[rtl]بسم الله الرحمن الرحيم[/rtl]
[rtl]قال الله عزّ وجلّ في محكم التّنزيل: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} ص:29. قال الإمام القرطبي في تفسيره: حثَّ الله سبحانه وتعالى عباده على تدبّر القرآن، وبيَّن تعالى أنّه لا عُذر في ترك التدبُّر.[/rtl]
[rtl]إنّ القرآن كلام الله الّذي أنزله ليعمل به ويكون منهاج حياة للنّاس، ولا شكّ أنّ قراءة القرآن قُربَة وطاعة من أحبّ الطّاعات إلى الله، لكن ممّا لا شكّ فيه أيضًا أنّ القراءة بغير فهم ولا تدبّر ليست هي المقصودة، بل المقصود الأكبر أن يقوم القارئ بتحديق ناظر قلبه إلى معاني القرآن وجمع الفكر على تدبّره وتعقّله، وإجالة الخاطر في أسراره وحِكَمه.[/rtl]
[rtl]لقد بيَّن الله سبحانه وتعالى أنّ تدبُّر القرآن الكريم له شروط ومعالم ينبغي للمتدبِّر أن يحقّقها ليحصل بها أثر التدبّر وثمرته.[/rtl]
[rtl]ومن خلال التأمّل في كتاب الله عزّ وجلّ نجد أنّ الآية {إنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} ق:37، قد أشارت إلى هذه الشّروط إجمالاً، وهي أن يكون المتدبِّر حيّ القلب، وأن يفعل الأسباب المُعينة على التدبُّر، وأن يجتنب الأمور الّتي تصرف عن التدبّر.[/rtl]
[rtl]ويندرج تحت هذه الشروط أسباب ولوازم كثيرة، وهي شروط نسبية تتفاوت من شخص إلى آخر تزيد وتنقص؛ بسبب تفاوت العقول والأفهام وفعل الأسباب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (هذا مع أنّ النّاس متباينون في نفس أن يعقلوا الأشياء من بين كامل وناقص، وفيما يعقلونه من بين قليل وكثير وجليل ودقيق وغير ذلك..). فبحسب تحقيق هذه الشروط وأسبابها، تكون نتيجة التدبّر من زيادة أو نقصان.[/rtl]
[rtl]وإنّ صاحب القلب الوقّاد إذا سَمِع الآيات وفي قلبه نورٌ من البصيرة، ازداد بها نورًا إلى نوره. فإن لم يكن للعبد مثل هذا القلب فألْقَى السّمع وشهد قلبُهُ ولم يغب حصل له التذكُّرُ أيضًا: {فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ} البقرة:265.[/rtl]
[rtl]ولقد كان سيّد الخلق رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يتدبّر القرآن، فعن حذيفة رضي الله عنه قال: “صلّيتُ مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلتُ: يركع عند المائة. ثمّ مضى، فقلت: يُصلّي بها في ركعة؛ فمضى. ثمّ افتتح النّساء فقرأها، ثمّ افتتح آل عمران فقرأها. يقرأ مترسلاً، إذا مرَّ بآية فيها تسبيح سَبَّح، وإذا مرَّ بسؤال سأل، وإذا مَرّ بتعوّذ تعوّذ” أخرجه مسلم.[/rtl]
[rtl]وكان صلّى الله عليه وسلّم يدعو الأمّة إلى التدبُّر وفهم معاني القرآن، فحين نزل قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي الْأَلْبَابِ. الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} آل عمران:190-191، قال صلّى الله عليه وسلّم: “ويلٌ لمَن قرأها ولم يتفكّر فيها”.[/rtl]
[rtl]كما أنّ السّلف الصّالح كانوا يتدبّرون القرآن، وكان سيّدنا عبد الله بن عبّاسٍ رضي الله عنهما يقول: “ركعتان في تفكّرٍ خيرٌ من قيام ليلة بلا قلب”. وكان الفضيل بن عياض رحمه الله يقول:“إنّما نزل القرآن ليُعمَل به فاتّخذ النّاس قراءته عملاً. قيل: كيف العمل به؟ قال: ليحلُّوا حلاله، ويحرّموا حرامه، ويأتمروا بأوامره، وينتهوا عن نواهيه، ويقفوا عند عجائبه”. وعمليًا كان منهم مَن يقوم بآية واحدة يُردِّدها طيلة اللّيل يتفكّر في معانيها ويتدبّرها، ولم يكن همّهم مجرّد ختم القرآن؛ بل القراءة بتدبّر وتفهّم.. عن محمد بن كعب القُرَظِي قال: “لأن أقرأ في ليلتي حتّى أصبح بـ{إِذَا زُلْزِلَتِ} و{الْقَارِعَةُ} لا أزيد عليهما، وأتردّد فيهما، وأتفكّر أحبُّ إليَّ من أن أَهُذَّ القرآن (أي أقرأه بسرعة)”.[/rtl]