أخوة الإيمان
ابذُلوا أسبابَ نجاتِكُم وسعادتِكُم, واعلموا أَنه لا نَجاةَ لكم مِمَّا تَكْرَهونَ إِلا بِاللُّجوءِ إلى اللهِ قبلَ كُلِّ شيء, ثُم بَذْل الأسبابِ في ذلك.
وقَدْ أرشدَنا النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إلى شيءٍ مِنْ ذلك, فيما يتعلق بالسلامةِ من أعْظَمِ شُرورِ الدنيا والآخرة، فقال: "إذا تَشَهَّدَ أحدُكم فليستعذ باللهِ مِن أربع, يقول: اللهم إني أعوذُ بِك مِن عذابِ جهنمَ, ومن عذابِ القبرِ, ومن فِتنةِ المحيا والمماتِ, ومِن شَرِّ فتنةِ المسيحِ الدجال". والمُرادُ: إذا فَرَغَ العبدُ من التشهدِ الأخيرِ فَلْيَقُلْ ذلكَ قَبْلَ أن يُسَلِّم.
فَينبغي للمسلمَ أَنْ يُداوِمَ على هذا الدعاء, لِما تَضَمَّنَه مِنَ الاستعاذة مِن هذِه الشُّرورِ التي لا يَسْلَمُ مِنها إلا القليل.
والاستعاذة -يا عبادَ الله- هي الالتجاء بِاللهِ والاعتصام بِه مِنْ شَرِّ كُلِّ ذي شَر. وأَيُّ شَرٍّ أعظَمُ مِن هذهِ الشرور؟.
أوَّلُها: عذابُ جَهنم, وَسُمِّيَت بِذلك لِشِدَّةِ حَرِّها وجُهُومَتِها وظُلْمَتِها, بِسببِ سَعَتِها, وبُعْدِ قَعْرِها, فقد كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يوماً جالساً مَعَ أصحابِه, فَسمِعَ وَجْبَةً -أي: صوتا - فقال: "تَدْرونَ ما هذا؟", قالوا: اللهُ ورسولُه أعلَم! فقال: "هذا حجرٌ رُمِيَ به في النارِ مُنْذُ سبعينَ خريفًا".
وَقَد ذَكَرَ اللهُ -تعالى- في كتابِه, ورسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- في سنتِه مِنْ وَصْفِ عذابِ أهلِ النارِ وَما يَحْصُلُ فيهِ مِن العذابِ الأليمِ ما تَوْجَلُ مِنْهُ القلوبُ، وتَقشعِر منه الجُلود, لِمَن كان له قلبٌ أو ألقى السمعَ وهو شهيد.
والاستعاذة من عذابِ جهنم تَشْملُ أمرين: السلامةَ من دخولِها, والسلامةَ من الأسبابِ المُؤَدِّية لِدخولِ النار. فَكأنَّكَ بِهذه الاستعاذة تقول: اللهم أجرني من النار, وأجرني من الأعمال التي يستحق أصحابُها دخولَ النار.
الثانية: عذابُ القبر, فإن عذابَ القبرِ حَقّ, والإيمان به داخلٌ في أصولِ الإيمانِ الستة, التي مَنْ لَمْ يؤمنْ بها فليس بِمؤمن وإن صلى وصام وزعم أنه مؤمن. والقبرُ أولُ مَنازِلِ الآخرة, وهو إما روضةٌ من رياض الجنة, وإما حُفرةٌ من حُفَرِ النار.
والاستعاذة باللهِ مِن عذابِ القبرِ تَشْملُ أمرين: السلامةَ من عذابِ القبر, والسلامةَ مِن الذنوبِ التي يُعَذَّبُ المقبورُ بِسَبَبِها.
الثالثة: فِتنةُ المحيا والممات. والفتنةُ هي الاختبار والامتحان. وقد خَلَقَ اللهُ -تعالى- الثقلينِ لِيَبْلُوَهُم أَيُّهُم أحسنُ عملا.
وفِتْنَةُ المحيا هي ما يَعْرِضُ للإنسانِ مِنْ فِتْنَةِ الشُّبُهاتِ التي تُفْسِدُ عَقِيدَتَه وتَصُدُّه عن دِينِه، وفِتنةِ الشهواتِ التي تُفْسِدُ عليه سُلُوكَه وتَكُونُ سَبَباً لِوُقُوعِه في المعاصي والفواحش.
وأما فتنةُ المَمات فهي الفتنةُ عِند الموت, وما يَتَعَرَّضُ له الإنسانُ قَبْلَ مُفارَقَةِ الدنيا؛ لأن الشيطانَ لا يَأْلُو جهْدا في إضلالِ العبد, ولا يَفْتُرُ عن ذلك حتى آخر لَحظة.
وأَعْظَمُ ما يتعلق بذلك هو أَمْرُ الخاتِمة, فإنه مِن أعظمِ ما يَقُضُّ مَضَاجِعَ الصالحين؛ لأن الأعمالَ بالخواتيم.
ويَدْخُلُ في فتنةِ الممات: فتنةُ القبرِ، وسؤالُ المَلَكين في القبر.
وأما الفتنة الرابعة في الحديثِ فهي فتنةُ المسيحِ الدجال, أعْظَمُ فِتنةٍ يُبْتَلَى بِها أهلُ الأرض, ولذلك ما مِن نَبِيٍّ إلا حَذَّرَ أُمَّتَه مِنْه. ولكِنْ حَكَمَ اللهُ -سبحانه- أن يكونَ خُرُوجُهُ في هذه الأمَّة في آخرِ الزمان.
سُمِّيَ بذلك لأنه مَمْسُوحُ العينِ اليمنى, وسُمِّيَ بالدجال, لِمَا يأتي به من الدَّجَلِ والكَذِبِ الذي يَفْتِنُ به الناس، ويتبعه بسبَبِه الكثيرُ من الناس، خصوصا اليهود والنساء. مَكْتوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْه كافر, لا يقرؤه إلا المؤمنُ، بِخَبَرِ اللهِ وخَبَرِ رسولِه -صلى الله عليه وسلم-، حتى لو كان أُمِّيا لا يقرأ ولا يكتب.
وخُروجُه مِن مدينة أصفهانَ التي تقعُ وسط إيران، ويَظْهَرُ أَمْرُه في خَلَّةٍ بينَ الشامِ والعراق, ويكونُ هَلاكُهُ على يَدِ نَبِيِّ اللهِ عيسى بنِ مريمَ -عليه السلام-.
لا يَسْلَمُ مِن فتنة الدجالِ إلا مَنْ عَصَمَه اللهُ مِنها, وقام بأسباب السلامة من فِتْنَتِه, والتي منها: الإيمانُ باللهِ ورسولِه, والمحافظة على هذا الدعاء.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم،
وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم.
الحمد لله رب العالمين ,,,,,,,