لنعلم أن مواسم العمر خمسة:
الموسم الأول: من وقت الولادة إلى زمان البلوغ، وذلك، خمس عشر سنة.
والثاني: من زمان بلوغه إلى نهاية شبابه، وذلك إلى تمام خمس وثلاثين سنة، (وهو زمن الشباب).
والثالث: من ذلك الزمان إلى تمام خمسين سنة، وذلك زمان الكهولة. وقد يقال: (كهلِ) لما قبل ذلك.
الرابع: من بعد الخمسين إلى تمام السبعين، وذلك زمان الشيخوخة.
والخامس: ما بعد السبعين إلى آخر العمر، فهو زمن الهرم.
وقد يتقدم ما ذُكِرَ من السنين ويتأخر.
الموسم الأول
اعلم أن هذا الموسم يتعلق معظمه بالوالدين، فهما يربيان ولدهما ويعلمانه، ويحملانه على مصالحه، ولا ينبغي أن يفترا عن تأديبه وتعليمه؛ فإن التعليم في الصغر كالنقش في الحجر.
قال علي - رضي الله عنه - في قوله تعالى: (قَوا أَنفُسَكُم وَأَهليكُم نارا): علموهم وأدبوهم.
فيعلمانه الطهارة، والصلاة ويضربانه على تركها إذا بلغ تسع سنين، ويحفظانه القرآن، ويسمعانه الحديث، وما احتمل من العلم أمراه به، ويقبحان عنده ما يقبح، ويحثانه على مكارم الأخلاق، ولا يفتران عن تعليمه على قدر ما يحتمل؛ فإنه موسم الزرع.
* كان (عبد الملك بن مروان) يحب ابنه (الوليد)، ولا يأمره بالأدب، فخرج لحاناً، فقال: أضر حبنا بالوليد.
* فإذا عبر الصبي خمس سنين بان فهمه ونشاطه في الخير، وحسن اختياره، وصدف نفسه عن الدنايا وعكس ذلك.
* مر (عمر بن الخطاب) - رضي الله عنه - على صبيان يلعبون، فنفروا من هيبته، ولم يبرح (ابن الزبير) - رضي الله عنه - فقال له: مالك لم تبرح؟! فقال: ما الطريق ضيقة فأوسعها لك، ولا لي ذنب فأخافه.
* وقال الخليفة لولد وزيره وهو في دارهم: أيما أحسن.. دارنا أو داركم؟ فقال: دارنا. قال: لِمَ؟ قال: لأنك فيها.
* ويتبين فهم الصبي وعلو همته وتقصيرها باختياراته لنفسه؛ وقد تجتمع الصبيان للعب فيقول العالي الهمة: من يكون معي، ويقول القاصر: مع من أكون. ومتى علت همته آثر العلم.
الموسم الثاني
وهو من زمان البلوغ إلى منتهى الشباب وهذا هو الموسم الأعظم الذي يقع فيه الجهاد للنفس والهوى وغلبة الشيطان، وبصيانته، يحصل القرب من الله تعالى، وبالتفريط فيه يقع الخسران العظيم. وبالصبر فيه على الزلل يثنى على الصابرين، كما أثنى الله عز وجل على (يوسف) - عليه الصلاة والسلام - إذ لو زل من كان يكون ؟؟!! .
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللهَ لَيَعْجَبُ مِنَ الشَّابِّ لَيْسَتْ لَهُ صَبْوَةٌ "حديث صحيح
* وليعلم البالغ أنه من يوم بلوغه وجب عليه معرفة الله تعالى بالدليل لا بالتقليد، ويكفيه من الدليل رؤية نفسه وترتيب أعضائه، فيعلم أنه لا بد لهذا الترتيب من مرتب، كما أنه لا بد للبناء من بانٍ.
* ويعلم أنه نزل إليه ملكان يصبحانه طول دهره، ويكتبان عمله، ويعرضانه على الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: (وَإِن عَلَيكُم لَحافِظين كِراماً كاتِبين يَعلَمونَ ما تَفعَلون).
* قال (محمد بن الفضل): منذ أربعين سنة ما أمليت على كاتبي سيئة، ولو فعلت لاستحيت منهما.
فلينظر العبد فيما يرتفع من عمله، فإن زل فليرفع الزلل بتوبة واستدراك.
* وليغض طرفه؛ فقد قال الله عز وجل: (قُل لِلمُؤمِنينَ يَغضوا مِن أَبصارَهُم).
ويقول الله عز وجل: (النظر إلى المرأة سهم مسموم من سهام الشيطان، من تركه ابتغاء مرضاة الله آتيته إيماناً يجد حلاوته في قلبه). ومن استعمل الغض سلم.
* وليكتف بالمرأة الواحدة، ولا يترخص في كثرة الاستمتاع بالنساء؛ فإنه يشتت القلب، ويضعف القوى، وليس لذلك منتهى.
* كان بعض السلف يقول لنفسه: ما ههنا إلا هذه الكسرة وهذه المرأة، فإن شئت فاصبري، أو فموتي.
* وكان خلق كثير يتأسفون في حال الكبر على تضييع موسم الشباب، ويبكون على التفريط فيه. فليطل القيام من سيقعد، وليكثر الصيام من سيعجز.
والناس ثلاثة:
- من ابتكر عمره بالخير ودام عليه فذلك من الفائزين،
- ومن خلط وقصر فذلك من الخاسرين،
- ومن صاحب التفريط والمعاصي فذلك من الهالكين.
* فلينظر الشاب في أي مقام هو، فليس لمقامه مثل، وليتلمح شرف بضاعته وثمنها المستوفى.
فالصبر الصبر؛ فإن الساعي يصبر عن النكاح مع كونه شاباً شديد الشبق، فيقال له أحسنت. فليصبر الشاب ليقال له: (هَذا يَومُكُمُ).
وليحذر الله في الشباب؛ فإنها كعيب قبيح في سلعة مستحسنيه.
ومن زل في الشباب فلينظر أين لذتها! وهل بقي إلا حسرتها الدائمة التي كلما خطرت له تألم، فصار ذكرها عقوبة، ومن خرق ثوب التقى بيع بالخلق والمكسور.
الموسم الثالث وهو حال الكهولة
هذا الزمان فيه بقية من الشباب، وللنفس فيه ميل إلى الشهوات، وفيه جهاد حسن، وإن كانت طاقات الشيب تزع وتعج عن مهاد اللهو.
وليكتف الكهل بنور الشيب الذي أضاء له سبيل الرحيل، وليعامل بالبقية المائلة إلى الهوى يربح، لكن لا كربح الشباب.
الموسم الرابع وهو الشيخوخة
قد يكون في أول الشيخوخة بقية هوى، فيثاب الشيخ على قدر صبره، وكلما قوى الكبر ضعفت الشهوة فلا يراد الذنب .
فإذا تعمد الشيخ ذنباً فهو مراغم، إذ الشهوة الطالبة قد خسرت؛ ولهذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (أبغض الخلق إلى الله تعالى شيخ زان).
ومنهم من يقصد المراغمة فيلبس الشيخ الخاتم الذهب !!.
فالويل لمن لم ينهه شيبه عن عيبه؛ ما ذاك إلا لخلل في إيمانه .
وقد يقول الشيخ العالم: علمي يدفع عني! وينسى أن علمه حجة عليه.
وقد رؤى بعض المشايخ في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي وهو معرض عني. فقيل له: غفر لك وأعرض عنك!!
فقال: نعم وعن جماعة من العلماء لم يعملوا بعلمهم.
وقد رُأي بعض المشايخ - وكان مفرطاً - وهو عريان، وقد تعلق بثديه ثلاث كلاب صغار - والجرو منهم - يمص ثديه.
وقد رُئي في المنام (يحيى بن أكثم) فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: قال لي يا شيخ السوء. (وكذلك منصور بن عمار).
* قال (الفضيل) - رحمه الله - : يُغفر للجاهل سبعون ذنباً قبل أن يُغفر للعالم ذنب واحد. قال الله - عز وجل - (قُل هَل يَستوي الَّذينَ يَعلَمونَ وَالَّذينَ لا يَعلَمونَ).
* قال (أبو الدرداء): ويل لمن عمل ولا يعلم مرة، وويل لمن يعلم ولا يعمل سبع مرات.
الموسم الخامس وهو حال الهرم
لم يبق في زمان الهرم إلا تدارك ما مضى، والاستغفار، والدعاء، وعمل ما يمكن من الخير، اغتناماً للساعات، والتأهب للرحيل.
* وكان (سُرّي) لا ينام إلا غلبةً .
* ودخلوا على (الجنيد) - رحمه الله تعالى - وهو في الموت، وهو يركع ويسجد، فأراد أن يثني رجله في صلاته فما أمكنه لخروج الروح منها. فقال رجل: ما هذا؟ فقال: هذه نِعَم الله أكبر.
* وكان (عامر بن عبد قيس) يصلي كل يوم ألف ركعة، ولقيه رجل، فقال: أكلمك كلمة، فقال: أمسك الشمس (حتى أكلمك).
وقال لرجلٍ سأله: (عجّل) فإني مبادر. قال: وما الذي تبادر قال: خروج روحي.
* وقال (عثمان الباقلاني): أبغض الأشياء إلىّ وقت إفطاري لأني أشتغل بالأكل عن الذكر.
* وكان (داود الطائي) - رحمه الله - يشرب الفتيت ولا يأكل الخبز. فقيل له في ذلك، فقال: بين أكل الخبز وشرب الفتيت قراءة خمسين آية.
* ودخل قوم على عابد، فقالوا: لعلنا شغلناك. قال: صدقتم، كنت أقرأ فمنعتموني.
* وقد رأينا جماعة من الأشياخ يرتاحون إلى حضور الناس عندهم، وسماع الأحاديث التي تضر ولا تنفع، فمضى زمانهم في غير شيء، ولو فهموا كانت تسبيحة أصلح. وهذا لا يكون إلا من الغفلة عن الآخرة؛ لأن بتسبيحة واحدة يحصل الثواب على ما ذكرنا. والأحاديث الدنيوية تؤذى ولا تنفع.
* كان (أبو موسى الأشعري) - رضي الله عنه - يصوم في الحر، فيقال له: أنت شيخ كبير. فيقول: إني أعده ليوم طويل.
* وقيل لعابد: ارفق بنفسك. قال: الرفق أطلب.
* جاء بعض رفقاء (سري السقطي) - رحمه الله تعالى - إليه يزوره، فوجد عنده جماعة. فقال: يا سرى! صرت مناخاً للبطالين، ثم ذهب ولم يقعد.
ومن عرف شرف العمر وقيمته لم يفرط في لحظة منه.
فلينظر الشاب في حراسة بضاعته. وليحتفظ الكهل بقدر استطاعته.
وليتزود الشيخ للحاق بجماعته. ولينظر الهرم أن يؤخذ من ساعته.
الموسم الأول: من وقت الولادة إلى زمان البلوغ، وذلك، خمس عشر سنة.
والثاني: من زمان بلوغه إلى نهاية شبابه، وذلك إلى تمام خمس وثلاثين سنة، (وهو زمن الشباب).
والثالث: من ذلك الزمان إلى تمام خمسين سنة، وذلك زمان الكهولة. وقد يقال: (كهلِ) لما قبل ذلك.
الرابع: من بعد الخمسين إلى تمام السبعين، وذلك زمان الشيخوخة.
والخامس: ما بعد السبعين إلى آخر العمر، فهو زمن الهرم.
وقد يتقدم ما ذُكِرَ من السنين ويتأخر.
الموسم الأول
اعلم أن هذا الموسم يتعلق معظمه بالوالدين، فهما يربيان ولدهما ويعلمانه، ويحملانه على مصالحه، ولا ينبغي أن يفترا عن تأديبه وتعليمه؛ فإن التعليم في الصغر كالنقش في الحجر.
قال علي - رضي الله عنه - في قوله تعالى: (قَوا أَنفُسَكُم وَأَهليكُم نارا): علموهم وأدبوهم.
فيعلمانه الطهارة، والصلاة ويضربانه على تركها إذا بلغ تسع سنين، ويحفظانه القرآن، ويسمعانه الحديث، وما احتمل من العلم أمراه به، ويقبحان عنده ما يقبح، ويحثانه على مكارم الأخلاق، ولا يفتران عن تعليمه على قدر ما يحتمل؛ فإنه موسم الزرع.
* كان (عبد الملك بن مروان) يحب ابنه (الوليد)، ولا يأمره بالأدب، فخرج لحاناً، فقال: أضر حبنا بالوليد.
* فإذا عبر الصبي خمس سنين بان فهمه ونشاطه في الخير، وحسن اختياره، وصدف نفسه عن الدنايا وعكس ذلك.
* مر (عمر بن الخطاب) - رضي الله عنه - على صبيان يلعبون، فنفروا من هيبته، ولم يبرح (ابن الزبير) - رضي الله عنه - فقال له: مالك لم تبرح؟! فقال: ما الطريق ضيقة فأوسعها لك، ولا لي ذنب فأخافه.
* وقال الخليفة لولد وزيره وهو في دارهم: أيما أحسن.. دارنا أو داركم؟ فقال: دارنا. قال: لِمَ؟ قال: لأنك فيها.
* ويتبين فهم الصبي وعلو همته وتقصيرها باختياراته لنفسه؛ وقد تجتمع الصبيان للعب فيقول العالي الهمة: من يكون معي، ويقول القاصر: مع من أكون. ومتى علت همته آثر العلم.
الموسم الثاني
وهو من زمان البلوغ إلى منتهى الشباب وهذا هو الموسم الأعظم الذي يقع فيه الجهاد للنفس والهوى وغلبة الشيطان، وبصيانته، يحصل القرب من الله تعالى، وبالتفريط فيه يقع الخسران العظيم. وبالصبر فيه على الزلل يثنى على الصابرين، كما أثنى الله عز وجل على (يوسف) - عليه الصلاة والسلام - إذ لو زل من كان يكون ؟؟!! .
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللهَ لَيَعْجَبُ مِنَ الشَّابِّ لَيْسَتْ لَهُ صَبْوَةٌ "حديث صحيح
* وليعلم البالغ أنه من يوم بلوغه وجب عليه معرفة الله تعالى بالدليل لا بالتقليد، ويكفيه من الدليل رؤية نفسه وترتيب أعضائه، فيعلم أنه لا بد لهذا الترتيب من مرتب، كما أنه لا بد للبناء من بانٍ.
* ويعلم أنه نزل إليه ملكان يصبحانه طول دهره، ويكتبان عمله، ويعرضانه على الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: (وَإِن عَلَيكُم لَحافِظين كِراماً كاتِبين يَعلَمونَ ما تَفعَلون).
* قال (محمد بن الفضل): منذ أربعين سنة ما أمليت على كاتبي سيئة، ولو فعلت لاستحيت منهما.
فلينظر العبد فيما يرتفع من عمله، فإن زل فليرفع الزلل بتوبة واستدراك.
* وليغض طرفه؛ فقد قال الله عز وجل: (قُل لِلمُؤمِنينَ يَغضوا مِن أَبصارَهُم).
ويقول الله عز وجل: (النظر إلى المرأة سهم مسموم من سهام الشيطان، من تركه ابتغاء مرضاة الله آتيته إيماناً يجد حلاوته في قلبه). ومن استعمل الغض سلم.
* وليكتف بالمرأة الواحدة، ولا يترخص في كثرة الاستمتاع بالنساء؛ فإنه يشتت القلب، ويضعف القوى، وليس لذلك منتهى.
* كان بعض السلف يقول لنفسه: ما ههنا إلا هذه الكسرة وهذه المرأة، فإن شئت فاصبري، أو فموتي.
* وكان خلق كثير يتأسفون في حال الكبر على تضييع موسم الشباب، ويبكون على التفريط فيه. فليطل القيام من سيقعد، وليكثر الصيام من سيعجز.
والناس ثلاثة:
- من ابتكر عمره بالخير ودام عليه فذلك من الفائزين،
- ومن خلط وقصر فذلك من الخاسرين،
- ومن صاحب التفريط والمعاصي فذلك من الهالكين.
* فلينظر الشاب في أي مقام هو، فليس لمقامه مثل، وليتلمح شرف بضاعته وثمنها المستوفى.
فالصبر الصبر؛ فإن الساعي يصبر عن النكاح مع كونه شاباً شديد الشبق، فيقال له أحسنت. فليصبر الشاب ليقال له: (هَذا يَومُكُمُ).
وليحذر الله في الشباب؛ فإنها كعيب قبيح في سلعة مستحسنيه.
ومن زل في الشباب فلينظر أين لذتها! وهل بقي إلا حسرتها الدائمة التي كلما خطرت له تألم، فصار ذكرها عقوبة، ومن خرق ثوب التقى بيع بالخلق والمكسور.
الموسم الثالث وهو حال الكهولة
هذا الزمان فيه بقية من الشباب، وللنفس فيه ميل إلى الشهوات، وفيه جهاد حسن، وإن كانت طاقات الشيب تزع وتعج عن مهاد اللهو.
وليكتف الكهل بنور الشيب الذي أضاء له سبيل الرحيل، وليعامل بالبقية المائلة إلى الهوى يربح، لكن لا كربح الشباب.
الموسم الرابع وهو الشيخوخة
قد يكون في أول الشيخوخة بقية هوى، فيثاب الشيخ على قدر صبره، وكلما قوى الكبر ضعفت الشهوة فلا يراد الذنب .
فإذا تعمد الشيخ ذنباً فهو مراغم، إذ الشهوة الطالبة قد خسرت؛ ولهذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (أبغض الخلق إلى الله تعالى شيخ زان).
ومنهم من يقصد المراغمة فيلبس الشيخ الخاتم الذهب !!.
فالويل لمن لم ينهه شيبه عن عيبه؛ ما ذاك إلا لخلل في إيمانه .
وقد يقول الشيخ العالم: علمي يدفع عني! وينسى أن علمه حجة عليه.
وقد رؤى بعض المشايخ في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي وهو معرض عني. فقيل له: غفر لك وأعرض عنك!!
فقال: نعم وعن جماعة من العلماء لم يعملوا بعلمهم.
وقد رُأي بعض المشايخ - وكان مفرطاً - وهو عريان، وقد تعلق بثديه ثلاث كلاب صغار - والجرو منهم - يمص ثديه.
وقد رُئي في المنام (يحيى بن أكثم) فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: قال لي يا شيخ السوء. (وكذلك منصور بن عمار).
* قال (الفضيل) - رحمه الله - : يُغفر للجاهل سبعون ذنباً قبل أن يُغفر للعالم ذنب واحد. قال الله - عز وجل - (قُل هَل يَستوي الَّذينَ يَعلَمونَ وَالَّذينَ لا يَعلَمونَ).
* قال (أبو الدرداء): ويل لمن عمل ولا يعلم مرة، وويل لمن يعلم ولا يعمل سبع مرات.
الموسم الخامس وهو حال الهرم
لم يبق في زمان الهرم إلا تدارك ما مضى، والاستغفار، والدعاء، وعمل ما يمكن من الخير، اغتناماً للساعات، والتأهب للرحيل.
* وكان (سُرّي) لا ينام إلا غلبةً .
* ودخلوا على (الجنيد) - رحمه الله تعالى - وهو في الموت، وهو يركع ويسجد، فأراد أن يثني رجله في صلاته فما أمكنه لخروج الروح منها. فقال رجل: ما هذا؟ فقال: هذه نِعَم الله أكبر.
* وكان (عامر بن عبد قيس) يصلي كل يوم ألف ركعة، ولقيه رجل، فقال: أكلمك كلمة، فقال: أمسك الشمس (حتى أكلمك).
وقال لرجلٍ سأله: (عجّل) فإني مبادر. قال: وما الذي تبادر قال: خروج روحي.
* وقال (عثمان الباقلاني): أبغض الأشياء إلىّ وقت إفطاري لأني أشتغل بالأكل عن الذكر.
* وكان (داود الطائي) - رحمه الله - يشرب الفتيت ولا يأكل الخبز. فقيل له في ذلك، فقال: بين أكل الخبز وشرب الفتيت قراءة خمسين آية.
* ودخل قوم على عابد، فقالوا: لعلنا شغلناك. قال: صدقتم، كنت أقرأ فمنعتموني.
* وقد رأينا جماعة من الأشياخ يرتاحون إلى حضور الناس عندهم، وسماع الأحاديث التي تضر ولا تنفع، فمضى زمانهم في غير شيء، ولو فهموا كانت تسبيحة أصلح. وهذا لا يكون إلا من الغفلة عن الآخرة؛ لأن بتسبيحة واحدة يحصل الثواب على ما ذكرنا. والأحاديث الدنيوية تؤذى ولا تنفع.
* كان (أبو موسى الأشعري) - رضي الله عنه - يصوم في الحر، فيقال له: أنت شيخ كبير. فيقول: إني أعده ليوم طويل.
* وقيل لعابد: ارفق بنفسك. قال: الرفق أطلب.
* جاء بعض رفقاء (سري السقطي) - رحمه الله تعالى - إليه يزوره، فوجد عنده جماعة. فقال: يا سرى! صرت مناخاً للبطالين، ثم ذهب ولم يقعد.
ومن عرف شرف العمر وقيمته لم يفرط في لحظة منه.
فلينظر الشاب في حراسة بضاعته. وليحتفظ الكهل بقدر استطاعته.
وليتزود الشيخ للحاق بجماعته. ولينظر الهرم أن يؤخذ من ساعته.