أعلنت غرفة عمليات ما يسمّى "فتح حلب" أمس، بدء "الجولة" الثانية من معركتها التي تهدف منها لتحقيق "خرق" باتجاه أحياء مدينة حلب ومن ثم فتح "نافذة" باتجاه الأحياء الشرقية من المدينة، والتي يفرض الجيش العربي السوري على مسلحيها حصاراً خانقاً، بعد أن فشلت "الجولة الأولى" من تحقيق أي خرق استراتيجي تستطيع تلك الميليشيات من خلاله، تحقيق أي تقدّم لمقاتليها باتجاه مناطق سيطرت حامية حلب من قوات الجيش.
تمتاز معارك حلب هذه المرة بـ"المرونة" التكتيكية التي أبدتها وحدات الجيش وحلفائه، حيث ركّزت في صد هجمات الميليشيات الإرهابية المتتابعة على أن تكون الجبهات دائماً في سياق "الكر والفر"، لإرهاق الجماعات المهاجمة قدر المستطاع، بوقت كانت الوحدات المدافعة تتمكّن من التبديل فيما ببينها وتنقل سياقات المعارك "بكيفها" من نقطة لأخرى، وبدل أن تشكل الهجومات ضغوطاً على الوحدات المدافعة، تمكّنت "الحامية" من نقل الهجوم "المُريح" الذي دائماً ما تنتهجه المجموعات الإرهابية إلى "هجوم مضغوط" هدفة استنزاف القوات المهاجمة التي استخدمت كل قوّتها حتى اللحظة لتحقيق أي خرق دون فائدة تذكر، بينما اعتمدت وحدات الجيش التي كان من المفروض أن تكون في موقع "المضغوط"، إلى مجموعات "ليّنة" سهلت التحرك من نقطة لأخرى لصد عمليات الإشغال التي حاولت مجموعات الاقتحام الإرهابية افتعالها على عدد من الجبهات، ومن ثم تركيز العمل العسكري "الحقيقي" على خطوط القتال الرئيسية في محاور "ضاحية الأسد ـ الأكاديمية العسكرية، منيان ـ حلب الجديدة" غرب حلب. لتنجح وحدات الجيش بعد أسبوع تقريباً من بدء "ملحمة حلب الكبرى" بجزئها الثاني، بامتصاص الجولة الثانية التي كانت وبحسب المصادر العسكري أكثر عنفاً من المرحلة الأولى.
الجيش السوري وحلفاؤه، أحبطوا الهجوم بشكل شبه رسمي مع توقّع ارتفاع الوتيرة خلال يوم الجمعة كآخر فرصة لمقاتلي "غزوة أبو عمر سراقب" لفك ما أسموه الحصار عن مسلحي أحياء حلب الشرقية. أي قبل نهاية "الهدنة الإنسانية" التي أعلنت عنها وزارتي الدفاع الروسية والسورية مساء الأربعاء، والتي تنتهي الساعة السابعة من مساء اليوم الجمعة، حيث من المتوقع أن يبدأ سلاح الجو الروسي بعدها تدخله رسمياً وبقوّة تتجاوز مرحلة "التدخل النوعي" فقط. فيما تتحضر وحدات المهام الخاصة في الجيش السوري وحلفائه لبدء عملية عسكرية واسعة و"معاكسة" تستهدف مناطق انطلاق الميليشيات الإرهابية في هجومها الأخير..
وبحسب الإعلام الحربي، فقد دارت الاشتباكات على مسافة قريبة استخدمت فيها مختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والقذائف الصاروخية، وسط قصف مدفعي متبادل، حيث استمات المسلحين لإحراز تقدم على محاور "ضاحية الأسد ـ الأكاديمية العسكرية، منيان ـ حلب الجديدة"، بينما تصدى الجيش السوري وحلفائه ببسالة كبيرة وكبدوا المهاجمين ما لا يقل عن 17 قتيلاً وجرح العشرات وتدمير عدد كبير من الآليات خلال الاشتباكات. منها "آليتي بي إم بي مفخختين عند محور مشروع 3000 شقة غربي حلب، وآليتين مفخختين في حلب الجديدة، إضافةً لآليات مجهزة برشاشات ثقيلة وآليات أخرى تحمل مسلحين. كما تم إسقاط طائرة استطلاع "مذخّرة"، فيما قالت وسائل إعلام معارضة أن 37 إرهابياً قتل في معارك الأمس، وأنه فقد الاتصال مع 29 آخرين بينهم قيادي كبير يدعى "أبو ليلى التركي"، و هو قيادي كبير في أجناد القوقاز، و كذلك قيادي لبناني ملقب بـ"التركس" يتبع لجبهة النصرة، و من القتلى أيضاً، القيادي العسكري لجبهة النصرة "أبو عمر حزانو، وعبد الرحمن شلالا"، فيما أعلنت وسائل إعلامهم تراجع "الانغماسيين" عن نقاط الاشتباك بسبب غزارة النيران التي وجهها الجيش وحلفائه إلى أماكن تقدّمهم، كما أعلنت انخفاض حدّة الاشتباك بشكل كبير بكل محاور المعركة غرب حلب. دون أن تذكر أي تقدّم للميليشيات الإرهابية.
إذاً وبعد مرحلتين فاشلتين نفذتهما مجموعات أجنبية بغالبيتها كان رأس حربتها "الشيشان والتركستان والإيغور والقوقاز"، إضافةً إلى نخبة "أحرار الشام وفتح الشام (جبهة النصرة سابقاً) وجيش الفتح، إضافةً إلى دعم "انغماسي مفتوح" من قبل تنظيم جبهة النصرة"، يرى متابعون أن "غرفة عمليات حلب" التابعة للميليشيات المسلحة كشفت كل أوراقها أمام الجيش السوري، ووضعت كامل قوّتها في المعركة التي من المفترض أن تفتح الطريق إلى الأحياء الشرقية، قبل أن يجبرهم الجيش السوري على الخروج من هذه الأحياء "مذلولين" كسابقيهم، وهذا الإحباط من مسلحي الأحياء الشرقية، قد يبرر المعارك التي دارت ليل الأربعاء - الخميس بين "حركة نور الدين الزنكي" المتحصنة في تلك المناطق من جهة، و"تجمّع فاستقم كما أمرت" والتي قتل على إثرها أكثر من 50 مقاتل من الطرفين، إضافةً إلى تدمير متبادل للمقرات ومصادرة "أملاك"، بينما أعلنت "الجبهة الشامية" فوراً فشلها في التوصل لحل بين الطرفين المتقاتلين.
حتى نهاية اليوم الجمعة، من غير المتوقع أن تتغير خريطة السيطرة غرب حلب في حال عادت التنظيمات الإرهابية للهجوم على مواقع الجيش و"تجربة حظّها" في إحداث أي خرق، لكن من المؤكد أن ليل الجمعة السبت لن يشبه الليالي السابقة، فالميليشيات المنهكة بعد أسبوع من الاستنزاف، لن تكون قادرة على صد هجوم موسّع يشنّه الجيش وحلفائه بقوات "نشطة" لم تشارك بصد الهجمات بكامل قوتها، وإنما اكتفت أن تكون في الخطوط الخلفية للجيش للتدخل في حال اضطر الأمر، إلا أنها ومنذ بداية الهجوم الجمعة الفائتة، حافظت على قوّتها ونشاطها.. لذا من المتوقع أن يكون تدخلها له تأثير عكسي على "غزوة أبو عمر سراقب"، وتحويلها إلى "مفرمة" حقيقية بالفصائل الإرهابية التي ستتحول بين لحظة وأخرى، من مهاجمة لـ"مدافعة" .. والساعات القليلة القادمة ستكشف المزيد.