ان حسن الظن بالله سمة المؤمنين في حياتهم تطمئن به قلوبهم، فإن سوء الظن بالله أو ظن ما لا يليق به سبحانه هو صفة المنافقين والمشركين؛ قال الله تعالى: (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ).
ولو تأمل المتأمل في أحوال كثيرٍ من الناس لظهرت له صور وأحوال من الظن السيئ بالله لا تخطر له على بال.
فمن ظن بالله أنه إذا تضرّع إليه وسأله واستعان به وتوكّل عليه أنه يخيبه ولا يعطيه ما سأله؛ فقد ظن به ظن السوء، فكم من الناس يدعو ويتضرع، وفي نفسه أن لا يستجاب له أقرب من أن يستجيب الله دعاءه، وإن كان لا ينطق بذلك لسانه.
ومن ظنّ بالله أنه إذا ترك شيئاً لأجله طلباً لرضاه لم يعوِّضه الله خيراً فقد ظنّ به ظنّ السوء.
ومن ظنّ به أنه ينال ما عنده من النعيم والرحمة والغفران بمعصيته ومخالفته كما ينال ذلك بطاعته والتقرب إليه فقد ظنّ به خلاف حكمته، وهو من ظن السوء.
وكم من الناس -ممن استهان بمحارم الله ولم يقم لها وزناً- قد أسرف على نفسه بالمعاصي، حين يكلم في ترك ما حرم الله والقيام بأمر الله يتعلق بأحاديث من الرجاء يجعلها حاجزاً له عن التوبة، دافعة له في الانهماك في معصية الله، وما علم المسكين أن هذا من الاغترار والأمن من مكر الله.
ومن ظنّ أن الله يعذّب أولياءه مع إخلاصهم، ويسوّي بينهم وبين أعدائه، أو أنه يترك خلقه سدى بلا أمر ولا نهي، أو أن لا يجمع عبيده بعد موتهم للثواب والعقاب، أو ظنّ أن الله يضيّع عليه عمله الصالح الذي عمله خالصاً لوجهه على وفق أمره، من ظن ذلك كله فقد ظن به ظن السوء.
هذه صور من الظن السيئ فيما يخص العبد نفسه، وهناك ظن سيئ فيما يخص غيره؛ فكم من الناس يظن أن لن ينتصر هذا الدين ولن يتم أمره، أو يظن أنه لا يؤيد الله حزبه ويعليهم ويظفرهم بأعدائه ويظهرهم عليهم، ويظن كذلك أن الله يجعل الغلبة للباطل وأهله على الحق وأهله غلبة ظاهرة دائمة لا تقوم للحق بعده قائمة.
وكل هذا من ظن السوء بالله، وهو خلاف ما يليق بكماله سبحانه وجلاله وصفاته ونعوته، فإن حمده وعزته وحكمته وإلهيته تأبى ذلك، وتأبى أن يذل حزبه وجنده، وأن تكون النصرة المستقرة والظفر الدائم لأعدائه المشركين به، فمن ظن به ذلك فما عرف الله ولا عرف أسماءه وصفاته وكماله، وقد دعا هؤلاء إلى مثل هذا الظن السيئ بالله ما يشاهدونه من المحن والمآسي التي تصيب المسلمين في الشرق والغرب، فما أن تنفرج محنة حتى تقوم أخرى، فيستبطئ هؤلاء الفرج ويغفلون عن أسباب النصر والتمكين إضافة إلى ما بهر عقولهم من قوة العدو ومكره، غافلين عن قوة الله وعظمته ومكره بأعدائه.
ولو تأمّل هؤلاء التاريخ لظهر لهم مثل هذه الابتلاءات التي حلّت بالمسلمين لحكمة أرادها الله، ثم أعقبها الله بالنصر والتمكين لأوليائه حين حصل المقصود من البلاء، فهذه غزوة أحد قد حصل فيها الابتلاء للمؤمنين، وبين ظهرانيهم رسول الله كسرت رباعيته، وشج رأسه، وقتل كوكبة من أصحابه، وفرّ بعضهم، حينها ظنّ المنافقون بالله ظن السوء. وكل هذا لحكمة أرادها الله، فكان من حكمة هذا التقدير والابتلاء أن تميّز صف المؤمنين، وظهر المنافقون وتكلموا بما في نفوسهم، فلله كم من حكمة في هذا الحدث العظيم!! وكم فيها من تحذير وتخويف وإرشاد وتنبيه وتعريف بأسباب الخير والشر!! وكل هذا قد حكاه الله في كتابه، فكان أول الأمر محنة، وآخره منحة.
وقل مثل ذلك فيما حدث في غزوة الأحزاب؛ حيث زلزلت القلوب، وبدا النفاق، وقطعت اليهود المواثيق، وحصل للمؤمنين ما حصل من البلاء، فأعقبهم الله نصراً مبيناً، وفرّق شمل عدوهم، وقذف الرعب في قلوب اليهود.
ومثل ذلك ما حدث للمسلمين حين غزاهم التتار، فحصل من الابتلاء ما الله به عليم، ومثله ما حصل للمسلمين بسبب الحملات الصليبية، وكل ذلك لحكمة أرادها الله، فحصل من بعد ذلك نصر عظيم للمؤمنين قوّض الله به صروح الباطل، وأحيا به قلوب المؤمنين التي غلب عليها حب الدنيا والركون إلى أعدائهم، فكان بعد ذلك النصر والتمكين لأولياء الله.
وما أشبه الليلة بالبارحة!! فما يصيب المسلمين اليوم في مشارق الأرض ومغاربها من تقتيل وتنكيل وتسلط لأعدائهم عليهم إنما هو لحكمة أرادها الله، فنظن به سبحانه أن يكون ذلك إرهاصاً وتقدمة لعودة الأمة إلى دينها، وتبصيراً لها بأعدائها من اليهود والنصارى والملحدين ممن لا يقيمون لدم المسلم وزنًا، وإن تعالت صيحاتهم بالعدل والمساواة وحقوق الإنسان، وتنبيهاً للأمة أيضاً بأن أعداءها لم يتخلوا عن توراتهم وإنجيلهم وعداواتهم وأحقادهم، في الوقت الذي تخلّت فيه الأمة عن العمل بكتابها وتاريخها، هذا ظننا بربنا أن يعلي كلمته، وينصر دينه، وهو سبحانه عند ظن عباده به. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم .......
الحمد لله رب العالمين ,,,,,,,,,,