ليس عليك أيها الشاب خطرٌ من ساعات العمل وإنما الخطر كل الخطر من ساعات الفراغ..
فإما أن تقضيها في أماكن اللهو والبطالة فتجر عليك الوبال أو تعمل عملاً نافعًا لك ولذويك..
قد تقول ماضر لو قضيتها في أماكن اللهو وليس هناك ما أخافه ولا انا آت ما أخشى عاقبته..
فاعلم أيها الشاب أن الذين تراهم الآن وتهزأ بهم أو تأسف لحالهم لِما هم منغسمون فيه من اللهو وانواع المساوئ والمنكرات..
إنما بدأوا بمثل ما أنت بادىء به..
وقد أعتقدوا في أنفسهم المقدرة على ملاصقة النار بغير أن يمسهم منها شرر..
فما لبثوا أن قادتهم العادة وغرهم سماسرة السؤ..
فجعلوا ينحدرون دركة دركة من القهوة إلى البار فالبيرا وهكذا إلى أسفل الدركات فساؤا مصيرا..
وأصبحوا من زمرة الأشرار وهم لا يعلمون..
على أنهم لو أرادوا الرجوع عما هم فيه ما استطاعوا إليه سبيلا..
لا تعتقد الكمال في نفسك فالإنسان ضعيف يخشى عليه من العادة إذا تسلطت..
وهي إنما تتسلط بالتكرار عن غير قصد سيء..
قد تذهب إلى أماكن اللهو مسايرة في بادىء الرأي مُسايرة لصديق أو خوفًا من أن تُتهم بالبخل..
فتذهب وأنت تعتقد فساد رأي الذاهبين وتزعم أنك لن تحذوا حذوهم وإنما تريد مسايرتهم..
وقد فاتك أنهم كانوا مثلك وقد بدأوا بمثل عملك فأصبحوا بما هم فيه وهم لا يشعرون..
على أنك لو تأملت حالهم لرأيتهم إنما يطلبون التعب لا الراحة..
وأية راحة يرجونها من السهر الطويل في معاقرة الخمر وانفاق المال..
فلا يمضي نصف الشهر حتى يمضي ما في الجيب..
وقد يكونون من أرباب الماهيات القليلة فينفقون رواتبهم على أبناء السبيل واولادهم يتضورون جوعًا..
أتحسب ذلك راحة والأشغال الشاقة أحسن منه عاقبة..؟؟
فربما كنت من أهل اليسار الذين أفاض الله عليهم الخيرات إرثًا..
فإن كنت من أهل اليسار وهب أنك تملك مال قارون فإنه لا يلبث أن يذهب ضياعًا وانت لا تدري..
على أننا لا نرضى منك وانت من شبّان القرن الواحد والعشرين أن تكتفي بتجنب شر الفراغ..
وإنما أنت مسؤل عن ضياعه عبثًا..
إن ساعات الفراغ ذخر ثمين لمن يحسن إستثماره ولو تدبرت سير المؤلفين والمخترعين..
لرأيت ما أوتوه من تأليف أو إختراع إنما هو من ثمار إنشغالهم في ساعات الفراغ..
هذا ما يقال في الشبان أما"الشابات"فالفراغ يضرُّ بهن أكثر مما يضر بالشبان..
ولا سيما اللواتي قام في أذهانهن أنهن إنما خُلقن للتبرج والتزين وتبديل الأزياء..
غير مباليات بما يجرُّه ذلك عليهن وعلى ذويهن من الشر والفساد..
ونخص منهن بنات الاغنياء اللواتي يربين في رغدٍ وعز..
فيستكنفن من أقل الأعمال فلا تمس أيديهن أداة من أدوات البيت لأن ذلك في زعمهن حِطة بشأن السيدات..
فلا يهمهن أمر والديهن أو أزواجهن وما يقاسونه في تحصيل الدرهم..
وهن لا يعرفن من أمر النقود إلا ما يدفعنه إلى الموديستا أو بائع الأقمشة..
وأغرب من ذلك أن بعض ذوي اليسار يبالغون في ترفيه بناتهم وتأنيقهن. .
حتى يقيمون لكل واحدة خادمة..
بل خادمات هذه تحضر لها القهوة وتلك تقدم لها الطعام وهذه تشعل لها السيكارة وقس عليه..
فمن كانت هذه حالها وليس لديها عمل تعمله تشغل به عقلها أو جسدها..
فما الذي ترجوه منها إذا شبت وقد نمت فيها الشعائر ونضجت العواطف وهذه لا تبقى بلا عمل..
فإذا كانت الفتاة في إبان شبابها ولا عمل لها تعمله أو تتلاهى به..
أفلا يكون في ذلك خطر في سيرتها مهما بالغ أهلها في حجابها..
ومنهن من إذا رأت جارتها تخيط رداءً على زيٍ جديد تنقم على زوجها إذا لم يعطيها مثله..
ولو أن دخله في الشهر كله لا يساوي ثمن ذلك الرداء..
وإذا بحثت عن سبب ذلك الشر رأيته ناتجًا عن تقاعدها عن العمل..
لأنها لمَّا لم يكن لديها ما يشغلها ساعات النهار أنقطعت إلى اهتمام بأمر نفسها..
تقضي سحابة يومها في التزين تنتقل من أمام المرآة إلى الشُّرفة ثم تعود إلى غرفة اللباس..
وإذا حضرت حفلة أنصرف فكرها إلى ما تراه هنالك من الأزياء الجديدة والتفنن بانواع الخلاعه..
وقد تكون تلك الزيارة سببًا لتنغيص عيشها وعيش زوجها ..
ولا سيما إذا رأت بين تلك الأزياء زيًا جديدًا ليس لها مثله..
فلو كانت ممن ربين على العمل وعرفن قيمة الدرهم وتعودن الأهتمام بأمور بيتهن وأولادهن..
فإن همهن ينصرف إلى الفضيلة القائمة بتدبير المنزل والإقتصاد بنفقاته..
وبدلاً من الإفتخار بغلاء ثوبها تفتخر بتدبير بيتها وتربية أولادها على الحشمة والنظافة ومطالعة الكتب المفيدة..
فتكون سعادة لزوجها وزينة لمنزلها وربما زينت ذلك المنزل بشغل يديها وليس في ذلك عار..
وإنما العار إذا أنفقت مال رجلها على البذخ في ملابسها..
وتركت بيتها وقد غشيته القذارة ..
فتكون كالقبور المكلسة بيضاء من الظاهر وفي داخلها جيف نتنة..
ولو أقتصر شرَّها على ذلك لكان خيرًا ولكنها تكون قدوة سيئة لأولادها..
فيعيشون على ما تعودوه من الكسل والبطالة ولإهمال..
وهو ما لاتنزعه تربية المدارس ولا يقلعه تعليم المتعلمين..
وأكثر شرٌ يرثونه منها سؤ إستعمال ساعات الفراغ..