وزن الأعمال يوم القيامة
دلَّت الآيات الصريحة والأحاديث الصحيحة على أنَّ الناس بعدما يُقرُّ المؤمنون بأعمالهم، ويُناقَش الكافرون ويقرعون ويُبكَّتون على ظُلمهم وإجرامهم فيتحقَّق الحساب، وبعد ذلك تُنشَر الدواوين؛ أي: تُفتَح وتُبسَط؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ﴾ [التكوير: 10].
فآخِذٌ كتابَه بيمينه، وآخِذٌ كتابَه بشِماله من وَراء ظهره؛ لقوله تعالى: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ﴾ [الانشقاق: 7، 8]، ويقول فرحًا مسرورًا: ﴿ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ﴾ [الحاقة: 19، 20].
﴿ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا ﴾ [الانشقاق: 10 - 12] ، ويقول خاسئًا حسيرًا: ﴿ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ ﴾ [الحاقة: 25، 26]، وقال تعالى: ﴿ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴾ [الإسراء: 13، 14] ، فكلٌّ قد تحدَّد مصيرُه.
• الميزان:
بعد أخْذ الكتب أو صُحف الأعمال يُوجَّه الناس إلى الموازين؛ كما قال تعالى: ﴿ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ ﴾ [الأعراف: 8، 9].
فالميزان شيءٌ حقيقيٌّ، له كفَّتان تُوزَن به أعمالُ العِباد، ولا يعلَمُ كيفيَّته إلا الله تعالى قال تعالى: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ﴾ [الأنبياء: 47] ، وقال تعالى: ﴿ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ﴾ [المؤمنون: 102، 103].
• فتُوزَن الأعمال؛ لحديث: "الحمدُ لله تملأُ الميزان، وسبحان الله، والحمد الله تملأُ ما بين السَّماء والأرض"[1].
• وقد تُوزَن صُحفُ الأعمال؛ لحديث البطاقة.
• وقد يُوزَن العامل؛ لحديث ابن مسعود رضي الله عنهما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أتعجَبُون من دقَّة ساقَيْه؟ لَـهُما في الميزان أثقَلُ من أُحُدٍ"[2]، وحديث: "يُؤتى بالرَّجُل السَّمين فلا يزنُ عند الله جَناح بَعُوضة"[3].
فمَن ثقُلتْ موازينُ حَسناته على سيِّئاته دخَل الجنَّة، ومَن تَساوَتْ حَسناتُه مع سيِّئاته كان من أهل الأعراف بين الجنَّة والنار، يُؤجَّل أمرُه حتى يدخل أهل الجنَّةِ الجنَّةَ، وأهلُ النارِ النارَ، ثم تُدرِكُه الشفاعة فترجح حسَناته على سيِّئاته فيدخُل الجنَّة، ومَن رجحت سيِّئاته على حسَناته استحقَّ النار، إلا أنْ يشفع فيه الشفعاء، أو يعفو الله عنه، ومَن خفَّتْ موازينه لكُفره وشِركه وتَعاطِيه لما يحبط عمله فهم الأخسرون أعمالًا، المستوجِبُون للنارِ عَذابًا ونَكالًا.
[1] أخرجه مسلم برقم (223)، عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه.
[2] أخرجه الإمام أحمد في المسند (1 / 420، 421)، وهو في مجمع الزوائد (9 / 289). قال في المجمع: "رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني من طرقٍ، وذكَر بعض ألفاظه، وأمثَل طرقها فيه عاصم بن أبي النَّجود، وهو حسن على ضَعفه، وبقيَّة رجال أحمد وأبي يعلى رجالُ الصحيح"، وقال أحمد شاكر في تحقيق المسند برقم (3991): إسناده صحيح.
وله شاهدٌ من حديث علي بن أبي طالب أخرجه أحمد (1 / 114)، وهو في مجمع الزوائد (9 / 288، 289)، وقال: "رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني ورجالهم رجال الصحيح، غير أم موسى وهي ثقة". وصحَّحه أحمد شاكر في تحقيق المسند برقم (920).
[3] أخرجه البخاري برقم (4729)، ومسلم برقم (2785)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
الالوكة