمرة، وقال له رجل: كان وجهه صلى الله عليه وسلم مثل السيف؟ فقال: لا، بل مثل الشمس، والقمر، وكان مستديرا.
وقالت أم معبد في بعض ما وصفته به: أجمل الناس من بعيد، وأحلاه، وأحسنه من قريب.
وفي حديث ابن أبي هالة: يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر.
وقال علي رضي الله عنه في آخر وصفه له: من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، يقول ناعته: لم أر قبله، ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم.
من كتاب "الشفا بتعريف حقوق المصطفى” للقاضي عياض رحمه الله، الباب الأول من الجزء الأول، الصفحة 49 – 51.